حضارة الجنس الأسود١
أعرف أن العلماء المتخصصين لعلم الأجناس البشرية يقولون بتشابه البيض والصفر والسمر والسود في أصل الخلقة، ويؤكدون أن الاختلافات التي بينهم عارضة غير متأصلة في تكوينها، ومنهم من يرفض القول بتفوق بعضها في خدمة الإنسانية، ولا يصعب عليهم أن يستدلوا على اشتراكها في هذه الخدمة بالأمثلة من تاريخ الصين والهند والفارسيين والعرب والأوربيين والأمريكيين.
وأنا شاب سوداني فخور بجنسي، لا أقبل عوضًا منه لونًا من الألوان، ولكني أحب أن أفخر بسبب ولا يكفيني مجرد النخوة القومية، فهل لكم أن تدلوني على سبب؟ وهل تعرفون تاريخًا صحيحًا يدل على اشتراك الجنس الأسود في خدمة الحضارة الإنسانية؟
نعم، وإنه لسبب صحيح وسبب وجيه، وسبب يضارع غيره من أسباب المفاخر والذكريات.
إن الجنس الأسود قد عرف الزراعة قبل أكثر من خمسة آلاف سنة، يوم كان الكثيرون من أبناء الأجناس الأخرى يجهلونها وهم يعيشون في أخصب البقاع، ويعولون في معيشتهم على الصيد ورعي الماشية.
والثابت اليوم من تاريخ الجنس الأسود في صميم القارة الأفريقية، أنه زرع الأرض واعتمد على غلاتها وثمراتها قبل أن يعرف الماشية، وأنه قد ظل بعد انتقالها إلى مواطنه في الجانب الغربي الجنوبي من أفريقيا يعتمد على خبرته بالزراعة ولا يأكل من ألبان الماشية، وإن أكل من لحومها.
وقد وجدت في تلك المواطن أصناف من النبات لم توجد في غيرها، فتعلم الناس زرعها من السود الأفريقيين بعد انتشارهم على بلاد السواحل الغربية والشرقية.
وهذه الخبرة بالزراعة هي التي جعلت للسود تلك المكانة الملحوظة في البرازيل، فلم يحدث فيها ما حدث في الأقطار المجاورة من التعصب والنفور بين الأوربيين المهاجرين وقبائل الهنود الحمر في أمريكا الجنوبية، فقد كان السود أساتذة للمهاجرين إلى البرازيل في فنون الزراعة باعتراف المؤرخين البرتغاليين، وكان لهذا الفضل حقه الملحوظ في شعور البرازيليين البيض والسود بالمساواة والتقارب في المنزلة الاجتماعية.
فإذا بحث الأخ السوداني عن السبب في مقام المفاخر الإنسانية، فهذا السبب قريب غير بعيد، وقد تضاف إليه أسباب وأسباب كلما تقدمت مباحث العلماء في تلك الجوانب المجهولة من القارة الأولى، فربما كان أول هذه الأسباب أن النوع البشري قد تعلم «الإنسانية» لأول مرة هناك.