الكراسة الرمادية١
من الأعداء من نختارهم كما نختار الأصدقاء والأصحاب، وإذا كان الأعداء قسمة في هذه الحياة لا مفر منها كما يقول أبو العلاء:
فمن الغنيمة أن نختار العدو الأحمق الجاهل المتهم في قوله وعمله، بل من الغنيمة أن نشتريه بالمال إن كان الشراء سبيلًا للتفضيل والانتقاء، وأهون الأعداء خطبًا أحقهم بالمغالاة في ثمنه وسعره على هذا الاعتبار.
أقول هذا لصاحب الخطاب الذي جاءني من طريق «أخبار اليوم»، يعتب فيه كاتبه على الصحيفة؛ لأنها نشرت الكراسة الرمادية، وهي هراء لا يستحق أن نلتفت إليه.
نعم، يا صاحبي، إنها هراء لا يستحق أن نلتفت إليه، ولكننا — على هذا — أولى بنشره من دعاة الشيوعية؛ لأنه يقيد مذهبهم وينم على جهلهم، ولا يضير الإسلام أو يزعزع عقيدة مسلم في دينه، إلا أن يكون مسلمًا بغير عقيدة وبغير دين، يستوي بقاؤه وخروجه من زمرة المسلمين.
نحن أولى بإذاعة الجهالة الماركسية من أبنائها، فنحن نعلم أنها تكشف جهالتهم وهم لا يعلمون، وأي وثيقة من وثائق الأعداء أولى بالإذاعة من الوثيقة التي تُعلن جهلهم حتى بأسماء القبائل، وحتى بآيات القرآن، وحتى بعناوين الدول، وهم يقولون إنهم يعتمدون على التاريخ ولا ينظرون إلى شيء غير تفسير التاريخ!
إننا ننشر عتاب المسلم الغيور صاحب الخطاب؛ لنسأل الأخبار مزيدًا لا ينقطع من هذه الدعاية التي يخدمنا بها الأعداء، وقد تغنينا عن خدمة الأصدقاء.
والعدو الجاهل لا يقل في فضله وجدواه عن الصديق العاقل، ويزيد على أنه لا يكلفنا شرًّا على فضله المعكوس وجدواه التي لا تجديه!