قبر الإسكندر مرة أخرى١
يعقب الأستاذ عمر عبد العزيز عمر على يومياتنا على قبر الإسكندر بخطاب مطول، يشتمل على بحث قيم معزز بالأسانيد التاريخية، وينتهي منه إلى تأييد رأي الدكتور لطفي عبد الوهاب المتخصص لتاريخ الحضارة اليونانية الرومانية، وفحواه أن ضريح الإسكندر كان قريبًا من كنيسة في مكان الكنيسة المرقسية الحالية في منطقة شارع النبي دانيال، ثم يضيف الأستاذ عمر عبد العزيز إلى ذلك أنه يعتقد «أن مكان الضريح ينحصر بين ثلاثة شوارع رئيسية؛ هي: شوارع شريف وسيزوستريس والنبي دانيال، وأن كل تنقيب يتعلق بهذا الموضوع يعتبر كسبًا علميًّا ولو أدى إلى نتائج سلبية؛ لأنه يقلل احتمالات الخطأ ويحصر دائرة البحث … ولا بد في يوم من الأيام أن يسفر عن كشف مكان الضريح.»
ورأينا أن المؤرخين المختصين مطالبون بمتابعة البحث في كل موضوع يتعلق بتاريخ الإسكندرية، وأن تقديرات الأستاذين تساعد على حصر الموقع، ولا تناقض المراجع المعتمدة فيما يثبت من تاريخ الضريح، ولكن البحث كله موقوف على ضبط حدود المدينة الملكية القديمة، وهي على التحقيق متصلة بالشاطئ محصنة من جانب البر، أو غير مطروقة ولا ممهدة السبيل لمن يغير عليها من هذا الجانب، ولا بد أن تكون المقابر في القسم الداخل إلى ناحية الغرب على الأرجح، قياسًا على الأضرحة الفرعونية القديمة، لما هو معلوم من التزام البطالمة لشعائر الهياكل وتقاليد الأسر الملكية السابقة … فإذا انحصرت القصور والمقابر في الحي الثاني، أو حي «الباء» كما يقول فيلون، فالأماكن التي يقدرها الأستاذان أقرب من غيرها إلى الغرض؛ لأنها تواجه الميناء من ناحية البحر وتقابله من ناحية الغرب إلى مسافة غير بعيدة من موقع القصور، ولكننا على هذا لا نخال أن ضريح الإسكندر بقيت منه بقية بعد تخريب جميع المعاهد الوثنية التي تشمله وتحيط به ولم تبق منها بقية قائمة، وليس في مباني النبي دانيال مشابهة للأبنية القديمة، ولا هي من الفخامة على الصفة التي يُوصف بها ضريح الإسكندر، وليس يخطر على البال أنها تجديد للضريح بعد هدمه؛ لأن هذا التجديد يحدث في حالة واحدة؛ وهي شيوع الاعتقاد بقداسة قبر الإسكندر المقدوني بعد هدمه، ثم تسميته بعد ذلك باسم النبي دانيال، وليس شيء من ذلك بمذكور في تاريخ يُعول عليه، ولا هو من التقديرات التي يرجحها الدليل.
وللإسكندر أسوة بصاحب الهرم الأكبر؛ لا الصرح المشيد حمى جثمان خوفو، ولا المدينة الواسعة حمت جثة بانيها، فلا أمان لأثر من الآثار من سخرية الأقدار وتقلب الليل والنهار.