هل كان قدماء المصريين عربًا؟١
سألكم سائل عما إذا كانت القومية العربية سابقة لظهور الإسلام، وأن قدماء المصريين كانوا عربًا كما ذهب بعض الأساتذة الثقات، وقد أجبتم سيادتكم على النصف الأول من السؤال، كما ورد في إذاعة «كفاح ونجاح»، ولم نحظ بردكم على النصف الثاني وهو علاقة قدماء المصريين والعروبة. فهلا وضحتم لنا إذن هذا الأمر في يومياتكم، ولكم خالص الشكر وأطيب التمنيات.
- أولًا: أن حضارة عصر نقادة الأول كانت سامية أفريقية، وأن المدن في ذلك العصر لم تكن تستقر على شاطئ مجرى النيل؛ لأن النهر لم يتخذ إلى ذلك العصر مجرى ثابتًا يعود إليه فيضانًا بعد فيضان، بل كانت الفيضانات تغمر المكان في سنة وتنحسر عنه في سنة أخرى، فيضطر السكان إلى الابتعاد عن الشاطئ إلى جانب الصحراء، مما هو أقرب وأوفق لمعيشة البداوة قبل انتظام الزراعة السنوية، ويظهر من مقارنة الأدوات الحجرية والمعدنية في هذا العصر أن التشابه قريب بينها وبين أمثالها من الأدوات عند الساميين الذين تتابعوا على شرق القارة الأفريقية، وأن العلاقة ضعيفة بينهم وبين منافذ البحر الأبيض وسينا.
- ثانيًا: أن حضارة عصر نقادة الثاني تشابه حضارات القارة الآسيوية الغربية، ويرجح ذلك كثرة الفضة بين مخلفات هذه الحضارة، وهي معدن لا يكثر بوادي النيل.
- ثالثًا: أن حضارة الدلتا القديمة لا تزال فرضًا لا يقوم عليه دليل، وأن تشعب مجاري الفيضان إلى شمال الوادي في عصور ما قبل التاريخ كان حائلًا طبيعيًّا دون قيام المدن وانتظام مواسم الزراعة.
فالآثار القديمة ترجح امتزاج السلالة السامية والأفريقية من طريق وادي الحمامات والبحر الأحمر، ثم من طريق الشمال والبحر الأحمر أيضًا؛ لأن وفود الطارئين من ناحية البحر الأبيض المتوسط لم يقم عليه دليل قبل عصر نقادة الثاني، ويستبعد القائمون على الحفريات وصول الطارئين من هذه الناحية؛ لما كانت عليه حالة الإقليم البحرية عند الدلتا من صعوبة الاستقرار والانتفاع بموارد الري والزراعة.
أما بعد العصور التاريخية، فالمفهوم من حروف اللغة الغالبة على كلام المتأخرين أنها لا تشتمل على حروف كثيرة تميزت بها اللغات السامية الراقية؛ إما لأنها سقطت في الاستعمال الدارج، أو لأنها ترجع إلى لغات غير سامية.
ويقول الدكتور أحمد بدوي، العالم الثقة في الدراسات المصرية القديمة، أن قواعد الاشتقاق وتركيب الفعل تتشابه في اللغتين العربية والمصرية القديمة، وهي قرينة تدل على اتساع نطاق اللغات السامية في أصولها بين وادي النيل وآسيا الغربية.
ومن المستبعد عقلًا على أية حال أن تتفتح الطرق بين هذه الأقاليم من أقدم الأزمنة، ثم يمتنع الاتصال بينها ورودًا وصدورًا قبل عصور التاريخ، وبخاصة حين نذكر أن أقاليم الدلتا التي تلي شواطئ البحر الأبيض لم تكن بالحالة التي تيسر الورود والصدور بين وادي النيل وما وراء تلك الشواطئ من الأقطار الشمالية.
فالشواهد الأثرية والعقلية ترجح اتصال الطرق بين الجوانب الأفريقية الشرقية وجوانب آسيا الغربية قبل اتصالها بالجوانب الأوربية. وأما ما حدث بعد التاريخ، فله مثال مما يحدث في العصور الحديثة من علاقات وادي النيل بأقطار العالم المعمور.