نبوءات كارل ماركس١
ولكني أكتب لك هذا الخطاب لأعرف رأيك في بعض المسائل، ومنها ما قاله أحدهم في المدرسة من أن العقاد قال في الأربعينيات إن مذهب كارل ماركس سينهدم في ظرف عشر سنوات، فهل صحيح ما رواه صاحبنا هذا؟ وما هو رأيك الآن في هذه المسألة إن صح ما رواه؟
- (١)
إلغاء ملكية الأرض ومرافق الثروة الخاصة.
- (٢)
إلغاء القيمة الفائضة فيما يزيد على الأجور.
- (٣)
إلغاء الفوارق بين الجماعات.
هذه نبوءات كارل ماركس بفصها ونصها وقضها وقضيضها.
فإذا كان تطبيق الدعوة الماركسية قد ألغى الملكية كبيرها وصغيرها، وأبطل الفوارق بين الأوراق والكفايات، ومنع استخدام القيمة الفائضة في غير الأجور؛ فقد كذبت نبوءتنا وعلينا وعلى جميع الكاذبين لعنة الله!
وإن لم يكن في العالم بلد تقررت فيه نبوءات كارل ماركس بنصها وفصها وقضها وقضيضها؛ فقد صحت نبوءتنا والحمد الله، ولمن شاء أن يستأثر بما شاء من لعنة الله.
ويحق للطالب الأديب بعد قراءة هذه السطور أن يعود إلى صاحبه ليسأله عن نبوءات معلمه الكبير، جزاه الله أحسن ما يستحق من جزاء.
وواحدة من نبوءاته المتكررة المتقررة، أن دعوته تتحقق أولًا في البلاد الصناعية المتقدمة، التي توطدت فيها أركان الصناعة الكبرى.
وواحدة أخرى من نبوءاته المتكررة المتقررة، أن قيام الصناعة الكبرى يحصر الثروة بين أيدي أفراد معدودين على الأصابع، ويجرد العامل والزارع من كل شيء غير السلاسل والأغلال.
وواحدة ثالثة من نبوءاته المتكررة المتقررة، أن البلاد الزراعية لا تصلح لقيام الثورات الاجتماعية.
كذلك قال جزاه الله أحسن ما يستحق من جزاء.
وكل ما يحدث في العالم يدل على ابتعاد هذه النبوءات عن الواقع، ولا يدل على اقترابها — كلها أو بعضها — إلى التحقيق.
فالبلاد الزراعية حدثت فيها الثورات الاجتماعية التي لم تحدث في بلاد الصناعة الكبرى.
والصناعة الكبرى تجرد أصحاب الملايين من قناطيرهم المقنطرة، كما تجردهم من الصولة والسيطرة، وتخضعهم لذوي الخبرة والمقدرة، وذوي الأيدي العاملة والرءوس المدبرة!
وهذه الصناعة الكبرى بعينها تحطم سلاسل الاحتكار، وتتوزع بالأسهم والأرباح بين الكبار والصغار، وبين صعاليك الفاقة وملوك الجمع والادخار!
وأيًّا كان ما قال وقلنا، فحقنا في الأنباء وحقه سواء، والسماح لنا بأخطائنا كالسماح له بتلك الأخطاء؛ فلا المعلم كارل يحتكر النبوءة والخطأ، ولا نحن — بحمد الله — نحتكر العصمة في الأقوال والآراء.
وللطالب الأديب، أن يسأل بعد ذلك أو يجيب.
الغد
«حاشية»: هذه السنة الجديدة — على ما نرى — قد فتحت أبواب الغد على جميع المصاريع؛ فلا نكاد نفتح بريد اليوميات على غير سؤال عن الغد، واستطلاع لما يرجى له وما نرجوه.
فإذا كنا قد استطعنا أن نخرج من عبر الماضي بلمحة إلى المستقبل، فهذه هي اللمحة التي نلتمس بها الطريق تحت غمام الحوادث وبين ظلمات المجهول، نحن نعود إلى الماضي كلما انتهينا إلى طبقة تتحكم في سائر الطبقات، أو ونحن نتقدم إلى المستقبل كلما اتسع المجال للطبقات جميعًا.
وتلك هي عبرة الحرب العالمية الأولى كما نظمناها في تشييع غليوم.
وتلك هي عبرة الماضي والحاضر، وعبرة الحرب والثورة، وعبرة البدء والمصير، إن كان للتاريخ لسان مبين.
وإلا فهذا ما فهمناه من إشارة بعد إشارة، ومن صيحة بعد صيحة، ومن لسان يقول ويعيد ولا نفهمه إلا بترجمان.