الشكوكية والوجودية١
… نسمع التساؤل كثيرًا عن الوجودية واللاأدرية، فهل نطمع أن نجد لدى سيادتكم توضيحًا لمذهب اللاأدرية، الذي يتزعمه الفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل؟ وهل اللاأدريون يؤمنون بالله؟ وما هو وجه الاختلاف بين اللاأدرية والوجودية؟
إن اللاأدرية — أو الشكوكية — مذهب يقول بأن المعرفة الإنسانية قاصرة عن إدراك الحقائق على وجه اليقين، ولا سيما حقائق الوجود الأبدية.
وبرتراند رسل يؤمن بإمكان المعرفة العلمية على أنها اصطلاح مفهوم كما تفهم المصطلحات المتفق عليها، ولكن اليقين من حقائق الأشياء في ذواتها غير مستطاع، ومذهبه في المسألة الإلهية أن إقامة البرهان عليها بالظواهر الطبيعية ليست من الحجج الملزمة، ولا يزال القول فيها محلًّا للخلاف.
ولا علاقة بين اللاأدرية والوجودية؛ لأن بعض الفلاسفة الوجوديين مؤمنون مصدقون بالدين، ومنهم من يتبع الدين على مذهب معروف ينتمي إليه، وبعض هؤلاء الفلاسفة يعتبرون أن الوجود الإلهي هو أصل الوجود كله، ومنه وجود الإنسان. وليس القول بالوجودية رأيًا في المسألة الإلهية أو مسألة خلق الكون والحياة، ولكنه رأي في حقيقة وجود الفرد بالنسبة للنوع الإنساني كله. وخلاصة هذا الرأي أن الفرد هو الموجود حقًّا بخلاف النوع الإنساني الذي لا وجود له غير وجود أفراده المتفرقين؛ ولهذا يقولون بحرية الإنسان وينكرون أن تفنى هذه الحرية في غمار الجماعات. وقد يكون الوجودي حازمًا بالمعرفة وبالواجب وبالغاية التي ينوط بها حياته، خلافًا لجماعة الشكوكيين الذين لا يجزمون بحقيقة شيء على الإطلاق، وإن قالوا بجواز المعرفة الحسية في حدود العادات المصطلح عليها، ثم يقفون عند هذه الحدود ولا يتقدمون إلى الإثبات أو الإنكار.