وجودية أو عدمية١
كابوس يستحق نصيبه من السخرية وافيًا كما تلقاه على يدي الفيلسوف صاحب الكوابيس، أو صاحب الألاعيب: براتراند رسل.
ذلك هو كابوس الوجودية التي يلغط بها فلاسفة المقاهي في الحي اللاتيني، وهم الآن يتكلمون بلغة «الإنذارات النهائية» في مناقشاتهم، أو مناوراتهم مع الخبراء الثقافيين من زمرة الشيوعيين.
ما هذا اللغط بالوجود والوجودية؟ ما لهؤلاء القوم يبدءون ويعيدون في حديث وجودهم؟ هل يريدون إثبات الوجود المشكوك فيه؟ هل هم موجودون أو معدومون يحلمون في ساحة العدم بالوجود؟
كابوس وأي كابوس!
وقد نظم الفيلسوف لهذا الكابوس نشيدًا بالفرنسية قال فيه:
وهكذا طمح الفيلسوف طموحه مرة واحدة، فهو فيلسوف وروائي وشاعر، وهو موسيقي أيضًا؛ لأن قصيدته هذه قابلة للإيقاع والغناء.
والكابوس في هذه القصة راكب على أنفاس «وجودي» يريد أن يثبت مذهبه.
ومذهبه أن الألم والخجل يخلقان الشعور في الضمير، ومتى خُلق الشعور في الضمير فالضمير موجود وصاحبه غير معدوم.
ومن تجارب الكابوس أن يُبتلى هذا الوجودي بالتعذيب في معسكرات النازية، وأن يجيعه في روسيا، وأن يدخله في الشيوعية الصينية؛ ليتهم فتاة بريئة مخلصة بتهمة الخيانة والجاسوسية، لعله يشعر بالخجل وتبكيت الضمير فيثبت لنفسه أنه موجود.
ثم يعود إلى باريس فتنعقد المجامع ترحيبًا بالمجاهد العائد من ميادينه، ويُدعى إلى مجمع من هذه المجامع، فيقبل وهو ينظر إلى مكان ضيف الشرف، فإذا فيه غراب! وإذا الغراب ينعب له بصوت يسمعه المؤتمر كله:
وينهض فزعًا على صدى هذا النعيب فيسمع نفسه يصيح: ها أنت أخيرًا تتعذب، ها أنت أخيرًا موجود.
ولكنه حلم، بل كابوس، لا يذكره مدى حياته، ولا يجري ذكر الفلسفة له على لسان.