الرأي والنظر في حق الحكمة الإلهية١
… وبعد فقد طالعتنا كاتبة بمقال تنقد به كلمة صدرت منكم في الحكم على المرأة، وهذه الكلمة هي: إن رأيي رأي الطبيعة ورأي الخالق إلخ إلخ. وقالت: إنه لا يصح أن ينسب الرأي إلى الخالق … ولكننا نعتقد أن ما قلتموه له تعليله المقنع عندكم … ونطمع في تفسير هذا التعليل.
إن السيدة التي يسألنا الطالب النجيب عن تعليقها تستند على قول رجل مبشر — أعجمي — لتتخذ منه حجة في اللغة والدين، وكلاهما بمنزلة واحدة من العلم بما يكتبان فيه.
والرأي هو مصدر «رأى» سواء بمعنى البصر وبمعنى الحكم والتقدير، وقد جاء في القرآن الكريم أن الله تعالى «يرى» بكل معنى من معاني هذه الكلمة:
يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ.
أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللهَ يَرَىٰ.
قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ.
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا.
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.
والمعلوم لكل قارئ يفهم معنى القرآن الكريم أن كل كلمة تُنسب إلى الخالق لها تفسير غير تفسيرها بالنسبة إلى المخلوق، وكذلك نفهم الوجه والعين واليد، ونفهم المكر حين يُنسب إلى الله في قوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ۖ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ أو قوله تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.
فليس بالممتنع إذن أن يُنسب الرأي إلى الله بمعنى البصر أو بمعنى الحكم والتقدير، أو بكل معنى من المعاني نفهمه على الوجه الذي يناسب مقام الخالق، وإن ورد في عبارة واحدة منسوبًا إلى الله وإلى الرسل وإلى سائر خلقه من الناس، كما جاء في «رأى» الأعمال منسوبة إلى الله وإلى الرسول وإلى المؤمنين، وليسوا في الرأي — على أي معنى من المعاني — بسواء.
ولولا أن السيدة التي يشير إليها الطالب النجيب مسلطة على نفسها، لما انساقت مرة بعد مرة إلى هذه اللجاجة التي علم من يقرءونها حقيقة ما تنطوي عليه، ولم يبق أحد — ولا إحدى! — يفهم أنها مناقشة برئية تتحرى مواقع الصواب والموافقة كما تتحرى مواقع الخطأ والانتقاد، وأنها لتسيء إلى نفسها وإلى المرأة فيما تزعمه من الدفاع عنها، فقد كادت — وهي تثور على الحجاب — أن تقنع الناس بأنها في حاجة إلى برقع لعقلها يستر ما لا يحسن كشفه من الأخطاء وعيوب التفكير، وقد كانت المشكلة كلها من قبل في براقع الوجوه!