كوابيس الكبراء١
كابوس أيزنهاور
ليست الكوابيس كلها مسلطة على النفسانيين والفلاسفة المفكرين، ولكنها تتسلط كذلك على ذوي السلطان، فلا يسلم منها ستالين ولا أيزنهاور، ولا يفلت منها أصحاب الحلول وأصحاب المقترحات والمشروعات في سبيل السلام.
ويحلم الرئيس أيزنهاور فيرى في الحلم كابوس الوفاق الثنائي بين مكارثي وملنكوف.
مكارثي «يكتسح» ميدان الانتخاب بعد سنة فيرتقي إلى كرسي الرئاسة وينتقل بالسياسة الغربية من محاربته الشيوعية في روسيا إلى محاربتها في قلب الديار الأمريكية.
ولا تمضي غير فترة وجيزة حتى يتم الوفاق بين رئيس البيت البيض ورئيس الكرملين، وحتى تنقسم الكرة الأرضية شطرين بين الرئيسين.
فآسيا وأوربة الشرقية من نصيب الكرملين وملنكوف.
وأوربة الغربية وأفريقيا والقارة الجديدة من نصيب البيت الأبيض ومكارثي.
ولا يسمح لأحد في الشرق أن يشتم رأس المال أو ينكر انتساب كولمبس كله بآبائه وأجداده إلى عنصر الصقالبة.
ولا يسمح لأحد في الغرب أن يشتم الصعاليك أو ينكر انتساب بطرس الأكبر إلى الأمريكيين الأصلاء.
ويكتفى بحزب واحد في الديار الأمريكية هو الحزب الجمهوري دون غيره. ويقال في تسويغ هذا التوحيد إنه الدافع الوحيد لخطر الحرب العتيد، المقبل من قريب أو بعيد.
وتبقى مشكلة اليابان.
وليست اليابان مشكلة إلا إذا بقيت دولة قوية مسلحة، فلتجرد إذن من السلاح، ولتقسم إذن قسمين، ولتكن جزيرة «هكايدو» من حصة الروس، ولتكن بقية الجزر من حصة الأمريكيين.
ويصبح من حق كل رئيس أن يُسمي خَلَفَه ويختاره على غراره؛ فيُسمي مكارثي رئيس الجمهورية من بعده، ويُسمي ملنكوف أولياء عهود بعد ولي عهده، وتتعاهد الأمم ثلاثًا وأربعين سنة إلى تتمة القرن العشرين، أن تصون الميثاق وتنكس الأعناق لبطلي الوفاق.
ولا يخلو الكابوس من كابوس آخر في باطنه، كابوس داخل كابوس، يخيف الخائفين فيعتصمون من الكوابيس الصغار بالكابوس الكبير.
وواحد من هذه الكوابيس الصغار كابوس لئيم، يخيل إلى البيض أن السود قد ثاروا بهم يذبحونهم في القارة السوداء، فلا يبقى أبيض ولا أسود في القارات الخمس إلا وهو يلمس رأسه بين كتفيه.
نعوذ بالله
نعوذ بالله في الختام، نعوذ به فنحمده على السلامة والسلام.
وخير ما نشيع به الكوابيس كلمة تكشف سرها وتوضح سحرها، وإن كانت لا تدفع شرها!
والسحرة الأقدمون والسحرة المحدثون متفقون فيما تراضى به الشياطين.
والسحرة الأقدمون هم المشعوذون.
والسحرة المحدثون هم «الكهنة» النفسانيون.
وكلهم يقولون: إنك تروض الكابوس إذا عرفت اسمه، ووعيت طلسمه، وأحسنت نداءه، ولم تجهل دعواه ودعاءه.
وقد يعرف القارئ اسم الكابوس فيضحك، وقد يكون الضحك من اسم الكابوس أول علامات الشفاء وآخر علامات الداء.
إنهم يسمونه في لغات الغرب بالساحر الراكب أو العفريت الذي يدوس، ويجعلونه مرادفًا لكلمة التفريخ أو واللقاح، ويحسبونه من العفاريت التي تغرم بالنساء ولا تتعرض للرجال إلا من قبيل الخطأ أو خبط عشواء.
وكانوا يسمونه فرس الليل، ويشيرون به إلى الركوب والجماح، ويضمنونه من المعاني ما يُباح وما لا يُباح.
ومن فخر اللغة العربية أن اسم الكابوس فيها أصح الأسماء، وأنه لا يتجاوز الواقع إلى هراء كذلك الهراء.
وقد يضحك القارئ من تفسيرات الكابوس كما يضحك من أسمائه، ومن علاقاته بضحاياه ونسائه.
فالحق أن القوم في الغرب قد أمعنوا في تفسيره، وتوسعوا في أوصافه وتعليل أسبابه وأصنافه، وبلغ في عملهم به أنهم استطاعوا توليد الكابوس بالوسائل الصناعية، وأمكنهم أن يسلطوا تيار الكهرباء على مراكز الدماغ فيخلقوا فيها الكوابيس على أشكال وألوان، والعينان مفتوحتان!
والحق أنهم سبقوا الفيلسوف صاحب الكوابيس إلى علاج أبطال القصص والروايات، ومنهم هملت الذي كان يحسب الموت كالنوم، ويخاف من الموت أن تتخلله الأحلام المزعجات.
لكنهم هزلوا من فرط الجد حتى حسبوا من أسبابه أنه نذير بالخطر المقبل، وهاتف من هواتف الغيب.
وهنا أيضًا يحق للشرقي أن يفخر على القوم؛ لأنه يعلم ما يجهلونه من أسرار النوم!
فليس مع الكابوس «رؤيا صادقة»، ولا نذير صحيح من أسرار النوم في الحكمة الشرقية.
ولا يعلم الغيب إلا الله.
وأما الكوابيس فإنها من فعل الشياطين.
ونعود إلى الفيلسوف فنقول إنه لم ينس ذلك في أقاصيصه عن شيطان الضواحي.
ولكننا ننتهي الآن من كوابيسه فلا نبتدئ بشياطينه.
ونعوذ بالله.
وقد أنصف الفيلسوف الرياضي فلم يرحم الفلاسفة الرياضيين، ولم يتركهم في أمان من عهد أفلاطون إلى عهد أدنجتون.
وينام الفيلسوف الرياضي، فيحلم بالأرقام تُناديه وتُناجيه؛ الواحد يصيح فخورًا: أنا الأول، وأنا الأصل الأصيل.
والاثنان تقاطعه فتصيح شامخة: لا زيادة ولا نماء إلا باثنين اثنين.
والثلاثة تقول: أنا عدد الربات الثلاث؛ ربات الأقدار وربات النعمة والبركة والكمال.
والأربعة تقول: أنا العدد الذي تتقابل به الأمثال وتتعادل فيه الأعدال.
والخمسة تقول: أنا اليد التي تعد وتحسب. والستة تقول إنها عدد التمام، والسبعة تقول إنها العدد المقدس في الأرض والسماء.
ثم يحاول الكابوس أن يسكتها عند العشرة، فتهجم الأحد عشر قائلة: أنا عدد الرسل الأمناء بعد يهوذا الخائن. وتهجم الاثنا عشر قائلة إنها أم الحساب عند أم الرياضة في أرض بابل. وتهجم الثلاثة عشر قائلة: حذار أن تغفلوني فألحقكم بالشؤم والنحس والبلاء.
وتنتفض الأعداد فإذا الفرديات والزوجيات رجال ونساء، أو إذا هي ذوات أجنحة تطير بباب الرياضي المسكين فيلوذ منها بالفرار، ويطلع عليه النهار.