هل نفرتيتي أرمنية؟١
أراد أمنحوتب في شيخوخته المتقدمة أن يتزوج من الأميرة توتوخيبا بنت الملك دوشراروي سنة ١٣٨٧–١٣٦٧ قبل الميلاد — وهو الملك الميداني في ذلك العصر — فأرسل وفدًا لمصاحبة الأميرة إلى مصر، حيث استقبلت بحفاوة عظيمة، ولكن لم يصل أمنحوتب الثالث إلى أمنيته؛ لأنه مات وخلفه ابنه «أمنحوتب الرابع» ١٣٨٣–١٣٧٥ قبل الميلاد، الذي تزوج بالأميرة الجميلة توتوخيبا، المعروفة في التاريخ بالملكة نفرتيتي، ومنحها لقب الوارثة العظيمة وأميرة جميع النساء وسيدة الجنوب والشمال، وبذلك أُعطي الميدانيون الذين يمثلون أحد العناصر المكونة للشعب الأرمني ثلاث ملكات عظيمات.
ثم يقول السيد علي سري: «فهل لكم أن تتفضلوا بالإفادة عما إذا كان هناك نصيب من الصحة لما ذكره المؤلف أو سند من التاريخ؛ لأن المعروف عند أكثر الناس أن هذه الملكة فرعونية أصيلة لا أرمنية، ونرجو أن نقرأ جواب السيد الكريم في يوميات الأخبار لتعم الفائدة ولا تقتصر عليَّ وحدي …»
•••
ونقول — فيما نعلم — إن اللبس في تحقيق نسب نفرتيتي ربما سرى إلى المؤرخ الأرمني من تاريخ الفترة التي تحدث عنها، وهي فترة مشهورة في تاريخ الشرق الأوسط القديم بكثرة علاقات المصاهرة بين الفراعنة وملوك الحيثيين والميتانيين، وغيرِهم من شعوب الحدود بين آسيا الصغرى وما جاورها إلى الشرق وإلى الجنوب، ومن هؤلاء قبائل أرمنية إذا صح أن قبائل الحيثيين جميعًا ترجع في أصولها إلى شواطئ بحر الخزر من مشرقه إلى مغربه؛ حيث تتلاقى الحدود بين تلك الأقاليم وبين الأقاليم الأرمنية إلى اليوم.
وقد كان الفراعنة — بعد إخراج الهكسوس (الرعاة) من وادي النيل — يطاردونهم إلى تلك الأقاليم ويتعمدون مصاهرة أمرائها؛ لتوثيق الصلة بين بلادهم وبلاد الوادي، والاحتفاظ ببعض الرهائن العزيزة ضمانًا لدوام تلك الصلات.
وقد ذهب بعض المؤرخين من أجل ذلك إلى افتراض لا يؤيده الواقع؛ فزعموا أن إخناتون قد استعار إصلاحه الديني في التوحيد من ديانات الأميرات الغريبات، ومنهن — على القول المشهور — أمه «طاي»، التي يشك المؤرخون في نسبتها إلى البيوت المالكة، ويرجحون أنها إحدى الوصيفات المتنقلات مع بعض العرائس من بنات تلك البيوتات، ويقال أيضًا إنها فرعونية لا تنتمي إلى أصل غريب.
ولكن المعروف المشهور عن نفرتيتي أنها بنت الحاجب الكاهن «آي»، وهو من سلالة الكهان والرؤساء الأقدمين بوادي النيل، وقد كانت نفرتيتي زوجة الملك إخناتون، ولم تكن بين زوجها وذلك الكاهن علاقة نسب أو مصاهرة من جانب الآباء أو جانب الأمهات، فلعل المؤرخ الأرمني يستند في روايته إلى تخمينات بعض المفسرين، الذين خيل إليهم — على سبيل الظن — أن «تادوخيبا» بنت الملك «توشراتا» الميتاني، التي كانت وصيفة بالقصر في انتظار عقد القران بينها وبين أمينوفيس الثالث قد انتقلت بعد وفاته، حسب العادة، إلى حريم ابنه وأصبحت هي زوجته المشهورة باسم نفرتيتي. وقد أشار أحدث المؤلفات في تاريخ الفراعنة في الصفحة اﻟ (٢١٣) منه إلى هذه «التخمينة»، وعقب عليها قائلًا: «إن هذه الفكرة يقوم في سبيلها عائق يحول دون قبولها، وهو أن المعروف أن نفرتيتي كانت لها أخت في مصر، وأن «تي» قرينة الحاجب الكبير كانت ترضعها وتربيها.»
ونعني بأحدث المؤلفات في تاريخ الفراعنة كتاب «مصر الفراعنة»، بقلم عالم المصريات الكبير سير «ألان جاردن»، الذي أصدرته مطبعة أوكسفورد هذه السنة قبل شهور.
أو لعل المؤرخ الأرمني يستند إلى مراجع في اللغة الأرمنية لا نعلمها ولا توافق المشهور عن تاريخ هذه الفترة، وأكثره — كما يعلم القراء — من كشوف الحفائر الحديثة لم يسجل باللغة الأرمنية قبل القرن العشرين.
والثابت في التاريخ المصري القديم أن عبادة «آتون» لم تكن مستعارة من القبائل الآسيوية في تلك الفترة؛ لأنها عُرفت قبل عصر إخناتون بأكثر من ألف سنة، ومن هذا الاسم استعار اليونان اسم أدونيس كما استعاروا عادة أيزيس السرية، ومنه على الأرجح اسم أدوناي بالعبرية القديمة.
كذلك يظهر أن الملكة «طاي» أم إخناتون لم تكن هي صاحبة الرأي في نشر ديانته عن التوحيد؛ لأنها بقيت في طيبة ولم تشأ أن تصاحب ابنها إلى عاصمته الجديدة؛ حيث أعلن عبادة أتون وأمر بنشرها في سائر الديار المصرية.
وظهر أيضًا من حفائر بوغاز كوي وغيرها من الحفائر الآسيوية أن الحيثيين كانوا ينقلون عباداتهم وأربابهم عن الحورانيين وجيرانهم في الجنوب بين بابل ودمشق القديمة، ولم يعرف من أرباب الحيثيين في الجنوب غير القليل الذي سمع به الجنوبيون دون أن تقترن به المراسم أو الشعائر المرعية في هياكل العبادة.
ويجوز أن تكون الملكة «طاي» من أصل أرمني قديم؛ لأن الأقوال كثيرة في انتسابها إلى الأقاليم الآسيوية.
أما الملكة «نفرتيتي»، فليس في تاريخها المعروف ولا في ملامحها الظاهرة من تمثالها، ما يؤيد القول بانتسابها إلى غير وادي النيل، إلا إذا كان في المراجع الأرمنية ما يؤيد هذه الرواية أو يرجحها، مما يعلمه المؤرخ ولم نعثر له على سند متين في التواريخ المشهورة.