اليوجا١
… إنني وطائفة من الزملاء لفي شدة الشوق إلى معرفة شيء عن مذهب «اليوجا» المعروف، وعما أشيع عنه من القدرة على السيطرة على النفس وعلى أجهزة الجسم المختلفة والسيطرة على الطبيعة وغيرها، وتعمد تناسي الزمن للاحتفاظ بالشباب والحيوية، مما يبدو لنا إغراقًا في الخيال، وأرجو أن يتسع وقتكم للرد على تساؤلنا في يومياتكم بالأخبار.
منذ سنوات غير بعيدة تلاقى العلم الطبيعي ومذهب «اليوجا» في حقيقة واحدة، لا تزال قابلة للتوسع في تفصيلاتها وفي تطبيقاتها العملية.
فالتجارب الجراحية، والتحليلية، قد أثبتت أخيرًا أن وظائف الجسم كلها خاضعة لتأثير الدماغ عليها، وأن للدماغ سيطرة عليها من غير الخيوط العصبية، التي كان المفروض أنها الواسطة الوحيدة لتنظيم الفعل ورد الفعل بين الدماغ والأعضاء.
ولكن هذا الاعتقاد قد تبدل كل التبدل بعد التجارب الكثيرة في حالات التخدير والانتباه، وتبين أن العلاقة بين الدماغ وبين جميع الوظائف الجسدية محكمة غاية الإحكام، وأن رد الفعل ينقطع على درجات إذا تعطل الدماغ عن الشعور وإرسال النذر والتنبيهات إلى الأعضاء، ولكن الأعضاء تؤدي وظائفها في أحوال الدماغ العادية، أيًّا كان حال الموصلات المألوفة بين الرأس وسائر الأعضاء.
وشوهد أن بعض الحيوانات التي تنخدر في فصل الشتاء تلتقط الجراثيم وهي نائمة، فلا تتأثر بها إلا إذا عادت إلى اليقظة، وأن بعض السموم يتوقف فعله في مثل هذه الحالة فلا يؤدي إلى الموت، وهو في العادة قاتل ذريع.
فإذا ثبت هذا علمًا وتجربة، فهو موافق لمذهب «اليوجا» في جانب مهم من دعوى أصحابه؛ وهو إمكان التأثير في الأمراض وحالات الأعضاء بقوة الإرادة واستخدام الرياضة النفسية لتركيز الذهن على اتجاه واحد، وإحداث ما يشبه الاستجابة المغناطيسية بين الفكر والوظائف الجسدية.
وإلى هنا لا صعوبة في تعليل المؤثرات الدماغية وآثارها على البنية الحية. وإذا كانت أدمغة الأحياء الدنيا التي تنخدر خلال بعض المواسم قادرة على وقاية جسمها بإمساك مؤثراتها أو إرسالها، فلا غرابة في قدرة الإنسان على مضاعفة هذه السيطرة بوحي الكلمات والمعاني التي يدركها الحيوان، فتعمل الكلمة ما يعمله السحر المزعوم، وما هو في الواقع غير عمل طبيعي مجهول العلاقة عند الذين ينسبونه إلى سيطرة خارجة عن الطبيعة.
وتحضرنا هنا القصة التي تُروى عن الفيلسوف ابن سينا والقطب الصوفي سعيد أبي الخير، حين لاحظ هذا أن الفيلسوف يستنكر منه علاجه المريض بالعزائم والدعوات.
قال القطب الصوفي للفيلسوف: وماذا تدري أنت من هذه الأمور، إنك حمار!
فما سمعها الفيلسوف حتى بدا على وجهه الاحتقان الشديد، وصعد الدم إلى عينيه، ولاحت عليه أعراض الحالة المرضية التي يُصاب بها المحموم.
وكان هذا هو المقصود بتلك الكلمة الجارحة؛ فإن أبا الخير بادر بإنقاذ ابن سينا من هذه الحالة المؤلمة قائلًا: لا عليك مما سمعت، وإنما عليك أن تذكر أن الإنسان الذي تمرضه كلمة قد تشفيه كلمة، ولو كان من أعلم العلماء. أو قال له على الجملة كلامًا بهذا المعنى.
ولكننا نقف عند هذا الحد ولا نخطو بعده خطوة واحدة إلى المؤثرات الطبيعية التي تأبى أن تعلل بأمثال هذه العلة؛ فكل ما قيل عن هذه المؤثرات كسيطرة اليوجا على عناصر الطبيعة وعلى مجرى الزمن وما شابه هذه الأقاويل، فهو إشاعات بغير برهان، وهو مما ينسب عندنا أحيانًا إلى كرامات الأولياء الأحياء والأموات، ولا علاقة له باليوجا ولا بمذاهبها ودراويشها.
وكل ما استعصى تعليله بالعلل الطبيعية، فهو دعوى لا تنهض لها حجة غير الثقة العمياء والتسليم بغير تفكير.