الأسرار الخفية عند العلماء١
… قرأت الخبر الآتي في العدد الصادر يوم الأحد ٣ سبتمبر في صحيفة الأهرام، وخلاصته أن الرئيس الأمريكي كنيدي أشاد بعلماء جامعة كليفورنيا ومن بينهم عالم يوجسلافي زائر؛ لاكتشافهم جسيمة جديدة، وقال إن هذا الاكتشاف يعتبر حدثًا هامًّا في معرفة تركيب النواة الذرية.
وحيث إنني قد وصلت منذ حوالي عام إلى كشف جديد قد يضيف معلومات أخرى إلى ما هو معروف عن البناء الذري، ووجدت أن هناك جسيمات أخرى تدور حول الإلكترونات — الكهارب — فلا أعرف هل الخبر يشير إلى نفس الكشف أو إلى كشف آخر.
هذه هي خلاصة الرسالة التي تلقيناها من الأستاذ محمود سامي نوار المهندس، مساعد مدير الأعمال بإدارة مياه الجيزة والجزيرة، وقد شرح فيه كشفه، فأشار إلى تشبيه النواة بالمنظومة الشمسية، وقال إن هذا التشبيه يتم بتقدير وجود الأقمار حول سيارات المنظومة، وإن الجسيمات المكتشفة حديثًا قد تكون من قبيل هذه الأقمار.
وقد قال الأستاذ المهندس: «وإني مستعد لزيادة التفسير والبرهان إذا لقيت هذه النظرية قبولًا من الناحية العلمية. أما إذا كان رأيي هذا مخطئًا، فهو اجتهاد على كل حال.»
إذا تم العثور على هذه الأجزاء، فالنتيجة عظيمة الشأن جدًّا في الاهتداء إلى مصادر الطاقة ومصادر المادة، بل إلى الطور السابق في وجود الكون كله لأطوار المادة السديمية وأطوار الغبار الكوني، الذي يملأ آفاق الفضاء ويرتبط بسر الخلق في مظاهره المحسوسة.
وهذه دائرة من البحث تتسع للفروض والنظريات التي تتبدل حينًا بعد حين، ويستطيع الاشتراك فيها كل دارس مختص يملك وسائل التجربة في معاملها العلمية. وليس من رأينا أن نستكثر على دارس من بيننا أن يهتدي إلى فرض أو إلى نظرية تساعد على تصحيح التفسير في أمر الجسيمات المعروفة أو المجهولة، ومَن تَابَع الفروض والنظريات المتوالية في كشوف المادة لا يجهل مقدار الفائدة العملية التي استفادها الباحثون من فرض المشابهة بين النواة وبين المنظومة الشمسية، فليس مما يستخف به أن يُضاف إلى هذا التشبيه اتساع النواة للأقمار التابعة للسيارات بعدد مقدور أو غير مقدور، وليس مما يُستبعد أن تكون هذه الأقمار تفسيرًا معقولًا للجسيمات التي يجدُّ العلماء في البحث عنها، ولهذا نقترح على المهندس الفاضل أن يبسط بحثه للمختصين ليقنعهم أو يقنعوه بنصيب نظريته من الصحة، ونرجو له التوفيق في انتظار جلية الخبر منه ومن جانب المصادر التي توافينا من الخارج بتفاصيل هذه الكشوف.
إخواننا في الكواكب
إن البحث في النواة، أو في المادة الأرضية على الإجمال، منفذ من منافذ الاطمئنان على مواقع أقدمنا — نحن بني آدم — في هذا الكون الفسيح المزدحم «بالمطبات» ومواضع العثرات.
وإن عبرة الفيلسوف القديم الذي مضى على رأسه يرقب أفلاك السماء حتى هوى إلى الحفرة التي تحت قدميه؛ لَهِيَ عبرة قائمة في زماننا هذا، وقد أوشكنا أن نعلق أنظارنا وأفكارنا بالفضاء وسكان الفضاء ورحلات الفضاء، حتى كدنا ننسى أننا «فضائيون» منذ نشأنا على هذه الكرة الأرضية، وأننا لا حق لنا في هذه «اللهفة» المحدثة على فضاء القرن العشرين!
وقد تُعاودنا الطمأنينة بعد الحديث عن الذرة، فلا نرى حرجًا من التطوح إلى وثبة أخرى من وثباتنا «الفضائية»؛ سعيًا إلى إخواننا الغرباء في الكواكب العلوية: إخواننا الذين لم يسألوا عنا قط قبل أن نسأل عنهم، وليس لهم عذر قط في هذا الجفاء، إلا أن يكون ذلك العذر المعقول عذر المفقودين الذين ليس لهم وجود، أو ذلك العذر الآخر الذي نلام عليه نحن ولا يلامون عليه؛ وهو أننا — سامحَنا الله — غير أهل للسؤال وغير مستحقين من إخواننا لتعب السعي واللقاء!
إلا أن المروءة الأرضية على ما يظهر قد بلغت حدها من الحنين والوفاء لإخواننا الغرباء في مجاهل الفضاء، وبين يدينا تعقيبان من كاتبين يراجعاننا، بل يكاد كلاهما أن يعتب علينا؛ لأننا أخلينا الكواكب العليا من السكان، كأننا نحن الذين نسكنهم أو نخرجهم من ذلك المكان!
وحجة الكاتبين الأديبين أن وسائل الاستكشاف الحديث لم تبق مجالًا للشك فيما يصلح لتوليد الحياة من السيارات الشمسية، فإذا جاز الشك في أحوال الكواكب البعيدة من حيث الاستعداد لتوليد الأحياء عليها، فهذه السيارات الشمسية التي تشبه كرتنا الأرضية ليست من المجاهل الخفية في هذا الباب.
والذي نود أن نؤكده على سبيل اليقين أن الكشوف الأخيرة لم تتقدم بنا قيد شعرة في هذا المضمار السحيق، بل نود أن نذكر دائمًا أن زيادة المعلوم لا تنقص من المجهول كما يسبق إلى الخاطر لأول وهلة؛ بل يزيد المجهول كلما زاد المعلوم؛ لأن المعلوم يفتح أمامنا ميادين للبحث لم تكن مفتوحة قبل الآن، فنعلم بعد البحث أننا نجهل الشيء الكثير، وأننا أشد جهلًا من آبائنا وأجدادنا بما يفوتنا علمه بعد افتتاح البحث فيه، وإنما الفارق بيننا وبينهم أننا نعلم مواضع جهلنا، وهم لا يعلمون!
وسنذكر مثالًا قريبًا من مبلغ علمنا بشروط الحياة في سيارات المنظومة الشمسية:
كانوا يرجحون ترجيحًا يقرب من اليقين أن «المشتري» سيار مقفر من الحياة ومن النبات؛ لأنه بعيد من الشمس مغلف بطبقات تحجب عنه حرارة الشمس، فلا تزيد درجة الحرارة فوقه على مائتي درجة وعشر درجات فارنهيت تحت الصفر، وهي درجة تكفي لتجميد كل جرثومة تصل إليه من خارجه، وتكفي من باب أولى لمنع نشوئها عليه.
ولكن العالم الفلكي كارل ساجان، أحد علماء كليفورنيا، أيضًا يرى الآن غير ذلك الرأي ويسأل: ماذا يمنع أن تكون تلك الطبقات التي تحيط بالسيار بمثابة مصيدة تلتقط الأشعة وتخزنها وتلقي من حرارتها على سطح السيار ما يكفي لحفظ الحياة عليها؟
إذا صح هذا الاحتمال، فالمشتري أصلح للحياة من الزهرة التي يقال عنها هي والمريخ أنهما أشبه الكواكب بالكرة الأرضية؛ لأن الأشعة والبروق كافية في البحار المترعة بالنشادر على ظهر المشتري لتكوين الجرثومة الحية وإمدادها بالغذاء.
وبهذا الاحتمال تضاف إلى المساكن العلوية أسرة أخرى من أقربائنا الذين لم يسألوا عنا ولا يريدون أن يعرفونا، أو لعلهم عرفونا فلم يسألوا عنا، غير ملومين.
وسلام عليهم يوم نلقاهم مكرهين، والسلام أمانة في ذمة السائلين عنهم من إخواننا الأرضيين!