الزهاوي ومذهب داروِن١
… بمناسبة الحديث عن الإنسان في القرآن، دار الحديث بيني وبين صديق أديب عن مذهب داروِن، وروى الصديق أبياتًا مطلعها:
وقال عنها إنها لأبي العلاء المعري بدليل قول المعري:
ورفض أن يذعن حين قلت له: إن القصيدة لشاعر العراق الزهاوي بعنوان سليل القرد، فأجمعنا على أن نسألكم عن القصيدة وعن رأي المعري والزهاوي في مذهب النشوء والارتقاء.
… إن قول المعري عن الحيوان إنه مستحدث من جماد لا يلزم منه القول بمذهب داروِن؛ لأنه قد يصدق على خلق الإنسان من الطين أو خلق الأحياء من الماء، فلا يُخالف القول بالخلق المباشر الذي يقول به غير النشوئيين.
وللمعري أبيات كثيرة تشبه في معناها نظريات النشوئيين كقوله بتنازع البقاء:
وقوله في تسليح الحيوان بالأعضاء واستعداد البنية الذي يساعده في ذلك النزاع:
أو قوله:
أو كقوله في غريزة حب البقاء:
ولكن القصيدة التي ذركرتموها لا يمكن أن تُنسب إلى شاعر قبل العصر الحديث؛ لأن الكلام عن علاقة التطور بسكنى القرد للغابات وانتقاله من التسلق إلى المشي، مذهبٌ حديث لم يُعرف قبل القرن التاسع عشر.
وفي هذه القصيدة بيت يذكر فيه الشاعر رأي نيتشه في الإنسان المترقي على سنة التطور، أو السوبرمان باسمه الإنجليزي، حيث يقول:
فإذا كان صديقكم لم يطلع على القصيدة في ديوان الزهاوي، فالاطلاع على هذه الأبيات فيها كافٍ لنسبتها إلى أحد الشعراء المتأخرين وامتناع نسبتها إلى أبي العلاء.
ويكاد نظم القصيدة أن يخصصها بالشاعر الزهاوي، ولو لم يطلع عليها القارئ في ديوانه؛ لأنه ينم على طريقته في تفعيلات البحر الخفيف؛ إذ يجعل مستفعلن بدل متفعلن كما لاحظ صديقنا الأستاذ خليفة التونسي، مع التسكين والتحريك المختلف أحيانًا في بعض الأسباب والأوتاد.
وقد كنت أعجب لتكرار هذا التجوز في جميع قصائده، حتى سمعته ينشدها على طريقة الإنشاد الفارسي، فعلمت أن الإنشاد هو الذي يداري عن أذنه وقع التفاعيل المختلة، ولا يبعد أن يكون إنشاد الشعر على طريقة من هذه الطرق هو الذي كان يداري ما فيه من الخلل عن آذان فحول الشعراء الجاهليين كما قال أبو العلاء:
يعني عبيد بن الأبرص صاحب المعلقة المعروفة، ولم يكن بالوحيد في اختلال الوزن، بل كان امرؤ القيس وغيره يشاركونه في شيء منه، ولم يكد يسلم منه غير الشعراء الذين نظموا الشعر بعد عصر الإنشاد والحداء.