الشخصية النرجسية١
… طالعْنا في كتابكم الحسن بن هانئ تحليلًا رائعًا للنرجسية، محصله أنها صورة مريضة من شذوذات الغريزة الجنسية، ثم قرأت لفرويد رأيًا مغايرًا عن النرجسية في مجال القيادة؛ إذ قال إن الشخصية النرجسية تتميز بالاستقلال العظيم عن الغير، وتميل إلى البذل الوجداني أكثر من القبول. وطالعت في نفس الوقت للمؤرخ المشهور أرنولد توينبي كلامًا، يقول فيه إن نجاح الحضارة يتوقف على وجود القلة المبدعة التي تتصف بالأنانية والزهو والغرور؛ فكيف يتسنى للمصاب بداء النرجسية أن يقود الغير قيادة سليمة مرضية؟
فالنرجسية منسوبة إلى النرجس، وهو زهر نحيل يطل على الماء كأنما يطيل التأمل في صورته إعجابًا بجسمه، وهي حالة لا تعترف بشعور القوة والعظمة؛ لأن النرجس الذي تُنسب إليه نحيل هزيل، وغرامه بجسده فتنة نحيلة هزيلة لا تفتن بها عقول الأقوياء العظماء.
والنرجسيون من الناس هم الذين يفتتنون بأجسامهم ويشتهونها شهوة جنسية، ثم يحولونها إلى معشوق يتمثلونه كأنه صورة منهم ويتممون فيه ما يحسون أنه ناقص في تكوينهم، ويتخيلون أنهم يشبعون رغباتهم في أنفسهم حين تتم الصلة بينهم وبين ذلك المعشوق مرضاة لهواهم السقيم.
أما فتنة العظمة فهي شيء آخر بعيد جدًّا من هذه النرجسية، وبخاصة في أصحاب النفوس القوية والمطامح البعيدة؛ فإن حب الذات فيمن يوصفون به لا ينصرف إلى فتنة الجسد أو شهوة الجنس، ولكنه ينصرف إلى توسيع الذات وبسطها على ما حولها، ومن حولها، حتى تصبح الأنانية هنا متعلقة بعظائم الأعمال التي ترتبط بها مصالح الكثيرين؛ ولهذا لا يمتنع أن يكون «الأناني» بهذا المعنى خادمًا لأنانية الألوف والملايين؛ لأنه لا يحقق حبه لذاته إلا بتحقيق أعمال كبيرة شاملة، لا يستطيع أن يفرضها على الألوف والملايين — بداهة — إلا إذا وافقتهم هوى ومصلحةً وإقناعًا أو تأثيرًا يقوم مقام الإقناع.
فلا تناقض بين ضخامة الذات في القيادة وبين منافع الناس؛ لأن الذات التي تعوزها الضخامة لا تقوم بعمل عظيم، إلا أن يكون الشعور بالعظمة وهمًا من ضروب الأوهام التي تعتري المخبولين، فلا حساب له في أعمال العظماء.