تقويم الشخصيات التاريخية١
في خطاب الطالب الأديب «فتحي عبد الحميد مقلدي»، بكلية الطب في جامعة عين شمس، سؤال عن مصرع الحسين بن علي — رضي الله عنه — ينقل فيه كلامًا لصديقنا المازني عن هذا الحادث التاريخي الجلل، خلاصته «أن الحسين قد تعمد أن يضحي بنفسه بعد أن حاول أمرًا عرف مبلغ استحالته، وليس معه إلا النساء والأطفال وحفنة صغيرة من الرجال، فدفع بني أمية إلى قتله، قاصدًا أن يحف المصرع الذي مضى إليه عامدًا بكل عوامل الاستفزاز، ليكون مصرعه لغمًا ينسف الدولة الأموية وينتهي بالقضاء عليها.»
ويُعقب الطالب الأديب على كلام صديقنا المازني بقوله إنه لم يقتنع تمامًا بهذا الرأي ويرجو إيضاحًا وتفسيرًا له في اليوميات.
والذي أذكره عن هذا الرأي أنه، كما قال السيد «فتحي عبد الحميد»، منسوب في مقال المازني إلى مصدره الأول: وهو كلام المستشرق الألماني صاحب كتاب السياسة الإسلامية، اطلعنا عليه — معًا — في مكتب الدكتور محمد مهدي خان، صاحب مجلة «حكمت» الفارسية، لسان حال الإيرانيين الأحرار في ذلك الحين، حوالي سنة ١٩١٢، وهو — أي الدكتور محمد مهدي — من أكبر المطلعين على تواريخ الشيعة في هذا الحادث على الخصوص، وكان هو أحد الزعماء الفكريين الذين كانوا يشرفون على حفلة «عاشوراء» في كل سنة، وإليه كنا نرجع أحيانًا فيما يلتبس علينا من أخطاء الترجمات الإنجليزية عن الآداب الفارسية، وأذكر أن صديقنا المازني رجع إليه في تحقيق بعض الرباعيات المنسوبة إلى عمر الخيام.
ورأْي المستشرق الألماني هذا هو أحد الآراء التي أشرت إليها في كتابي عن أبي الشهداء، فقلت: إن بعض المؤرخين يرى أن حركة الحسين — رضي الله عنه — تدبير منه توخاه منذ اللحظة الأولى، فلم يخامره الشك في مقتله ذلك العام ولا في عاقبة هذه الفعلة، التي ستحيق لا محالة بقاتليه بعد أعوام. فقال ماربين الألماني: «إنها عزمة قلب كبير يحيي بها قضية مخذولة ليس لها بغير ذلك حياة.»
ولكننا لم نعتقد الصواب — كل الصواب — في هذا الرأي، فعقبنا عليه بقولنا: «إنه إن لم يكن حقًّا كله فبعضه على الأقل حق لا شك فيه، ويصدق ذلك على حركة الحسين بعد أن حِيل بينه وبين الذهاب لوجهه الذي يرتضيه، فآثر الموت كيفما كان ولم يجهل ما يحيق ببني أمية من جراء قتله، وقد جرى ذكر الموت على لسانه من خطوته الأولى وهو يتهيأ للرحيل ويودع أصحابه في الحجاز، فقال: إن الموت خط على ولد آدم، ولم يخف عليه أنه يركب الخطة التي لا يُبالي راكبها ما يصيبه من ذلك القضاء؟»
ولهذه المناسبة نقول للسيد «زاهر أحمد عبد الرحيم» إن هناك مسائل كثيرة تتفق عليها آراؤنا في الأدب ومذاهب الثقافة العامة نحن والزميلين المازني وشكري؛ سواء في مقالات الصحف والمجلات، أو فصول الكتب والمصنفات، ولا غرابة في هذا الاتفاق مع العلم باشتراكنا في دعوة واحدة، واطلاعنا على مراجع واحدة، وتبادلنا الأحاديث سنوات طوالًا في مختلف الشئون وعوارض الأخبار والأفكار.
ولكن الآراء التي أقررها ولا أسندها إلى مرجع آخر هي آراء قائمة على أسبابي العقلية التي يجمعها أساس واحد من التفكير، فهي تتفق ببعض نتائجها مع آراء الزميلين الكريمين، ولكنها في جميع مقدماتها متفقة مع أساسها الذي لا تنفصل عنه، حيث تتلقى بنا مذاهب الفكر والذوق وحيث يطرأ الخلاف أحيانًا على الأصول والتفصيلات.