الدول الفارسية في ظل العباسيين
(١) الدول الصغرى
لما أعاد الفرس مقاليد الخلافة إلى المأمون ازدادوا دالة عليه واستخفافًا بالسلطة العباسية، ثم استبد الأتراك بالخلفاء بعد المعتصم وغلوا أيديهم وكسروا شوكتهم، فكان للفرس على الإجمال حظ كبير من ذلك. فلما رأوا ذهاب نفوذهم في دار الخلافة استعاضوا عنه بالاستقلال بإماراتهم.
على أن الذين استقلوا من القواد أو الأمراء ما زالوا يعترفون للعباسين بالسلطة الدينية، فيطلبون الاستقلال تحت رعايتهم. فتفرعت المملكة العباسية إلى إمارات مستقلة عملًا بسنة الارتقاء. وإليك أهم الفروع الفارسية باعتبار تاريخ استقلالها وأسماء مؤسسيها:
الدولة | مقرها | مدة حكمها | مؤسسها |
---|---|---|---|
(١) الطاهرية | خراسان | ٢٠٥–٢٥٩ﻫ | طاهر بن الحسين |
(٢) الصفارية | فارس | ٢٥٤–٢٩٠ | يعقوب بن الليث الصفار |
(٣) السامانية | ما وراء النهر | ٢٦١–٣٨٩ | نصر بن أحمد الساماني |
(٤) الساجية | أذربيجان | ٢٦٦–٣١٨ | يوسف بن أبي الساج |
(٥) الزيارية | جرجان | ٣١٦–٤٣٤ | مرداويج بن زيار |
فانظر كيف تفرعت بلاد فارس إلى إمارات فارسية، فانتعشت الشيعة، ونالوا بعض ما كانوا يؤملونه من مساعيهم في نصرة العلويين من أن يعيدوا دولة الفرس الضخمة كما كانت قبل الإسلام. ولكن تلك الإمارات لم تمكث طويلًا — كما ترى في الجدول — حتى قامت دولة آل بويه، وهي أكبر دولة فارسية شيعية ظهرت في الشرق في عهد ذلك التمدن في ظل الدولة العباسية.
(٢) دولة آل بويه
رجال هذه الدولة وأنصارها الديلم من الجيلان وراء خراسان، ولكن ملوكها آل بويه من الفرس، ويرتفع نسبهم إلى ملوك الفرس القدماء، وإنما سموا ديلم؛ لأنهم سكنوا بلاد الديلم. وكان العلويون يسعون في نشر دعوتهم هناك أيام الرشيد، وآخر من نجح في ذلك الحسن بن علي الأطروش من نسل الحسين، فدعا الديلم إلى مذهبه في أواخر القرن الثالث فأجابوه.
وجد آل بويه الأقرب الذي أسس هذه الدولة اسمه بويه ولقبه أبو شجاع، كان له ثلاثة أولاد: علي ويلقب عماد الدولة، وحسن ويلقب ركن الدولة، وأحمد ويلقب معز الدولة. وكان بويه رقيق الحال، فانتظم أولاده في الجندية؛ لأنها كانت يومئذ بابًا من أبواب الرزق الواسعة، وكان عماد الدولة في خدمة مرداويج مؤسس الدولة الزيارية، فارتقي عنده حتى ولاه الكرج، ثم اتسعت أحواله فكتب إلى الخليفة العباسي وهو يومئذ الراضي بالله المتوفى سنة ٣٢٩ﻫ، أن يقاطعه على أعمال فارس بمال يحمله إلى دار الخلافة، على جاري عادتهم مع الدولة العباسية في ذلك العهد، فأجابه الراضي وبعث إليه بالخلعة. وأخوه حسن ركن الدولة تملك خوارزم، وجاء الإخوان واتحدا مع أخيهما الثالث معز الدولة في شيراز، وساروا غربًا حتى أتوا بغداد في أيام المستكفي سنة ٣٣٤ﻫ، فرحب بهم وخلع عليهم ولقبهم الألقاب المذكورة، وجعل معز الدولة أمير الأمراء، واستبدوا بالمملكة واستولوا على الخلافة، وعزلوا الخلفاء وولوهم، فرفعوا منار الشيعة وأحيوا معالمها وأضعفوا نفوذ الأتراك والخلافة العباسية لا تزال في بغداد. ولما أقضت إمارة الأمراء إلى عضد الدولة لقب الملك، وهو أول من خوطب بهذا اللقب في الإسلام. وحكم آل بويه من سنة ٣٢٠–٤٤٧ﻫ.