الدول التركية في ظل العباسيين
(١) الدول الصغرى
لما قويت شوكة الأتراك في الدولة العباسية وهابهم الخلفاء كما تقدم، طمع بعضهم في الولايات كما طمع الفرس، فاستقلوا بها فنبتت للدولة العباسية فروع تركية خارج بلاد فارس، كما نبتت الفروع الفارسية في بلاد الفرس. وإليك الفروع التركية في العصر العباسي حسب سني نشأتها وأسماء مؤسسيها وبلادها:
اسم الدولة | مقرها | مدة تأسيسها | مؤسسها |
---|---|---|---|
(١) الطولونية | مصر | ٢٥٤–٢٩٢ﻫ | أحمد بن طولون |
(٢) الإيلكية | تركستان | ٣٢٠–٥٦٠ | عبد الكريم ستق |
(٣) الإخشيدية | مصر | ٣٢٣–٣٥٨ | محمد الإخشيد |
(٤) الغزنوية | أفغانستان والهند | ٣٥١–٥٨٢ | البتكين |
وتدرج الأتراك في الولايات الإسلامية كما تدرج الفرس قبلهم، أي: من الإمارة إلى السلطنة وهم أول من سموا سلاطين في الإسلام، وأولهم سلاطين الدولة الغزنوية التي منها السلطان محمود الغزنوي فاتح الهند وناشر الإسلام فيها.
(٢) الدولة السلجوقية وفروعها
على أن هذه الإمارات نشأت فروعًا للدولة العباسية، وكان أمراؤها وسلاطينها من عمال الدولة العباسية أو قوادها.
وكانت السنة قد تقوت بظهور الإمارات التركية، فلما قامت دولة آل بويه في أواسط القرن الرابع للهجرة بالعراق وفارس وعاصرتها الدولة الفاطمية بمصر، عظم أمر الشيعة في العالم الإسلامي وتضعضعت السنة فتشتت شمل المملكة العباسية. ثم ظهرت الدولة التركية الكبرى في أواسط القرن الخامس، وتعرف بالدولة السلجوقية نسبة إلى جدها سلجوق، فجاءت في حال الحاجة إليها؛ لأنها لمت شعث المملكة العباسية ونصرت مذهبها (السنة) بعد أن كادت تضمحل بين يدي الشيعة في مصر والشام والعراق وفارس وخراسان. وكانت الدولة الفاطمية قد نشرت سلطتها على المغرب، وأوشكت أن تستولي على المشرق كله، فجاء السلجوقيون من أقاصي الشرق فاستولوا على المملكة العباسية وجمعوا شملها. وبعد أن كانت ولايات مستقلة يملكها أمراء من الفرس والأتراك والأكراد والعرب، جعلوها مملكة واحدة يحكمونها تحت رعاية الخليفة العباسي.
ومؤسس الدولة السلجوقية سلجوق بن تكاك، أمير تركي كان في خدمة بعض خانات تركستان، فعلم باختلال المملكة العباسية فطمع فيها، وعلم أنه لا يبلغ ذلك وهو على دين غير دين الإسلام، فأسلم هو وقبيلته وسائر جنده ورجال عصبيته دفعة واحدة، ونهض بجميع هؤلاء من تركستان وساروا غربًا، فقطعوا نهر جيحون وتدرجوا في الفتح ونشر سلطانهم حتى اكتسحوا المملكة العباسية، وامتد سلطانهم من أفغانستان إلى البحر الأبيض. وأصبح العالم الإسلامي تتنازعه ثلاث دول إسلامية، أكبرها دولة السلاجقة في المشرق، ثم الدولة الفاطمية في مصر والمغرب، والثالثة دولة بني أمية في الأندلس. فشأن الدولة السلجوقية غير شؤون الدول التركية الصغرى التي تقدمتها؛ لأن هذه إمارات نشأت في حجر الدولة العباسية وتفرعت من مملكتها، وأما الدولة السلجوقية فقد نشأت مستقلة وجاءت من الخارج بقوة وجند، وأنقذت الخلافة العباسية من الضياع على أيدي البويهيين وغيرهم من الشيعيين. والدولة الإيلكية نشأت مستقلة أيضًا، لكنها قلما أثرت في المملكة الإسلامية.
وللسلاجقة منزلة عظمى في تاريخ الإسلام، وفي أيامهم تكاثر نزوح الأتراك إلى المملكة الإسلامية في فارس والعراق والشام، للسكنى والارتزاق في ظل أبناء جلدتهم، والسلاجقة أول من أنشأوا المدارس في المملكة الإسلامية، بأرقى ما بلغت إليه في عهد ذلك التمدن على يد نظام الملك وزير ملك شاه السلجوقي في أواسط القرن الخامس، وقد فصلنا ذلك وعللناه في الجزء الثالث من هذا الكتاب.
ونظام الملك فارسي الأصل من أولاد الدهاقين، ولكنه أنشأ ما أنشأه من المدارس والتكايا والرباطات والمساجد والمارستانات باسم سلطانه ملك شاه.
والسلاجقة دول تفرعت من أصل واحد وعرفت باسم واحد، ولكنها تمتاز بعضها عن بعض بأماكن حكمها، وأكبر هذه الدول السلاجقة العظام، وهم أصل سائر الفروع وأقوى منها جميعًا. وإليك الدول السلجوقية ومقدار حكمها:
-
(١)
السلاجقة العظام: حكموا من سنة ٤٢٩–٥٥٢ﻫ.
-
(٢)
سلاجقة كرمان: حكموا من سنة ٤٣٣–٥٨٣ﻫ.
-
(٣)
سلاجقة الشام: حكموا من سنة ٤٨٧–٥١١ﻫ.
-
(٤)
سلاجقة العراق وكردستان: حكموا من سنة ٥١١–٥٩٠ﻫ.
-
(٥)
سلاجقة بلاد الروم (آسيا الصغرى): حكموا من سنة ٤٧٠–٧٠٠ﻫ.
فحكمت الدولة السلجوقية على الإجمال نحوًا من ثلاثة قرون، وبلغ اتساع مملكتهم من حدود الصين إلى آخر حدود الشام.
(٢-١) انتقال المملكة السلجوقية إلى الأتابكة
وكان السلاجقة في أيام سلطتهم يولون الأعمال أو الولايات قوادًا من مماليكهم يسمونهم الأتابكة، واحدهم أتابك، وهو لفظ تركي معناه «الأب الأمير»، واستعملوه أولًا بمعنى وزير ثم صار بمعنى الملك. وأخذ الأتابكة يستقلون بولاياتهم شيئًا فشيئًا، حتى اقتسموا المملكة السلجوقية فيما بينهم، إلا الفرع الرومي في آسيا الصغرى، فإنه ظل في حوزة السلاجقة، حتى أتى العثمانيون في أواخر القرن السابع — وإليك تفرع المملكة السلجوقية الكبرى إلى مماليكهم الأتابكة وغيرهم وسني حكم كل دولة منها:
-
(١)
الدولة البورية في دمشق من سنة ٤٩٧–٥٤٩ﻫ.
-
(٢)
الدولة الزنكية في الجزيرة والشام من سنة ٥٢١–٦٤٨ﻫ.
-
(٣)
الدولة البكتجينية في أربلاء وغيرها من سنة ٥٢٩–٦٣٠ﻫ.
-
(٤)
الدولة الأرتقية في ديار بكر وماردين من سنة ٤٩٥–٧١٢ﻫ.
-
(٥)
دولة الشاهات في أرمينيا من سنة ٤٩٣–٦٠٤ﻫ.
-
(٦)
أتابكة أذربيجان في أذربيجان من سنة ٥٣١–٦٢٣ﻫ.
-
(٧)
الدولة السلغرية في فارس من سنة ٥٤٣–٦٨٦ﻫ.
-
(٨)
الدولة الهزارسبية في لورستان من سنة ٥٤٣–٧٤٠ﻫ.
-
(٩)
الدولة الخوارزمية في خوارزم من سنة ٤٧٠–٦٢٨ﻫ.
-
(١٠)
الدولة القطلغية في كرمان من سنة ٦١٩–٧٠٣ﻫ.
وما زالت هذه الممالك في حوزة الأتابكة وغيرهم من مماليك الدولة السلجوقية وقوادها، حتى جاء المغول فاكتسحوها كلها واستولوا عليها.
(٢-٢) سلاجقة الروم
أما الفرع السلجوقي الذي ظل سائدًا دون سائر الفروع، فهو سلاجقة آسيا الصغرى، وهي بلاد الروم في اصطلاح تلك الأيام. على أن مملكتهم هناك تفرعت إلى عدة فروع يحكم كلًّا منها عائلة سلجوقية صغيرة، وهاك أسماءها مع أسماء العائلات السلجوقية التي كانت تتولاها:
اسم الإمارة | اسم العائلة |
---|---|
(١) ميسيا | آل كراسي |
(٢) بيسيديا | آل حميد |
(٣) فريجيا | آل كرميان |
(٤) ليسيا | آل تاكة |
(٥) ليديا | آل سروخان وأيدين |
(٦) كاريا | آل منتشا |
(٧) بفلاغونيا | آل قزل أحمدلي |
(٨) ليكونيا | آل قرمان |
وما زالت هذه الإمارات في سلطة الأمراء السلاجقة، حتى أتى العثمانيون فاستولوا عليها وأنشأوا الدولة العثمانية في أوائل القرن الثامن للهجرة.