العيون
إِنْ يَعْصِنِي يَوْمًا يَرَاعِي القَاصِرُ
فَلَدَيَّ مِنْ عَيْنَيْكِ وَحْيٌ نَاصِرُ
هَلْ كَانَتِ الأَلْحَاظُ غَيْرَ أَشِعَّةٍ
لِيُعِيدَهَا دُرًّا إِلَيْكِ الخَاطِرُ
أَنَا صَخْرَةُ القَفْرِ الَّتِي لَا تُسْتَقَى
مَا لَمْ يُفَجِّرْهَا بَنَانٌ سَاحِرُ
عِنْدِي مَصَادِرُ لِلدُّمُوعِ خَفِيَّةٌ
هِيَ لِلْفَصَاحَةِ وَالبَيَانِ مَصَادِرُ
أَسْتَغْفِرُ الرَّحْمَنَ عَنْكِ فَإِنَّهُ
لِلنُّورِ فِي عَيْنَيْكِ بَحْرٌ زَاخِرُ
خَاطَرْتُ مُغْتَرًّا بِصَفْوِ مِيَاهِهِ
طَمَعًا وَمَا أَنَا بِالسِّبَاحَةِ مَاهِرُ
فَغَرِقْتُ عِنْدَ ضِفَافِهِ، يَا حَبَّذَا
غَرَقٌ يَكُونُ بِهِ هَوَاكِ الغَامِرُ
•••
يَا لَلْعُيُونِ وَمَا يُحَرِّكُهُ بِهَا
مِنْ كَامِنِ الأَسْرَارِ جَفْنٌ فَاتِرُ
خُلِقَتْ سَبِيلًا لِلضَّلَالَةِ وَالهُدَى
لَمْ يَنْجُ مِنْهَا مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرُ
فِيهَا مَعَانٍ لِلْخُمُورِ وَلِلطُّيُو
رِ وِلِلزُّهُورِ وَلِلبُحُورِ مَنَاظِرُ
وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى عَمِيقِ سَوَادِهَا
أَنْشَدْتَهُ يَا لَيْلُ مَا لَكَ آخِرُ
المَوْتُ فِيهَا وَالحَيَاةُ تَلَاقَيَا
المَوْتُ سِرٌّ وَالحَيَاةُ الظَّاهِرُ
فِي دِقَّةِ التَّرْكِيبِ أَضْعَفُ كَائِنٍ
إِنْسَانُهَا وَهوَ الإِلَهُ القَادِرُ
•••
لَا تُنْكِرِي، عَيْنَاكِ شَاهِدَتَانِ لِي
مَا نَالَ مِثْلُهُمَا الغَزَالُ النَّافِرُ
حَمَّلْتِنِي الضِّدَّيْنِ مِنْكِ وَمِنْهُمَا
فَأَنَا مُقِيمٌ فِي الهَوَى وَمُسَافِرُ
لِلْفِكْرِ أَغْلَالٌ وَلَيْسَ مُقَيَّدًا
لِلْقَلْبِ أَجْنِحَةٌ وَمَا هُوَ طَائِرُ
رُوحِي وَرُوحُكِ لُجَّتَانِ تَشَابَهَا
عُمْقًا وَفَوْقَهُمَا الحَيَاءُ الخَافِرُ
فَلْتُجْعَلِ النَّظَرَاتُ جِسْرًا بَيْنَنَا
تَجْتَازُهُ مِنِّي وَمِنْكِ سَرَائِرُ
أَيَكُونُ لِي قَلَمٌ وَأَكْتُمُ أَمْرَهُ
وَاللَّحْظُ فِي الأَقْلَامِ نَاهٍ آمِرُ
أَمْ كَيْفَ أَحْبِسُ عَنْكِ فَيْضَ قَرِيحَتِي
وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ إِنِّي شَاعِرُ؟
أَنْتِ الغَنِيَّةُ قَبْلَ مَالِكِ بِالذَّكَا
وَخَلَائِق هِيَ كَالرَّبِيعِ نَوَاضِرُ
أَنَا أَسْتَقِلُّ المَالَ إِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ
مَعَهُ مِنَ الآدَابِ حَظٌّ وَافِرُ
وَأَرَى الجَوَاهِرَ فِي النُّحُورِ حَقِيرَةً
إِنْ لَمْ يَزِنْ تِلْكَ العُقُولَ جَوَاهِرُ
وَلَقَدْ عَرَفْتُكِ فَاكْتَفَيْتُ بِمَا أَرَى
نَفْسٌ مُهَذَّبَةٌ وَخُلْقٌ طَاهِرُ
أيار ١٩١١