لبنان بعد الحرب
كَانَ لِي عَهْدٌ عَلَى تِلْكَ الصُّخُورْ
مِنْ مُطلِّ السَّفْحِ لِلْوَادِي الخَصِيبْ
أَرْشُفُ الكَوْثَرَ مِنْ ثَغْرٍ طَهُورْ
وَأُنَاجِي اللَّهَ فِي لَحْظِ الحَبِيبْ
وَالخُلُودْ
فِي وُرُودِ
خَدِّهِ الفَتَّانْ
شَجَرُ البَلُّوطِ سِتَارُ لَنَا
يَا حَنِينِي نَحْوَ ذَيَّاكَ الشَّجَرْ
كَمْ هَزَزْنَا فِيهِ أَغْصَانَ المُنَى
وَرَشَقْنَا بِالحَصَى مِنْهُ الثَّمَرْ
فَتَثُورْ
فِي الطُّيُورْ
ثَوْرَةُ الأَلْحَانْ
خُلْوَةٌ أَغْنَى بِهَا شِعْرِي الخَيَالْ
عَنْ مَعَانِي الزُّهْدِ مِنْ شِعْرِ الضَّرِيرْ١
وَحَبِيبِي نَاشِرٌ بُرْدَ الجَمَالْ
حَاجِزًا مَا بَيْنَ قَلْبِي وَالضَّمِيرْ
فَتَرَانِي
فِي افْتِتَانِي
صَاحِيًا سَكْرَانْ
زُرْتُ ذَيَّاكَ الحِمَى بَعْدَ الغِيَابِ
وَأَنَا أَرْجُو شِفَاءَ العِلَلِ
لَمْ أَجِدْ فِيهِ لِتَذْكَارِ الشَّبَابِ
أَثَرًا يُحْيِي دَفِينَ الأَمَلِ
وَالحِدَادْ، فِي البِلَادْ، يَبْعَثُ الأَشْجَانْ
لَمْ أَجِدْ غَيْرَ امْرِئٍ فِيهِ يَجُولُ
يَحْمِلُ المِعْوَلَ وَالفَأْسَ مَعًا
صِحْتُ وَالفِكْرُ تَوَلَّاهُ الذُّهُولُ
يَا زَمَانَ الوَصْلِ هَلَّا رَجَعَا
وَالصَّدَى
رَدَّدَا
يَا زَمَانْ، زَمَانْ
أَيُّهَا الحَطَّابُ قَطِّعِ فِي الشَّجَرْ
وَادَّخِرْ مِنْ بَيْنِهَا الصُّلْبَ الشَّدِيدْ
وَاضْرِبِ المِعْوَلَ، وَلْيَقْدَحْ شَرَرْ
كُلَّمَا أَعْمَلْتَ فِي الصَّخْرِ الحَدِيدْ
ظَافِرًا
حَافِرًا
مُهْجَةَ الصَّوَّانْ
وَاسْتَعِنْ بِالنَّاسِ، وَادْعُ العَامِلِينْ
مِنْ بَنِي الوَادِي وَفِتْيَانِ الجَبَلْ
أَنْعِشُونِي يَا رِفَاقَ العَاشِقِينْ
طَالَ مَا أَنْعَشْتُ بِالشِّعْرِ الأَمَلْ
وَاعْذُرُونِي
فِي شُجُونِي
كُلُّنَا إِخْوَانْ
شَيِّدُوا لِي فِي ذُرَى الصَّخْرِ ضَرِيحْ
لَمْ يُشَيَّدْ مِثْلُهُ مُنْذُ القِدَمْ
وَاجْعَلُوا الأَخْشَابَ نَعْشًا يَسْتَرِيحْ
شَبَحُ الصَّبْوَةِ فِيهِ وَالأَلَمْ
اجْعَلُوا النَّعْشَ كَبِيرًا
امْلَئُوا القَبْرَ زُهُورًا
افْرِشُوا الأَرْضَ حَرِيرًا
فَهْوَ حُبِّي
وَهْوَ قَلْبِي
لُفَّ بِالأَكْفَانْ
١٩١٩
١
أبو العلاء المعري.