خليل باشا خياط
رئيس النادي السوري في حفلة الأربعين
رُوحَ الخَلِيلِ، وَلَيْسَ فِي ذَا النَّادِي
مَنْ لَيْسَ يَذْكُرُ لَلْخَلِيلِ أَيَادِي
رُفِّي عَلَى هَذِي الرُّءُوسِ وَعَلِّمِي
مَعْنَى الخُلُودِ وَأَلْهِمِي إِنْشَادِي
مَرَّتْ عَلَيْكَ الأَرْبَعُونَ وَلَمْ تَزَلْ
ذِكْرَاكَ شَاغِلَةً لِكُلِّ فُؤَادِ
كَالكَوْكَبِ الوَقَّادِ تَخْبُو نَارُهُ
وَيَظَلُّ نُورُ الكَوْكَبِ الوَقَّادِ
وَفَّيْتَ قِسْطَكَ لِلْعُلَا فَلَئِنْ تَكُنْ
عُرِّيتَ مِنْ ثَوْبِ الحَيَاةِ العَادِي
فَلَقَدْ لَبِسْتَ الذِّكْرَ عُمْرًا ثَانِيًا
لَا خَوْفَ مِنْ هَرَمٍ لَهُ وَنَفَادِ
لَكَ فِي الحَيَاةِ مَوَاقِفُ مَشْهُودَةٌ
كَمْ صُلْتَ فِيهَا صَوْلَةَ الآسَادِ
وَمَكَارِمُ لَوْ رَامَ شِعْرِي عَدَّهَا
ضَاقَتْ قَوَافِيهِ عَنِ التَّعْدَادِ
لَمْ يُنْسِكَ الفَقْرَ الغِنَى فَذَكَرْتَ مَا
فِي العَيْشِ مِنْ تَعَبٍ وَطُولِ جِهَادِ
وَبَسَطْتَ لِلْقُصَّادِ كَفَّكَ جَاعِلًا
لِلنَّفْسِ حِصَّتَهَا وَلِلْقُصَّادِ
كَمْ مِنْ فَتًى أَخْنَى عَلَيْهِ دَهْرُهُ
وَبِكَ اسْتَطَالَ عَلَى الزَّمَانِ العَادِي
وَمُهَدَّدٌ بِالسَّجْنِ رَاعَكَ خَطْبُهُ
فَأَغَثْتَهُ وَنَجَا مِنَ الأَصْفَادِ
لَمْ تَحْمِلِ القَيْدَ اليَدَانِ وَإِنَّمَا
فِي عُنْقِهِ قَيْدٌ لِفَضْلِكَ بَادِ
مَا جَاءَ نَحْوَكَ حَائِرٌ فِي أَمْرِهِ
إِلَّا وَكُنْتَ لَهُ الدَّلِيلَ الهَادِي
تَسْعَى بِلَا أَجْرٍ وَحَسْبُكَ لَذَّةً
إِنْ قُلْتَ يَوْمًا إِنَّهُ ابْنُ بِلَادِي
حُلْوُ الحَدِيثِ فَإِنْ يَضُمَّكَ مَجْلِسٌ
رَوَّيْتَ مِنْ خَمْرِ الحَدِيثِ الصَّادِي
وَتُقَلِّبُ النَّظَرَ البَعِيدَ فَلَيْسَ مِنْ
رَأْيٍ تَجِيءُ بِهِ بِغَيْرِ سَدَادِ
•••
هَذِي صِفَاتُكَ يَا خَلِيلُ رِثَاؤُهَا
فَرْضٌ عَلَى الشُّعَرَاءِ وَالنُّقَّادِ
لَوْ كُنْتُ أَعْرِفُ بَعْضَهَا لَوَجَدْتَنِي
يَوْمَ الرَّحِيلِ لَهَا عَلَى اسْتِعْدَادِ١
لَوْلَا مَمَاتُكَ لَمْ تَزَلْ مَدْفُونَةً
كَالدُّرِّ فِي غَوْرِ السُّكُوتِ الهَادِي
يَحْمِي التَّوَاضُعُ سِرَّهَا وَيَصُونُهَا
عَنْ رَائِحٍ أَلِفَ الثَّنَاءَ وَغَادِ
لَكَ صُورَةٌ فِي الذِّهْنِ صَوَّرَهَا لَنَا
كَرَمٌ خَرَجْتَ بِهِ عَنِ المُعْتَادِ
نَبْكِي مَلَامِحَهَا وَمَا نَبْكِي سِوَى
رَجُلٍ لِيَوْمِ كَرِيهَةٍ وَسَدَادِ
•••
لِمَنِ الرَّكَائِبُ بَعْدَ بُعْدِكَ تُنْتَضَى
ضَلَّ الدَّلِيلُ بِهَا وَحَارَ الحَادِي
يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الخَلِيلِ وَجَاهِهِ
وَحَصَافَةٍ وَضِيَافَةٍ وَوِدَادِ
عَفَتِ الدِّيَارُ فَلَا الخَلِيلُ بِرَاجِعٍ
يَوْمًا وَلَا عَهْدُ المُنَى بِمُعَادِ
•••
أَزَعِيمَنَا المَحْبُوبَ هَذِي سَاعَةٌ
جِئْنَا إِلَيْكَ بِهَا عَلَى مِيعَادِ
مِلْءُ الصُّدُورِ فَمَا يَهُمُّ إِذَا خَلَا
مِنْكَ المَكَانُ بِصَدْرِ هَذَا النَّادِي
بَيَّضْتَ بِالعَمَلِ الكَرِيمِ رِحَابَهُ
فَغَدَا عَلَيْكَ مُجَلَّلًا بِسَوَادِ
وَمُؤَبِّنُوكَ بِهِ يُجِيبُهُمُ الصَّدَى
مِنْ سَفْحِ لُبْنَانَ لِهَذَا الوَادِي
زَوِّدْ بَنِي البُؤْسَى جَمِيلًا بَاقِيًا
وَاحْمِلْ مِنَ الرِّضْوَانِ أَجْمَلَ زَادِ
١٩٢٢
١
إشارة إلى أن الناظم كان قد تمنَّعَ عن تأبين الفقيد يوم دفنه لجهله
به.