الليل
نُظم قسم منها في بيروت في خطاب للمرحوم نجيب مصور، وقد كلفه بها، ثم زِيد عليها وأُلقيت في مصر في خطاب عن الألم.
يَا فَحْمَةَ اللَّيْلِ كَمْ أَضْرَمْتِ بِي نَارًا
وَهِجْتِ تَحْتَ رَمَادِ القَلْبِ أَسْرَارَا
وَكَمْ سَدَلْتِ عَلَى عَيْنِي سِتَارَ دُجَى
وَمَا رَفَعْتِ لِعَيْنِ الفِكْرِ أَسْتَارَا
هَلْ أَنْتِ يَا ظُلُمَاتِ الكَوْنِ شَاعِرَةٌ
بِحَرِّ أَنْفَاسِ صَبٍّ فِيكِ قَدْ حَارَا
بِشَاعِرٍ هَامَ فِي نَجْوَاكِ مُلْتَمِسًا
وَحْيًا لِيَمْلَأَ سَمْعَ الدَّهْرِ أَشْعَارَا
الكَوْنُ فِي حُضْنِكِ الهَادِي يَنَامُ وَفِي
جَنْبَيْهِ قَلْبٌ حَمَاهُ النَّوْمُ مُخْتَارَا
مِنْ دُونِكِ البَحْرُ عُمْقًا وَالسَّمَا سَعَةً
وَالصَّمْتُ صَمْتُكِ نَامَ الكَوْنُ أَوْ ثَارَا
وَالمَوْتُ أَقْرَبُ شَيْءٍ شَبَّهُوكِ بِهِ
لَوْ أَنَّ لِلْمَوْتِ إِقْبَالًا وَإِدْبَارَا
هَذَا جَبِينُكِ لَا طَيٌّ يُجَعِّدُهُ
وَكَمْ طَوَيْتِ بِهِ نَاسًا وَأَعْمَارَا
تَنَهُّدَاتُ الوَرَى، مَا تَصْنَعِينَ بِهَا
قُولِي وَهَلْ تَحْفَظِينَ السِّرَّ أَدْهَارَا
وَمَا تَقُولُ لَكِ الأَحْلَامُ طَائِرَةً
مِنَ الجُفُونِ إِذَا طَيْفُ الكَرَى طَارَا
وَأَيْنَ تُخْفِينَ نُورَ السَّابِحَاتِ عَلَى
مَتْنِ الأَثِيرِ إِذَا مَا عَرْشُكِ انْهَارَا
تَغُوصُ فِي بَحْرِكِ الدَّاجِي وَتَطْلَعُ أَمْ
تَطْوِي إِلَى الشَّاطِئِ المَجْهُولِ أَبْحَارَا؟
•••
يَا لَيْلُ، يَا لَيْلُ، كَمْ نَادَاكَ مِنْ طَرَبٍ
صَوْتُ المُغَنِّي فَمَا حَرَّكْتَ أَوْتَارَا
إِنْ كُنْتَ لِلرَّاحَةِ الكُبْرَى خُلِقْتَ فَكَمْ
أَرَحْتَ عَيْنًا وَكَمْ أَتْعَبْتَ أَفْكَارَا
وَكَمْ قَتَلْتَ ضَمِيرًا كَانَ يَخْفُقُ فِي
جَوِّ النُّفُوسِ فَغَارَتْ عِنْدَمَا غَارَا
لَيْلَ المُحِبِّينَ هَلْ هَذِي عُيُونُهُمُ
نَامُوا فَأَطْلَعْتَهَا فِي اللَّيْلِ أَقْمَارَا
وَهَلْ تُطِلُّ عَلَى الآلَامِ بَعْدَهُمُ
أَمْ تُرْسِلُ النُّورَ لِلْأَحْبَابِ تِذْكَارَا
•••
تَزَحْزَحِي يَا غُيُومَ الأُفْقِ وَانْقَشِعِي
وَأَرْسِلِي يَا عُيُونَ الأُفْقِ أَنْوَارَا
بَلْ فَاحْمِلِينِي عَلَى أَشْبَاهِ أَجْنِحَةٍ
حَتَّى أَرَى غَيْرَ دَارِ البُؤْسِ لِي دَارَا
أُوَدِّعُ القِطْعَةَ اللَّحْمَ الَّتِي أَسَرَتْ
رُوحِي وَأُصْبِحُ فِي الآفَاقِ سَيَّارَا
فَلَا أَرَى الدَّمَ فَوْقَ الأَرْضِ مُنْدَفِقًا
وَالبُغْضُ يُضْرِمُ فِيهَا النَّارَ وَالعَارَا
١٩٠٤، ١٩١٨