الأرض تخاطب الإنسان
نُظمت هذه القصيدة في عرض الكلام عن التجديد في الشعر (انظر: على المنبر ج١) مثلًا خاصًّا للتساهل في الجمع بين الأوزان المتقاربة، وفي القافية. وللتوسع في استعمال الألفاظ على غير معناها المفهوم.
لَقَدْ شِبْتُ، وَمَا شِبْتُ
تَقُولُ الأَرْضُ لِلنَّاسِ
فَمِنْ شَرْقٍ إِلَى غَرْبِ
وَمِنْ قُطْبٍ إِلَى قُطْبِ
وَمِنْ رَأْسِي لِأَطْرَافِي
يَمُرُّ الدَّهْرُ كَالحُلْمِ
عَلَى جِسْمِي
فَلَا يُوهِنُ مِنْ عَزْمِي
وَلَا يُرْهِقُ أَعْطَافِي
وَكَيْفَ أُصَابُ بِالهَرَمِ
وَمِنْ ذَهَبِ الضِّيَاءِ دَمِي
وَأُمِّي الشَّمْسُ فِي الفَجْرِ
بِقُبْلَتِهَا عَلَى ثَغْرِي
تُجَدِّدُ حَرَّ أَنْفَاسِي
صَحِبْتُ ذُنُوبَ الزَّمَانِ فَلَمْ
أَجِدْ مِثْلَ يَوْمِي وَآفَاتِهِ
جُنُونٌ عَلَى رَمَمِي زَحْفُهُ
وَفِي أَضْلُعِي وَقْعُ ضَرْبَاتِهِ
يَلِذُّ ضَرْبُ المِعْوَلِ
يَقُولُ لِي
أَنْتِ الغِذَاءُ وَالمُنَى
يَا أُمَّنَا
لَا تَبْخُلِي
وَأَمَّا ضَرْبَةُ العَارِ
لِسَلْبِ مَعَادِنِ الأَرْضِ
وَسَكْبِ سِلَاحِهَا النَّارِي
عَلَى الأَطْمَاعِ وَالبُغْضِ
فَمَا لِي بَعْدَهَا آسِ
•••
حَملْتُكُمُ عَلَى صَدْرِي
وَفِي الأَنْوَاءِ مُضْطَرَبِي
وَتَحْتَ سَنَادِسٍ خُضْرِ
كَتَمْتُ لَظًى تَأَجَّجَ بِي
وَفَوْقِي النَّارُ تَسْتَعِرُ
أَثَرْتَ شُوَاظَهَا القَانِي
فَثَارَ عَلَيْكَ يَا جَانِ
وَطَافَ بِرُبْعِكِ النَّاعِي
فَمَا لِلْأُمِّ مِنْ حَامِ
وَمَا لِلْأُخْتِ مِنْ رَاعِ
وَطِفْلُكِ مَهْدُهُ دَامِ
تُنَاغِيهِ وَتَحْتَضِرُ
تَرَكْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمَلِ الرْ
رُجُوعِ شُعَاعَ مُحْتَرِقِ
وَطَيْفُ اليُتْمِ فِي العَيْنَيـْ
ـنِ لَمْ يَتْرُكْ سِوَى الأَرَقِ
يُنَاجِي ظُلْمَةَ اليَأْسِ
أَلَا فِي ذِمَّةِ اللَّهِ
خَيَالٌ لَاحَ لِلسِّلْمِ
أَطَلَّ بِنَظْرَةِ السَّاهِي
وَطَارَ بِخِفَّةِ الحُلْمِ
فَمَا كَحَّلْتُ أَجْفَانِي
فَرَشْتُ لَهُ عَلَى جَنْبِي
وَثِيرَ مَطَارِفِ الحُبِّ
فَأَسْرَعَ دُونَهُ المَدْفَعْ
وَخَرَّبَ ذَلِكَ المَضْجَعْ
وَغَطَّاهُ بِأَكْفَانِ
وَكَانَتْ بَهْجَةُ العِيدِ
فَلَمْ يَتْرُكْ عَلَى بَابِي
سِوَى الأَعْيَادِ لِلدُّودِ
وَعَنْ قِيثَارَةِ الغَابِ
أَنَابَ أَنِينَ أَرْمَاسِي
لَقَدْ شِبْتُ وَمَا شِبْتُ
تَقُولُ الأَرْضُ لِلنَّاسِ
•••
يَا لِسِحْرٍ حَمَلْتُهُ فِي جَبِينِي
مِنْ رَبِيعِ الْآمَالِ وَالأَيْتَامِ
وَعِنَاقِ السَّمَاءِ فِي زُرْقَةِ البَحـْ
ـرِ وَفِي خُضْرَةِ الشُّعَاعِ النَّامِي
وَاخْتِلَاجِ الفَضَاءِ وَاللَّيْلُ يَمْشِي
حَافِيًا فِي السُّهُولِ وَالْآكَامِ
وَرَمَادِ الضِّيَاءِ يُذْرِيهِ فَوْقِي
قَمَرٌ سَاهِرٌ عَلَى أَحْلَامِي
وَصَلَاةٌ تَعْلُو مَعَ المَوْجِ وَالرِّيـْ
ـحِ عَلَى زَفَّةٍ مِنَ الأَنْغَامِ
وَشَذَا السُّكْرِ عَابِقًا فِي بُرُودِي
مِنْ مُدَامِ الهَوَى أَوِ الأَوْهَامِ …
صُوَرٌ لِلْجَمَالِ شَوَّهْتُمُوهَا
بِدُخَانٍ مِنْ حَالِكِ الآثَامِ
أَطْفَأَ النُّورَ فِي الثُّغُورِ وَأَلْقَى
شَبَحَ الجُوعِ فِي العُيُونِ الدَّوَامِي
•••
مَا لِنَجْوَى الأَسْلَاكِ لَا تَسْتَفِزُّ الـْ
ـيَوْمَ أَصْدَاؤُهَا سِوَى آلَامِي
وَلِخَطِّ الحَدِيدِ أَرْجُفُ مِنْ قُضـْ
ـبَانِهِ وَهْيَ أَضْلُعِي وَعِظَامِي
وَالجَوَارِي، مِنَ الضِّفَافِ إِلَيْهَا
نَظَرَاتٌ لَيْسَتْ حَدِيثَ هُيَامِ
وَعَلَى الطَّائِرَاتِ أَلْفُ سَلَامٍ
يَوْمَ كَانَتْ لِرَاحَتِي وَسَلَامِي
رُسُلُ الفَقْرِ وَالدَّمَارِ وَقَبْلًا
حَمَلَتْ ثَرْوَتِي وَصَانَتْ حُطَامِي
وَإِلَى هَذِهِ المَخَازِي انْتَهَيْتُمْ
بَعْدَ نَهْكِ العُقُولِ وَالأَجْسَامِ
وَعُصُورٍ مِنْ ظُلْمَةٍ وَشَقَاءٍ
وَخُنُوعٍ وَثَوْرَةٍ وَانْتِقَامِ؟
بِئْسَ عُمْرَانُكُمْ وَحِكْمَةُ جِيلٍ
أَفْسَدَتْهُ سِيَاسَةُ الحُكَّامِ
•••
أَلَا فَارْجِعْ إِلَى دَارِي
وَإِنْ شَطَّتْ بِكَ الدَّارُ
وَلَا تَهْزَأْ بِأَسْرَارِي
فَفِيهَا النُّورُ وَالنَّارُ
لِمَنْ يُؤْمِنُ أَوْ يَسْعَى
أَلَيْسَ الجُوعُ وَالحُبُّ
مَدَارَ حَيَاتِكَ المُرَّةْ
فَحَسْبُكَ فِيهِمَا حَسْبُ
بَسَاطَةُ عِيشَةٍ حُرَّةْ
وُجُودٌ يُنْصِفُ الزَّرْعَا
إِذَا ابْتَسَمَتْ عَلَى ثَغْرِي الأَمَانِي
فَهَلْ تَبْقَى سَمَاؤُكَ مُكْفَهِرَّةْ
وَمَا مَعْنَى الحَلَاوَةِ فِي دِنَانِي
إِذَا كَانَتْ عَلَى شَفَتَيْكَ مُرَّةْ
عَصَرْتُ مِنْ دَمِ قَلْبِي
فِي كَأْسِ حُبِّكَ خَمْرًا
فَمَا تَمَلَّيْتَ حُبًّا
وَلَا تَذَوَّقْتَ عَصْرًا
أَكُلَّمَا فَاضَ رِزْقِي
بَدَّلْتَ بِاليُسْرِ عُسْرًا
فَتَحْرِقُ الزَّرْعَ شَهْرًا
وَتَمْنَعُ الزَّرْعَ شَهْرًا
•••
وَضَعْتَ القَيْدَ فِي نَحْرِي
فَضَاعَتْ فِيكَ آمَالِي
وَرُحْتَ تَزِيدُ فِي فَقْرِي
تُرِيقُ دَمِي عَلَى قَبْرِي
تُمَزِّقُ شَمْلَ عُمَّالِي
إِلَامَ إِلَامَ يَا عَاتِي
تُحَوِّلُ عَنْكَ خَيْرَاتِي
وَتُغْرِقُ بِالدَّمِ الزَّاهِي
بَسَاتِينِي وَجَنَّاتِي
وَتَجْحَدُ نِعْمَةَ اللَّهِ
لَقَدْ غَامَرْتُ فِي الحَرْبِ
بِآمَالِي وَأَمْوَالِي
وَكَانَتْ مَعْكَ لِي حَالٌ
فَلَمْ تَثْبُتْ عَلَى حَالِ
وَلَمْ تُشْفِقْ عَلَى شَعْبِي
فَأَيْنَ المُنْقِذُ الفَادِي
يُعِيدُ إِلَيَّ أَمْجَادِي
وَيَنْشُرُ فِي دُجَى الحِقْدِ
عَلَى البَاقِينَ مِنْ وُلْدِي
شُعَاعَ الرَّحْمَةِ الهَادِي
بِقُوَّةِ سَاعِدٍ حُرِّ
يُدِيرُ الرَّفْشَ وَالمِعْوَلْ
وَثَوْرَةِ فِتْيَةٍ غِرٍّ
يَلِينُ لِعَزْمِهَا الجَنْدَلْ
عَسَاكَ تَلِينُ يَا قَاسِ
لَقَدْ شِبْتُ وَمَا شِبْتُ
تَقُولُ الأَرْضُ لِلنَّاسِ