يوم الأحد ١٢ تشرين الثاني سنة ١٩٤٣ أقامت الكتائب اللبنانية حفلتها السنوية في سينما
روكسي، وألقى الناظم فيها هذه القصيدة، ثم طبعها المؤتمر الوطني على نفقته لتُوَزَّع
هديةً
للشباب اللبناني، وصَدَّرَهَا بهذا البيت للناظم:
والمؤتمر الوطني حزب تألَّف عامئذٍ من صفوة اللبنانيين؛ احتجاجًا على اعتقال السلطة
الفرنسية رئيس الجمهورية والوزراء، وسعيًا للإفراج عنهم.
حَيِّ الكَتَائِبَ، وَانْشُرْ فَوْقَ لُبْنَانَ
رُوحَ الكَتَائِبِ فِي شِيبٍ وَفِتْيَانِ
وَابْعَثْ بِشُعْلَتِهَا فِي كُلِّ جَارِحَةٍ
حُبَّ الجِهَادِ وَجَدِّدْ مَجْدَ عَدْنَانِ
شَمْسُ العُرُوبَةِ فِي لُبْنَانَ مَا غَرُبَتْ
يَوْمًا وَلَا غَابَ عَنْهُ نُورُهَا القَانِي
كَمْ مِنْ شَهِيدٍ لَهَا فِيهِ، وَكَمْ بَطَلٍ
وَثَائِرٍ مِنْ عَرِينِ الأُسْدِ غَضْبَانِ
وَذِي يَرَاعٍ طَوَى الآفَاقَ يَزْرَعُهَا
مَا ضَمَّتِ الضَّادُ مِنْ حُسْنٍ وَإِحْسَانِ
•••
شَبَابَ لُبْنَانَ هَلْ كُنْتُمْ لِنُصْرَتِهِ
إِلَّا سِلَاحَيْنِ مِنْ حَقٍّ وَإِيمَانِ
أَزْمَانَ لَا حَقَّ مَرْفُوعَ اللِّوَاءِ وَلَا
إِيمَانَ يُلْهِبُ عَزْمَ اليَائِسِ الوَانِي
كَانُوا إِذَا ذُكِرَ اسْتِقْلَالُهُ ضَحِكُوا
كَأَنَّهُ حُلْمٌ فِي جَفْنِ وَسْنَانِ
أَرَدْتُمُوهُ عَلَى الأَيَّامِ مُتَّحِدًا
حُرًّا فَكُنْتُمْ لَهُ فِي كُلِّ مَيْدَانِ
تُحَارِبُونَ مِنَ الأَخْلَاقِ مَا عَبَثَتْ
بِهِ تَقَالِيدُ عَادَاتٍ وَأَدْيَانِ
وَتَنْشُرُونَ مِنَ التَّارِيخِ مَا نَقَشَتْ
أَجْدَادُكُمْ فِيهِ مِنْ عِزٍّ وَمِنْ شَانِ
كَمْ وَقْفَةٍ لَكُمُ يَعْلُو الجَبِينُ بِهَا
فِي جَلْبِ مَكْرُمَةٍ أَوْ دَفْعِ عُدْوَانِ
فَتَمْلَئُونَ بِأَعْمَالٍ لَكُمْ غُرَرٍ
كَفَّ الفَقَيرِ وَجَوْفَ الجَائِعِ العَانِي
وَتَضْرِبُونَ عَلَى أَيْدِي الأُلَى احْتَكَرُوا
مَوَارِدَ العَيْشِ مِنْ قَاصٍ وَمِنْ دَانِ
قَدْ كَانَ فِي البُرْجِ مِنْكُمْ مَشْهَدٌ عَجَبٌ
يَا عُجْبَ مَا شَهِدَتْ فِي البُرْجِ عَيْنَانِ
جَاءَتْ كَتَائِبُكُمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ
عَزْلَاءَ تَمْشِي صُفُوفًا بَيْنَ نِيرَانِ
وَالشَّعْبُ مِنْ حَوْلِكُمْ قَدْ ضَجَّ مِنْ جَزَعٍ
وَالبُرْجُ ضَجَّ بِزِنْجَيٍّ وَسُودَانِي
فَارْتَدَّ عَنْكُمْ كَمِيُّ القَوْمِ فِي خَجَلٍ
وَعُدْتُمُ بِجَبِينٍ غَيْرِ خَجْلَانِ
مَنْ صَيَّرَ النَّاسَ أَحْرَارًا بَثَوْرَتِهِ
هَلْ يَسْتَعِينُ عَلَى حُرٍّ بَعَبْدَانِ
اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ نَصْرٍ صَحَائِفُهُ
تَبْقَى عَلَى الدَّهْرِ مَا يَبْقَى الجَدِيدَانِ
•••
بِالأَمْسِ هَبَّتْ عَلَى لُبْنَانَ عَاصِفَةٌ
أَوْدَتْ بِمَا فِيهِ مِنْ حُكْمٍ وَسُلْطَانِ
فَرَوَّعَ العَرَبَ الأَحْرَارَ مَصْرَعُهُ
مِنَ الشَّآمِ إِلَى أَطْرَافِ حُورَانِ
إِلَى العَرِيشِ فَصَاحَتْ مِصْرُ صَيْحَتَهَا
إِلَى العِرَاقِ فَهَبَّتْ أُسْدُ بَغْدَانِ
إِلَى الحِجَازِ، إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ، إِلَى الـْ
ـقُدْسِ الحَرَامِ، إِلَى بِطْحَاءِ عَمَّانِ
وَأَصْبَحَ البَلَدُ المَنْكُوبُ فِي مَرَجٍ
كَأَنَّهُ يَتَمَشَّى فَوْقَ بُرْكَانِ
فَكُنْتُمُ المَثَلَ الأَعْلَى لِخِدْمَتِهِ
فِي سَاعَةٍ عَزَّ فِيهَا كُلُّ مِعْوَانِ
•••
لَوْلَا النِّسَاءُ وَصَيْحَاتُ النِّسَاءِ لَمَا
سَمِعْتَ غَيْرَ صَدَى وَاهٍ وَوَلْهَانِ
خَرَجْنَ فِي مَوْكِبٍ تُغْنِي طَلَائِعَهُ
مَهَابَةُ الحَقِّ عَنْ غَارٍ وَرَيْحَانِ
كَأَنَّهُنَّ أُسُودُ الغَابِ ثَائِرَةً
يَا مَنْ رَأَى أُسْدًا فِي زِيِّ غِزْلَانِ
مَا بِنَتُ لُبْنَانَ إِلَّا نُورُ غُرَّتِهِ
يَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا، بِنْتَ لُبْنَانِ
وَاليَوْمَ عَادَتْ إِلَى الأَيَّامِ بَهْجَتُهَا
وَعَادَ لُبْنَانُ وَهْوَ الظَّافِرُ الهَانِي
فَأَنْجِزُوا مَا تَبَقَّى مِنْ رِسَالَتِكُمْ
وَطَهِّرُوا الجَوَّ مِنْ غِلٍّ وَأَضْغَانِ
لُبْنَانُ لَا يَتَخَلَّى عَنْ حُكُومَتِهِ
فَلَيْسَ دُسْتُورُ قَوْمٍ لِعْبَ صِبْيَانِ
كَمْ عَاهَدُوهُ عَلَى اسْتِقْلَالِهِ وَمَضَوْا
بِهِ فَمَا نَالَ مِنْهُ غَيْرَ حِرْمَانِ
اللَّهُ عَزَّزَ هَذَا اليَوْمَ شَوْكَتَهُ
فَلَيْسَ يُثْنِيهِ عَنْ تَحْقِيقِهِ ثَانِ
أَعْلَامُهُ الحُمْرُ رَمْزٌ إِنَّ أَرْزَتَهُ الـْ
ـخَضْرَاءُ تُسْقَى وَتُفْدَى بِالدَّمِ القَانِي
ذِكْرَى بِشَامُونَ بَيْتٌ مِنْ قَصِيدَتِهِ
تُغْنِيكَ رَوْعَتُهُ عَنْ أَلْفِ دِيوَانِ
•••
شَبَابَ لُبْنَانَ قُولُوا لِلشُّيُوخِ مَضَى
عَهْدُ الجُمُودِ وَلُفُّوهُ بِأَكْفَانِ
الأَمْسُ مُلْكُهُمُ، لَكِنْ غَدٌ لَكُمُ
وَمَا غَدٌ غَيْرَ تَجْدِيدٍ وَعُمْرَانِ
دَمُ الشَّبَابِ غَلَى فِيهِ فَأَكْسَبَهُ
صَلَابَةَ العُودِ فِي المَبْنِيِّ وَالبَانِي
وَمَا الشَّبَابُ بِأَيَّامٍ يُعَدُّ بِهَا
إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ لِلْعَلْيَا جَنَاحَانِ
قِيثَارَةٌ فِي يَمِينِ الدَّهْرِ مَا لُمِسَتْ
إِلَّا تَفَجَّرَ مِنْهَا قُدْسُ أَلْحَانِ
أَلْحَانُ مَجْدٍ وَإِقْدَامٍ وَتَضْحِيَةٍ
وَثَوْرَةٍ وَمُرُوءَاتٍ وَغُفْرَانِ
يَا فَجْرَ يَوْمٍ إِلَيْهِ مُنْتَهَى أَمَلِي
وَنُورُهُ مَالِئٌ قَلْبِي وَوِجْدَانِي
غَدَاةَ يَجْمَعُ دَاعِي الحُبِّ شَمْلَكُمُ
عَلَى تَسَابِيحِ إِنْجِيلٍ وَقُرْآنِ
وَفِي القُلُوبِ وَفِي الآذَانِ قَاطِبَةً
صَوْتُ المُؤَذِّنِ وَالنَّاقُوسِ سِيَّانِ
غَدَاةَ تُمْحَى حَزَازَاتُ الصُّدُورِ فَلَا
يُثِيرُهَا الدِّينُ حَرْبًا بَيْنَ إِخْوَانِ
وَلَا يُفَضَّلُ مَخْلُوقٌ لِمَذْهَبِهِ
مِنْ مُسْلِمٍ وَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِي
الطَّائِفِيَّةُ، يَا رَبَّاهُ مَغْفِرَةً
بَلِيَّةُ الشَّرْقِ هَذِي مُنْذُ أَزْمَانِ
دَكُّ المَعَاقِلِ وَالبَاسْتِيلِ أَهْوَنُ مِنْ
دَكِّ التَّعَصُّبِ فِي مِحْرَابِهَا الجَانِي
غُولُ الأَسَاطِيرِ لَمْ يَفْتِكْ هِرَقْلُ بِهِ
إِلَّا لِيُنْقِذَ مِنْهُ العَالَمَ الفَانِي
وَالطَّائِفِيَّةُ غُولُ العَصْرِ، فَاتَّحِدُوا
حَتَّى يَكُونَ هِرَقْلًا كُلُّ لُبْنَانِي
حُلْمٌ جَمِيلٌ أُغَذِّيهِ فَيُسْعِدُنِي
وَكَمْ تَعَهَّدْتُ مِنْ حُلْمٍ فَأَشْقَانِي
حُلْمٌ وَلَكِنْ مَعَ الأَحْلَامِ قَدْ تَلِدُ الدْ
دُنْيَا عَجَائِبَ مَعْرُوفٍ وَعِرْفَانِ
وَمَا المَعَالِي إِذَا حَقَّقْتَ عَنْ كَثَبٍ
إِلَّا وَلِيدَةَ أَحْلَامٍ وَإِيمَانِ
•••
شَبَابَ لُبْنَانَ، لَا نَامَتْ لَكُمْ هِمَمٌ
مَا كَانَ لُبْنَانُ لَوْلَاهَا بِيَقْظَانِ
خَلْفَ البِحَارِ إِلَيْنَا اليَوْمَ شَاخِصَةٌ
عُيُونُ أَهْلٍ وَأَحْبَابٍ وَخِلَّانِ
فِي عَهْدِهِ الأَوَّلِ المَذْمُومِ مَا يَئِسُوا
مِنْهُ، فَكَيْفَ بِهِمْ فِي عَهْدِهِ الثَّانِي
كَمْ سَاهَرُوهُ اللَّيَالِي فِي مَضَاجِعِهِمْ
وَشَارَكُوهُ بِأَفْرَاحٍ وَأَحْزَانِ
هُمْ وَسَّعُوهُ حُدُودًا حَيْثُمَا نَزَلُوا
وَصَوَّرُوهُ مِنَ الفُصْحَى بِأَلْوَانِ
وَأَرْسَلُوا الفِكْرَةَ العَرْبَاءَ حَامِلَةً
لِلْغَرْبِ عَنْ أَصْغَرَيْهِ خَيْرَ تِبْيَانِ
وَلَمْ يَزَالُوا عَلَى بُعْدِ الدِّيَارِ بِهِمْ
يَشْدُونَ بِالأَرْزِ فِي سِرٍّ وَإِعْلَانِ
لَا تَجْعَلُوا خَيْبَةَ الآمَالِ تَصْدِمُهُمْ
إِذَا حَلَتْ لَهُمُ رُجْعَى لِأَوْطَانِ
•••
شَبَابَ لُبْنَانَ، هَذَا اليَوْمُ عِيدُكُمُ
بَلْ عِيدُ كُلِّ فَتًى لِلْمَجْدِ ظَمْآنِ
مَاذَا تُرِيدُونَ مِنِّي بَعْدَمَا شَعَلَ الـْ
ـبَيَاضُ رَأْسِي، وَهَدَّ الدَّهْرُ بُنْيَانِي
لَوْلَاكُمُ مَا أَثَارَ الشَّوْقُ كَامِنَةً
مِنِّي وَلَا هَزَّنِي لِلشِّعْرِ شَيْطَانِي
هَذَا دَمِي إِنْ تُنَادُونِي وَذَا قَلَمِي
كِلَاهُمَا عَرَبِيُّ الأَصْلِ لُبْنَانِي