محمد
قيل في كلية المقاصد الخيرية في عيد المولد.
نَبِيَّ العُرْبِ أَلْهَمَنِي بَيَانَا
عَلَى عَجْزِي، أَهُزُّ بِهِ الزَّمَانَا
وَأَرْفَعُ لِلنُّفُوسِ لِوَاءَ حَقٍّ
وَأَبْسُطُهُ عَلَى الدُّنْيَا أَمَانَا
وَأَجْعَلُ فِي حَنَايَا كُلِّ صَدْرٍ
لِمَوْلِدِكَ المُبَارَكِ مِهْرَجَانَا
•••
أَلَا فِي ذِمَّةِ التَّارِيخِ يَوْمٌ
بِهِ التَّارِيخُ ضَاءَ وَعَزَّ شَانَا
تَبَلَّجَتِ الجَزِيرَةُ عَنْ سَنَاهُ
فَأَلْبَسَ رَمْلَهَا العَارِي جُمَانَا
وَحَوَّلَ وَحْشَةَ الصَّحْرَاءِ أُنْسًا
وَأَفْسَحَ لِلخُلُودِ بِهَا مَكَانَا
وَدَوَّى صَوْتُهُ فِي كُلِّ أُذْنٍ
عَلَى الآفَاقِ، يُطْرِبُهَا أَذَانَا
•••
رِمَالَ البِيْدِ كَمْ أَغْرَيْتِ ظَعْنًا
فَكَابَدَ فِيكِ مِنْ ظَمَأٍ وَعَانَا
يَلِجُّ بِقَفْرِكِ الخَاوِي حُدَاءً
وَلَا يَقْضِي الحُدَاءُ لَهُ لُبَانَا
وَمَا دَرَتِ القَوَافِلُ أَيَّ سِرٍّ
عَلَيْهِ نَامَ صَدْرُكِ مُنْذُ كَانَا
وَأَيَّ غَدٍ يُطِلُّ بِهِ، جِنَانًا
وَمَاءً كَوْثَرًا يُرْوِي الجِنَانَا
تَمُرُّ بِكِ اللَّيَالِي كَالِحَاتٍ
وَمَكَّةُ كَالعَرَائِسِ عُنْفُوَانَا
وَفَي أَجْفَانِهَا حُلْمٌ بَعِيدٌ
تَجُرُّ بِهِ المَطَارِفَ أُرْجُوَانَا
وَحَوْلَ اللَّاتِ وَالعُزَّى طَوَافٌ
يُرَوِّعُهَا وَيَسْتَبِقُ الأَوَانَا
وَنَجْمُ الجَاهِلِيَّةِ فِي أُفُولٍ
وَرَبُّ عُكَاظَ مَعْقُودٌ لِسَانَا
وَأَجْنِحَةُ المَلَائِكِ فِي الأَعَالِي
يَمُورُ حَفِيفُهَا آنًا فَآنَا
إِلَى أَنْ شَاءَ رَبُّكِ فَاسْتَقَرَّتْ
وَقَالَتْ لِلْمُقَدَّرِ كُنْ فَكَانَا
وَمِنْ مَهْدٍ قُرَيْشِيٍّ عَدِيمٍ
تَعَالَى النُّورُ فَاكْتَسَحَ الزَّمَانَا
فَيَا لَكَ مَوْلِدًا حَضَنَتْهُ دُنْيَا
لِيَأْخُذَ بِالهُدَى الدُّنْيَا احْتِضَانَا
وَيَا لَكَ مِنْ يَتِيمٍ عَزَّ يُتْمًا
وَحَلَّى الفَقْرُ حُلَّتَهُ وَزَانَا
يُحَمِّلُ نَفْسَهُ زُهْدًا وَسُهْدًا
وَتَشْرِيدًا وَجُوعًا وَامْتِهَانَا
وَلَا يُثْنِيهِ وَعُدٌ أَوْ وَعِيدٌ
لِيَلْوِيَ دُونَ دَعْوَتِهِ العِنَانَا
يَرَى فِي الشَّمْسِ مَطْمَحَ نَاظِرَيْهِ
وَيَغْمُرُ وَجْهَهُ القَمَرُ افْتِتَانَا
فَلَوْ وَضَعُوهُمَا فِي رَاحَتَيْهِ
لَمَا رَضِيَ التَّخَاذُلَ أَوْ تَوَانَى
حَوَاهُ «حِرَاءُ» كَنْزَ الدَّهْرِ حِينًا
وَلُغْزًا فِي دُجَى الغَارِ اسْتَبَانَا
يَرُوحُ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ وَيَغْدُو
فَيَنْفَحُهُ الفَصَاحَةَ وَالبَيَانَا
وَيُصْلِتُهُ عَلَى الكُفَّارِ سَيْفًا
مَتَى يَقْطُرْ دَمًا يَقْطُرْ حَنَانَا
•••
وَكَانَ هُنَاكَ فِي الحُكْمِ انْتِدَابٌ
عَلَى الأَعْرَابِ يُثْقِلُهُمْ هَوَانَا
فَلِلرُّومِ الشَآمُ عَنَتْ وَدَانَتْ
وَلِلْفُرْسِ العِرَاقُ عَنَا وَدَانَا
فَحَطَّمَ بَعْدَ قَيْصَرَ مَجْدَ كِسْرَى
وَقَالَ خُذُوا لِوَحْدَتِكُمْ ضَمَانَا
وَأَعْطَاهُمْ عَلَى الإِسْلَامِ دِينًا
يُوَزِّعُ فِي الوَرَى الشِّيَمَ الحِسَانَا
وَلَمْ يَحْبِسْ عَنِ الأُنْثَى حُقُوقًا
وَلَمْ يَنْقُضْ لِسُلْطَتِهَا كَيَانَا
فَكَانَ لَهَا جَلَالُ الأُمِّ عَرْشًا
وَإِحْسَانُ النُبُوَّةِ صَوْلَجَانَا
تُخَضِّبُ بِالحَيَاءِ لَهَا جَبِينًا
وَمَا خَضَبَتْ لِزِينَتِهَا بَنَانَا
فَيَا دُنْيَا اسْتَعِزِّي إِنَّ فَجْرًا
جَدِيدًا لِلْمَكَارِمِ فِيكِ بَانَا
يَفِيضُ سَمَاحَةً وَيُشِعُّ عَدْلًا
وَيُصْلِي مَنْ بَغَى حَرْبًا عَوَانَا
تَعَالِيمٌ لَوِ العَرَبُ اسْتَمَرَّتْ
عَلَيْهَا، أَيْنَ مِنْهَا أَنْ تُهَانَا
•••
يَتِيمَ الدَّهْرِ، لِلدَّهْرِ انْقِلَابٌ
دَهَا الأَجْيَالَ مِنْهُ مَا دَهَانَا
وَهَذَا اليَوْمُ بَارِقُهُ الأَمَانِي
تُطِلُّ فَلَا تُضِلُّ بِهَا خُطَانَا
لِيَجْمَعَ شَمْلَهُ فِي المَجْدِ شَعْبٌ
عَلَى شَرَفِ العُرُوبَةِ مَا اسْتَكَانَا
وَلُبْنَانُ الَّذِي لِلضَّادِ فِيهِ
مَنَابِعُ لَمْ يُفَجِّرْهَا سِوَانَا
وَقَدْ أَبْقَى لَهُ فِي كُلِّ أَرْضٍ
يَحُلُّ بِهَا بَنُوهُ تُرْجُمَانَا
يُحَيِّي اليَوْمَ عِيدَكَ مُسْتَقِلًّا
فَتَمَلَأُ بَهْجَةُ العِيدِ الجِنَانَا
•••
بَنِي أُمِّي، خَبَرْنَا الغَرْبَ دَهْرًا
وَشَاهَدْنَا مَطَامِعَهُ عِيَانَا
فَكَيْفَ يَغُرُّنَا مِنْهُ سَرَابٌ
نَشُدُّ لَهُ الرِّحَالَ وَمَا سَقَانَا
تَبَاعَدْنَا زَمَانًا وَافْتَرَقْنَا
فَهَلَّا جَاءَ مَوْعِدُنَا وَحَانَا
وَهَلَّا كَانَ غَيْرَ الحُبِّ حَالٌ
يُوَحِّدُنَا وَيُبْلِغُنَا مُنَانَا؟
وَمَا اسْتِقْلَالُنَا إِلَّا سَبِيلٌ
لِنُوسِعَ فِي مَدَى العُلْيَا مَدَانَا
ضَرَعْتُ إِلَى السَّمَاءِ بِحَقِّ عِيسَى
وَحَقِّكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ يُصَانَا