لَا، لَا أُصَدِّقُ أَنَّ تَحْتَ ظَوَاهِرٍ
مَلَكِيَّةٍ تُخْفِي الحَقِيقَةُ أَرْقَمَا
لَكِنَّمَا ذَا الخَطُّ خَطُّ بَنَانِهَا
لَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ الكَلَامُ تَكَلَّمَا
خَطٌّ، فَلَوْ هَبَطَتْ مَلَائِكَةُ العُلَا
لَمْ تَقْوَ مَعَهُ أَنْ تُبَرِّأَ مِنْهُمَا
ذَا خَطُّهَا مُدَّتْ إِلَى تِسْطِيرِهِ
يَدُهَا الَّتِي مُدَّتْ إِلَيِّ لِتُلْثَمَا
يَا وَيْحَهَا، سَفَكَتْ مِدَادَ دَوَاتِهَا
بِحُرُوفِهِ، لَكِنَّهَا سَفَكَتْ دَمَا
الآنَ قَدْ أَدْرَكْتُ كَيْفَ تَمَنَّعَتْ
مِنْ أَنْ تُوَافِقَنِي عَلَى تَرْكِ الحِمَى
قَبِلَتْ بِإِبْعَادِي، وَتِلْكَ ضَحِيَّةٌ
مَا كُنْتُ أَحْسَبُهَا خِدَاعًا قَبْلَمَا …
•••
مَنْ ذَا يُصَدِّقُ … بَعْدَمَا اتَّحَدَتْ عَوَا
طِفُنَا، وَأَصْبَحَ قَلْبُهَا بِي مُغْرَمَا؟
كَانَتْ رَفِيقِي فِي الهَوَى، قَطَعَتْ مَعِي
غَابَاتِهِ، وَرَمَتْ لِأَبْعَدَ مُرْتَمَى
وَتَسَلَّقَتْ قِمَمَ الغَرَامِ، وَمُذْ رَأَتْ
وَادِي الشَّقَا لَمْ تَخْشَ أَنْ تَتَقَدَّمَا
فَتَحَمَّلَتْ أَلَمَ الصَّبَابَةِ وَالهَوَى
لِتُطِيعَ مَنْ تَهْوَى وَتَعْصِي اللُّوَّمَا
وَتَأَلَّمَتْ وَبَكَتْ … وَلَمْ يَكُ كُلُّ ذَا
إِلَّا خِدَاعًا ضِعْتُ فِيهِ تَوَهُّمَا
إِنْ كَانَ أَيَّتُهَا الأَبَالِسُ قُوَّةً
لِلْمَكْرِ أَنْ تُخْفِي الحَقَائِقَ مِثْلَمَا …
فَعَلَامَ حَتَّى الآنَ لَمْ تَتَمَكَّنِي
بِدَهَاكِ مِنْ أَنْ تَخْرُقِي بَابَ السَّمَا
•••
لَمَّا كَشَفْتُ لَهَا مَخَاطِرَ حُبِّنَا
وَأَرَيْتُهَا وَجْهَ الخَلَاصِ لِيَسْلَمَا
مَا كَانَ أَسْرَعَ مَا تَبَدَّلَ لَوْنُهَا
تُبْدِي التَأَثُّرَ وَهْيَ تُضْمِرُ عَكْسَ مَا …
وَبِأَيِّ مَظْهَرِ عِزَّةٍ وَشَهَامَةٍ
غَلَبَتْ أَبِي إِذْ جَاءَهَا مُتَهَكِّمَا
وَبِأَيِّ مُعْتَرَكٍ شَدِيدٍ هَوْلُهُ
أُغْمِي عَلَيْهَا دُونَ أَنْ تَتَأَلَّمَا
تَاللَّهِ يَا لُغَةَ الخِدَاعِ فَمَا الَّذِي
أَبْقَيْتِهِ لِلصِّدْقِ كَيْ يَتَكَلَّمَا
يَا أَيُّهَا الإِخْلَاصُ مَاذَا تَرْتَدِي
إِنْ كَانَ ثَوْبُكَ لِلْخِيَانَةِ سُلِّمَا
•••
لِلَّهِ أَوَّلُ قُبْلَةٍ قَبَّلْتُهَا
قَدْ كَانَ مِثْلَ فَمِي فُؤَادِي مُغْرَمَا
وَعَوَاصِفُ الأَهْوَاءِ فِيَّ عَظِيمَةٌ
لَكِنْ عَفَافِي كَانَ مِنْهَا أَعْظَمَا
أَفَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ بَيْنَ ضُلُوعِهَا
إِلَّا البُرُودَةُ وَالجَفَاءُ كَمَا هُمَا؟
كَمْ كُنْتُ أَشْعُرُ عِنْدَ تَطْوِيقِي لَهَا
أَنَّ النَّعِيمَ بِرَاحَتَيَّ تَجَسَّمَا
وَفُؤَادُهَا إِذْ ذَاكَ لَمْ يَكُ شَاعِرًا
بِسَوَى جَرِيمَتِهَا … وَلَمْ أَكُ مُجْرِمًا
(ثم يعزم على قتلها والانتحار من بعدها، فيقول — وهو حتى الساعة
لم يجتمع إليها ليتحقَّق صحة الرسالة):
قَرُبَتْ سَاعَةُ الهَلَاكِ فَأَهْلًا
إِنَّمَا يَا لُوِيزُ قُرْبُكِ أَحْلَى
فَلْتَمُوتِي مَعِي فَمَوْتُكِ وَاجِبْ
لَا وَحَقِّ السَّمَاءِ لَا بُدَّ مِنْهَا
فَهِيَ مُلْكِي وَلَسْتُ أَصْبِرُ عَنْهَا
لَسْتُ أَرْضَى بِأَنْ أَمُوتَ وَتَبْقَى
بَعْدَمَا عِشْتُ فِي الصَّبَابَةِ مَعْهَا
وَأَرَتْنِي الشَّقَا وَلَمْ تَكُ تَشْقَى
كَانَ لِي فِي الشَّبَابِ حُلْمٌ تَجَلَّى
بِمَجَالِي الغَرَامُ، وَاليَوْمَ وَلَّى
وَمَعَ الحُلْمِ كُلُّ عُمْرِيَ ذَاهِبْ
فَاسْتَعِدِّي، فَمَا رَسُولُ الهَلَاكِ
غَيْرَ صَبٍّ بِالأَمْسِ كَانَ فِدَاكِ
وَاحْجُبِي وَجْهَكِ المُخَادِعَ عَنِّي
أَنَا مَا عُدْتُ قَادِرًا أَنْ أَرَاكِ
•••
يَا إِلَهَ الوُجُودِ دَعْهَا وَدَعْنِي
أَتَوَلَّى تَعْذِيبَهَا بِيَدَيَّا
قَدْ تَخَلَّيْتُ عَنْ جَمِيعِ الخَلَائِقْ
لَكَ يَا رَبَّهَا فَعَنْهَا تَخَلَّ
وَبِهَا اليَوْمَ لَا تُطَالِبْ شَقِيًّا
غَيْرَهَا فِي الوُجُودِ لَمْ يَكُ طَالِبْ
(وأخيرًا هذا المشهد من الفصل الخامس عندما جاء فرناندُ لويزَ،
لا يعرف كيف يبادِئُها الحديث. يهم فيرى من عذوبتها ما يلجم لسانه، وتُقبِل هي عليه
فترى في وجهه ما لا تعهد فترجع خائفةً حائرةً. تعرِض عليه الغناءَ فيرفض، واللعبَ
فيأبى، والقراءةَ فلا يجيب. تقول ويصمت، وتبسم ويعبس، وتجدُّ حينًا وتهزل، ولا تدرك
من سبب لهذا الغضب، وهو يتململ ويتعذَّب ويعض على شفتيه، إلى أن يطفح الكيل فيصيح
بها):
كُفِّي خِدَاعَكِ يَا شَقِيَّةُ وَارْجِعِي
فَلَقَدْ شُفِيتُ مِنَ الغَرَامِ المُوجِعِ
وَاسْتَرْجِعِي تِلْكَ اللِّحَاظَ، فَلَمْ أَدَعْ
لِسِهَامِهَا فِي مُهْجَتِي مِنْ مَوْضِعِ
وَتَقَدَّمِي يَا حَيَّةً لَمْ تَنْخَدِعْ
عَيْنِي بِهَا إِلَّا لِتَجْلِبَ مَصْرَعِي
قُومِي، اهْجُمِي، انْتَفِضِي أَمَامِي، وَاظْهَرِي
فِي هَوْلِ مَنْظَرِكِ القَبِيحِ المُفْزِعِ
وَتَجَرَّدِي مِنْ صُورَةٍ مَلَكِيَّةٍ
مَا كَانَ لَوْلَاهَا إِلَيْكِ تَطَلُّعِي
وَلْيَحْتَجِبْ ذَاكَ المَلَاكُ فَلَمْ يَعُدْ
لِي فِي المَلَاكِ وَقُرْبِهِ مِنْ مَطْمَعِ
•••
أَنَا لَا أُدِينُكَ يَا إِلَهِي، إِنَّمَا
لِمَ تَنْقُضُ الدُّنْيَا شَرَائِعَهَا مَعِي
لِمَ هَذِه الكَأْسُ الجَمِيلَةُ، إِنْ يَكُنْ
لَا شَيْءَ فِيهَا غَيْرَ سُمٍّ مُفْجِعِ
صَوَّرْتَ أَجْمَلَ صُورَةٍ، وَجَعَلْتَهَا
سِتْرًا لِأَقْبَحِ مَا خَلَقْتَ وَأَشْنَعِ
•••
وَعَلَامَ ذَا الصَّوْتُ الشَجِيُّ كَأَنَّمَا
نَغَمَاتُهُ سِحْرٌ يَمُرُّ بِمَسْمَعِي
هَلْ يُحْسِنُ الوَتَرُ المُقَطَّعُ يَا تُرَى
لَحْنًا كَهَذَا اللَّحْنِ غَيْرَ مُقَطَّعِ
لَا عَيْبَ فِيهَا، لَا تَنَافُرَ … كُلُّهَا
حُسْنٌ يَدُلُّ عَلَى اعْتِنَاءِ المُبْدِعِ
إِلَّا الفُؤَادَ … كَأَنَّ رَبَّكِ لَمْ يُطِقْ
إِبْقَاءَ صَنْعَتِهِ بَغَيْرِ تَصَنُّعِ
أَلُوِيزُ بِاللَّهِ اذْكُرِي زَمَنَ الهَوَى
أَيَّامَ قَلْبِي عَنْكِ غَيْرَ مُمَنَّعِ
أَيَّامَ كَاشَفْنَا الصِّبَا أَسْرَارَهُ
وَأَنَا وَأَنْتِ مِنَ الصَّبَابَةِ لَا نَعِي
أَيَّامَ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ سَعَادَتِي
فِي قُبْلَةٍ تُطْفِي وَتُلْهِبُ أَضْلُعِي
أَلُوِيزُ هَلْ أَذْنَبْتُ نَحْوَكِ يَا تُرَى
حَتَّى صَنَعْتِ مَعِي الَّذِي لَمْ أَصْنَعِ
أَنَا مَا قَطَعْتُ صِلَاتِ حُبِّكِ مَرَّةً
فِيمَا أَسَأْتُ إِلَيْكِ حَتَّى تَقْطَعِي؟