في رثاء الدارعة ﭬﻜﺘﻮريا ورجالها، مقدَّمَة إلى جلالة ملكة الإنكليز وإمبراطورة
الهند.
الإِنْكِلِيزُ اليَوْمَ فِي حَسَرَاتِهَا
سَكْرَى تُصَعِّدُ بِالأَسَى زَفَرَاتِهَا
أَعَلِمْتَ أيَّةَ نَكْبَةٍ رُزِئَتْ بِهَا
مِنْ عَادِيَاتِ الدَّهْرِ فِي غَارَاتِهَا؟
قِفْ بِي فَدَيْتُكَ لَحْظَةً مُتَأَمِّلًا
فِي حَادِثٍ أَوْدَى بِخَيْرِ كُمَاتِهَا
بَعَثَتْ بِأُسْطُولٍ لَهَا لِسِيَاحَةٍ
فِي البَحْرِ، سَاعِيَةً إِلَى حَاجَاتِهَا
فَأَتَى، وَبَيْنَ صُفُوفِهِ ﭬِﻜْﺘُﻮرِيَا
لَا تَلْحَقُ الأَبْصَارُ مُرْتَفَعَاتِهَا
بِمُدَرَّعَاتٍ كَالجِبَالِ مَنَاعَةً
تَجْرِي نَظِيرَ الأُسْدِ فِي فَلَوَاتِهَا
وَصَلَتْ إِلَى بَيْرُوتَ فِي تَطْوَافِهَا
فَرَسَتْ بِهَا حِينًا عَلَى ضَفَّاتِهَا
وَأَتَتْ طَرَابُلْسَ الشَّآمِ وَمَا دَرَتْ
أَنَّ القَضَاءَ يَحُومُ فِي فَسَحَاتِهَا
وَقَفَتْ بِعُرْضِ البَحْرِ كَيْ تُجْرِي مُنَا
وَرَةً بِهِ جَرْيًا عَلَى عَادَاتِهَا
وَهُنَاكَ قَدْ سَاقَ القَضَا ﭬِﻜْﺘُﻮرِيَا
لِتَضُمَّهَا الأَمْوَاهُ فِي لُجَّاتِهَا
صُدِمَتْ بِكَمْبردُونَ فَانْشَقَّتْ وَقَدْ
جَرَتِ المِيَاهُ تَغُورُ فِي غُرُفَاتِهَا
فَتَخَوَّفَ الأَقْوَامُ عُقْبَى أَمْرِهَا
وَبَغَوْا خَلَاصَ النَّفْسِ مِنْ آفَاتِهَا
أَمَّا رَئِيسُهُمُ الأَمِيرُ فَلَمْ يُبِحْ
لَهُمُ الفِرَارَ مُؤَمِّلًا بِنَجَاتِهَا
لَكِنْ مِيَاهُ البَحْرِ خَانَتْهُ فَمُذْ
دَخَلَتْ إِلَيْهَا عَطَّلَتْ آلَاتِهَا
إِذْ ذَاكَ بَادَرَ بَعْضُ مَنْ فِيهَا إِلَى
خَوْضِ المِيَاهِ لِيُدْرِكُوا جَارَاتِهَا
وَسِوَاهُمُ مِمَّنْ بَقُوا فِي جَوْفِهَا
طَلَبَتْهُمُ الأَمْوَاهُ مِنْ شُرُفَاتِهَا
أَمَّا الأَمْيرَالُ النَّبِيلُ فَإِنَّهُ
لَمْ يَرْضَ عِيشَتَهُ عَلَى عِلَّاتِهَا
فَاخْتَارَ أَنْ يَتَجَرَّعَ الكَأْسَ الَّتِي
بِخُطَاهُ جَرَّعَهَا أَعَزَّ ذَوَاتِهَا
وَأَقَامَ يَنْتَظِرُ المَنِيَّةَ مُطْرِقًا
فِي الأَرْضِ لَيْسَ يَخَافُ تَهْدِيدَاتِهَا
حَتَّى هَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ وَاخَتَفَتْ
مِنْ لُجَّةِ الإِبْحَارِ فِي ظُلَمَاتِهَا
وَالقَوْمُ فَوْقَ البَرِّ يَنْتَظِرُونَهَا
ظَنًّا بِهَا غَاصَتْ بِتَمْرِينَاتِهَا
وَالنَّاسُ فِي بَاقِي البَوَارِجِ خِلْتُهَا
مِنْ هَوْلِ ذَاكَ الخَطْبِ فِي سَكَرَاتِهَا
•••
ثَبَتَتْ عَلَى الأَمْوَاجِ بِضْعَ دَقَائِقَ
عَجَبًا فَأَيْنَ مُحَدِّثِيَ بَثَبَاتِهَا
مِنْ صَدْمَةٍ قَدْ عُطِّلَتْ وَهِيَ الَّتِي
كَانَتْ تَخَافُ الأَرْضُ مِنْ صَدَمَاتِهَا
لَهَفِي عَلَى تِلْكَ المَعَالِمِ كَيْفَ قَدْ
سَمَحْتَ صُرُوفُ زَمَانِهَا بِشَتَاتِهَا
هِيَ فِي أُرُوبَّا قُوَّةُ البَحْرِ الَّتِي
لِمُصَابِهَا شَمَلَ الأَسَى قُوَّاتِهَا
فَلْتَخْفِضِ الرَّايَاتِ كُلُّ سَفِينَةٍ
فِي البَحْرِ تَرْفَعُ بَعْدَهَا رَايَاتِهَا
وَلْتَحْفَظِ الذِّكْرَى لَهَا أَخَوَاتُهَا
مَا وَجَّهَتْ لِبِلَادِنَا خُطُوَاتِهَا
•••
يَا زَائِرًا مِينَا طَرَابُلْسَ الْتَفِتْ
وَانْظُرْ هُنَاكَ إِلَى بَعِيدِ جِهَاتِهَا
وَاقْطَعْ مِنَ الأَمْيَالِ فِيهَا خَمْسَةً
نَحْوَ الشَّمَالِ وَقِفْ بُعَيْدَ فَوَاتِهَا
فَهُنَاكَ تَحْتَ مِيَاهِهَا ﭬِﻜْﺘُﻮرِيَا
غَرِقَتْ إِلَى السَّبْعِينَ مِنْ قَامَاتِهَا
تَرَكَتْ بِلَادَ الغَرْبِ مَشْرِقَ وَجْهِهَا
وَأَتَتْ فَكَانَ الشَّرْقُ مَغْرِبَ ذَاتِهَا
غَرِقَتْ بِبَحْرِ الرُّومِ مَنْ كَانَتْ تَخُو
ضُ الأُوقِيَانُوسَاتُ فِي غَزَوَاتِهَا
ذَهَبَتْ وَمَا أَبْقَتْ لَهَا أَثَرًا فَوَا
عَجَبَاهُ أَيْنَ جَمِيعُ مَحْمُولَاتِهَا
أَيْنَ المَدَافِعُ مُرْعِدَاتٍ فِي الفَضَا
إِنْ أَمْطَرَتْ فَوْقَ العِدَى بِكُرَاتِهَا
بَلْ أَيْنَ مَا فِيهَا مِنَ الآلَاتِ إِنْ
هِيَ أَنْفَذَتْ فِي البَحْرِ حَرَّاقَاتِهَا
بَلْ أَيْنَ مَنْ فِيهَا مِنَ الآسَادِ إِنْ
وَثَبَتْ تَهُزُّ الأَرْضَ فِي وَثَبَاتِهَا
بَلْ أَيْنَ مَنْ فِيهَا مِنَ الأَشْبَالِ قَدْ
قَصَفَتْ غُصُونًا فِي رَبِيعِ حَيَاتِهَا
تَرَكَتْ بِلَادَ شَبَابِهَا مَا وَدَّعَتْ
إِخْوَانَهَا فِيهَا وَلَا أَخَوَاتِهَا
•••
اليَوْمَ أَمْسَتْ إِنْكِلْتِرَا وَقَدْ
شَمَلَ الأَسَى أَطْرَافَ مَعْمُورَاتِهَا
اليَوْمَ فَوْقَ شُطُوطِهَا تَلْقَى مِنَ السـْ
ـسُكَّانِ مَنْ عَدَّتْهُمُ بِمِئَاتِهَا
وَلَدٌ يَشُوقُ إلِىَ أَبِيهِ وَوَالِدٌ
يَبْكِي ابْنَهُ المَدْفُونَ فِي طَبَقَاتِهَا
وَهُنَاكَ غَادَاتٌ تَنُوحُ صَبَابَةً
مَزَجَتْ مِيَاهَ البَحْرِ مِنْ عَبَرَاتِهَا
أُمٌّ تَذُوبُ عَلَى ابْنِهَا وَلِيَأْسِهَا
مَلَّتْ مِنَ الدُّنْيَا وَمِنْ لَذَّاتِهَا
وَحَبِيبَةٌ مَوْعُودَةٌ بِلِقَاءِ مَنْ
تَهْوَى وَلَكِنْ لَمْ تَنَلْ غَايَاتِهَا
•••
يَا قُطْرَ لُنْدُنَ أَنْتَ مُنْتَظِرٌ إِذَنْ
ﭬِﻜْﺘُﻮرِيَا لِتَعُودَ مِنْ سَفَرَاتِهَا
خَبِّرْ بَنِيكَ وَسَاكِنِيكَ بِأَنَّهُ
قَدْ غَيَّرَتْ ﭬِﻜْﺘُﻮرِيَا عَادَاتِهَا
نَسِيَتْ بَنِيهَا فِي الحِمَى وَمَعَاهِدَ الـْ
آرَامِ وَالغِزْلَانِ عِنْدَ بَنَاتِهَا
يَا قَوْمُ هَلْ رَأَتْ المَمَالِكُ أَوْ رَوَى التـْ
ـتَارِيخُ خَطْبًا مِثْلَ ذَا لِرُوَاتِهَا
جَزَعَتْ بِلَادُ الإِنْكِلِيزِ لِفَقْدِهَا
جَزَعًا يُخَلِّدُ فِي الوَرَى لَهَفَاتِهَا
خَسِرَتْ بِهَا رُكْنًا لَهَا فِي بَحْرِهَا
فِي جُنْدِهَا فِي شَعْبِهَا وَسَرَاتِهَا
فِي رَأْسِ مَنْ وَلِيَ البِحَارَةَ عِنْدَهَا
وَأَمِيرُهَا المُمْتَازُ فِي سَاحَاتِهَا
مَاذَا يُصِيبُ تُرَى قَرِينَتَهُ الَّتِي
قَدْ أَوْحَشَتْهَا الدَّارُ مِنْ مِشْكَاتِهَا
بَلْ كَيْفَ حَالُ مَلِيكَةٍ لَمْ يَنْدَرِجْ
ذَا الخَطْبُ يَوْمًا بَيْنَ مَحْذُورَاتِهَا
يَا صَبْرُ، فَافْخَرْ أَنْ تُرَافِقَ قَلْبَهَا
فَسِوَاكَ مَوْقِفُهُ عَلَى عَتَبَاتِهَا
عَرَفَتْ مُلُوكُ العَصْرِ عِظْمَ مُصَابِهَا
وَلِذَاكَ عَزَّتْهَا عَلَى نَكَبَاتِهَا
وَجَلَالَةُ السُّلْطَانِ فِي ذَا الخَطْبِ قَدْ
جَادَتْ بِمَا اعْتَادَتْهُ مِنْ حَسَنَاتِهَا
لَمَّا أَتَاهَا نَعْيُ مَنْ صُرِعُوا بِهِ
وَهَبَتْ لَهَا أَرْضًا لِضَمِّ رُفَاتِهَا
وَلِتِلْكَ مَأْثُرَةٌ تُؤَيِّدُ أَنَّهَا
وَقَفَتْ لِخَيْرِ قَرِيبِهَا نِيَّاتِهَا
•••
هَذِي حِكَايَةُ حَالِهَا حَرَّرْتُهَا
بَيَدِ الأَسَى دُفِعَتْ بِتَأْثِيرَاتِهَا
شَرْقِيَّةٌ عَرَبِيَّةٌ نَزَعَتْ إِلَى
غَرْبِ البِلَادِ تَبَثُّهُ خَطَرَاتِهَا
لَمْ تَقْتَنِعْ فِيمَا أَتَتْ لَوْ لَمْ يَكُنْ
قَدْ بَخَّرَ الزَّفَرَاتِ حِبْرُ دَوَاتِهَا
هِيَ أَنَّةُ الغَرْبِ الَّتِي فِي الشَّرْقِ قَدْ
رَنَّتْ فَحَدِّثْ عَنْ صَدَى رَنَّاتِهَا
عَزَّى الإِلَهُ الإِنْكِلِيزَ وَلَا سَلَتْ
صَبْرًا فَإِنَّ الصَّبْرَ بَعْضُ صِفَاتِهَا
وَلَهَا عَنِ المَفْقُودِ بِالمَوْجُودِ مِنْ
أَبْطَالِهَا عِوَضٌ وَمِنْ سَادَاتِهَا
وقال بعد خروجه من المدرسة — من قصيدة يرثي بها إلياس صالح صاحب قصيدة الحرية
الأدبية التي أنشدها في الكلية «الجامعة الأمريكية اليوم»، وكان لها وقع عظيم، ثم
سافر إلى مصر للاشتراك في تحرير المقطم، فلم يمهله القضاء لإظهار مواهبه الأدبية
والشعرية:
أَرَوَّعَكَ الطَّيْرُ المُغَرِّدُ فِي الفَجْرِ
فَقُمْتَ كَئِيبَ النَّفْسِ مُنْقَبِضَ الصَّدْرِ؟
•••
أَسِيرُ عَلَى العُشْبِ المُرَطَّبِ بِالنَّدَى
فَلَا أُقْلِقُ النُّوَّامَ فِي ذَلِكَ القَفْرِ
وَآوِي إِلَى ظِلِّ المَدَافِنِ عِنْدَمَا
تُطِلُّ عَلَيَّ الشَّمْسُ مُوقِظَةً فِكْرِي
أُخَاطِبُ بِالتِّذْكَارِ قَوْمًا تَقَدَّمُوا
وَمَا أَبْقَتِ الأَيَّامُ مِنْهُمْ سِوَى الذِّكْرِ
وَأَذْهَبُ بِالنَّجْوَى إِلَيْهِمْ مُحَدِّثًا
بِشَكْوَايَ أَهْلَ القَبْرِ يَا جِيرَةَ القَبْرِ
إِذَا مَا بَدَا لِلْعَيْنِ مَثْوَى ابْنِ صَالِحٍ
وَقَفَتُ لَدَيْهِ خَاشِعَ الطَّرْفِ وَالفِكْرِ
وَأَطْلَقْتُ دَمْعِي حَوْلَهُ سَاقِيًا بِهِ
رَبِيعًا نَضِيرًا مِنْ خَلَائِقِهِ الغِرِّ
•••
وَبَعْدَكَ يَا إِلْيَاسُ لَمْ نَلْقَ صَالِحًا
لِنَظْمِ عُقُودِ السِّحْرِ سَطْرًا إِلَى سَطْرِ
تَمَثَّلْتَ فِي ذِهْنِي فَأَنْطَقْتَنِي بِمَا
يَرَاهُ الوَفَا فَرْضًا عَلَى الصَّاحِبِ الحُرِّ
فَبَلِّغْ سَلَامِي مَعْشَرًا قَدْ بَكَيْتُهُمْ
وَمَا زَالَ دَمْعِي كُلَّمَا ذُكِرُوا يَجْرِي
وَنَمْ فِي ظِلَالِ الأَمْنِ وَالرَّاحَةِ الَّتِي
تَفُوزُ بِهَا المَوْتَى إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ
هُنَاكَ ضِيَاءُ الفَجْرِ أَصْفَى أَشِعَّةً
هُنَاكَ نَسِيمُ اللَّيْلِ أَلْطَفُ إِذْ يَسْرِي