الجيش الفرنساوي في مصر
وفي سنة ١٧٩٨م هجمت الأمة الفرنساوية على مصر تحت قيادة الجنرال «بونابارت» بأربعين ألفًا من العساكر الفرنساوية، فأولًا ملكوا الإسكندرية، ثم نزلوا على مصر ووقع بينهم وبين المصريين وقائع شتى، فأول واقعة كانت عند الرحمانية، فهُزمت الجيوش المصرية، والتجئوا إلى الجيزة، فاقتفى الفرنساويون أثرهم، والتقوا عند قرية وسيم فهزمهم الفرنساويون ثاني مرة، ففر «مراد بك» ومن معه من المماليك إلى الصعيد، وفر «إبراهيم بك» شيخ البلد ومن معه من المماليك إلى الشام، وبعد تمام نصرتهم دخلوا مصر ورتبوا الدواوين لتنصلح الأحوال، وأظهروا أنهم لا يظلمون أحدًا ولا يتعرضون للرعية إلا بكل خير وأنهم مرسلون من طرف الدولة العلية، ولكن بعد يسير أظهروا ضد ما قالوه ونهبوا أمتعة المماليك ثم الأهالي وقتلوهم، وكذا قتلوا بكل قرية من قرى مصر من امتنع عن أداء ما فرض عليه من الأموال، وقد قتلوا كثيرًا من العلماء عند دخولهم الجامع الأزهر، ونشروا الخزائن التي ظنوا أن بها أموالًا، وأخذوا الكتب النفيسة التي بها، ونقلوها إلى باريس، وهي موجودة لغاية الآن بكتبخاناتهم، وربطوا خيولهم بالجامع الأزهر يومًا وليلة، ثم توجه بونابرت إلى الشام، وقاتل بها «أحمد باشا الجزار»، ثم عاد إلى مصر وترك جزءًا من جيشه لمحافظة العريش، ثم نهض لمقاومة «مصطفى باشا» بأبي قير حين حضوره من بلاد الترك، فهزمه وأخذه أسيرًا وقتله، وبعد أن جمع الأموال وولى مكانه كليبر سرى عسكر جيشه وسافر إلى فرنسا.
وفي سنة ١٢١٤ﻫ تحركت همة مولانا السلطان سليم الثالث، وجهز جيشًا تحت قيادة يوسف باشا المعدني؛ لمقاتلة الفرنساوية بمصر وبصحبته العساكر الإنكليزية المتحدة مع هذه الدولة في هذه الحرب، ففتح منهم مدينة غزة، فطلبوا الصلح وأمهلهم أربعين يومًا يجمعون فيها عساكرهم، فأجابهم لهذا الطلب، فجمعوا عساكرهم وخدعوه وغدروا به عند مدينة الخانكة فخاب أمله، ولما رجع الفرنساويون منعهم عن الدخول في القاهرة حسن بك الجداوي ومحمد بك الألفي وإبراهيم بك شيخ البلد والسيد أحمد المحروقي والسيد بيومي مكرم والشيخ الصاوي، فحاربهم الفرنساويون وهزموهم، وفي هذه الواقعة حرقوا بعض محلات باب الشعرية وبولاق. وصار كليبر ينهب أموال الأهالي، ويطلب منهم الطلبات الباهظة، فمن جملة طلبه من شيخ السادات سيدي محمد أبي الأنوار خزينة مال، فباع أمتعته هو ونساؤه فلم يف بنصف مطلوبه. وفي سنة ١٢١٥ﻫ خرج رجل من مجاوري الشوام بالأزهر على كليبر وقتله في بستان البيت الذي بالأزبكية، فقبض على المجاور المذكور وصلبوه، وبعد زمن شرع الفرنساويون في تشييد السور من باب النصر إلى باب الحديد، وجعلوا جامع الحاكم وجامع الظاهر بيبرس قلعتين.
وفي سنة ١٢١٦ﻫ وافتهم العساكر السلطانية والإنكليزية معًا تحت قيادة بوهان باشا، ووقعت بينهم وقائع شتى، وأخيرًا انتهت بالنصرة لبوهان باشا، وهَزَمَ الفرنساويين. فطلبوا الصلح فأمهلهم جملة أيام ونزلوا في مراكب، ودخلت العساكر الشاهانية والإنكليزية مصر منصورين، وكانت مدة تصرف الفرنساوية ثلاث سنين، ورجعت مصر لحوزة الدولة العلية ثانيًا.