مصر تحت حكم الدولة العثمانية المرة الثانية
وبعد أن تمت النصرة للدولة العلية على الأمة الفرنساوية أقرت الدولة «محمد خسرو باشا» واليًا عليها، وأصدرت إليه أوامر لقتال المماليك، فلما سمع هذا الخبر أكابر المماليك، وهما عثمان بك البرديسي ومحمد بك الألفي، نهضا لمقاومة الوالي المذكور، واستظهروا عليه وهزموا جيشه، فنسبت هذه الهزيمة إلى محمد علي باشا الكبير، وأضمر الوالي المذكور قتله فحاوله، وانضم بمن معه من الشجعان إلى طائفة المماليك وهزموه. ولما سمع ذلك السلطان «سليم الثالث» شق عليه وأرسل «علي باشا الجزايرلي» وأمره بالقبض على المماليك والأرنؤد، فبحضوره إلى مصر خلعوا طاعته وكسروا جيشه وقتلوه، وبعد أيام قلائل وقعت فتنة بين محمد بك الألفي وعثمان بك البرديسي، انتهت بالمعاداة بينهما.
ولم يمضِ زمن يسير حتى توفاهما الله فاتفق سادات مصر على أن يكون «محمد علي» باشا قائمقام البلد، فصادقوه على ذلك لما رأوا فيه من كمال الاستعداد، ولما كان المتولي على مصر أحمد باشا، طلع محمد علي باشا والأرنؤد في مقابلة أحمد باشا وجماعته، فجعل محمد باشا يضرب عليهم بالمدافع حتى أخرب جهة الداودية وأضعفهم، ففر أحمد باشا وانضم أتباعه إلى محمد علي باشا، فقابلهم بكل ممنونية، وصار محمد على باشا من ذلك الوقت يستميل قلوب الأهالي والعساكر إليه حتى أحبه العموم، وبغضوا الأمراء إلى أن دخلت سنة ١٢٢٠م اتفق الجنود والعلماء والعامة على عزل أحمد باشا وتولية محمد علي باشا، فامتنع أحمد باشا، فحاربه محمد علي باشا، وحصره بالقلعة فهرب من باب الجبل، فطلع محمد علي باشا القلعة وورد إليه فرمان في سنة ١٢٢١م بولايته على مصر، ثم أمر بعد ذلك بالتوجه إلى سالونيك وأن يسلم البلد إلى أكابر المماليك، بشرط أن يدفعوا للدولة خمسة آلاف كيس كل عام، فتلى الفرمان على مشايخ البلاد فأجابوه جميعًا: نحن عبيد السلطان، ولكن لا نقبل إعادة حكم المماليك ثانيًا، وأوردوا أن لا يقبلوا واليًا سوى محمد علي باشا الكبير لعلو همته ومكارم أخلاقه، فأجابهم السلطان إلى هذا الطلب؛ لإطفاء الفتنة، وصدرت الأوامر السلطانية بتقرير عزيز مصر محمد علي باشا الكبير واليًا عليها، وذلك سنة ١٢١٩ﻫ الموافقة سنة ١٨٠٤م، ودخلت مصر تحت حكم الدولة المحمدية العلوية، وها نحن تحت ظل رعيتها على أحسن حال وأتم منوال. خلد الله ملكها إلى آخر الزمان بجاه سيد ولد عدنان.