في تاريخ مصر وهي في حكم الفرس
(١) العائلة السابعة والعشرون الفارسية
ذكر قمبيز بن قيروش من ٥٢٩–٥٢٥ق.م
ولما تمكن الملك قمبيز من ديار مصر وتسلطن عليها، سعى في أن يجذب قلوب المصريين إليه بواسطة تقليد من بقي من أعيانهم بعلامات الامتياز، وقرب إليه أمناء الديانة؛ ليتعلم منهم ما اشتهروا به من العلوم والفنون، حتى إنه كان قد اتخذ لنفسه ألقابًا سلطانية مصرية، وأراد أن يوهم الناس أنه من نسل العائلات الملوكية الفرعونية، وسمى نفسه أيضًا بختنصر الثاني.
وكانت مصر قد تمهدت للقوم الفارسيين، ولم يُرَ فيها كما في عهد افتتاح الأتيوبيين لها واستيلائهم عليها في العصر السالف؛ أن قام بالأقاليم البحرية «أي الدلتا» منها بعض عصب أهلية، ولا حصل بها حروب حربية لقصد إخراج القوم الفاتحين لها منها، بل كان فتح الديار المصرية بالجيوش الفارسية قد أفزع سائر الأمم المجاورين لها، حتى إن الليبيين أذعنوا له بالطاعة من غير قتال، وكذلك اليونان سكان برقة، ولما صفا له الحال شرع في ثلاث غزوات: الغزوة الأولى كانت مع أهل قرطاجة. والثانية نحو «واحات آمون». والثالثة نحو بلاد الأتيوبيا. فجهز للأولى أسطولًا مركبًا من أناس بحارة من الفنيقيين أي الصوريين، فامتنعوا من موافقته على التوجه للهجوم؛ لداعي قرابتهم بالقرطاجيين، فتوجه قمبيز بجنوده إلى بلاد الأتيوبية بجراءة لا يتصورها العقل غير ملتفت لمؤنة جيوشه من الذخائر الضرورية، ولا لما يلزم لنفسه من وسائل الاحتراس، ولما وصل إلى مدينة «طيبة» الصعيدية وجه فرقة من جنوده الفارسية تبلغ نحو خمسين ألف عسكري لمحاربة الآمونيين «سكان واحة سيوه» التي بها معبد آمون عند اليونانيين باسم «جوبيتير»، وأمر عسكره بإحراق ذلك الهيكل وما فيه من الكهنة، واستمر على السير بباقي جنوده إلى جهة بلاد الأتيوبية، وأراد أن يختصر الطريق، فانحرف عن شواطئ النيل من عند اعوجاجه الكبير، وتوغل بعساكره الكثيرة في الصحراء المعروفة الآن بصحراء «كروسكو» لكونها أقرب طريق للأتيوبيا، فلما قطع ربع الطريق ووصل إلى سهول متسعة من الرمال لا شجر فيها ولا علف للدواب، ولا ماء للشرب، فخلص زاده ولحق جيشه القحط والجوع حتى أكل بعضهم بعضًا بالإقراع، ثم خاف على نفسه فرجع هو ومن بقي معه. وأما من توجه منهم إلى واحات «آمون» فلم يُعرف لهم خبر، ولم يُقف لهم على أثر، وبقي حالهم مجهولًا لغاية الآن، وقد روي عن بعض الكهنة الآمونيين، أن فرقة الجيوش الفارسيين الذين كانوا قد توجهوا إلى تلك الناحية، لما وصلوا إلى نحو نصف الطريق من تلك الصحاري الليبية كانت قد قامت عليهم من جهة الجنوب ريح عاصفة شديدة، فدفنتهم تحت جبال من الرمال.
ثم اعتراه داء الجنون، وصارت أفعاله اختلالات ومفاسد، حتى اتفق عند رجوعه من غزوته الخائبة إلى مدينة «منف» عيد إقامة معبود لهم جديد، وهو العجل المشهور باسم «أبيس»، حيث مات لهم عجل قديم، فظن أنهم فرحوا لهزيمته، فقتل الكهنة وأرباب الحل والعقد دون أن يسألهم عن الأسباب، وطعن العجل معبودهم، فأدماه على الأرض، ونهب ما كان بالمقادير من النفائس القديمة، وقتل أخته التي هي زوجته أيضًا، وكان قد تزوج بها على خلاف عاداتهم؛ إذ كانت العادة عندهم لا تجوِّز للأخ أن ينكح أخته إن كانا شقيقين.
ويقال إنه كان يتسلى بقتل الأعجام ويذبحهم كالأغنام، وقد قيل إنه دفن اثني عشر رجلًا من أعناقهم أحياءً في ساعة واحدة، وهال عليهم التراب؛ إذ خطر له أنهم يستحقون هذا العقاب، ونبش قبر الملك أمازيس، وضرب بالمنخاس جثته، وأيضًا القبر المشهور باسم سيرابيوم «مدفن بسقارة كان يُدفن فيه العجل أبيس بعد موته»، وأخذ ما كان به من الحلي، وإلى غير ذلك من الأحوال الشنيعة، ثم خرج من مصر بعد أن جعل نائبه على مصر «أرياندس» العجمي، قاصدًا بلاد فارس لإطفاء الفتنة التي أقادها غومات المجوسي المُسمى أيضًا «جوماتيس» المدعى أنه «سمرديس» أو «برديا» أخو قمبيز؛ لكونه كان مساويًا له في الذات، ولما وصل إلى بر الشام وجد غومات يدعو الناس للمبايعة، وبالجملة يطلب مبايعة عسكر قمبيز، فمنعهم من المبايعة متعللًا أن أخاه قتل، وأن غومات المذكور ليس من بيت الملك، فلم يصغوا لقوله، بل حملوه على الحقد لأخيه، ثم نزل ليقضي بعض حاجته، وبعد قضائها أراد أن يركب جواده، فانزلق سيفه من غمده وجرحه جرحًا بليغًا ألزمه الفراش، فمات بعد ذلك بقليل.
ذكر سمرديس الكذاب
واستمر المجوسي المذكور ملك بلاد العجم حتى ظهر غشه، فقام سبعة من الأعيان، كان من جملتهم رجل يُدعى داريوس — المعروف عند مؤرخي العرب باسم دارا — فأشار على الأمة بالتوجه في الحال ليهجموا على الملك المجوسي في قصره ويقتلوه، فوافقه جميعهم على ذلك، وقتلوه وكلَّ من صادفوه في قصره من المجوس، وبلغ هذا الخبر إلى جميع البلاد الفارسية، فقام أهل البلاد وقتلوا كل من قابلهم من المجوس، ولما تم الأمر بهذا الوجه المذكور اجتمع السبعة المتعصبون على من يكون الملك؛ إذ كان أهل بيت الملك قد انقرضوا، فاتفقوا على أن يتوجه كل واحد من السبعة الأعيان المذكورين من صباح يوم الغد راكبين على ظهور أفراسهم أمام المدينة، وأول من يسلم على الشمس وهي طالعة بأول صهيل حصانه صار هو الملك المتقلد بتاج الملك دون غيره منهم، وكان الذي فاز بذلك هو دارا المذكور بواسطة حيلة وخديعة من سائسه، فتولى السلطنة سنة ٥٢١ق.م.
ذكر دارا الأول بن هيستاب ٥٢١–٤٨٥ق.م
وبمجرد موت قمبيز كثرت الفتن، واشتدت العربدة بمملكة فارس، وما زالت تأخذ في الازدياد إلى عهد تقليد دارا بتاج المملكة، وكان بمدينة بابل رجل زعم أنه ابن الملك نابونيد «والد بلطازار» الذي هو آخر ملوكها، وعصى على دارا فتوجه إليه بجنوده، وقاتلهم أشد القتال، فانتصر عليهم على شواطئ نهر الدجلة، وأخرى على نهر الفرات، فالتجئوا إلى مدينة بابل فحاصرهم بها مدة عشرين شهرًا، ولم ينتهِ هذا الحصار — حسب ما حكاه هيرودوت (المؤرخ اليوناني) — إلا بواسطة خديعة حصلت على يد رجل فارسي يقال له زوبير (بالزاي المعجمة)، وهو أحد الأمراء السبع السالفي الذكر، فقطع أنفه وآذانه، وذهب على هذه الهيئة إلى القوم البابليين؛ لقصد أن يوهمهم أن الملك «دارا» هو الذي فعل به تلك الفعلة القاسية، وأنه انحاز إليهم؛ لينتقم لنفسه من سوء معاملته هذه الظاهرة، فتمت عليهم هذه الحيلة وصدقوه، فسلم المدينة لملك فارس بواسطة هذه المكيدة، فكافأه مولاه بأن قلده الولاية السترابية على بابل.
وحصلت جملة فتن في الأقاليم الشمالية، لكنها قُمعت بعناية الملك دارا، وبعد أن أطفأ سائر الفتن الأهلية، ورتب جميع بلاد سلطنته ترتيبًا سياسيًّا، تراءى له من عزم الأمور السياسية وحزم الآراء الاحتراسية فتح بلاد أوروبا، فشن الغارة على القوم السيتيين من جهة شمال بحر «بنطوكسان»، فاجتاز بوغاز البسفور — وهو بوغاز القسطنطينية الآن — وذلك بوضع سفنه بجانب بعضها، واخترق أراضي «تراقيا» وأنشأ قناطر على نهر الدانوب «الطونة»، واجتاز بهم عليها وأقام من كان في جيشه من اليونانيين حرسًا عليها، وأخذ يتتبع الأقوام السيتيين في تلك الجهات، فلم يثبتوا أمامه، بل صاروا كلما دنا منهم يتباعدون، وهكذا ما زالوا ينتقلون ويرتحلون أمام الفرس في سهول متسعة لا آخر لها، حتى كادت أن تنفذ ذخائر جنوده، ويلحق القحط جيوشه، فرجع القهقرى لأجل أن لا يقع في مثل ما وقع فيه سلفه «قمبيز» من المصائب بديار مصر، وكانوا قد تركوا مرضاهم في الطرق ولم يحملوهم معهم؛ حيث كان العدو كاد أن يلحقهم ويبطش بهم؛ حيث علموا أن جيوش الفرس قد اضمحلت قوتها وعاد «دارا» إلى بلاد آسيا بعد أن هلك عدد عظيم من جيشه. وكانت مصر في أيامه سعيدة؛ لأنه عامل أهلها بحسن المعاملة كي ينسوا ما وقع من سلفه قمبيز، وهذا الملك هو الذي شرع في عملية حفر الترعة التي توصل النيل بالبحر الأحمر — كما دلت المنقوشات الفارسية التي وجدت بتلك الجهة — وأصلح الطريق الموصل من بندر قنا إلى القصير، وأمر بقتل «إيرياندس» العجمي؛ حيث ظلم المصريين، ولما كانت عادة الفرس الجور على رعاياهم خرجت مصر عن حكمه في السنة الأخيرة، ولبس التاج الملوكي المصري أحد ذرية بساميتيك المدعو «خببش» فاجتهد دارا في إدخالها تحت الطاعة، فمات والفتنة باقية بمصر سنة ٤٨٥ق.م.
ذكر الملك خببش
وكان استيلاؤه على مصر باتفاق رأي الأمة المصرية، قال «مارييت»: «وفي مبدأ حكمه حصن مصر بالقلاع المتينة، حتى صارت مستعدة لدفع هجوم الفرس عليها، وكان مكث ثلاث سنين في تقوية الوجه البحري وتحصين الأباطح وأشاتيم النيل؛ لأنه كان يظن أن الفرس ستهاجمه من البحر، فجعل أقوى استحكاماته في السواحل، فلما فاجأه شيارش بالهجوم لم تثبت أهل الوجه البحري في صف القتال إلا قليلًا حتى استسلمت العساكر الفرس، فعاملتهم الفرس معاملة القسوة والجبروت، وضربوا المغارم على كهنتهم، ونهبوا ما كان في معبد «بوتو» من الأمتعة والنفائس، وفي خلال تلك الواقعة اختفى خببش المذكور، ولم يُعلم له مقر إلى الآن.»
ذكر الملك شيارش ٤٨٥–٤٩٢ق.م
ولما دخل مصر وضبط أهل الفتنة وعاقبهم، جعل أخاه «أخيمينيس» واليًا على مصر، ومات الملك «شيارش» بعد ذلك بقليل، وبمجرد موت الملك المذكور رفع المصريون لواء العصيان؛ لأنهم كانوا يبغضون الأعجام، ولو أنه وُجد مرسومًا في هيكل من هياكل المصريين ما يفيد مدح الأعجام، فقد وُجد منقوشًا في آثارات لقصر التعبير عن شيارش بأنه المولى المحسن سيد الجميع، فهذه كتابة رسمية فقط، والدليل على بغض المصريين لهم أنهم كانوا يطلبون استقلالهم عند موت كل ملك من هذه الدولة.
ذكر الملك أرتخشيارش
وهو الرابع من ملوك الفرس، وقد اجتهد في قطع الفتن القائمة بأرض مصر، وكان بين المصريين واليونانيين محالفات وعهود على أن يطرد اليونانيون من سواحلهم سفن دولة فارس وعساكرها، حتى لا يبقى بمصر دولة للعجم كبيرة، ووضعت حكومة أتينا سفنها الحربية في البحر؛ لمنع عبور سفن العجم، وبعثت إلى مصر جنودًا يونانية لتنضم إلى جنود مصر، فعند ذلك انهزم جند العجم، وانحازوا إلى جهة منف، فهجمت عليهم جنود المصريين في تلك الناحية، فاجتهد هذا الملك في تفريق عصبة اليونانيين من المصريين، وقبض ثانيًا على زمام مملكة مصر واستعبد أهلها وأذلهم، واستمر على ذلك حتى مات.
ذكر الملك شيارش الثاني، وسوغوديانوس، ودارا نوطيس
ولم يحكم الأول إلا مدة ٤٥ يومًا، ثم قتله أحد أولاده المدعو «سوغوديانوس»، فحكم ستة أشهر وخمسة عشر يومًا، ثم عزله وقتله دارا الثاني الملقب «رع ميامون»، وأخذ الحكم منه، ولبث حاكمًا تسع عشرة سنة على قول «مانيتون»، وفي عصره كانت دولة الفرس في اختلال، ولحق بأهلها الضيم والهوان، وكان متزوجًا بخالته، وكانت امرأة قاسية فاسدة، فلما رأى المصريون ذلك الاختلال استدعوا «أميريتيس» للتخلص من دولة الأعجام، فحضر وأقاموه رئيسًا عليهم سنة ٤٠٨ق.م، فهمَّ ومن معه من العساكر أن يطرد نائب دارا وعساكره المحتلة بالديار المصرية وأخذ في طردهم، ومات دارا في أثناء ذلك، وملك المصريون وطنهم، واشتغل بالملك، وأجرى الأصول والأحكام القديمة من سياسة وديانة، وبهذا الملك انقرضت دولة الفرس من مصر التي هي عبارة عن العائلة السابعة والعشرين، فكانت مدتها ١٢١ سنة.
(٢) ذكر العائلة الثامنة والعشرين الصاوية
ذكر الملك أميريتيس
كان هو وأبوه «بوزيريس» حاكمين على بعض الأقاليم المصرية، ولكن لما استدعى المصريون «أميريتيس» سنة ٤٠٨ق.م تقريبًا من صا الحجر قام وطرد العجم بعزمه وتدبيره، فملكوه عليهم، فكان هو المؤسس للعائلة الثامنة والعشرين، وبمجرد صعوده على كرسي المملكة بعد وفاة دارا الثاني اشتدت بمصر الفتن، وقامت القيامات، فسعى في إطفائها وتوطيد سطوته وتأييد نفوذه، فلما اعترف له غالب المصريين بالسيادة تلقب بالألقاب الفرعونية، ومع كونه حكم سبع سنين فإنه أصلح ما دمرته دولة فارس من المعابد والهياكل والصنائع الأهلية بعد بذل همته في الحروب الطويلة مع العجم التي كان بها خلاص وطنه منهم، وبوفاته انقضت العائلة الثامنة والعشرون.
(٣) ذكر العائلة التاسعة والعشرين الأشمونية
نسبة إلى أشمون الرمان «منديس»، وكان ابتداء حكمها سنة ٤٠٠ق.م تقريبًا، وعدد ملوكها خمسة؛ الأول «نفروطس».
ولم يزل هذا الملك من وقت توليته على مصر يهدد الأعجام، ويبعث إليهم العساكر، واجتهد في عقد معاهدة مع جمهورية إسبارطة اليونانية لمعاونته على الأعجام؛ لأنها خصم للفريقين، وشيد قلاعًا واستحكامات على حدود بَرِّ الشام، ومات بعد أن حكم خمس سنوات.
ذكر الملك هوقور
كان هذا الملك كسلفه أيضًا في عقد المعاهدات مع الأجانب، فعقد معاهدة مع أهل قبرص والعرب وبرقة، وبالأخص مع اليونانيين الذين ساعدوه كل المساعدة عند محاربة العجم له ونصرته عليهم، وفي أيامه قدم جملة من حكماء اليونان ليتعلموا الحكمة من حكماء مصر، وكان من جملتهم أفلاطون الحكيم، ومات بعد أن حكم ١٣ سنة.
(٤) ذكر العائلة الثلاثين السمنودية
- (١)
رأس هذه العائلة هو «نقطانب الأول»: وكانت أيامه كلها حروب وشدائد بينه وبين العجم، فقد حوَّل جيوشه نحو الطينة أو الفرمة، فأغار الأعجام على مصر من جهة مدينة أشمون الرمان، وطردوا العساكر المصرية التي بتلك الجهات، فقام نقطانب من الفرمة مسرعًا إلى مدينة أشمون الرمان، ووقع الحرب بين الطرفين، فهُزمت الجيوش الفارسية، واغتنم المصريون منهم غنائم شتى وتبعوهم حتى نزلوا سفنهم، ومات هذا الملك بعد أن حكم عشر سنين.
- (٢)
«طاخوس»: وكانت أيامه أغلبها محاماة عن الأقطار من العجم، وقد مكن المعاهدة مع اليونان، فبعثوا إليه جيشًا جرارًا تحت قيادة أجزيلاس، فلما حضر القائد المذكور أشار إليه أننا لا نهتم على العجم إذا قدموا على مصر، فقام لاستقبالهم على سواحل بر الشام، فبمجرد خروجه من حدود مصر قامت عليه العساكر وخلعوه وولوا مكانه نقطانب الثاني ابن أخيه الذي هو السبب في خلع عمه طاخوس، وكانت مدة حكمه سنتين.
- (٣)
«نقطانب الثاني»: تولى هذا الملك عقب خلع عمه فقامت ضده أخصامه، فأشار إليه أجزيلاس أن يبدد شملهم قبل انتظامهم، فقام وحاربهم وانتصر عليهم، ثم عقد معاهدة مع أهل صور وصيدا؛ إذ كانا على خوف من العجم كأهل مصر، ولذا لما قصد العجم محاربة أهل مصر ابتدءوا بمحاربة الصوريين والصيدويين، فبعث ملك مصر لمساعدتهما أربعة آلاف مقاتل، وكذا ساعدتهم أهل قبرص، فانكسرت الجنود الفارسية، فغضب من ذلك «دارا أخوس» ملك فارس من هزيمة جيشه، فجمع ٣٠٠٠٠٠ نفس، وسار بهم إلى مصر. فلما سمع نقطانب ملك مصر بقدوم ملك فارس جهز من العساكر ما يقوم بمحاماة وطنه، ولما حاصر دارا أخوس مدينة الفرمة «بيلوزة» خرج نقطانب قبل حصول الواقعة وفر هاربًا إلى السودان فخضعت مصر للأعجام فكان هذا الملك آخر ملوك مصر الوطنيين، ومن ذلك الوقت إلى عصرنا هذا، لم تعد مصر لحكم أهلها الأصليين، بل حُكمت بأمة اليونان والرومان والعرب وإلى غير ذلك.
(٥) مصر تحت حكم العجم المرة الثانية
عدد ملوك هذه العائلة ثلاثة: دارا أخوس، وابنه أرسيس، ودارا الثالث.
ذكر دارا الثالث
وكان هذا الملك معاصرًا لملك مقدونيا، وهو الإسكندر الأكبر الذي شتت دولة فارس، وهدم أركانها وهزمه في واقعة «إربل» الشهيرة بزوال مملكة الفرس، وهو آخر ملوك العجم كما سيأتي بيانه إن شاء الله عند التكلم على الإسكندر الأكبر الرومي.