لحن الموت
نشر بصحيفة الجامعة المصرية في يناير سنة ١٩٣٣.
***
أيها العراف هل عند النجوم
سر هذا الكون أو عند المنون؟
كاذبٌ عِلْمُك ما لم تُنْبِني
حِرْتُ والله وَلَجَّتْ بي الظنون
جهل السرَّ أُناس قبلنا
وَجَهِلْنا فوق جهل الأولين
حملوا العبء وقد ناءت به
أمم من قبل عاد وآمون
ولكم ساءلتُ نفسي حائرا
حيرة الساري بليل ذي دجون:
ما وجودي؟ ما سبيلي؟ من أنا؟
ما جهادي؟ ما مصيري بعد حين؟
•••
يا بني أمي لقد جَدَّ نوى
وغدًا يجمعني وادٍ شَطون
لا تقولوا: مات في شرخ الصبا
ذلك الحق تجلَّى واليقين
ليس مِني مَن بكاني فارعَووا
لن يردَّ الدمعُ محتوم المنون
•••
لا تقولوا: ليته عاش! فقد
فارق الأصفادَ عصفورٌ سجين
شاقني الخلد كما شاق القطا
سلسبيل في عِقاب وقرون
قد يضيق الغاب عن أُسْدِ الشرى
ويضيق الوكر عن طير حرون
•••
كَلِّلوا بالغار فرعي واهتفوا
في جلال الموت بين الهاتفين
واشربوا نخبيَ في حفل كما
كنتمُ يوم انتصاري تفعلون
وارقصوا حول سريري واعزفوا
واملئوا الجو بعطر الياسمين
وليقل من شاء ما شاء فحسـ
ـبيَ أنْ قد عشتُ مرفوع الجبين
لم يضعضع عَزمتي حيف الليا
لي ولم يقعد بها حظٌّ غبين
قَبِّلوني قبلةً أخرى ولا
تزعجوا صمتي بترجيع الحنين
•••
جمهِروا قبري ولا تحتفلوا
لن يَعفَّ الدود عن صخر سدين
وانشدوا شعري قيامًا، هكذا
ينبغي أن ينشد الشعر الرصين
هو وحي نزلت آياته
في قوافٍ نظمها النسج الوضين
هو آلامي وآمالي معًا
ونجاتي وصدى روحي الحزين
ولوَ انِّي عشت علَّمت الحما
م وساجلت الكراكي والعيون
رتِّلوا شعري وغنوا «من أنا؟
ما جهادي ما مصيري بعد حين؟»
وإذا شئتم فطوفوا بالمبا
خر ساعًا حول قبري خاشعين