مناجاة طفل
نشرت بمجلة الثقافة العدد ٢٦٥ بتاريخ ٢٥ / ١ / ٤٤.
***
أيها الطفل توسَّد مضجعك
سبِّح الكونَ لرب أبدعك
أطلع البدر فناغى مخدعك
يا أخا البدر إله أطلعك
لا يرعك الليل فالله معك
لا يرعك الليل يا طفل ولا
شبح الجن ولا وحش الفلا
واحذرِ الإنسان مهما أقبلا
إنما أخشى رياء وطلا
فتفرس فيه واعلم موقعك
وإذا رابك أمر فادِّخر
لغد رأيك فالرأي الحذر
واستشر نفسك أو لا تستشر
قبل أن تأخذ فيه أو تذر
كم تمنى ناصح أن يخدعك
وتَكبَّرْ كعزيز مقتدر
إن تحدك قوىٌّ ذو خطر
وتواضع لصغير مفتقر
ليس يغريه التداني بالبطر
وتجاهل عارفًا مَن صانَعك
وضعِ المعروف في وضع الندى
وانسَ ما أخفيت منه أو بدا
أنت أحسنت فماذا لو عدا
لا تؤمِّل منه خيرًا أو يدا
ضيع الخير خئون ضيَّعك
وارحم المجنون لا تهزأ به
وترفق مشفقًا من خطبه
أفتدري أنت ما في قلبه؟
إن في عينيه ما في لبه
لو أزيح الستر عنه روَّعك
وسلِ المجرمَ ماذا اجترحا؟
أي شيطان به قد جمحا؟
واعفُ عمن جار ثم انتصحا
رُبَّ جانٍ تاب ثم انصلحا
زحزحِ الغشية حتى يسمعك
لا تفرق بين دين ووطن
ليس لله حدود وزمن
ضل فيمن ضل عُبَّاد الوثن
وأرى الناس عبيدًا للسنن
فتجرَّد وتعرَّف مرجعك
كلنا نَسْلٌ لأم ولأب
لا تفرِّق بين جنس ونسب
أُمُّنا الأرض ومهما نغترب
نحن منها وإليها المنقلب
يسترد الله ما قد أودعك
إنما الدين ضميرٌ شاعر
ليس يخلو منه إلا سادر
والضمير الحي قلب عامر
وحيه الصادق أمر قاهر
فتحرر وتَخيَّر مشرعك
وابتسم للدهر وافرح للمحن
ميت الأحياء من لم يمتحن
وإذا نالك سهم فاستهن
وتلقف ثانيًا لا تَستكِن
لا تقل: أواه! مهما أوجعك
واقتحم دنياك في عزم الأسد
إنما المجد كفاح وجَلَد
عانِد الدهرَ إذا الدهر عَنَد
وابْلُغِ الشوط وإن طال الأمد
لا يَرُعْكَ الليلُ فالله معك