أيها الشاعر
نشرت بمجلة الثقافة في العدد ٢٦٨ بتاريخ ١٥ / ٢ / ٤٤.
***
أيها الشاعر الحزين عزاء
سرك الدهر بالمنى أم أساء
كم أضأت السبيل للعابر الحا
ئر والضال فاهتدى واستضاء
تلمح النفس أختها فيك حتى
تتجلى خلالُها بيضاء
أنت كالنبع في صفاء ليالٍ
زانها البدر فاستزادت رواء
أنت روح والروح من أمر ربي
لم يُزِحْ عنكما الزمان غشاء
•••
أنت في هامش الحياة كظل
حال إذ لاح ثم عاد وفاء
أنت معنًى من المعاني غريب
يعجز اللفظ عنده استعصاء
أنت طير على الأراك ولحن
في فم الدهر حيَّر الأحياء
أنت كالنحل ترشف الورد شهدًا
سائغًا ثم لا تريد جزاء
أنت كالحلم في جفون العذارى
إن دعاك النسيب والوحي جاء
أنت كالبحر تنثر الدرَّ شعرًا
والحصى حشوًا والرمال هراء
•••
يهمس الناس كلما لُحْتَ همسًا
ويناجيك مَن تراهم نجاء
شاعر شارد يهيم ضلالًا
يشرب الخمر صبحه والمساء
والعيون التي تناجيك أقسى
من لسان ينال منك افتراء
لست منهم وليس فيهم صديق
كلهم حاقد ومُبدٍ رياء
مشفق منك من تظن صديقًا
لا عليك الذي يريك وفاء
لست منهم فاربأ بنفسك عنهم
إن في الأرض مهربًا ونجاء
لست منهم فلا تصدق كذوبًا
يدعي الود أو يُفيض ثناء
لا تصدِّقْ فلو رأَوْك رفاتًا
لاستساغوا العظام تشوى شواء
•••
يعرف الناس عنك شيئًا وتُخفي
غير ما أنت معلنٌ أشياء
لستَ تشكو لغير شعرك ما تلـ
ـقى فتذكي شَكاتُك البُرحاء
شاردًا في السماء حينًا وحينًا
تذرع الأرض أو تقيس الفضاء
تمزج الشعر والدموع مزيجًا
لا تراه العيون إلا ارتياء
والنجيع الذي تصب القوافي
فيه كالخمر يستثير الغناء
•••
أنت في الناس صالح في ثمود
فادع ما شئت … لن يجيبوا دعاء
وإذا جئت بالدليل مبينًا
أعرضوا عنك مدَّعين غباء
مت وحيدًا كما حييت وحيدًا
واجرعِ الكأسَ مُرَّةً كدراء
أيها الشاعر الذي ليس يرضى
كيف بالله قد رضيت الثواء؟!
قد حملت الحياة عبئًا ثقيلًا
فاهدأ اليوم واطْرحِ الأعباء
أيها الشاعر الحزين عزاء
ذهب العمر والنشيد هباء