همس الساعة
نشرت بمجلة الرسالة عدد ٦١٠ بتاريخ ١٢ / ٣ / ١٩٤٥.
***
تَعُدُّ الثواني همسًا ونفضا
وتزحف زحفًا وتنبض نبضا
وتُدنى البعيدَ وتُقصي القريب
وتجمع شملًا وتُبعد أرضا
توارثها الناس جيلًا فجيلًا
وشكَّلها من توالى وقضَّا
تصورها البعض في عين هر
إذا الهرُّ ثبَّت جفنًا وغضَّا
ولولا الأهلة لم تعد عنها
مواقيت للناس والحج تقضى
إذا الشمس خلف الغيوم توارت
هداك سناها ولم تألُ حَضَّا
توحِّد بين اللغات وتُفضي
إلى أهلهنَّ بما هو أفضى
تبشِّر صبًّا بوصل الحبيب
فتحيي الشباب الذي كان غضَّا
ومن عجب أن يبين الجماد
وينطق جهرًا ويمعن خفضا
تبين وتفصح في صمتها
فتوجب فرضًا وتسقط فرضا
وتهمس: ما فات ودَّعْتُه
فشيعتُ حينًا وفارقت بعضا
وهيهاتَ يرجع ما قد مضى
وهيهاتَ يقبل حكمي نقضا
أتعرض عني لتسمع لغوًا
وتلقى من الناس نَوْكَى ومرضى؟!
ومعظمهم لو علمت دَعِيٌّ
يريك الوداد ويضمر بغضا
سواي يرائيك في محضر
ويفريك — إن غبت — غمزًا وعضا
وغيري يبثك ما تشتهي
ويهزأ منك إذا هو أغضى
أنا الوقت أُمْلي على عادتي
وفتكيَ من فتكة السيف أمضى
فإن شئت بادرْ إلى عزمة
فعزمي يكاد يسلُّ وينضى
وخلِّ المقادير تجري المدى
ودع ما يريبك ما دام غمضا
تنبه تنبه … ولا ترجئن
إلى الغد وانهض لأمرك نهضا
غد موعد العاجزين ووهم
تمنيك إن رمت للريح قبضا
غد — لو علمت — غيوب فعجل
وبادر لعلك في الغد ترضى
ستندم بعد فوات الأوان
وتجني الأماني صابًا وغضَّا
حذارِ حذار ولا تلحني!
فكم قد بذلت لك النصح محضا
وأنذرت حتى مللت النذير
ولولا ملالك ما عاد مضَّا
ولو قد أصختَ لقيتَ الحتوف
بدرع يصدُّ فيزداد ومضا
تضن بفلس ضنين الشحيح
وتسرف في العمر جهلًا وفوضى
فيا للضلال! تضن بدون
وترخص كنزًا وجاهًا وعرضا!