اسلمي مصر
ومن قصيدة له بعنوان «اسلمي مصر» نشرت بصحيفة الجامعة المصرية بالعدد السادس من السنة الثانية في يونيو سنة ١٩٣١.
***
اسلمي مصر على مر القرون
حسبك الله نصيرًا ومعين
لن تضامي أنت يا مهد الخلو
د وهذا بعض أشبال العرين
من تكن ليلاه مصر لا يَهِنْ
ساعة البذل ولو ذاق المنون
لا تسلني إن تصبَّاني الهوى
أهو داء ما عراني أم جنون؟
لا تسلني أفطابت هجعتي
أم قطعت الليل موصول الأنين؟
لا تسلني أشبابي قسمتي
أم شبابي في يدي ليلي رهين؟
لا تسلني لا تعظني لا تلم
هو داء في سويدائي دفين
لن تكون الصبَّ في شرع الهوى
بمزامير الجوى والعاشقين
يصدع العود فيشجيني وما
هو إلا ذلك اللوح المهين
ولقد أصغي إلى الناس ويمـ
ـلمكني اللحن فأغدو كالغبين
إيه إخواني لقد قمتم بما
يُكسب الصبَّ فخارًا ويزين
حسبكم مني قوافيَّ التي
هزج الطير بها فوق الغصون
وحدا الركبان في البيد بها
عاصر النوق فصارت كالضئين
كَلِمٌ يمليه وجداني فلا
تحسبوه من هراء الناظمين
وأنا المعتز بالشعر وإن
كنت بالشعر شحيحًا وضنين
•••
لا رعاك الله يا عهدًا مضى
عهدَ بَغْيٍ وافتئات وأفون
محنة لا عهد للناس بها
جزع الصبر لها والصابرون
عصفتْ بالحرث والنسل معًا
وأعادت عهد كسرى ونِرون
ونضت سيفًا بتوكًا كلما
هب ذُقْنَا بين حديه المنون
دولة الحجاج إن قيست بها
مَثَل في الرفق عند المنصفين
إلى أن قال في وصف بعض السياسيين المصريين لذلك العهد:
غره الحكم غرورًا فنسي
أنه كالناس من ماء وطين
ذكرتني قصة المغرور أُحـ
ـجية لكنَّ مغزاها ثمين
اسمها «الضفدع والثور» وفي
ذلك العنوان ما يغني الفطين
هكذا صال علينا ضفدع
ناقلًا عن مصطفى أو موسلين
قسمًا أجزى به ما صال أو
جال بل صالت حراب الغاصبين
خلقت منه ومن أعوانه
في كَرى الدهر طغاة فاتحين
قسمًا لولا يد خلف الستا
رة هُمْ قفازها الكاسي الوضين
ما أزيحت عن ضَفاد مَثَّلَتْ
فوق هذا المسرح الدور المتين
•••
أي سهم حدجوا مصر به
كاد ينساب إلى أصل الوتين
سفحوا دستورها وهو غرا
س سقته نصف قرن وسنين
ما سقاه يعلم الله سوى
دم أبناء كرام خيرين
حملوا الأشلاء قربانًا إلى
مَن بأيديهم ثواب الذابحين
بهلةُ الله عليهم أيَّ غا
لٍ أضاعوا من دم المستشهدين
•••
قيدوها غللوها عنوةً
وسقَوْها الكأس صابًا ووزين
ورموها بقصور يا له
من غرور بل فجور وفتون
كمموا الأحرار قسرًا وتَكفـَّ
ـل فيض المال بالمرتزقين
حرَّموا الشورى وقاموا بالوصا
ية فالقوم رعان قاصرون
قرروا أعوامها رجمًا فهل
أخذوا عهدًا على الغيب الجنين؟
حرَّموا كل حلال واستحلـُّ
ـوا فداءَ الحكم ما يندى الجبين
ركبوا الرأس وراحوا يرمقو
ن نزيه النصح باللحظ الشفون
فهم الأشراف والأنساب وقـ
ـف عليهم من جدود لبنين
وسواهم من بني الدنيا إذا
نُسب الناسُ دَعِيٌّ أو هجين
خَلِّني من زخرف التيه فلن
يرحم الدود جليلًا أو مهين
خَلِّني من ضلة الصلف فلن
يخدع الدجال محتوم المنون
وقديمًا أبطلت سحرًا عصا
وَبُعَيْدَ الموت ذكرى لن تحين
•••
لا تسلني عن جدودي إنه
لا يباهي بالجدود المعرقون
ولوَ انِّي من بني عبد منا
ف عليهم صلوات المؤمنين
ولوَ انَّ الشهب كانت في يسا
ري وكان البدر في كفي اليمين
ولوَ انَّ الشمس كانت صولجا
ني أباهي بسناها المالكين
ولوَ انَّ الناس حفُّوا بركا
بي، وأنَّى سرت ساروا صاغرين
ما غوتني هذه الدنيا ولا
فتنتني بين من يفتتنون
ذاك لو أني أخو حزم ومن
لي بحزم وأنا ماء وطين
•••
أوقف الدهر الرحى حتى إذا
بعد العهد على المستنسرين
قلب الدهر لهم ظهر المجنِّ
فَجُنُّوا وأشاروا بالغصون
حطموها حطموها! ليس يلـ
ـدغ من حجر مرارًا مؤمنون
قسمًا لو كانت الشمس لكم
والدراري أمهات وأبين
ما استطاعت لكم اليوم الشفا
عة لو جئتم إلينا زاحفين
•••
في يمين الله ما ضحيتمو
لا يُضيع الله أجرَ المخلصين
في هوى مصرٍ يُضحى عن حجًا
ورضاء كل مُسْتَبْق ضنين
لن يَضيع العرفُ عند الله إنْ
ضيَّع الخير أصيل وهجين
هو عند الناس جود ووفا
هو عند الله إيمان ودين
ولبانات الهوى شتى كَنَا
رٍ، سَلِ التاريخَ عنها والمنون
فهوى ليلى بقيس متعة
وهوى الأوطان للأحرار دين
هي ليلانا جميعًا فانظروا
هل قسطنا ما علينا من ديون؟
هل جمعنا من أفانين المنى
ما تمنته على مر السنين؟
ليتني أحيا إلى يوم أرى
فجر مصر فيه وضَّاء الجبين
لا أبالي أعظامي بعده
في سهوب من ثراها أم حزون!
لا سقاك النيل يا مصر إذا
لم نُقرِّب من أمانيك الشطون
ونعدْ مجدًا سليبًا غابرًا
ونُعيِّر بلواك العالمين