الحياة الشاعرة
(١) الخُلُق والذات
-
المرء مُسيَّر بخُلقه لا بذكائه.
-
تتكون الذاتية من عناصر متنافرة غالبًا، فوحدتها صناعية كوحدة الجيش.
-
روح الفرد مؤلفة من أرواح مجتمعة: روح الشعب، وروح العائلة، وروح الفريق الذي هو فيه عادة، وقلما أفلت من هذا الجمع المطبق عليه.
-
سبب تغير الخلق تغيرًا فجائيًّا، طروء حوادث من شأنها إيقاظ إحدى الأرواح الكامنة فينا.
-
من المتعذر الحكم على مشاعر الإنسان بما قد يأتيه في أمر معين، فالمرء في حال ليس هو هو في جميع الأحوال.
-
إنما يُعرف المرء عند عظائم الأمور، ولا سيما حين الفتنة (الثورة) فهناك تظهر مكنونات خُلقه.
-
أصل ثبات الخلق ثبات البيئة.
-
قلما تكون الأسباب التي ينتحلها المرء لأعماله هي الداعية إليها حقيقة، وإنما هي تصلح لتعليل نزعاته الداعية إلى العمل الصادرة عن المشاعر أو التدين.
-
سبب تناقض خلق المرء، راجع في الغالب إلى مغايرة إرادته الشاعرة لإرادته اللاتنبُّهيَّة.
-
قد تكون الفطنة والإرادة اللاتنبُّهيتان، أرقى من الفطنة والإرادة الشاعرتين؛ لذلك تجد من الناس من سقم رأيه وحسن عمله.
-
مَن ظن لغيره من المشاعر ما عرفه لذاته، فقد سد على نفسه باب معرفة الناس.
-
العادة تهدي المرء في كل يوم إلى ما يجب التفكير فيه وقوله وعمله.
-
المتردد لا يسير بمقتضى رغباته، بل بمقتضى ما يفترضه من ذلك لنفسه وقت اضطراره للعمل.
-
من لم يزاحم بإرادته، أضر غالبًا بسكونه.
-
ليس الذي تكبر الجماعات شأنه متصفًا حتمًا بما يعزى إليه من الأخلاق، ولكنه كثيرًا ما يكسبها في النهاية.
-
قلما تترتب عظائم الأعمال على مجهود عظيم، ولكنها في الغالب ثمرة مجهودات صغيرة.
-
مثل «من قدر على الكثير قدر على القليل.» ليس صحيحًا دائمًا؛ فذو العقل الكبير ينجح في العظائم أكثر مما ينجح في الصغائر.
-
الغرور علَّة رضا البليد عن نفسه، لأنه يُسهل عليه أن يرى لنفسه من الفضائل ما لا يكون له أبدًا.
-
مَن وثق من نفسه، غير محتاج إلى مدح غيره إياه. ومن طلب الثناء، فقد دل على ارتيابه في قيمة نفسه.
-
من انحاز لمذهب، فقد أضاع ذاتيته، ومن لم يكن من فريق فلا يطمحن إلى النفوذ في الناس.
-
أخطأ مَن قال إن كبار الأفكار تأتي من القلب، فمصدرها العقل. وإنما هي تستمد من القلب قوتها.
-
قلما اجتمع لامرئ خُلق وذكاء، لذلك ينبغي له أن يختار أصدقاءه من أهل الخلق، ومعاشريه من أهل الذكاء.
-
روح من كان سريع التأثر كالبحر المائج: تنعكس فيه أشعة الأشياء في كل يوم بلون جديد.
-
ما أشبه العقول الكبيرة بالنباتات الضخمة التي تعظم بالمعالجة ويرجع خلفها على الدوام إلى المثال الوسط لنوعها.
-
لا يملك الإنسان رغباته، ولكنه يملك إرادته غالبًا.
-
لا شيء يقف أمام إرادة قوية دائمة، حتى الطبيعة، حتى البشر، حتى القدر.
-
من كان له إرادة قوية، غلب أن يكون له رغبة قوية تدعمها، فالرغبة روح الإرادة.
(٢) الشعور والمعقول
-
المشاعر أُسُّ الحياة، فإذا ما حلَّ التعقل محل الإخلاص والبر والحب والخيالات، وهي التي تُسير المرء في الحياة، فقد انتفى كل داع إلى الحركة.
-
إنما ظهر شأن العقل في كوكبنا الأرضي متأخرًا، فكم عاشت الكائنات وتقلبت بدونه.
-
تطور المشاعر مستقل عن الإرادة، وليس في طوع امرئ أن يحب أو يكره كما يهوى، وأقوى الناس نفسًا لا سلطان له على ما فيه من إحساس وشعور إلا بقدر ما يكسر من حدتهما.
-
المشاعر قليلة التغير ولكن محلها متغير غالبًا، ومن هنا يظنون أنها متقلبة.
-
ما أسرع تولد اليقين من الخيال في دائرة المشاعر.
-
قد يؤدي التظاهر بمشاعر كاذبة إلى اكتسابها.
-
قوة البديهيات الإحساسية، تظهر في عدم الاعتداد بالبديهيات العقلية.
-
قد تجتمع في النفس الواحدة معقولات شتى، كالتي منشؤها الدين والشعور والعقل، ولكنها لا تأتلف أبدًا.
-
إنما يعالَج الشعور بالشعور، أو يتصور الشعور في الذهن. ولكن المعقول لا ينجع فيه.
-
ما يأتيه المرء كبرًا، أكبر مما يأتيه وجوبًا.
-
دوافع الشعور والاعتقاد أشد فعلًا في سيرة المرء من مستظهرات العقل كلها.
-
إذا لم يكن للرأي سند من الشعور أو الدين، بطل فعله وأشبه الطيف لا نفوذ له ولا قوة ولا بقاء.
-
حياة الأمم قائمة على المشاعر والمؤثرات الدينية والاجتماعية.
-
صحة الأمر عقلًا لا تقتضي الأخذ به دائمًا.
(٣) اللذة والألم
-
ما عرف المرء إلا حقيقتين مطلقتين: اللذة والألم، فعليهما تقوم حياته منفردًا ومجتمعًا.
-
ما اهتدت الشرائع الدينية، ولا القوانين الاجتماعية، إلى أُسٍّ تدعم به تعاليمها، إلا رجاء اللذة وخوف الألم: فعقاب أو ثواب، وجنة أو جحيم.
-
أطوار الشعور محدودة؛ لذلك لا يلبث المرء أن يصل إلى غاية اللذة أو منتهى الألم.
-
لكثرة تجدد الإحساس بذاته أثر نفسي، قد نسميه قانون الفتور وهو يُلجئ إلى تنويع الرغبات غالبًا.
-
يعترف المؤمنون بأن شدة الشوق إلى الجنة آتية من خوف الجحيم.
-
اللذة عارضة، والرغبة أبقى؛ لذلك يُقاد الناس برغباتهم، أكثر مما يقادون باللذات.
-
الغالب في السعادة أنها أمل محقق ولمَّا يتحقق.
-
الرجل الذي يعمل بمشورة البوذية، فيقتل الرغبة في نفسه، يفقد كل باعث له على العمل.
-
الرغبة مقياس مقدرة الرجال. وخيال كل أمة جامع رغباتها.
-
أكبر قواد الرجال خلاقون للرغبات. وما المصلحون إلا قوم يُحلون رغبة محل رغبة.
-
لولا الأمل في السعادة الوهمية، والأسف على عدم تحقيق ما يتصور منها، لسئم الناس طول الحياة.
-
الرجل العاقل يملك نزعات قلبه كلها، غير أن العقل لا يقتضي السعادة حتمًا.
-
السعيد نَفور من مرأى التعاسة. وقلما تدوم المحبة بين شَقي وسعيد.
-
الجذب والدفع يحكمان تطور العوالم كلها. والحب والكراهية صورتان منهما يسودان تطور الأشخاص.
-
ما طول الحياة بعدد سِنيها، بل بتنوع المشاعر في مداها.
(٤) الروح النسائية
-
خُلقت المرأة أشد تأثرًا بالمشاعر والدين منها بالمعقول.
-
الغالب أن الإلهام فوق العقل. فبه تفطن المرأة، وإنْ ضَعُف معقولها، إلى أمور لا يفقهها الرجل قويم النظر.
-
النساء حساسات أكثر منهن متعقلات، فلا يحسُن حالهن بقهرهن على إطالة التفكير.
-
تفضل المرأة الرجل أو يفضلها على حسب متعلق حركة كل منهما. ولكنها لا تساويه في موضع منها.
-
ليس للمرأة في عالم الفنون والأزياء إلا ذوق مستعار.
-
لا تَغتفر المرأة للرجل أن يستنبط ما يجول بخاطرها من خلال كلامها.
-
إما أن تسود وإما أن تساد، كذا شأن النساء ولا وسط.
-
من المتعسر الإعراب عن المشاعر بألفاظ مناط معانيها العقل، فمحاولة تعقل الحب ضرب من الهذيان.
-
لو صح للنساء كسب فضيلة الإخلاص، لفقدنَ سلطانهن على الرجال.
-
قلما يصدِّق الرجل المرأة إلا إذا كذبت، وهو بهذا يُلجئها إلى الكذب غالبًا.
-
إصرار النساء والسياسيين عادة على إنكار البديهيات، هو أهم الأسباب التي تحمل الناس على الشك فيما يقولون.
-
تلوم النساء الرجالَ لكونهم لا يفهمونهن، وأي عقلين تنافرا وتفاهما؟
-
إنما يطيب المرء في الحب بالكلام هربًا من سماع معقول.
-
الحب يرفع أو يخفض، ولا يدع المرء كما كان.
-
لا تزال أفعال المرأة صادرة عن الإلهام، لذلك تفضل الحب وإن كان خاملًا، على المجد وإن علا.
-
عجبًا للحب يخاف الريب، والشك ينميه، واليقين يميته.
-
أبقى المشاعر أكثرها اعتدالًا، والإفراط في الحب مهدد بسرعة الضجر منه.
-
بشِّر الحب إذا أبصر بالزوال.
-
من يحاول استبقاء حب ينصرم، كمن يحاول استبطاء تعاقب الأيام.
(٥) الآراء
-
آراؤنا على الدوام مقدمات لمعتقدات تتكون ولمَّا تستقر.
-
مصدر الرأي إما شعور أو دين أو عقل، والأخير أندرها.
-
رأي السواد الأعظم من الناس ليس قائمًا بالدليل، بل مبناه كراهية، أو عطف، أو رجاء.
-
البيئة تلد الآراء، والشهوات والمنافع تقلبها.
-
معظم الناس ضعيف عن الرأي الذاتي، ولكنه يتناول ما يختمر من الرأي في عشيرته.
-
قلَّ من يقدر على النظر في الأشياء على حقيقتها: فمنهم من لا يرى إلا ما يريد، ومنهم من لا يرى إلا ما يريه غيره إياه.
-
لا يتحصل للمرء مدى الحياة خمسة أفكار ذاتية أو ستة إلا إذا كان عقله مطلقًا من كل قيد.
-
السبب في أن الآراء السقيمة أعلق بالنفوس، كونها قائمة على شعور أو دين، مما لا سلطان للعقل عليه.
-
قد يتغير الرأي هنيهة من مطالعة كتاب، ولا تلبث الآراء اللاتنبُّهية أن تعود إلى سلطانها.
-
التشدد في الرأي يغلب على التسامح فيه؛ لأن الأول مبني على الشعور أو الدين، والثاني مبني على العقل.
-
عدم التسليم برأي مبناه الشعور أو الدين، تقوية له.
-
لا تخلق الجماعة الرأي، ولكنها تُكسبه قوة؛ لأن رأي الجماعة شديد العدوى.
-
قلما تجد في هذا الزمان صحيفة بلغ من استقلالها أن تسمح لمحرريها برأي من عندياتهم.
-
فقدان ملكة النقد، يُسهل قبول الآراء العامة اللازمة في حياة الأمة، فإذا انتشرت روح النقد في كل فرد من أفرادها، حان حينها.
-
قوة الرأي إذا عم لا تُصد: من أوجده ملكه، ومن لم يقدر على إيجاده وجب عليه أن يذعن إليه.
(٦) الألفاظ والصيغ
-
لا مقابل للشعور من العقل، فلا يتيسر الإعراب عنه بلفظ مناطه العقل. وعليه يتعذَّر ترجمة المشاعر بالألفاظ ترجمة دقيقة.
-
من الألفاظ ما يُشعر بوجود أفكار عدة لا تتناولها تلك الألفاظ.
-
إذا شاع اللفظ تشعبت معانيه، بحسب معقول مستعمليه.
-
لا دواء لعدم التفاهم بين من اختلفوا جنسًا ومكانة، وذكورة وأنوثة؛ فاللفظ بذاته يثير في نفس كلٍّ معنى خاصًّا، فكأنهم لا يتكلمون لغة واحدة.
-
ليس للألفاظ الدالة على صور ذهنية في لغة، ترجمة محكمة في لغة أخرى، فاللفظ يدل على صورة عند أمة، وعلى صورة تخالفها عند أمة أخرى.
-
قد تثير الألفاظ الواحدة معاني مختلفة، في نفوس الذين تباين معقولهم، وتلك علة الخلف بين الأمم في أحوال كثيرة كما رواه التاريخ.
-
من ضرورات فن سياسة الأمم، معرفة طائفة من الألفاظ المؤثرة؛ لأن فعلها أشد من فعل الأدلة العقلية غالبًا.
-
لبعض الصيغ الدينية قوة سحرية هائلة، فكم من أناس ضحَّوْا نفوسهم في سبيل أقوال لم يدركوا مراميها، وإن تجردت عن كل معنى معقول.
-
أهمية المسميات في السياسة، دون أهمية الأسماء، فكم نفذت نظريات من الخرق بمكان، في ظل ألفاظ حسنة الانتقاء.
-
لبعض الألفاظ والجمل، قوة في استحضار الصور. لكنها لا تدوم طويلًا، فتبلى ولا تعود ذات أثر في الناس.
-
لا يتغير اللفظ المخطوط إلا ببطء. أما معانيه والصور التي يحدثها، فسريعة الزوال، وعليه لا يدل الكلام القديم، إلا على معنى قديم.
-
اللسان يسبق العقل في كثير من الناس. أولئك إنما يعرفون ما يجول بخواطرهم، بعد أن يسمعوا ما يقولون.
(٧) الإقناع
(٧-١) الإلقاء في النفس، والتكرار، والعدوى
-
التوكيد والتكرار والنفوذ والتلقين والعدوى، خمسة أبواب لكتاب تام في فن الإقناع.
-
الإقناع حمل المخاطب على العمل، لا إلزامه الحجة.
-
قد تُلزم الأدلة المخاطب الحجة، ولكنها لا تحمله على العمل دائمًا، وأما التلقين والتكرار والعدوى، فإنها تنفذ إلى المشاعر اللاتنبهية فتنقلب أفعالًا.
-
عدوى العقول آكد عامل في نشر الأفكار والمعتقدات، وقلما تأتي المعتقدات السياسية من غير هذا السبيل، ثم يحاول صبغها بصبغة المعقولات لتبريرها.
-
سبب خطأ الجماعات دائمًا في نظرها كونه في الأصل خيال فرد تسرب إلى الجماعة بالعدوى.
-
متى ثبت في النفوس رأي بالعدوى أو الإلقاء، اختفى هذيانه، وقصر العقل عن النيل منه، وساد هو على الإرادة، وقاد الخطى.
-
إذا كثر تكرار النظريات الباطلة، نزلت إلى عالم اللاتنبهي وأمست بواعثَ للأفعال.
-
نيل المراد بالإلقاء في النفس، أفضل دائمًا من نيله بالرهبة.
-
ينحصر فن كبار قائدي الأفكار، في كونهم يخلقون فيمن يقودون أرواحًا جديدة.
-
إذا أردت أن يكون لك سلطان مؤقت، كفاك غالبًا أن تقنع الغير بأنه لك.
-
تقاد الأمم باستثارة شهواتها، أسهل مما تقاد بالاهتمام بمرافقها.
-
إذا أردت أن تؤثر تأثيرًا صحيحًا في الأمة، فاقصد روحها اللاتنبهية، واجتنب مخاطبة روحها الشاعرة.
-
من عرف كيف يهيمن أو يخلب، استغنى عن الخطاب ليقنع.
(٧-٢) النفوذ
-
ذو النفوذ غنيٌّ عن القوة.
-
قد يغني النفوذ عن القوة، ولا تغني القوة عن النفوذ.
-
القوة تقهر النفوس على الطاعة، والنفوذ ينزع منها خاطر العصيان.
-
لا طاعة بالاختيار من غير احترام، ولا احترام لمن لا نفوذ له.
-
النفوذ يملأ النفوس إعجابًا واحترامًا، فيعطل ملكة النقد، ويسهل تأثير الإلقاء في النفس.
-
الخطأ يمده النفوذ، أفعل من الحقيقة وحدها.
-
إذا فقدت الحكومات والأمم نفوذها، أوشكت أن تفقد كل شيء.