الحياة الاجتماعية
(١) روح الشعوب
-
الشعب الصحيح لا وجود له إلا عند القوم الأولين، أما الأمم المتحضرة فإن كثرة اختلاط التناسل ووحدة البيئة، ولَّدت منها شعوبًا تاريخية جديدة تشبه الشعوب الصحيحة.
-
صفات الشعب النفسية ثابتة ثبات صفاته الجسمانية، وتنتقل بالوراثة على قاعدة واحدة وبالاستمرار.
-
قد يُخضع السيف أممًا شتى لسلطان واحد، ولكنها تحتاج في تكوين روح مليّ عام إلى التناسل ووحدة أحوال الحياة عدة قرون.
-
تاريخ الأمة عبارة عن حكاية مجهوداتها لإقرار روحها والخروج من همجيتها.
-
قوة الأمة بوحدة المشاعر المتولدة من تمكن روحها الملي، أكبر من قوتها بالجند. فلقد ساد الرومانيون على الدنيا بروحهم، فلما أضاعوها أضاعوا ملكهم.
-
التقهقر أسرع من التقدم، فالأمة تشيد بناء مزاجها العقلي في أحقاب، وتفقده في زمن يسير.
-
الأمة المتحضرة جماعة ثبت روحها، بتراكم آثار الآباء والأجداد.
-
روح الأمة الثابت في حرب دائم مع روح الجماعة المتقلب، فالثورات عن عمل الجماعات، وروح الجنس تؤثر في امتداد زمنها أو قصره.
-
لكل شعب تاريخ، ولكل دور من أدوار حياته نظامات خاصة، وآداب وفنون وفلسفة كذلك، ولا تحتمل غيرها، وما استعارت أمة مدنية أجنبية عنها، إلا حورتها تحويرًا كليًّا.
-
محاولتنا إلزام أهل مستعمر عادتنا وشرائعنا، كمحاولة إبدال ماضي أمة أخرى.
-
لا دوام لروح الآباء والأجداد، إن لم تكن متصلبة وإذا لم يكن فيها بعض المرونة تعذر انطباعها على مقتضيات تغير البيئة الناشئ من تطور الحضارة، وكان نصيبها عدم الرقي.
-
لا يفل الوراثة إلا الوراثة. والتناسل بين أفراد غير متساوين يفكك أواصر الروح الوراثي، وكم هلكت أمم لجهلها هذا الناموس.
-
الوطنية خلاصة ما ترمي إليه روح الأمة.
-
المولَّد رجل تتجاذبه مؤثرات مختلفة: من الوراثة، والذكاء، والآداب، والأخلاق.
-
أمة أهلها كلهم موَلَّدون لا تُساس.
-
الماضي لا يموت أبدًا، فهو حي فينا، وهو أقدم مرشد في حياة الأفراد والأمم، وما روح الأحياء إلا مؤلفه من أفكار الأموات.
-
ما أشد استبداد الأموات، في غالب الأوقات.
-
خلق أفكار تؤثر في الناس، معناه نقل المرء جزءًا من نفسه إلى من يخلفه.
(٢) روح الجماعات
-
إذا اجتمع القوم، تولد فيهم روح كلي مغاير كل المغايرة لروح كل فرد منهم.
-
روح الجماعات خاضع لمعقول خاص غير تنبهي، هو معقول الجمع.
-
الرجل في الجماعة ليس هو الرجل الفرد، لاختفاء ذاتيته، واندماجها في ذاتية الكل، ولفقدان ملكة النقد، والقدرة على التعقل بالدليل، فيصير رجلًا فطريًّا، له شجاعته ونزعاته وقسوته.
-
أخص مميزات الجماعة: سرعة الانفعال، والتعجل بالغضب، وعدم قابلية التعقل، والغفلة المتناهية، والتعصب الأعمى، والخنوع للقواد.
-
الجماعة دون الفرد معقول دائمًا، ولكنها قد تَفضله في الشعور وقد تكون دونه، فمن السهل صيرورتها شجاعة أو آثمة.
-
الجماعة كائن ساذج، لا تريد إلا بقوادها، ولا تعمل إلا بهم، فكأنما روحها متعقلة في روحهم.
-
الجماعات مغالية في مشاعرها، وتطلب الغلو من قوادها.
-
التأثير في الجماعة، أسهل من التأثير في الفرد.
-
علة غلو الجماعة في تعصبها ونزقها، اعتقادها بقوتها، وعدم التبعة عليها.
-
الجماعة أكثر قابلية للشجاعة منها للفضائل.
-
لا بد للجماعة من معبود: شخصًا كان، أو مذهبًا، أو صيغة.
-
شدة قابلية الجماعات للتأثر، تجعل مشاعرها متقلبة جدًّا، فتراها تنتقل بالسهولة من الإعجاب إلى الجفاء.
-
روح الدين المنتشر في الجماعات، يجعلها تظن في الصيغ السياسية التي تشوقها، أو في الشخص التي يخلب لبها، قوة سحرية خفية.
-
الجماعة تعيش في جو قوامه التأثر والتدين، فلا قدرة لها على استكناه ما يراه الفرد واضحًا جليًّا، لذلك يغلب عليها الخطأ فيما ترى.
-
قلما نحفظ الجماعة من الحوادث، غير جهتها التي أثارت الإعجاب، لذلك كانت الأقاصيص عندها أبقى من التاريخ.
-
أول ما تطلب الجماعات آمال، وهي بعيدة عن تصور الطوارئ كثيرة التصديق، فهي تقبل حتى الأماني التي لا يحتمل تحققها.
-
تتأثر الجماعات بالمشاعر، والهزات النفسية، والمعتقدات المطلقة تأثرًا سريع الشيوع فيها، لا تنفع فيه حجة، ولا يوهنه دليل.
-
التأثير كل التأثير في الجماعات، للتوكيد، والتكرار، والعدوى، والنفوذ.
-
لا يروج في الجماعة فكر إلا إذا صيغ لها في قالب موجز قوي اللهجة.
-
محبة الغير فضيلة اجتماعية، والمنفعة الذاتية الشديدة التأثير في الفرد، لا تؤثر في الجماعة إلا قليلًا.
-
تتأثر الجماعات دائمًا بالقوة، وقلما يستميلها المعروف.
-
لا تحترم الجماعات إلا الأقوياء، وقد كان احتقار الضعف على الدوام شعارها.
-
تفضل الجماعات غالبًا، المساواة في الذل على الحرية.
-
متى تفللت القيود الاجتماعية التي ترد الجموع عن الاسترسال مع شهواتها، هوت على عجل إلى درك الهمجية الأولى.
-
قد يستفيد السياسي من نسبة الحكمة وسداد الرأي والاعتدال للجماعات. لكن اعتقاد هذه الصفات فيها، يجعله غير أهل لتولي زمامها.
-
الاستسلام مرة للجماعة، اعتراف بقوتها، وقضاء على النفس بالرضوخ لحكمها على الدوام.
-
تحل قوة العدد شيئًا فشيئًا محل العقل. غير أن العدد، وإن قهر العقل، فإنه لا يقوم مقامه.
-
قلما تدرك الجماعات حقيقة ما يأتي على يدها من الحوادث.
(٣) روح الجمعيات
-
للجمعيات الكبيرة، ما للجماعات من المميزات الأولية: كضعف المعقول، وسرعة التهيج، وفجائية الغضب، وعدم التسامح المطلق، والخنوع للقواد.
-
ليس للجماعة إلا روح عرضية، إن تألفت من عناصر مختلفة، اجتمعت على غير موعد. لكن إذا اتحدت العناصر، كما في الجمعيات السياسية أو الصناعية أو الطوائف، تولد لها روح عام يستقر بوحدة المنافع.
-
لا تسير الجمعية السياسية غالبًا سير الجماعة، وإن كانت خاضعة مثلها لمقتضيات الاجتماع النفسية. وذلك لاختلاف منافع الأحزاب التي تتألف منها، ولأن لكل فريق قوادًا.
-
الرجل العاطل يزداد قوة بانضمامه إلى فريق، والرجل الكبير يصغر بذلك.
-
قد يتمكن بعض القواد ذوي الحدة والنفوذ، من ضم جميع الفرق في الجمعية إلى جماعة خاضعة لإرادتهم. وفي الجمعيات الثورية الكبيرة أمثلة كثيرة لذلك.
-
كثيرًا ما يقود الروح الكلي الجمعية إلى الإقرار على أمر لا يريده كل فرد من أفرادها بذاته. ولا يفهم تاريخ الثورة، إلا مَنْ تمكنت من نفسه هذه القاعدة.
-
لا يمكن التأثير في قوم، إلا إذا بدئ بالتأثير في دعاتهم.
-
الأقلية العنيفة الجريئة، تقود على الدوام الأغلبية الخائفة المترددة.
-
الخوف من أكبر بواعث العمل في الجمعيات السياسية وشدة الخوف هي التي تحملها أحيانًا على كل شيء من الإقدام.
(٤) حياة الأمم
-
ليست الكثرة شرطًا في صلاح المبادئ الكلية لسير الأمة. وإنما اللازم هو استقرارها في الأذهان واحترامها من الكافة.
-
يتوقف مصير الأمة على خلقها، أكثر مما يتوقف على ذكائها.
-
تطور الأمة محكوم بروح آبائها الأولين، ولا تؤثر الانقلابات السياسية إلا في مظاهر ذلك الروح.
-
من عوامل القوة في الأمة: الاحتفاظ بنظاماتها الأصلية، وتقاليدها الأولية، والتأني في تعديلها شيئًا فشيئًا. وقلما وجد بين الأمم من حقق هذا المقصد إلا الرومان قديمًا، والإنكليز في هذا الزمان.
-
ما حاولت أمة أن تنخلع عن ماضيها، إلا قلبت حالها رأسًا على عقب.
-
نير العادة يبهظ الفرد ويعطل حركته، ولكنه يقوي الأمة ويزيد في مكنتها.
-
خلو الأمة من ماضٍ كالولايات المتحدة: قوة لها، وضعف فيها معًا.
-
لا تستطيع أمة أن تنقل إلى أمة نظاماتها، كما أنها لا تستطيع أن تنفخ فيها روحها.
-
ليس الفتح الدائم الأثر، فتح البنادق والمدافع. وإنما يدوم الفتح، متى تولد بين الغالب والمغلوب، اشتراك في المشاعر، والمنافع، والأفكار.
-
لا تكون الأمة قوية في الواقع، إلا إذا كثرت المنافع المشتركة بين طبقاتها؛ لأن الفرد يعمل إذ ذاك لمصلحة الكل، مدفوعًا بحب الذات.
-
إذا كانت الروح الملية متمكنة من أمة، انمحت الخلافات السياسية عندها على عجل، أمام كل حادث له أثر في مصالحها الكلية.
-
الأمم اللاتينية أسرع إلى التعب من الحرية، منها إلى الضجر من العبودية.
-
إن لم يكن للأمة ضابط من نفسها، فعليها احتمال ضابط من دونها.
-
رقي الأمة بنخبتها، وقوتها بأواسطها.
-
لا يفيد في حياة الأمة إلا مجهود دائم. أما المجهود المتقطع فقد يحدث انقلابًا، لكنه لا يوجد رقيًّا دائمًا.
-
إذا كثر النسل في أمة، تعسر عليها البقاء هادئة، واندفعت إلى شن الغارة على جاراتها، ممن وقفت حركة النسل فيهن.
-
لا تنمحي الأوهام أبدًا من نفوس الأمم، فلا تزال تعتقد بقوة تأثير القوانين والنظامات والحكومات، وإن في قدرتها تغيير مجرى الحوادث كما تشتهي.
-
روح الرجل في بداوته متأثرة بروح جماعته. لذلك ضعف الفرق بين الروحين.
-
تشتمل الحضارة الراقية على رواسب من جميع المراحل التي قطعتها، فلا تزال فيها بقية من تقاليد سكان الكهوف، وشيء من روح البرابرة أصحاب (آتيلا).
-
لن يأتي برابرة الغد من الخارج، بل يخرجون من تلك الجموع التي تخلفت عن اللحاق بالحضارة وهي سائرة في طريق رقيها.
-
مهما انحطت كفاءة رجل ممن يقال لهم رجال الدولة، فإن قوة حكمه في الأمور، وبصره بها، أكبر من قوة جمع من السياسيين وبصرهم؛ لأن هؤلاء يكتسبون من اجتماعهم معقول الجماعة، وهو من درجة منحطة. لذلك ساء حال أمة جرت على رأي المؤتمرات.
-
حضارة أمة رداء روحها، وشامة ظاهرة تدل على القوى الخفية التي تسيرها.
-
الحضارة تستخدم العلم، ولكنها لا تقوم عليه.
-
اليقين المتين يمنع أهله، إلا إذا لقوا من هو أشد يقينًا.
-
تخرج الأمم من الهمجية، بما تضع لشهواتها من القيود. فإذا كسرتها، عادت إلى همجيتها.
-
لا ترقى الأمة بحكومتها أو ثورتها، بل باجتماع مجهودات أفرادها.
-
الأمم كالعناصر الحية: تزال إذا طال الأمد عليها وهي واقفة مكانها، متعلقة بماضيها. فتفقد بذلك ملكة الانطباع على مقتضيات فائدة غير حياتها.
(٥) النظامات والقوانين
-
لا حياة لقوم مجتمعين إلا قهرًا. وأيسر القهر قبولًا قهر القوانين.
-
حاكم الأمم معقولها، لا ما تلتزمه من النظامات. فوجب أن تكون هذه صادرة عن ذلك المعقول. ورب قانون نافع في أمة ضار في أمة أخرى.
-
ليس من وظيفة القوانين الاشتغال بالقواعد المنطقية؛ لأنها بنات حاجات مستقلة عن هذه القواعد.
-
يجب أن تكون القوانين مقررة لحاجات الأمة لا لشهواتها، فإن بنيت على الشهوات لا تدوم.
-
القوانين تقرر العادات، وقلما تحدثها.
-
القانون الذي لا يقتصر فيه على تقرير مألوف، أي تجربة سابقة، إنما يسجل جهل واضعه بالمستقبل.
-
تطور مقتضيات الحياة أسرع من تطور القوانين، فعلى القضاء أن يكمل النقص، ويجمع بين النص والمصلحة.
-
لا تحدث مشاعر الأمة من نظاماتها؛ لأن الثانية ثمرة الأولى.
-
النظامات التي تلتزمها الأمة بقاهر الأوامر، تحدث دائمًا اضطرابًا في العوامل السياسية. غير أن المقتضيات الطبيعية لا تلبث أن تعيدها إلى نظامها.
-
القول بقدرة النظامات على حمل الأمة على التطور، كما يذهب إليه المتسيسون، جهل بأن وراء الحوادث الظاهرة، قوة خفية هي العلة فيها.
-
إنما زادت القوانين في الأدواء التي وضعت لعلاجها؛ لأن الذين وضعوها لم يفقهوا آثارها.
-
قد يكون القانون ظالمًا، فإذا لم يقصد به فريق دون فريق فلا تحكم فيه.
-
إذا انسل القوم من سلطان القانون، عاجلهم الاستبداد.
-
توشك المخالفة يعم ارتكابها، أن تصبح حقًّا سائغًا.
-
لا مقوم للقوانين إلا القوة، لذلك هي لا تدوم كثيرًا.
-
من السهل تغيير القانون على القرطاس، إلا أن ذلك لا يغير من روح الأمة شيئًا.
(٦) الحق
-
الطبيعة تجهل الإنصاف، والعدل من صنع الإنسان.
-
الحق يكون حيث القوة تؤيده.
-
لا يستنجد بالعدل قوي.
-
لا قيمة للحق ولا للعدل بين أمم اختلفت قواها.
-
الحق لا يعترض القوة، فكأنهما شيء واحد، إنما الحق قوة مستمرة.
(٧) الأخلاق
-
ليست نواميس الأخلاق أمورًا فرضية، ولكنها ضرورات لازمة.
-
أخلاق كل زمن خلاصة حاجاته، وكل مجتمع لا بد له بمقتضى وجوده من ميزان يتميز به الخير من الشر.
-
لا بقاء لحضارة من دون أخلاق، فمهما اشتدت صرامة القانون لتأييد مبادئ الأخلاق، لا تعد شدتها غلوًّا.
-
لما كانت الأخلاق نتيجة ضرورات الأمة، في كل دور من أدوار حياتها، لزم أنها تتطور بتغير تلك الضرورات.
-
ما كل ضرورة حقيقة، يستوي في ذلك الأخلاق والقانون. لكن من العبث الجدل في الضرورات.
-
لا ثقة بالأخلاق إلا إذا صارت غير تنبهية، بفعل الوراثة والتربية والقوانين.
-
لا تكتسب الأخلاق قوة صحيحة، إلا إذا صار الناس لا يعدون مراعاتها من الفضائل الممتازة.
-
إذا جرت الفضيلة بغير جهد فهي ملكة لا فضيلة.
-
من الخطأ الضار، محاولة بناء الأخلاق على المعقول وحده، كما ذهب إليه كثير من الفلاسفة؛ لأنه إذا لم يكن للأخلاق سند من المشاعر والروح الديني، فلا بقاء لها ولا قوة.
-
إنما تكتسب الأخلاق بمزاولتها، فهي كالفنون من المعلومات التي لا تكتسب من الكتب.
-
البيئة والقدوة مؤثران كبيران في الأخلاق.
-
قد تقطع الأمة قرونًا حتى تكتسب أخلاقًا، وقد تضيع ما كسبته في بضع سنين.
-
أخلاق كل أمة مقياس كفاءتها.
-
أقل حظ للأمة من الأخلاق، ما أمرت به القوانين، وقامت الشرطة بحراسته، فإذا لم يراع هذا النذر فتلك فوضى الأخلاق.
-
هناك مرتبة أخلاقية أرقى من مرتبة الأخلاق المأمور بها في القانون، وهي التي تفضل فيها منافع الكل على المنافع الخاصة، وقد تعيش الأمة بالمرتبة الأولى، أما رقيها فمتوقف على الثانية.
-
مما يصح اتخاذه شارة قوية على سقوط الأمة، انحطاط أخلاق الطبقات المحكومة.
-
لما لم يكن بين الأمم قانون عام معترف به من الكل، فشلت مساعي الذين يقولون بعلم أخلاق عام، والمعروف منه هو ما تعرفه جمعية من الذئاب: افتراس الضعيف وخوف القوي.
-
الشعور الواحد يكون فضيلة أو رذيلة، نظرًا لفائدته الاجتماعية. فالأثرة تعد فضيلة، إذا اتصفت بها العائلة أو القبيلة أو الوطن بأكمله، كذلك الخيلاء في الفرد عيب، وفي الجماعة فضيلة.
-
لا يندر أن يكون الخلق الواحد فضيلة في الفرد، وعيبًا في المجموع، فلو لانت طباع أمة إلى حد أنها لا تثأر لنفسها من إهانة لحقتها، أصبحت هزءًا بين الأمم.
-
التسامح ممكن بين الأفراد، ومتعذر بين الأمم.
-
ربما كان عدم التسامح فضيلة في الأمة، تدفعها إلى عمل وجب.
-
إذا أخذنا بآثار مذهب حب الإنسانية، صعب علينا التسليم بأنه من الفضائل، بل رأيناه أشد أعداء علم الأخلاق؛ لأنه إذا عظم ذلك ضعفت هذه.
-
تزداد الجرائم في الأمة، بتقدم مذهب حب الإنسانية فيها لأنه يقلل من دواعي الزجر، فيضعف بذلك ما في العقوبات من الردع.
-
إذا أغضيت عن الضرر، فقد ساعدت على انتشاره.
-
سرعة أهل هذا العصر في هدم الأخلاق، أكبر من سرعتهم في تحصيلها.
-
لا تدفع الفضيلة صاحبها دائمًا إلى العمل، وقد كانت الرذائل أهم بواعثه: كالكراهية وحب الانتقام والغيرة والميل إلى السلب، وهذه النزعات هي التي تجعل أوروبا على أهبة من الحرب دائمة.
-
الرجل الفاضل يتسلى عما يلتزمه من الحرمان، بما يحدثه في نفس الغير من الضجر.
-
العمل المجرد عن المنفعة الذاتية، يعظم فاعله أمام نفسه، وكثيرًا ما يجب عليه السرور، أكثر من الأعمال ذات الفائدة الشخصية.
-
الشجاعة الصغيرة الدائمة، أصعب مزاولة من الإقدام الكبير عرضًا.
-
من أقوى دعائم الأخلاق، الخوف من نقد الناس.
-
تعلو حضارة الأمة بقدر تمكنها من ضبط نفسها، أعني بقدر ثبات أخلاقها وتمكنها.
-
إذا تداعت أخلاق الأمة، عاجلها الفناء.
(٨) الغاية
-
مبنى الرجاء في الحياة شعور فطري وتدين، وقد قالوا إنه يرجع أيضًا إلى نظريات عقلية، غير أنا لا نعلم غاية تولدت من تلك النظريات.
-
الثورة والفوضى دليل على حدوث أمر خطير في حياة الأمة وهو تغير غايتها.
-
من كانت غايته فداء معتقده بحياته كالثوريين الروسيين، تعذرت استمالته.
-
لا قوة لأمة ليس لها غاية مجمع على احترامها، وتلك الغاية هي التي تهديها في حياتها كما تهتدي الباخرة بالبوصلة.
-
إذا عظمت غاية أمة وقلَّت حاجاتها، تغلبت دائمًا على الأمة التي ضعفت غايتها وكثرت حاجاتها.
-
هدم غاية فرد، أو طائفة، أو أمة، تجريد لها مما به رابطتها ومجدها وحركتها.
-
الوطن مشخص حياة الآباء والأجداد، فهو غاية طلبها من أمتن الأسس الاجتماعية.
-
تفنى حياة الأمة في تكوين غايتها وفي هدمها.
(٩) الأرباب
-
لا تؤمن بكثرة الأرباب، فما عبد الناس في جميع العصور إلا ربًّا واحدًا، وإن اختلفت الأسماء، وذلك المعبود هو الأمل.
-
ما الروح الديني الذي ساد في جميع الأزمان إلا اعتقاد بسلطان خفي لمؤثرات علوية مثلت في النصب والأزلام والصيغ الكلامية.
-
كثيرًا ما غير الإنسان اسم ما عبد من الأرباب، لكنه ما استغنى عنها في زمن من الأزمان، كأن التدين حاجة من حاجات العقل لا يؤثر فيه مؤثر أبدًا.
-
قد يستعلي الروح الديني على المشاعر إلى حد أنه يعطل في المرء غريزة المحافظة على الذات.
-
الشجعان والأرباب صورة شفافة لما للأمم من النزعات الخفية.
-
الدين عنوان عاقلة الأمة.
-
تتطور الأرباب وتبقى الأصول التي جاءت بها الكتب على حالها، وإنما الذي يتغير منها هو معناها، فإنه يختلف باختلاف الأمم والأزمان.
-
مظهر الدين مستقل عن الأصول التي يستقي منها، فلقد كانت العاقلة واحدة عند يعاقبة (الهول) وقسوس (محكمة التفتيش).
-
ضعف الإنسان عن الحياة بلا يقين، ففضل المعتقدات وإن وهن أساسها على الزندقة وإن وضح برهانها.
-
لو انتشرت الزندقة لصارت دينًا لا قِبَل لأحد بمتارضته كما هو شأن الديانات القديمة.
-
عدم احتمال المناظرة من بعض ذوي العقول المطلقة، آتٍ في الغالب من تشبعهم بالروح بالوراثة وهم لا يشعرون.
-
الخلو من الاعتقاد هو في الغالب يقين يعفي صاحبه من تعب التأمل والنظر.
-
ميل المرء إلى تعقل دينه خطر دائم.
-
لقد أفادت الديانات الأمم بإحداثها الأمل في الحياة الباقية أكثر من جميع من خلق الله من الفلاسفة والحكماء.
-
إنما الديانات قوة ينبغي الانتفاع بها لا معارضتها.
-
إذا صح أن الدين كان سببًا في تأجيل اكتشاف بعض الحقائق العلمية، فمن المشكوك فيه أن الإنسان كان يستفيد كثيرًا من هذه الحقائق في الأدوار الأولى من تطوره.
-
إنما تظهر منفعة الأرباب بعد هدم معابدها.
-
العقل خالق الرقي غير أن مشيدي الديانات هم قُواد الأمم، ولا يزال عظماء الخياليين مثل (بوذا) و(محمد) يخضعون الملايين من الخلائق بجلال أحلامهم.
-
قلما تعيش الأمم بعد موت معتقداتها.
(١٠) الفن
-
ظهرت الفنون دائمًا قبل الفلسفة والعلم؛ لأنها بنت مشاعر الأمم وروحها الديني، وسيادة هذين الأصلين سابقة على سيادة العقل، لذلك صح ازدهار الفنون في أعصر الهمجية.
-
الفنون ولا سيما الموسيقى لغة المشاعر والروح الديني، والكلام لغة العقل.
-
يصغر الفني إذا استعمل عقله بدل شعوره.
-
لما كان الفن ابن المشاعر، تعذر التعبير عنه إلا من جهة أجزائه الإصلاحية.
-
الفن كالسياسة، زمامه بيد بعض القواد، والجموع من خلفهم.
-
الجميل ما أعجبنا، والإعجاب لا يصدر عن ذوقنا الخاص بمقدار ما يصدر عن مشاعر بعض ذوي النفوذ الذين تؤثر فينا عدواهم العقلية، فتحملنا على أن نحكم حكمهم.
-
ليس للتنسيق قواعد ثابتة، لهذا احتقر السلف المباني (الغوطية) ورسوم بعض المصورين قبل أن يعجب بها أهل هذا الزمان.
-
يحدث في بعض الأحايين جو خاص يسود فيه على الناس ذوق واحد وشعور واحد وإن بلغ استقلال فكر بعضهم ما بلغ.
-
عدوى الفنون شديدة التأثير إلى حد أنها تلبس صنع بعض الأزمان ثوبًا عائليًّا يستدل منه على زمن ظهورها.
-
يتأثر الفن تأثرًا شديدًا بالمكان والأمة إلى حد أنا لا نجد أمة استعارت فن أمة أخرى إلا حورته وبدلته، ولا عبرة ببعض الظواهر الدالة على خلاف ذلك.
-
الطرف الفنية الفائقة الصنع تصدر عن شعور لاتنبهي، فإن كانت تنبهية فهي شخصية ولا تدل على روح العصر الذي صنعت فيه.
-
الموسيقى تثير في النفس خواطر مبهمة تصحبها انفعالات شديدة، لذلك يسهل تأثيرها في غير ذوي العقول الكبيرة متى رق شعورهم، ولقد أصاب من قال: إنها فن النساء والجماعات.
-
رجل الفن يبتدع وإن احتذى.
(١١) الطقوس والرموز
-
الطقوس والرموز، أعني الاحتفالات والأعلام والأعياد العامة والعرف المألوف في علاقات الناس بعضهم مع بعض، كلها فوق إرادة الإنسان. وهي أقوى سند تقوم عليه الحياة الدينية والاجتماعية.
-
من ظن أنه أكبر من أن يتقيد بطقوس أمة واحتقر تقاليدها فهو أجنبي عنها.
-
إنما تصير المعتقدات الفردية عامة بعامل الطقوس والسنن.
-
إذا تجرد القضاء من الطقوس والرموز فليس قضاءً.
-
يقوم المعتقد الديني أو السياسي على اليقين به، لكنه لا يدوم إلا بالطقوس والتقاليد.
-
بلغ من أخذ الطقوس والرموز بالنفوس أنها تبقى بعد زوال المعتقد الذي حدثت لأجله.
-
أكبر الناس استقلالًا وأشدهم إطلاقًا في الفكر، يخضعون حياتهم طوعًا لطقوس سياسية وعرفٍ جارٍ في روابطهم الاجتماعية أو الشخصية تنزع منهم الحرية الصحيحة.
-
الطقوس تخلص الإنسان من شر التردد: فيها يعرف بلا تأمل ما يجب قوله وفعله في جميع الأحوال.
-
أهم طقوس الأمم تقاليدها من عمل أسلافها.