الفصل الأول
تقع حوادث المسرحية كلها بين منتصف الساعة السادسة في المساء
والتاسعة من صباح اليوم التالي في حجرة الجلوس بمنزل مستر والتر كريج.
وتدلُّ هذه الحجرة — كما تدلُّ جميع الحجرات الأخرى بالمنزل — على
الذوق الرفيع والنظام البديع الذي تتميز به صاحبته، أثاث فخم ولكنه جاف
مصنوع من الخشب الداكن الشديد اللمَعَان. وقد فُرشت الأرض بالسجاد
الفاخر ذي اللون الذهبي، وازَّينت الجدران بالأطلس المُطرَّز الثمين،
وكُسِيَ البيانو كما كُسِيَ النَّضَد المُستطيل الذي يتوسط الحجرة
بغطاء كناري اللون. أمَّا السُّتُر التي تَحجِب المَشربية التي تقع على
اليسار، والنافذة المقوَّسة الخلفية المُطِلَّة على الدَّرَج، فهي
خضراء قاتمة الخضرة. ولهذه النافذة الخلفية مقعدٌ جميلٌ من بناء البيت،
عليه حشايا رائعة. وعلى يَمِين الدَّرَج مقعد آخر من البناء، يَنحنِي
منه حاجز السُّلَّم إلى أعلى. وعلى اليمين — إلى الخلف — ترى بابًا
مُتَّسعًا يتعلَّق به ستار من المَخْمَل البُنِّيِّ اللونِ. ويشغل بقية
الحجرة من ناحية اليمين رفٌّ للمِدفأة مُزَركش، ومرآة مُزخرَفة،
ومَوقِد. وأمام الموقد مِقْعد جميل ذو ظهر مُرتفِع. وإلى يسار المِقعد
المتوسِّط مِقعد كبير آخر. وإلى جوار البيانو كرسيٌّ صغير مُزخرف. وإلى
جانِبَي الحجرة مِقعدان يواجهان الرائي. وبالحجرة كذلك مقعدان مستطيلان
مزخرفان، أحدهما خلف النَّضَد المتوسط مباشرةً، والآخر أمامه. وبين
النَّضَد والمقعد الأمامي فُسحة من المكان تسمح بالمرور بينهما. وإلى
اليسار رُواق زجاجي يُفتَح أحدُ بابيه على الحجرة، ويُفتَح الآخر على
المَدخَل الأمامي للبيت.
(تدخل مسز كريج وتبدو كأنها ترتدي لباسًا أُعِدَّ
لهذه الحجرة خاصةً، فهي تلبس رداءً كاملًا بُنِّيَّ اللونِ على أحدثِ
طراز، وخُفًّا وجواربَ بُنِّيَّةً، وقُبَّعة صغيرة من القطيفة البنية
القاتمة، وتحمل حقيبة من الجلد البني اللون ومِظَلَّة من الحرير
البنيِّ.)
(وتُهرع مس أوستن هابطة الدَّرج، وتَنْفُذ خلال
سِتار الباب الأيمن. أمَّا مسز هارولد فتدخل من الباب الأيسر، حاملةً
صحيفةَ المساءِ وقِطَعًا من القماش لأُطُرِ التطريز، وتتقدَّم صوبَ
النَّضَد الوسيط.)
مسز هارولد
(وقد وقفت في منتصف الطريق نحو النضد
متطلعة صوب مس أوستن)
:
هل تريدين شيئًا يا مس أوستن؟
مس أوستن
:
لا. شكرًا يا عزيزتي. ولكني أبحث عن النموذج الذي أرسلتُ في
طلبه منذ أيام؛ لأنِّي أودُّ أن أُطلِع عليه مسز
فريزير.
مسز هارولد
:
ارفَعِي غطاء نَضَدِ التَّطريز يا مس أوستن، فإني أعتقد أني
رأيت به نموذجًا ما هذا الصباح.
(وتُتابِع سيرها نحو النَّضَد الوسيط حيث
تُلقِي عليه الصحيفة وقِطَع القماش.)
مس أوستن
:
هذا هو. وجدته (يُسمع صوت من ناحية
اليمين) كنت واثقة من أنِّي تركتُه هنا في مكانٍ
ما (وتسرع خلال ستار الباب وتصعَد
الدَّرَج).
مسز هارولد
(وقد تقدمت صوب الباب الأيسر)
:
لقد أعطيت لميزي الورد الذي جاءت به كي تضعه في قليل من
الماء.
مس أوستن
:
أحقًّا فعلت ذلك؟ شكرًا لك جزيلًا.
مسز هارولد
:
إنها سوف تُحضِر للوَرْد إناءً.
مس أوستن
:
ما أجمله!
مسز هارولد
:
نعم إنه رائع (وتخرج ثانيةً صوبَ
باب الرُّواق، وتدخل ميزي من خلال ستار الباب تحمِل إناءً
به زهر قُرنفلي تضعه فوق الرُّكن الأعلى للبيانو الفاخر
الصغير الذي يقع على اليسار).
ميزي
(وهي تُنادي مسز هارولد خلال النافذة
الخلفية)
:
هل وصلت الصحيفة يا مسز هارولد؟
مسز هارولد
:
نعم، لقد أحضرتها الآن، وها هي ذي مُلقاة فوق
النَّضد.
(تدور ميزي عائدة إلى النضد، وتلتقِط الصحيفة،
وتسير قُدمًا وهي ترفعها وكأنها تريد أن تسمح لضوء النافذة اليمنى
أن يسقط عليها.)
ميزي
:
ستُمطِر ثانيةً في الغد.
مسز هارولد
(وهي تُجيبُها من ناحية الباب
الأمامي)
:
وهل تُنبِئُ الصحيفة بذلك؟
ميزي
:
جوٌّ غير مُستَقرٍّ هذا المساء، ويوم الجمعة. وربما أرعَدَت
وأمطرت رذاذًا، يُبَرِّد الطقس قليلًا. والرياح معتدلة.
مسز هارولد
(وهي تدخل)
:
لست أدري من أين تأتي جميع الأمطار.
ميزي
:
ليس الطقس لطيفًا بالنسبة لمسز كريج. أليس كذلك؟
مسز هارولد
(وهي تتقدَّم صوب البيانو)
:
إنك لا تعرفين، ربما كانت غير مُمطِرة في «أولبني». (تشم الزهور) أليست هذه الزهور
جميلة؟
ميزي
:
نعم، إنها لجميلة.
مسز هارولد
(وهي تعبر إلى أسفل الدرج)
:
سمعتُها تقول لمس أوستن إنَّها تملك أكثر من مائتي شجرة من
أشجار الورد في حديقتها.
ميزي
(تتلفت وتنظر إلى مسز هارولد)
:
هل ما زالت في الدور الأعلى؟
مسز هارولد
:
نعم، ويقيني أنها تتحدَّث إلى مس أوستن المسكينة حديثًا
قاتلًا. (تضحك ميزي وتُواصِل قراءة
الصحيفة، وتدير مسز هارولد عينيها في أرجاء
الحجرة) احملي هذه الصحيفة معك يا ميزي حينما
تحضرين، ولا تتركيها ملقاة في هذا المكان.
ميزي
:
سأفعل.
مسز هارولد
(وهي تتقدَّم صوب الباب الأيمن وتطلُّ إلى
الخارج)
:
لكأن السيدة تسير نحونا (تتلفت
ميزي بغتة وتنظر إليها).
ميزي
:
هل تَعنِين مسز كريج؟
مسز هارولد
:
ربما كانت هي. إنك لا تَدرِين.
ميزي
:
أذكر أنك قُلت إنها لن تعود قبل يوم السبت.
مسز هارولد
(تعود إلى النَّضد وتلتقِط قِطع
القماش)
:
ذلك ما أخبَرَتْني به عند انصرافها. غير أنه من الخير
يا ميزي أن تحسِبي حساب يوم أو يومين مُقدَّمًا لامرأةٍ مثل
مسز كريج (تنفض تراب النَّضَد بقطع
القماش) إذا عَرَفت وهي هناك أن دبُّوسًا هنا في
غير موضعه، استقلَّت أول قطار من أولبني (يصدر عن ميزي صوت دهشة وتواصل قراءة
الصحيفة، وتتحرَّك مسز هارولد صوب الباب الأيمن)
أمثالها كثيرات، وقد عملتُ مع ثلاثٍ منهن. وإن المرء ليحسب
بيوتهن بيوت الإله العلي (وتذهب إلى
الغرفة الأخرى).
ميزي
:
ألم تُخبرِيني يا مسز هارولد أنك عملتِ بشارع ويلوز في وقتٍ
ما؟
مسز هارولد
(وهي تنادي من الحجرة الأخرى)
:
نعم، عملتُ هناك عامين لدى دكتور نكلسون.
ميزي
:
وهل عرفت في ذلك الحيِّ قومًا باسم باسمور؟
مسز هارولد
(تظهر بين ستائر الباب)
:
باسم من؟
ميزي
:
باسمور. ﺑ… …ﺎ ﺳ… مور! مستر ج. فرجس باسمور وزوجه.
مسز هارولد
(تتقدم من ناحية اليمين)
:
لا، لست أذكُر أحدًا بهذا الاسم. لماذا؟
ميزي
:
لا شيء، تقول الصحيفة إنهما وُجِدَا قتيلين هذا الصباح
بِبَيْتِهما بشارع ويلوز.
مسز هارولد
:
رحمةُ اللهِ عليهما، ماذا حدَثَ لهُمَا؟
ميزي
:
تقول الصحيفة: «مشهد مأساة مزدوجة ببيت حديث بشارع ويلوز.
جثة فرجس باسمور وزوجه المعروفين في حياة المدينة الاجتماعية.
وُجِدَا في المكتبة قتيلين بالرصاص. مسدس فارغ إلى جوار
المدفأة. سبب الوفاة تحُوطُه الألغاز. البوليس يبحثُ عن شخصية
سيِّد زائر شُوهِد مُنطلقًا من المسكن في سيارة بعد مُنتصَف
الليل بقليل.» (ميزي تنظر في فزَعٍ
إلى مسز هارولد وهي تهزُّ رأسها في حزنٍ شديد)
«في نحو الثامنة من هذا الصباح، عندما دخلت مس سلمَى كوتس
الخادِمُ المُلَوَّنة غُرفة المَكتبة في
بيت مِستر ج. فرجس باسمور
رقم ٢٢١٤ بشارع ويلوز».
مسز هارولد
:
هذا الرقم لا بُدَّ أن يكون قريبًا من البحيرة. (جرس الباب الخارجي يدقُّ
بعنفٍ) انظري من القادم يا ميزي (تختفِي مسز هارولد في الحجرة الأخرى
وتسير ميزي صوب الباب الأيسر وهي تُلقِي بالصحيفة فوق
النَّضد أثناء مَسِيرها).
مسز كريج
(عند مَدخل الباب)
:
نستطيع أن نترك هذه الأشياء هنا يا إيثل؛ فإن ميزي سوف
تحضرها.
ميزي
:
مرحبًا بك يا مسز كريج.
مسز كريج
:
أهلًا يا ميزي.
ميزي
(وهي تخرج)
:
عُدتِ قبل موعدك بقليل.
(تدخل مسز هارولد خلال الستائر، وتتطلع صوب
الباب الخارجي.)
مسز كريج
:
نعم، بقليل. هلا حملتِ هذه الأشياء من فضلك!
ميزي
:
نعم يا سيدتي.
(تدرك مسز هارولد أن القادمة مسز كريج، وتُلقِي
نظرة خاطفة في أرجاء الحجرة، وتختطف الصحيفة من فوق النَّضَد.
وبنظرة خاطفة أخرى وهي تتلفَّت يمينًا صوب الباب الخارجي، تختفِي
في الحُجرة الأخرى.)
مسز كريج
:
وأرجو أن تتأكَّدِي يا ميزي من أن ذلك المِشبَك مُطبِق فوق
ستار الباب.
ميزي
:
نعم يا سيدتي.
مسز كريج
(تظهر في الداخل عند الباب)
:
إنه كان مفتوحًا إلى نصفه عندما دخلتُ. (تدخل الغرفة وتجُول فيها بنظرة من عينٍ
ضيِّقَةٍ، ثم تسير صوب النَّضَد كي تضع حقيبة يدها
ومِظلَّتها. أمَّا إيثل فتتجوَّل داخل الغرفة مُتابعةً مسز
كريج، ثم تقف عند الرُّكن الأعلى للبيانو، ويُغلَق الباب
الحاجز في الخارج) خفِّفِي عنك ملابسك يا عزيزتي
ثم اجلسي، فإنك تَبْدِين مُتعَبَة. (وتتحرك نحو المرآة فوق رفِّ الموقد على اليمين، وتلقي
إيثل بحقيبة يدها على البيانو، ثم تشرع في خلع مِعطَفِها
وقُبَّعَتِها) لا أحْسَب أن شيئًا في هذه
الدنيا أشقُّ من ركوب القطار. (تدخل
ميزي حاملة مِحفَظَةً نَسَويَّة وحقيبة ملابس، وتتلَفَّتُ
مسز كريج) تستطيعين أن تحمِلي هذه الأشياء رأسًا
إلى الطابق الأعلى يا ميزي.
ميزي
:
سمعًا وطاعةً يا سيِّدتي.
مسز كريج
(متجهة نحو إيثل)
:
ضَعي الحقيبة في الحجرة المُنْزَوِيَة. وسوفَ تشْغَل مِس
لاندرث تلك الغرفة في الأيام القليلة المُقْبِلة.
ميزي
(تصعد الدرج)
:
سمعًا وطاعةً يا سيدتي.
مسز كريج
(وهي تتناول قُبَّعة إيثل ومعطفَهَا
وحقيبتها)
:
سوف أحفَظُهَا يا عزيزتي.
إيثل
:
شكرًا لك.
مسز كريج
:
سوف أطلب إلى ميزي أن تحملها فورًا إلى غرفتك (تضعها بعناية فوق النضد، وتسير إيثل نحو
المرآة، لتُسوِّي شعرها).
إيثل
:
أعتقد أني أبدُو مُفزِعة. أليس كذلك؟
مسز كريج
:
كلا يا حبيبتي فأنت تَبدين في هِندام تامٍّ. هل توَدِّين
شرابًا من نَوعٍ ما؟
إيثل
:
نعم، أودُّ شراب الماء، إذا كنت لا تُعارضين.
(تظهر مسز هارولد بين الستائر.)
مسز كريج
:
أهلًا بك يا مسز هارولد.
مسز هارولد
:
لقد عُدتِ.
مسز كريج
:
هذه مسز هارولد يا إيثل.
إيثل
:
كيف حالك (تنحني مسز هارولد،
وتتَّجِهُ إيثل مرَّة أخرى صوب الزُّهور فوق
البيانو).
مسز كريج
:
سوف تُقيم مس لاندرث معنا هنا أسبوعًا أو أسبوعين يا مسز
هارولد؛ ولذا فَكَمْ أودُّ أن تتأكَّدِي من أن كلَّ شيء
مُرتَّب في تلك الحجرة المُنْزَوِية.
مسز هارولد
:
حسنًا، سوف أفعل.
(تهبط ميزي الدَّرَج.)
مسز كريج
(تتحرَّك صوب المرآة، وتخلعُ
معطفها)
:
هلا أتيتِ بكوبِ ماءٍ من فضلِكِ يا مسز هارولد!
مسز هارولد
:
سأفعل يا سيدتي، هل تُريدين كوبًا واحدًا؟
مسز كريج
:
نعم واحدًا، فلستُ أريد لنفسي شيئًا.
(تخرج مسز هارولد مرة أخرى.)
إيثل
:
أليست هذه الزهور جميلة؟ (ترفع مسز
كريج عينيها عن ميزي وهي تجمع أمتعة إيثل من فوق النَّضَد
وتنظر نحو الزهور نظرة ثابتة) لست أحسب أني رأيت
طوال حياتي مثل هذه الزهور الرائعة.
مسز كريج
:
نعم، ما ألطفَهَا. احمِلي هذه الأشياء إلى الطابق الأعلى
يا ميزي.
ميزي
(تشرع في صعود الدرج)
:
سأفعل يا سيدتي.
مسز كريج
:
وأوَدُّ أن تَسْتَعْمِلي ذلك الطريق الخلفِيَّ وأنت تصعدين
الدَّرَج أو تَهبطين منه يا ميزي.
ميزي
(تهبط ثانيةً)
:
إني أنسى ذلك دائمًا (تتلفَّت إيثل
وتنظر إلى ميزي، أما مسز كريج فتضع معطفها فوق ذراع ميزي
وهي تمرُّ بها، وتتقدَّم لتُلقِيَ على الدَّرَج نظرة
فاحصة، وتخرج ميزي من ناحية اليمين).
مسز كريج
:
إن هذا الدَّرَج سوف يعود إلى ما كان عليه ما دام كلُّ امرئ
يدُوسُه صعودًا وهبوطًا كلَّ خمسِ دقائق. (وتتلفت إلى إيثل وكأنها تَبْتَسِم
مُعتَذِرَة، وتَشرع في خلع قُفَّازِها) يبدو أنه
لا يطرَأُ لأحدٍ في المنزل يا إيثل أن يَستَعمِل الدَّرَج
الخَلْفِيَّ. وإنَّ هذا لأعجب ما رأيت في حياتي. كأن ليس لدينا
سُلَّمٌ خلفيٌّ. ومهما تعدَّدَت المرَّات التي يَصعدُون فيها
الدَّرَج أو يهبطون، فإنهم لا بُدَّ يدوسون هذا السُّلَّمَ
الأمامي صعودًا وهبوطًا. وأنت تعلمين كيف يبدو السُّلَّم بعدما
يُدَاسُ بضع مرات في صعودٍ أو هبوط. (تعود مسز هارولد ومعها كوبٌ من الماء فوق صينية فِضيَّة
صغيرة) شكرًا لك يا مسز هارولد.
إيثل
(وهي تتناول صورة فوتوغرافية في إطار من
فوق البيانو)
:
أليست هذه صورة أُمِّي يا خالتي هاريت؟
(تخرج مسز هارولد.)
مسز كريج
(وهي تسير نحو إيثل)
:
نعم، هي أمك.
إيثل
:
إنها تُشبِهُها إلى حدٍّ ما.
مسز كريج
:
أخذتُ لها هذه الصورة عند ليكوود ذاتَ صيفٍ، وكنت دائمًا
أعجب بها. إني أعجب بهذا الرداء، فكأنه دائمًا من الطِّراز
الحديث.
إيثل
(وقد شرعت تبكي)
:
إن الصورة لا تُشبِهُها اليوم كثيرًا. أليس كذلك؟
مسز كريج
(تعيد الصورة فوق البيانو)
:
ينبغي أن تَكُفِّي عن البكاء يا عزيزتي إيثل؛ فلقد مرَّ
بأمِّك هذا الدور عينُه عدَّة مرَّات من قبلُ.
إيثل
(تجلس إلى جوار البيانو)
:
ولكن ينبغِي لي أن أكون هناك يا خالتي هاريت؛ فقد يحدث لها
حادث.
مسز كريج
:
لن يحدُث لها شيء يا ابنتي العزيزة. وليس لديَّ أدنَى شكٍّ
في أن أُمَّك سوف تتغلَّب على هذه الأزمة كما تغلَّبتْ على
الأزمات الأخرى جميعًا.
إيثل
:
ولكنِّي لا أعتقد أن الأزمات السابقة بلغت مثل هذه
الخطورة.
مسز كريج
:
أنصِتي يا عزيزتي إيثل. لقد رأيت أمك ما لا يقِلُّ عن
اثنَتَي عشرةَ مرَّةً عندما كانت — في يَقِيني التامِّ — على
حَافَةِ الموت. وفي كل مرة كانت تخرج سليمة.
إيثل
:
ولماذا إذن أرسل الدكتور وود في طلبي، إذا لم يكن الأمر
خطيرًا؟
مسز كريج
:
لأن أمَّك طلبت إليه ذلك فيما أحسَبُ يا عزيزتي. كما طلبت
إليه أن يدعُوَني. ومُحَالٌ أنه كان يعتَقِدُ أنَّ الأمرَ جدُّ
خطير حينما أشار عليك بمُرَافَقَتِي.
إيثل
:
لم يُشِرْ بذلك الطبيب يا خالتي هاريت، إنَّمَا أشارت به
مُمَرِّضة المساء. سمعتُها تقول له ذلك، فقد ذكَرَت له أن
أُمِّي تضطَرِبُ كثيرًا عندما ترَانِي، وأني لو بَقِيتُ هناك
لطلَبَتْ رُؤيَتي.
مسز كريج
:
حقًّا ما تقولين يا عزيزتي، ولكنَّك تعلمين كيف بكَت عند
قُدومِك عليها. وليس هناك ما يؤذي القلب كالبكاء.
إيثل
:
ولكن ينبغِي أن أكون هُناك. يَتَجسَّم لي الآن خطَئِي لأني
انصرفتُ عن أمِّي وتركتُها في هذه الحالة.
مسز كريج
:
وماذا كان بوسعِك أن تفعَلِي لو بقيتِ هناك
يا عزيزتي؟
إيثل
(في شيء من اليأس)
:
كنتُ على الأقلِّ أقفُ على ما يجرِي.
مسز كريج
(تناولها كوب الماء، وتضع ذراعها فوق
كتِفِها)
:
لا تُزعِجي نفسك يا إيثل. خُذِي جرعة من هذا الماء. إنِّي
على ثقةٍ تامَّةٍ بأنَّك تُبالِغين في خطورة حالِ أمِّك
يا عزيزتي. وأؤكد لك أني ما كنت أترُكُها أنا نفسي لولا أني
شَهِدْتُ مثل هذه الحالة مرَّات ومرَّات (تلتفت وتضع الصورة الفوتوغرافية فوق
البيانو)، وليس هناك — فوق هذا — شيء واحد كنَّا
نستطيع أن نفعله لو بَقِينا هناك؛ فإن أولئك المُمَرِّضات لن
يسمحْنَ لنا بذلك (تتناول الكوب من
إيثل)، ثمَّ إنَّ الطبيب قال إنِّي أُزعِج أمك؛
لا لشيء إلَّا لأنِّي ذكرتُ لها بضعةَ أشياء رأيت أنه ينبغي
لها أن تعرِفَهَا (تتقدم نحو
النَّضَد وتضع الكوب).
إيثل
:
كان هناك أمرٌ أردْتُ أنا أيضًا أن أُخبِرَها به. غير أن
الطبيب قال إنَّه يرَى من الخير أن أتَرَيَّثَ.
مسز كريج
:
لو كنتُ مكانَك لأنْبَأْتُها بالخبر دون أن أهتَمَّ!
إيثل
:
إنِّي الآنَ آسِفة جدًّا لأني لم أفعل. وأعتقد أن ذلك كان
فيه تخفيفٌ على نفسِهَا.
مسز كريج
(تتناولُ المنديل من حقيبتها وتمسحُ
الكوب)
:
هل كان الخبر هامًّا؟
إيثل
:
كان بشأن الأستاذ فردريكس في المدرسة. فقد التقت به أمِّي في
العام الماضي هناك في حفلِ الافتتاح، وأعجبت به كثيرًا. ولمَّا
عُدنا إلى البيت قالت لي إنه لو وَجَّهَ إليَّ حديثًا ما
فإنَّه يَسُرُّها لو أنِّي أُعجِبتُ به إلى حدٍّ يدفَعُنِي إلى
الزواج منه. وقالت إنها تكون بِذلك أكثرَ اطمئنانًا عليَّ لو
أن شيئًا حدث لها. وأردْتُ أن أخبرَها.
مسز كريج
:
تقصدين أنه فاتَحَك في أمرٍ ما؟
إيثل
:
أجل، فلقد طلب مِنِّي أن أتزَوَّجَ منه بعدَ عيدِ الفصح
مباشرةً. غير أنِّي لم أخاطِب أمي في شيء من هذا، وآثرت أن
أترَيَّثَ حتى يونيو حينما تحضُر بمناسبة بداية عامي الدراسي.
حينئذٍ أخبِرُها بالأمر.
مسز كريج
:
لست أدري لماذا تنزعِجُ أمُّك على مستقْبَلِكِ إلى هذا
الحدِّ يا إيثل؟ وأنت ما زلت في الحادية والعشرين.
إيثل
:
قالت إنها تحبُّ أن تشعر أن هناك من يَسنُدُنِي.
مسز كريج
:
لماذا يحتاج المرء إلى آخر يا عزيزتي إذا كان لديه من المال
ما يكفي لعيشه؟ (تلتفت وتتقدَّم نحو
المرآة لتخلعَ قُبَّعَتَها) وفي الحق لن تكوني في
عُزلة مُطلقة حتى إن وقع لأمك حادث. سأكون لك دائمًا؛ فأنا
شقيقة أمك؛ ولذا فإني أراك يا إيثل فتاة حمقاء لو أنك سَمَحْتِ
لمخاوف أُمِّنَا بالتعجيلِ بزَواجِك.
إيثل
:
إنها لم تُرِد أن تعجل بزواجي، إنما قالت إنَّها ترى من
الخير لي أن أستقرَّ.
مسز كريج
(تعيد قبعتها إلى النَّضَد وتأخذ من
حقيبتها نفْحَةً من مسحوق البودرة)
:
إني بطبيعة الحال أستطيع أن أُدرِك ذلك. غير أن مجرَّد
الاستقرار ليس كلَّ ما في الأمر يا إيثل؛ فالفتاة قد تكون
باستقرارها أسوأ حالًا بكثيرٍ منها وهي غير مستقرَّة. وأنا
شخصيًّا لا أستطيع أن أتصوَّرَنِي أسوأ حالًا منِّي لو
تزَوَّجْتُ من أستاذ في كلية مُنعزلة في مكان مُرعب مثلَ
بوكيبسي أو نورثامبتن. وليس لديَّ فلس أرَفِّهُ به عن نفسي؛
اللهم إلا إن أنفقتُ من مالي الخاص. إني كثيرًا ما أطَّلِع في
الصحف على شكاوى بشأن ضَآلَةِ رواتب أساتذة الكليات. وزواجك من
أحدهم لن يُحسِّن الحال
(تقذِفُ الحقيبةَ على النَّضَد
ثانيةً، وتتقدَّم نحو مقعد مُزَخرَف صغير أمامَ النَّضَد
الوسيط). وهل قَبِلْتِ هذا الرجل عندما عَرَضَ
عليك الزَّواج؟
إيثل
:
نعم، من الناحية العملية؛ بل وفكَّرنا في الزواج خلال
الصيف.
مسز كريج
:
إذَن فأنت تقصدين أنك مخطوبة له؟
إيثل
:
نعم، وكنتُ أعرفُ أن أمي تُعْجَب به؛ لأنها ذكَرَت لي ذلك.
ولم يشغلها إلَّا أنها كانت تَوَدُّني أن أتأكَّدَ من حُبِّي
له.
مسز كريج
:
كلُّ هذا جميل جدًّا يا إيثل، غير أن مجرَّد حبِّ الرجل لن
يُعِينَ كثيرًا في تدبير العَيش. أليس كذلك؟
إيثل
:
نعم، ولكن لَدَيَّ مالِي الخاص يا خالتي هاريت.
مسز كريج
:
أعرف ذلك يا طفلتي الصغيرة، ولكنَّه بالتأكيد لا يَطلب
الزواج منك لأجل هذا.
إيثل
:
لا، بالطَّبع لا. إنه لا يدري من أمرِ ذلك شيئًا.
مسز كريج
:
أتَعَشَّمُ ذلك؛ فإن الرجل عندما يتزَوَّج من الفتاة
يتوَقَّع بالتأكيد أن يُنفِقَ عليها على الأقلِّ.
إيثل
:
وهو فعلًا يتوقَّعُ أن يُنفِقَ عليَّ بطبيعة الحال.
مسز كريج
:
وكيف يكون ذلك يا عزيزتي؟ من مُرَتَّب الأستاذ؟!
إيثل
:
ولِمَ لا؟ إن كثيرًا من الأساتذة مُتزَوِّجُون يا خالتي
هاريت.
مسز كريج
:
ولكن زوجاتهم لا يَعِشْنَ على المستوى الذي أَلِفْتِهِ
يا إيثل. زوجات الأساتذة الشُبَّان على الأقلِّ. وأعتقد أن هذا
الرجل شابٌّ. أليس كذلك؟
إيثل
:
هو في السابعة والعشرين.
مسز كريج
:
إذن فقد صَدَقَ حَدْسِي. فهو محظوظ لو كان يتَقَاضَى مائتي
دولار في الشهر، اللهم إلا إنْ كان من الأساتذة النادرين،
ويُستَبْعَدُ أن يكون منهم وهو في السابعة والعشرين من
عمره.
إيثل
:
هو أستاذ في اللغات اللاتينية.
مسز كريج
:
طبعًا، وأعتَقِدُ أنه قال لك إنَّه يحبُّك بكلِّ لغةٍ من هذه
اللغات.
إيثل
:
إني بالتأكيد ما كنت لأُفَكِّرَ البتَّة في الزواج يا خالتي
هاريت لولا أني على الأقلِّ أحبُّ الرَّجُل.
(مسز كريج تبتَسم ابتسامة خفيفة تَنُمُّ عن
السخرية وتتقدَّم نحوَ إيثل.)
مسز كريج
:
هذا شأن سِنِّكِ يا عزيزتي إيثل. أكثر الفتيات يمرُّ بِهنَّ
هذا الدور، وهو ما يُسمُّونَه شَرَك الخيال. وقلَّ من الفتيات
من يَخرجُنَ منه فائزاتٍ.
إيثل
:
ولكنَّك أنت تَزَوَّجْتِ يا خالتي هاريت.
مسز كريج
(تستَنِدُ إلى ظهرِ مِقعَدِها)
:
ولكنِّي لمْ أتزَوَّجْ بأيِّ وهْمٍ يا عزيزتي. ولقد حَرَصْتُ
على أن يكون زواجي سَبيلًا إلى تَحَرُّرِي، ولم تكن عِندي ثروة
خاصَّة مثلك يا إيثل، ولم يكن لديَّ إعدادٌ خاصٌّ، باستثناء
بضعِ نظرِيَّاتٍ جامعية. فلم
أجِدْ سبيلًا لاستقلَالِي
سوى الرجل الذي تزَوَّجْتُ منه. وإني أعلمُ أن هذه النظرة لا
بُدَّ من أن تَبدُو لك مُمْعِنَةً في المادِيَّة بعدما
استَمَعْتِ إلى أستاذِ اللغات اللاتينية، ولكِنَّها في الحقِّ
ليستْ كذلك؛ لأنِّي لا أُحَدِّثُكِ خاصة عن الاستقلال المالي؛
فقد كنت أُدرِكُ أن ذلك لا بُدَّ أن يتحقق؛ نتيجةً لنوعٍ آخرَ
من الاستقلال، وهو استقلال النفوذ على الرَّجل الذي
أَتَزَوَّجُ منه. ولا يترَتَّب على ذلك حتمًا أي مسلك من مسالك
الخيانة إزاء ذلك الرجل. فإني أقَدِّرُ مستر كريج كلَّ
التقدير؛ فهو رجل طيب جدًّا، ولكنَّه زوج فهُوَ سيِّدٌ، هوَ
سيِّدِي. وقد تزوَّجْتُ لكي أستَقِلَّ.
إيثل
:
هل تَقصدِين أن تستقِلِّي عن زوجِك أيضًا؟
مسز كريج
:
أستقلُّ عن كلِّ إنسان. لقد عِشتُ يا إيثل مع زوجة أبي
قُرابَةَ اثنَي عشَرَ عامًا، ومع أمِّكِ بعد زواجها ما يزيدُ
على خمسِ سنوات. فأنا أدركُ تمَامَ الإدراكِ كيف يعيشُ المرءُ
في بيتِ غيره. ولقد تَزَوَّجتُ لأكونَ في بيتِي، بِكُلِّ ما في
هذه الكلمة من معنًى. ولم أحَقِّقْ هذا الشرط بعدُ كلَّ
التَّحقِيق، ولكنِّي أعلم أنه مُمْكِنُ التَّحقيق (تلتَفِتُ وتُلقِي على الدَّرَجِ نظرةً
وعلى الخارجِ خِلالَ ستارِ البابِ نظرةً أخرى؛ لكَي
تتأكَّدَ من أنَّ أحدًا لا يُصْغِي
إليها).
إيثل
:
لستُ أفهَمُ ما تَعنِينَ تَمامًا يا خالتي هاريت.
مسز كريج
(تلتَفِتُ إلى إيثل مرَّةً أُخرى)
:
أقصد أني إنما أَسْتَخْلِصُ نصِيبي في المُساوَمَة. أراد
مستر كريج لنفسه زوجًا وبيتًا، وظفِرَ. ويَستطيع أن يَثِقَ
فيهما كلَّ الثِّقَةِ؛ لأن الزوجة التي ظفِرَ بها هيَ منَ
النوع الذي يعتَبِرُ زوجَهُ وبيتَهُ من الظروفِ التي لا مناصَ
للمرءِ منها إلى حدٍّ كبير. ونصيبي في المُساومة الأمن
والحماية اللذان تَقْتَضِيهما هذه الظروف. وبهما ظفرْتُ. غير
أني — خِلافًا لمستر كريج — لا أستطيع أن أثِقَ فيهما كلَّ
الثقة؛ لأني أعلم أنهما — إلى حدٍّ كبيرٍ — تَحتَ رحمة ما
يَنتابُ الرجل من أهواءٍ. وأظُنُّنِي أفكِّرُ تفكيرًا عمليًّا،
فلا أرَى في ذلك ضمانًا كافيًا لدَوَامِهِمَا. وكان لا بُدَّ
لي من أن أومنَ بِدَوامِهِمَا لي.
إيثل
:
وكيف يكونُ ذلك؟
مسز كريج
:
ذلك بأن أُمْسِكَ بينَ يدَيَّ بِزِمام الرجل.
إيثل
:
وكيف تَفعلين ذلك يا خالتي هاريت؟
مسز كريج
(تتقَدَّمُ نحوها)
:
ألَمْ تَدْفَعِي مستر فردريكس أبدًا لأن يَقُوم بعملٍ أردْتِ
له أن يُؤَدِّيَه؟
إيثل
:
نعم، ولكنِّي
كنتُ دائمًا أقول له إنِّي أرغَبُ في أن يقوم بهذا
العمل.
مسز كريج
(وهي تَجْلِسُ على ذِرَاع الكرسي الكبير
نصفَ جلسة)
:
ولكن هناك من الأمور ما لا يُمكنُ أن يُذْكَرَ للرجال. إنهم
لا يدرِكُونَهَا. والخيَّاليُّون منهم خاصةً. والمستر كريج
رجلٌ مِثَالِيٌّ أصيل.
إيثل
:
ولكن، هَبِي أنَّه كشف الأمر فيما بعد؟
مسز كريج
:
ماذا يكشف؟
إيثل
:
ما خبَّرْتِنِي به منذ لحظة، أنَّك توَدِّين أن تَفْرِضِي
عليه سُلطانك.
مسز كريج
:
هذا شيء لا يُمكِن أن يقوم عليه الدليل. أليس كذلك؟ أُريد أن
أقول إنه ليس بالشيء الذي يقوم المرءُ بفِعْلِه أو بالتَّعبير
عنه في أمرٍ بعينه؛ إنما هو أمرُ تفسيرٍ. وفي هذا يتفوَّقُ
النساء على الرجال تفوُّقًا ساحقًا. وقلَّ من الرجال من يستطيع
أن يُفسِّره تفسيرَ النساء (تضحك
قليلًا، وتتقدم نحو إيثل). أعرِفُ أنك تَرثِين في
ضَميرِك لانعدَامِ النُّبْل في نفسي.
إيثل
:
لا، أنا لا أرثِي لك البتَّة يا خالتي هاريت.
مسز كريج
:
لا، بل تَرثِين. وأنا ألمح ذلك في وجهك (وتتقدَّم صوب النَّضَد). إنك
تعتقدين أني امرأة خَسِيسة.
إيثل
:
لا، إنِّي لا أعتقد شيئًا من هذا.
مسز كريج
(مُتَلَفِّتةً)
:
إذن فماذا تَعتقدين؟
إيثل
:
لستُ أرَى — صراحةً يا خالتي هاريت — أنَّ في ذلك تمامَ
الإخلاص.
مسز كريج
:
ولكنَّه آمِنٌ جدًّا يا عزيزتي لكلِّ إنسان. فإذا كانت
المرأة — كما قلت — من النوع الصحيح، فخيرٌ لها أن تكونَ
مَصائِرُ بيتِهَا بينَ يديها من أن تكون بينَ يَدَي أيِّ رَجُل
(تظهر مسز هارولد بين
الستائر). هل تُرِيدين مُقابَلَتي في أمرٍ من
الأمور يا مسز هارولد؟
مسز هارولد
:
لا بأسَ من ذلك بعدَ بُرهةٍ يا مسز كريج؛ فلقد حَسِبْتُ أن
الشابة صَعَدَتْ إلى الطابق الأعلى.
مسز كريج
:
لا، إنَّها لم تفعل بعدُ، وستصعد فورًا (تَلْتَفِتُ إلى إيثل). هذا ما
أريدُكِ أن تَفعَلِي يا إيثل، اصعَدِي إلى الطابق الأعلى
وارقُدِي ساعةً أو بعضَ ساعةٍ، فسوف تَشعرين بتحسُّنٍ كبير.
وسوف أدعوك في وقت العشاء.
إيثل
(تنهض وتتقدَّم صوب الدَّرَج)
:
لا أعتقد أني أستطيع أن أتناول عشاء يا خالتي هاريت.
مسز كريج
(تقود إيثل نحو الدَّرَج)
:
قد يتغيَّر إحساسك كثيرًا بعدَمَا تَنالين قِسطًا من
الرَّاحة.
إيثل
:
إنِّي مُنزعِجَة انزِعَاجًا شديدًا يا خالتي هاريت.
مسز كريج
:
أعرف ذلك يا طِفلتي العزيزة. إنَّه أمر شاقٌّ،
ولكنه — فيما أعتقد
— من الأمور التي لا منَاصَ لنا من مُجابَهَتِها. ثم إن
الانزعاج لا يُمكِن أن يكونَ لها عونًا يا عزيزتي (تسير مسز كريج مع إيثل حتَّى مبدأ
الدَّرَج، وتُواصل إيثل الصعود).
إيثل
:
ولكن كيف أستطيع أن أتحاشَى الهموم؟
مسز كريج
:
إنك لا تَستطيعِين بطبيعة الحال يا عزيزتي. ومن أجل هذا
أُرِيدُك أن تَرقُدِي بُرهَةً من الوقت؛ وسوف أصعَدُ بعد
دقائق، بِمُجَرَّد ما أَنتَهِي من مُباشَرَةِ بعض الأمور هُنا.
إنها الغرفة التي تَجِدِينَهَا في مُؤَخِّرة الرَّدْهة على
اليمين، وأرجح أن تَجِدِي ميزي هناك الآن، ولا تُزعِجِي نفسك
يا عزيزتي (تَختَفِي إيثل عند أعلى
الدَّرَجِ، وتُحَدِّق مسز كريج في مبدأ الدَّرَجِ لعلَّها
تكتَشِفُ به خدوشًا جديدة، وتدخل مسز هارولد من ناحية
اليمين): في أيِّ شأنٍ من الشئون أردْتِ
مُقابَلَتِي يا مسز هارولد؟ (تهبِطُ
إلى الغُرفةِ مرَّة أخرى.)
مسز هارولد
:
أردْتُ أن أُخبرَكِ يا مسز كريج بأن الطَّاهية انصرَفَت يوم
الخميس. ذهبتْ ولم تَعُدْ.
مسز كريج
:
هل تقاضَتْ أجرَهَا؟
مسز هارولد
:
أعطيتُهَا ما تَستَحِقُّ حتى يومِ الثلاثاء.
مسز كريج
:
وهل حَمَلْتْ معها مَتَاعَهَا؟
مسز هارولد
:
لم يكن لديها سوى حقيبة مَلابِسِها وراديو، حمَلَتْهُمَا
معها. غيرَ أنَّ ذلك لم يَعْنِنِي لأَنَّها اعتادت أنْ
تَحْمِلَهُمَا كلَّ خميس.
مسز كريج
(مُتَقَدِّمَةً)
:
وهل قُمتِ أنتِ بالطَّهوِ يا مِسز هارولد من ذلك
الحين؟
مسز هارولد
:
نعم، وقدْ
قَسَّمْنَا العمل بيننا. ﻓ«ميزي» طاهية بارعة، واتَّصَلتُ
بوكالة كامك يوم السبت لكي تُرسِل إلينا خادمة. غير أن مِس
هيولت قالت إنها تُريد مقابَلَتَك أولًا (تنظر إليها مسز كريج)، فهي
تقول إنَّها أرسَلَت الكثيرات من قبلُ. وتوَدُّ أن تعرِفَ
حقيقةَ الأمر قبلَ أن تُرسلَ أخرياتٍ.
مسز كريج
(تتقدَّمُ نحو البيانو)
:
يَجِبُ أن يطهُوَ لها بَعضُهُنَّ؛ عندئذٍ تَعرِفُ حقيقة
الأمر. من أين هذه الزهور يا مسز هارولد؟
مسز هارولد
:
جاءت بها
لِمِس أوستن هذه المرأةُ التي تُقِيمُ عبر الشارع.
مسز كريج
:
تعنين مسز فريزير؟
مسز هارولد
:
نعم يا سيدتي. أتت بها حتى مَدخل الباب، وكانت مس أوستن
جالسة هناك تَحُوك بعض الملابس.
مسز كريج
:
يَحسُن أنْ تُبعِدِيها من هذا المكان يا مسز هارولد، فإن
أورَاقَهَا سَتَنتَشِرُ في أرجاء الغُرفة (تتقدم مسز هارولد نحو الزهور، وتَشغَلُ
مسز كريج نفسَهَا بالسُّتُر التي تحجِبُ المشربيَّة التي
تقَعُ خَلفَ البيانو).
مسز هارولد
:
إنك لم تَتَغَيَّبِي بقدرِ ما ظنَنْتُ. أليس كذلك؟
مسز كريج
:
أعتقد أني كنت أستطيع أن أتَغَيَّب إلى ما لا نهاية لو
استرسلتُ في العاطفة. غير أنِّي لا أصبِرُ كثيرًا معَ المرضَى
يا مسز هارولد.
مسز هارولد
(تتناول الزهور)
:
أعتَقِدُ أنه لولا تنوُّعُ الشخصيات ما كانت الدنيا.
مسز كريج
:
أعتقد ذلك.
مسز هارولد
(تتوَقَّف ثُمَّ تلتَفِتُ إلى
اليمين)
:
أين تُرِيدِينَنِي أن أضَعَ هذه الزهور يا مسز كريج؟
مسز كريج
:
لا يعنيني أين تَضَعِينها يا مسز هارولد طالما كانت بعيدة عن
الغُرَف، فلستُ أحبُّ أن ألتقِطَ الأوراقَ كلَّ
دقيقتين.
مسز هارولد
:
ربما تحبُّ مس أوستن أن تكون الزهور في غُرفَتِها.
مسز كريج
(تنحنِي لتفحَصَ المكان الذي كان به إناء
الزهر)
:
ربما أحبَّتْ ذلك. تَستطيعين سؤالها. هل هي الآن في الدور
العلويِّ؟
مسز هارولد
:
نعم يا سيدتي، ومسز فريزير تُطْلِعُها على شيءٍ بشأن النموذج
الذي لدَيْهَا.
(تلتَفِتُ مسز كريج بغتةً وتنظرُ
إليها.)
مسز كريج
:
هل تُرِيدين أن تُنْبِئِينِي بأنَّ مسز فريزير في الطابق
الأعلى يا مسز هارولد؟
مسز هارولد
:
نعم يا سيدتي، إنَّها هناك.
مسز كريج
:
وكيف صَعَدَت إلى هناك؟
مسز هارولد
:
لستُ أدري أكيدًا يا مسز كريج، ما لم تكن مس أوستن قد طلبت
إليها ذلك.
مسز كريج
:
حسنًا (وتتقدَّم نحوَ أسفلِ
الدَّرَجِ وتتطَلَّع إلى أعلى، وتخرج مسز هارولد خلال
الستائر). ألم تَرِدْ لي خطابات أو
رسائل يا مسز
هارولد أثناء غيبتي؟
مسز هارولد
:
نعم، وَرَدَ إليك خطابان تَركْتُهُمَا في غرفتك (وتعود إلى الغرفة مرَّة أخرى).
وصَلَ أحدُهما هذا الصباح والآخر يوم الثلاثاء. وجاء رجل يسأل
عن مستر كريج في الليلة الماضية حول الساعة الثامنة، ولكنه
انصرف. وأعطيْتُه رقم التليفون الذي أعطَانِي إياه مستر كريج
لو سأل عنه سائل.
مسز كريج
:
ومن كان الرجل؟ هل عرفْتِ اسمَه؟
مسز هارولد
:
نعم يا سيدتي. قال إن اسمه بركماير.
مسز كريج
:
وهل تَعرفِين أنه استطاع الاتِّصال بمستر كريج؟
مسز هارولد
:
نعم يا سيدتي. لقد اتصل به؛ لأني عندما أخبرتُ مستر كريج هذا
الصباح بزيارته قال إن الأمر سارَ على ما يُرَام، وأنه تحدَّثَ
إليه في المساء الماضي (مسز كريج
تطأطِئُ رأسَها وتتحرَّكُ نحو النَّضَد الوسيط)،
ثمَّ عاوَدَ مجيئَه اليومَ بعدَ الظُّهْر في نحو الرابعة
والنصف (مسز كريج تَتَلَفَّتُ وتنظُر
إليها).
مسز كريج
:
هل عادَ مستر بركماير؟
مسز هارولد
:
نعم يا سيِّدَتِي، وقال إنه يُريد أن يتَّصِلَ به مستر كريج
عند قدُومِه مباشرةً.
مسز كريج
:
ما هو الرَّقم الذي أعطاك إياه مِستر كريج في الليلة الماضية
يا مسز هارولد لِيتَّصِل به فيه مستر بركماير؟
مسز هارولد
:
لفرنج ٣١٠٠ وسجَّلْتُه على قُصاصةٍ من الورق حتى لا
أنساه.
مسز كريج
:
حسنًا يا مسز هارولد، سوف أخبِرُه عند قُدومِه (تخرج مسز هارولد). هاتِ إناءً
آخَرَ لهذه الزهور يا مسز هارولد قبل أن تَحمِليها إلى
أعلى.
مسز هارولد
:
حسنًا، سأفعل.
مسز كريج
:
هذا الإناء يَخُصُّ هذا الطابق (تقف وتفكِّر بُرهة في هدوءٍ وتُلقي نظرة فوق الدَّرَج
تُتَابِعُ بها مسز هارولد، ثم تتقدَّم نحو التليفون وتطلبُ
رقَمًا ما. ميزي تهبط الدرج).
ميزي
:
أرْسَلَتْنِي مس لاندرث إلى هنا من أجل حقِيبتِهَا.
مسز كريج
:
ها هي ذي على النَّضَد (تلتقط ميزي
الحقيبة من فوق النَّضَد وتسير نحو الدَّرَج ثانيةً. وتنظر
إليها مسز كريج في ثبات، وتوشِكُ أن تتكَلَّم حينما تثُوبُ
ميزي إلى رُشدِها فتَعُود وتخترقُ سِتار الباب).
خذي هذا الكوب أيضًا يا ميزي.
ميزي
:
سأفعل يا سيدتي (تعود وتتناول
الكوب).
مسز كريج
(في التليفون)
:
الاستعلامات؟ هل يُمكِن أن تَدُلُّونِي على عنوان رَقْمِ
التليفون لفرنج ٣١٠٠؟ لا يُمكِن؟ لا بأسَ، ولا يَهُمُّ،
وشُكرًا كثيرًا لكم (تتردَّدُ ثمَّ
تتقدَّم مُفَكِّرةً. وحينئذٍ يُحدِثُ الباب الحاجِزُ صوتًا
ويَدْخُل مستر كريج نشطًا، لابسًا قُبَّعَةَ بنما وحاملًا
صحيفة).
كريج
:
عجبًا، من تكون هنا، مشرقة باسمة! (يتقدَّم، ويخلَعُ قُبَّعَتَه، وتسير
نحوَه.)
مسز كريج
:
تكادُ أن تَصِلَ في إِثْرِي.
كريج
:
كيف حدث هذا (يُقَبِّلُها
مُشتاقًا) متَى أتيتِ يا هاريت؟
مسز كريج
(تأخذُ منه قُبَّعته وصحيفته وتَضَعُهُمَا
فوق النَّضَد)
:
منذُ لحظات. تركت أولبني ظهرًا.
كريج
(يقذِفُ بِقُفَّازِهِ فوق البيانو)
:
وكيفَ لمْ تُبْرِقِي، أو تَفعلي شيئًا من هذا؟
مسز كريج
(تلتقِطُ قُفَّازَه من فوق النَّضَدِ
وتَبْسُطَ أصابِعَه)
:
أصدُقُكَ القولَ إنِّي لم أفكِّر في شيءٍ من هذا؛ فلقد كانت
هناك واجباتٌ عديدة لا بدَّ من أدائها. هناك جمعُ حاجاتِ إيثل،
وغير ذلك.
كريج
:
وهل كانت إيثل هناك؟
مسز كريج
:
نعم، أصَرَّت إِستل على استِدْعَائها يوم السبت الماضي.
وأقْسِم بحياتي أني لا أدري لماذا أصرَّتْ على هذا؛ لأنَّ ذلك
أزْعَجَها إزعاجًا شديدًا، ولذا رأى الطبيب أن من الخير إقصاء
إيثل عن ناظِرِها بضعةَ أيامٍ، ومن ثَمَّ عدتُ بها إلى هنا،
وهي الآنَ ترقُدُ في الطابق الأعلى.
كريج
:
وكيف حال إستل؟
مسز كريج
:
لم أرَ بها شيئًا غير عادي. غير أنَّك لو اطَّلعت على
خِطَابِهَا لظَنَنْتَ أنَّهَا تُشرِفُ على الموت؛ فكان عليَّ
أن أخرج وأبتعد عن بيتي أسبوعًا كاملًا وأنطلق مسرعة إلى
أولبني.
كريج
:
هل عندها مُمَرِّضة خَبيرة؟
مسز كريج
(تَتَناوَلُ قُبَّعَتَه من فوق
النَّضَد)
:
عندَها اثنتان منذُ أكثرَ من ستَّةِ أسابيع، ولكنَّكَ تعرِفُ
من هنَّ المُمَرِّضَات الخبيرات.
كريج
:
يُؤسِفُني أن أسمَعَ أنَّ إستل في مثلِ هذه الحالة
السيِّئَة.
مسز كريج
(تُنَاوِلُه قُبَّعَته)
:
خُذْ هذه يا والتر.
كريج
(يَرُدُّها بين ذِرَاعَيه)
:
إنِّي سعيدٌ بعودَتِك.
مسز كريج
(تضحك ضحكة خفيفة)
:
دع عنك هذا يا والتر.
كريج
:
يُخَيَّل لي أنك غِبتِ عني شهرًا لا أسبوعًا (يُقَبِّلُ جانب
رأسِهَا).
مسز كريج
:
لا تُهَشِّم عِظامي يا والتر!
كريج
:
ذلك مَا أحْسَبُ أنِّي أودُّ أن أفعله أحيانًا.
مسز كريج
(ضاحكة)
:
خلِّ عنك هذا (يُطلِقُها، وتستقيم
في وِقفتِها، وتلمِسُ شعرها). كفَى، خُذْ هذه
القُبَّعة وضَعْها خارج الغُرفة حيث ينبغي أن تكون (يتناوَل القُبَّعة ويسير حِذاءَهَا
مُتَّجِهًا نحوَ ستار الباب)، وخُذْ هذه
الصَّحيفة من هنا أيضًا. ينبغي أن تكون هذه الغرفة مثالًا
للأناقة (يعود ليتناول الصحيفة، ثم
يخرج إلى الغرفة الأخرى). ومن الإساءة لصاحبة
عمَّتِك أن تَشْهَدَ هذه الفوضى.
كريج
(من الغرفة الأخرى)
:
وهل لدَى عَمَّتِي أوستن إحدى صاحِبَاتها؟
مسز كريج
(تتحرَّك نحوَ المقعد المُزخْرَف الذي
يقَعُ على يمين السُّلَّمِ لتُرَتِّبَ وسَاداتِه)
:
هذا ما أنبَأَتْنِي به مسز هارولد. وهي معها في الطابق
الأعلى.
كريج
(يعود ويسير مُباشرة نحو المَشربيَّة على
اليسار)
:
ومن تكون؟
مسز كريج
:
صاحبة الزُّهور التي تقْطُن عبر هذا الطريق.
كريج
:
مسز فريزير؟
مسز كريج
:
نعم، وقد أصبحت اجتماعية إلى حدٍّ بعيدٍ.
كريج
:
لديها بالتأكيد بعض الزهور الجميلة هناك. أليس كذلك؟
مسز كريج
:
لا بُدَّ أن يكون ذلك؛ إذ ليس لدَيْها ما تَعْمَلُه سوى
العِنايَةِ بها.
كريج
:
إن لهذا النوع من الزهور الذي أراه في ذلك الرُّكن أثرًا
طيبًا. أليس كذلك؟
مسز كريج
:
انتَظِرْ حتى ترَاه بعد أسبوع من الآن.
كريج
(مُلتَفِتًا نحوَها)
:
لماذا؟
مسز كريج
:
سترى أوراق الزهور مُتنَاثِرَةً في أرجاء المكان.
كريج
:
سيكونُ ذلك أروعَ مِمَّا هي الآن.
مسز كريج
:
لا أحسَبُكَ تعتقد ذلك لو كان عليك كنْسُها.
كريج
(يُخرِجُ بعض الأوراق من جَيبِه الداخلي،
ويتقدَّم نحو المِقعد المجاور للبيانو)
:
إنِّي لا أحَبِّذُ كنْسَهَا (يَصدُرُ عن مسز كريج صوتٌ يدلُّ على السرور
العظيم)، ولا أتصوَّرُ شيئًا أجمل من أوراق الزهر
مُبعثرة فوقَ حشائشِ البُستان (ثم
يجلس).
مسز كريج
(تشد المقعد الكبير أمام المَوقِد)
:
ليُكوِّنَ لكَ مشهدٌ جميلٌ فيما أعتَقِدُ.
كريج
:
إني لأعجبُ كيفَ لم تُحضِر بعضًا من هذه الزهور معها
لعمَّتِي أوستن.
مسز كريج
:
أظنُّ أن لدَيْهَا من العقلِ ما يكفِي لأنْ تُدرِكَ أنَّنَا
لو كُنَّا نريدُ الزَّهرَ لزَرَعْنَاهُ (تسير نحوَه إزاءَ النَّضَد الوسيط، وهي
تُلقِي بنظرةٍ نحوَ رأسِ السُّلَّمِ). أنصِتْ.
إنَّها قد تهبط إلى هنا في أيَّةِ لحظةٍ يا والتر. ولو كنت
موضِعَك ما جلستُ مكانك عندَ مَقدِمِها؛ لأنَّها لو رأتْكَ ما
استطعْتَ الفِرارَ منها حتَّى تروي لك قِصَّتَها برمَّتِها،
وقد نجَوْت منها مرَّتين (تجمع
أشياءها من فوق النَّضَد).
كريج
:
تحدثْتُ إليها مرَّتين في طريقي من مخزن السيارات.
مسز كريج
:
تقصد أنها تحدَّثَتْ إليك.
كريج
:
لا، كانت هناك تُثَبِّت الزهور حينما مررتُ بها.
مسز كريج
:
بالطبع كانت هناك؛ فهي أكثر الوقت في ذاك المكان (تتحرك نحوه وتأخذ في الإسرار)،
وما يُضحِك من الأمر يا والتر أنها — فيما أعتقد — لا تُدرك أن
الناس يعلمون حقَّ العلمِ لماذا تفعل ذلك. والواقع أني ما عرفت
في حياتي أمرًا أشدَّ من هذا وضوحًا.
كريج
:
ولماذا تفعل ذلك في رأيِكِ؟
مسز كريج
:
تسألني لماذا تفعل ذلك في رأيي؟
كريج
:
نعم.
(تضحكُ ويبدو عليها شيء من القَلَقِ المَشُوب
بالسلوى.)
مسز كريج
:
قُل لي يا والتر، لماذا تسير بعضُ النسوة دائمًا وفي يَدِ
الواحدة منهن طفل أو كلب في رباط؛ ذلك لكي يُيَسِّرن الاقتراب
منهن (تعود إلى النَّضَد وتضع
القُفَّاز في حقِيبتِها، ويجلس كريج ناظرًا إليها في
حيرة)، ولكنَّ السيِّدة التي في الطابق الأعلى
تَستَعمِل الزهور؛ ولذا فإني — حقًّا — لو كنت موضعك يا والتر
ما جلست مكانك عند قدومها؛ فأنت تعلم أن في الاقتراب
خطرًا.
كريج
(يعود إلى خطاباته)
:
أعتقد أنها لو أرادت الرجال لظفرت بالكثير منهم.
مسز كريج
:
ربما لم تستطع أن تظفَرَ بالنوع الذي تريد. وقد تكونُ أنت
واحدًا من هذا النوع (ينظر إليها
ضاحكًا)، وهذه الزيارة الخاطفة هذا المساء
مُحَمَّلة بالأزهار قد تكون بداية الهجوم في حملة مُحكَمَة
التَّدبير.
كريج
:
هل قُلتِ إنَّها أتت ببعض الزهور هذا المساء؟
مسز كريج
:
قلت «مُحْكَمَة التدبير»، وأعتقد أنك ذكرت لي أنك وقفتَ
عدَّةَ مرَّات تتحدَّث إليها.
كريج
:
وقفتُ مرَّتَين في الواقع.
مسز كريج
:
وأُعجِبْتَ بزُهورها؟
كريج
:
لم تكن هناك أمور أخرى نتحدَّث فيها.
مسز كريج
:
طبعًا لم تكن هناك أمور أخرى. وذلك هو ما يهم، ولو لم تكن
هناك زهور لما كان هناك البتَّة موضوع للحديث، ولَمَا
تَوقَّفْتَ لتتحدَّثَ (تنظر إليه
نظرة مباشرة وتبتسم). أَمَا وقد فعلتَ، فالأرجح
أنها تتوقَّع أنك ربما أحببتَ الزُّهور وأنك قد تَعُدُّها
شارةً صغيرة لطيفةً لو أنها جاءت إليك — أقصد عمَّتك — بقليلٍ
منها ساعة ما، حينما تكون زوجتك خارج المدينة.
كريج
(يتَّكئ على البيانو وينظر إلى
خطاباته)
:
ماذا تُريدين أن تقولي؟ أتسخرين مِنِّي يا هاريت؟
مسز كريج
:
لا شيء من ذلك إطلاقًا، لا تَتَّكئ على ذلك البيانو بهذه
الطريقة يا والترو؛ فقد تخدشه.
كريج
:
إن سُترتي لن تخدشه.
مسز كريج
(تعبر الحجرة مُسرِعة)
:
ربما كان في جَيبِك ما يخدشه (تدفعه بعيدًا عن البيانو). اجلس (وتضربه على ظهره ضربة خفيفة).
اجلس هناك (تشير إلى المقعد الكبير
على يسار النَّضَد الوسيط، وينهض الرجل بروح طيب ويسير
نحوه. وتشغل هي نفسها بفحص البُقعة من البيانو التي اتَّكأ
عليها، وتسوِّي غطاء البيانو في عناية).
كريج
:
نعم يا سيدتي، أظنُّ أن ذلك ما تحاولين أن تفعلي، أن تسخري
مني.
مسز كريج
:
وهل تظنُّ أن ما ذكرتُ لك لا يُحتَمَلُ البتَّة
حدُوثه؟
كريج
:
كلا، إنه ليس بعيد الاحتمال، وإنما هو أمر يُثير
الضَّحك.
مسز كريج
(تعود إلى النَّضَد وتجمع كل
أشيائها)
:
كانت الزهور على البيانو عندما جئت.
كريج
:
لو كان الأمر كذلك فقد كانت لعمَّتِي أوستن.
مسز كريج
:
ربما كانت لها. ومَهما يكن من أمرٍ فقد أرسلتُها إلى غُرفتها
حتى إن مسز فريزير ربما ظنت أني حَسِبت الزهور لعمَّتِي أوستن
(تسير نحو ستار الباب ناحية
اليمين، ويتابعها بالنظر ثم يضحك، وتتلفَّتُ وتنظر
إليه). ماذا يُضْحِكُكَ؟
كريج
:
أنت!
مسز كريج
:
أحقًّا ذلك؟
كريج
:
أنت جدُّ مُسلِّية هذا المساء.
مسز كريج
(تتقدم إلى يمين النَّضَد)
:
وأنا أعتقد أنك مُسْتَهتِر قليلًا يا والتر. وأنت جالس مكانك
تفتن الفاتنة.
كريج
:
أعتقد أنك بدأتِ تَغَارِين عليَّ يا هاريت.
مسز كريج
(في لهو)
:
أبدًا يا بُنَيَّ العزيز. إنما أنا أرتاب في المُطلَّقات
الثرِيَّات مُتوسِّطات العمر اللائي يتخَصَّصْن في أزهار
الطريق (تتَّكِئُ على
مِظلَّتِها).
كريج
:
مسز فريزير ليست مُطلَّقة.
مسز كريج
:
أصحيح هذا؟
كريج
:
نعم، وقد قُتِل زوجها في حادث سيارة في عام ١٩٣٦م، وأخبرتني
بذلك هي نفسها. وكانت مع زوجها في السيارة.
مسز كريج
:
وكيف حدث أنها لم تُقْتَل؟
كريج
:
وهل لا بُدَّ أن يموت كلُّ إنسان في حوادث السيارات؟
مسز كريج
:
لا! وهناك دائمًا الحرب العالمية، للأزواج المفقودين. إنك
شابٌّ صريح جدًّا يا والتر. وإني آسفة لأن ذِهنك لا يفكِّرُ
أسرع من ذلك ولو قليلًا.
كريج
:
ولكنَّ ذهني يفكِّرُ تفكيرًا سليمًا جدًّا، حينما يُدرِك
الموضوع.
مسز كريج
(تقف إلى جوار الباب)
:
هذه ميزة صُغرى إذا كان الموضوع يتعيَّن قبل أن
تُدرِكَه.
كريج
:
هل تعرفين أنِّي أودُّ لو استطعتُ أن أرى ما يدور برأسِكِ
هذا المساء؟
مسز كريج
:
لو استطعتَ فإنِّي أعتقد أنك سوف تجدُ في رأسي شيئًا شبيهًا
جدًّا بما يدور في رءوس أكثر جِيراننا في هذه الأيام.
كريج
:
وماذا تقصدين من ذلك؟
مسز كريج
:
إنَّ لهم عيونًا يا والتر، وهم يَستَعمِلُونها. وأوَدُّ أن
تَستَعمِل أنت أيضًا عينيك. وأوَدُّ كذلك أن تُخبرني لمن يكون
التليفون رقم لفرنج ٣١٠٠.
كريج
:
إنه لفرجس باسمور. لماذا؟
مسز كريج
:
لا شيء، إنما كنتُ أتَعجَّب لأن مسز هارولد أنبَأَتْنِي أنك
أعطَيْتَها هذا الرقم في الليلة الماضية تطلُبُك فيه إن سأل
عنك سائل. وكنت أتساءل أين يكون هذا الرقم؟
كريج
:
إنه رقم فرجس باسمور. كنت ألعبُ الورق هناك في الليلة
الماضية. التقيتُ به مصادفةً بالأمس أمام الفيرست ناشونال،
وطلب إليَّ أن أُرَافِقه في الليلة الماضية لألاعبه قليلًا من
البوكر.
مسز كريج
(تتقدَّم قليلًا)
:
وفيمَ كان يُريدُك بلي بيركماير؟
كريج
:
لماذا؟ إنه …
مسز كريج
:
ذَكَرَتْ لي مسز هارولد أنه سأل عنك.
كريج
:
نعم، طلَب إليَّ فرجس أن أبحث عنه أيضًا وآتي به إلى هناك،
وقد فعلت. غير أنَّهُ سأل عنِّي فيما بعدُ ليُخبِرَني بأن أباه
عاد لتوِّه من سنت بول، وأنه لا يستطيع أن يحضُرَ، ولم أكن هنا
عندما جاء يسأل عنِّي؛ ولذا تحدثتُ إليه من هناك.
مسز كريج
:
أتَعَشَّم ألا تَنْسَاقَ إلى لَعِبِ الورقِ مرَّة أخرى
يا والتر.
كريج
:
لماذا؟ إنَّني لم أتخَلَّ قطُّ عن لعب الورق.
مسز كريج
:
ولكنك لم تلعب فيما يقرُب من عام.
كريج
:
أظنُّ أن ذلك يرجع إلى أنك لا تلعبين. وأكثر أصحابي يعرفون
ذلك؛ ومن أجل هذا لا يطلبون إليَّ مشاركتهم في اللعب. ولا
أعتقد أن فرجس كان يطلب إليَّ ذلك بالأمس لولا أني ذكرت عفوًا
أنك غائبة.
مسز كريج
:
وهل كانت زوجته هناك؟
كريج
:
كانت هناك لفترة ما، ولكنها لم تلعب؛ إذ كان لا بُدَّ لها أن
تخرج إلى مكان ما.
مسز كريج
:
وأعتقد أن فرجس — من أجل هذا — طلب إليك أن تلعب. أليس
كذلك؟
كريج
:
ماذا تعنين؟
مسز كريج
:
أنت تعرف كيف كان يغار عليها إلى حدِّ الجنون.
كريج
:
وأنا واثق من أنه لم يَغَرْ منِّي قطُّ.
مسز كريج
:
كان يَغَار من كل إنسانٍ كمَا بدا لي.
كريج
:
كَفَى سُخفًا يا هاريت.
مسز كريج
:
إنك لن تُدرِك غَيرَتَه يا والتر حتى إن كان غَيورًا.
كريج
:
يسرُّني ألا أُدرك ذلك.
مسز كريج
:
سوف يتبيَّنُ لك ذلك. وأُراهن أن بلي بيركماير تحاشى
اجتماعكم من أجل هذا، وأراهن أيضًا أنه إنما جاء إليك
ليُنْبِئَك بهذا.
كريج
:
إنه لم يأتِ إليَّ ليُنبِئَني بشيءٍ من هذا يا هاريت، إنما
جاء ليذكُرَ لي أن أباه وصل على غير انتظار منه.
مسز كريج
:
لا أقصد الليلة الماضية، إنما أقصد عندما جاءك اليوم.
كريج
:
إنه لم يأتِ اليوم.
مسز كريج
:
بل أتى هذا المساء قرابة الساعة الرابعة بعد الظهر.
كريج
:
إلى هنا؟
مسز كريج
:
هذا ما أنبأَتْنِي به مسز هارولد. قالت إنه يُريدُك أن
تتَّصِل به بمجرَّد عودَتِك.
كريج
(ينهض ويسير نحو التليفون)
:
وإني لأعجب لماذا لم يأتِ إلى مكتبي.
مسز كريج
(تتحرَّك نحو ستار الباب)
:
ربما فعل بعد انصرافك.
كريج
:
وهل تعرفين رقم بيركماير؟
مسز كريج
(تلتفِتُ ناحية الباب)
:
بارك ٨٤٠. أليس كذلك؟ اللهم إلا إن كان قد تغيَّر.
كريج
:
أظنُّه هذا (يدير قرص
التليفون).
مسز كريج
(تخفِضُ صوتها)
:
وأنا جادَّة حقًّا يا والتر فيما أقول عن المرأة التي في
الطابق الأعلى (مسز فريزير ترسل ضحكة
أعلى الدَّرَج)؛ ولذا فلو كنت موضعك ما بقيتُ
مكاني عند قُدُومِها.
(يُسكِتُها بإشارة منه، وتخرج من ناحية اليمين
وهي تُلقِي نظرة نحوَ رأس الدَّرَج.)
مسز فريزير
:
كنت أنا نفسي ألْقَى مشقَّة كبرى عندما بدأت أستعمِلُها
أوَّلَ الأمر.
كريج
:
هالو، بارك ٨٤٠؟
مس أوستن
(عندَ رأس الدَّرَج)
:
أظنُّنِي قد فهمتُهَا الآن.
كريج
:
هل مستر بيركماير موجود؟ (مسز
فريزير ومس أوستن تهبطَان الدرج) يا لسوء الحظِّ.
خرج منذُ بُرهة أليس كذلك؟
مسز فريزير
:
أرجو ألَّا تترَدَّدِي في استدعائي يا مس أوستن إذا التَبَسَ
عليك أمر.
كريج
:
نعم، أنا مستر كريج أتكلَّم.
مس أوستن
:
سوف أفعل، وسوف أُخطِرُك.
مسز فريزير
:
إذ ليس لدي أمر واحد يَشْغَلُنِي (تشهد مستر كريج عند التليفون، وتلتفت إلى مس أوستن، وتضع
إصبَعَها فوق شفَتَيْها).
كريج
:
إذن، فالأرجَحُ أن يحضُرَ إلى هنا بعد قليل.
(مسز فريزير تدخل الغرفة. وتقف مس
أوستن خارجها ناظرة إلى مستر كريج) شكرًا، حسنًا،
أشكرك كثيرًا (ثم
ينهض).
مس أوستن
:
هالو والتر.
كريج
:
هالو عمَّتِي، كيف حالك؟
مس أوستن
(تدخل من عتبة السلم)
:
لم أعلم أنك عُدْتَ إلى بيتِك.
كريج
:
عدتُ هذه اللحظة. كيف حالك يا مسز فريزير؟
مس فريزير
:
كيف حالك يا مستر كريج؟
مس أوستن
:
لقد تفَضَّلَت مسز فريزير وصعَدَت لتُطلِعَنِي على شيء
يتعلَّقُ بنموذجٍ جديدٍ اشتريتُهُ منذ قليلٍ.
كريج
:
حقًّا؟
مس أوستن
:
أخبرتْنِي مسز هارولد أن هاريت بالبيت.
كريج
:
نعم، وقد سَبَقَتْنِي إليه بقليلٍ.
مس أوستن
:
وهل أنبَأَتْكَ عن حال مسز لاندرث؟
كريج
:
حالٌ سيئة كما أتصوَّرُها ممَّا ذكرَتْ لي.
مس أوستن
:
وأين هاريت؟ في الطَّابِقِ الأعلى؟
كريج
:
نعم، وقد حَمَلَتْ أشياءَهَا إلى هناك مُنذ بُرهة.
مسز فريزير
:
قالت لي مس أوستن إنَّ أخت مسز كريج تشكُو مَرَضًا في
قلبِها.
كريج
:
نعم، أُصيبَتْ به منذ وقت طويل.
مسز فريزير
:
مسكينة هذه السيدة.
مس أوستن
:
مُدَّة عشرِ سنواتٍ تقريبًا.
مسز فريزير
:
يا لسوء الحظِّ، أظنُّ مسز كريج مُضطَرِبَة أشدَّ الاضطراب.
أليس كذلك؟
كريج
:
نعم، أعتقدُ ذلك.
مسز فريزير
:
هل هي أختها الوحيدة؟
كريج
:
نعم، كِلتَاهُما فقط.
مسز فريزير
:
يا لسوء الحظِّ، ولكن هذه حالُ الدُّنيا عامةً. أليس
كذلك؟
كريج
:
نعم، هذا حقٌّ.
مس أوستن
:
يجب يا والتر أن تُشاهِد جميع الزهور الرائعة التي جاءتني
بها مسز فريزير منذ حين (تُرسِل مسز
فريزير ضحكةَ استرحام خفيفةً وتتقدَّم نحو البيانو إلى
اليسار).
كريج
:
أي والله.
مس أوستن
:
إنها في غاية الروعة.
مسز فريزير
:
لا أظنُّها هدية سخية، فهناك من هذه الزهور الكثير.
(كريج ومس أوستن يتحدَّثَان معًا.)
كريج
:
ثِقِي أنَّنَا نُقَدِّرُها غاية التَّقدير.
مس أوستن
:
جميل منكِ — فيما أعتقد — أنْ تَذْكُرِينَا أيَّ
ذِكْر.
مسز فريزير
:
أظنُّ أحيانًا أنه من الحُمق إلى حدٍّ ما أن أقتَنِيَ الكثير
منها؛ لأن ذلك معناه كثرة العمل.
مس أوستن
:
لا بُدَّ أن يكون الأمر كذلك، وكثيرًا ما أذكر ذلك
لوالتر.
مسز فريزير
:
نعم، هو كذلك. كانت العناية بالزهور هوايةً عند
زوجي إلى حدٍّ كبير
وهو على قَيدِ الحياة، وأعتقد أني أُعنَى بها مُتأثرة بالعاطفة
حقًّا أكثر من تأثري بأيِّ شيءٍ آخرَ.
مس أوستن
:
ومتى مات زوجُك يا مسز فريزير؟
مسز فريزير
:
تنقَضِي على وفاته عشرُ سنوات في نوفمبر المُقبل، نعم، نعم
لقد مات في الثالث والعشرين من نوفمبر عام ١٩٣٦م. أصيب في ٢
نوفمبر في حادث سيارة عند تقاطع برايد ماساشوست. كنا عائدين من
بار هاربر، وكنت أحدِّث مستر كريج عنها. وقد عاش مريضًا حتى
الثالث والعشرين، ومن ثم تَرَين أن أيام الحُزن لها في الواقع
دلالةٌ كبيرة عِندي.
مس أوستن
:
أعتقِدُ ذلك حقًّا.
مسز فريزير
:
نعم، ذلك هو الشهر الأوحد الذي ينبغِي لي أن أبتَعِد فيه،
ولا يهمُّني أنَّى أذهب؛ ولكن يجبُ أن أذهب إلى مكانٍ ما. فأنا
لا أُطِيق حياتي في هذا الوقت من العام، فذكرياتي عنه عديدة؛
ولذا فإني كُلَّما اقترَبَ نُوفمبر من كلِّ عامٍ أحزِم مَتَاعي
وأذهب إلى دايتن في أوهايو، فلي هناك ابنة مُتزَوِّجة. لزوجها
صلةٌ بشركة تسجيل النَّقد الوطنية. وهي بطبيعة الحال تُكثر من
المِزاح بشأن زياراتي السنويَّة هذه لدايتن. فتقول بَدلًا من
أن أكون في إنجلترا كلما حلَّ شهر أبريل، فإني أذهب إلى دَايتن
كلما حلَّ شهرُ نوفمبر (تضحكُ ضحكةً
فاترةً). كثيرًا ما نَمزَحُ في هذا، ولكنَّ
زوجَهَا بالطبع يعمل هناك. وأفكر أحيانًا في أنِّي ربما قضيتُ
معها وقتًا أطول؛ فذلك خير لي ولها. غير أن المشكلة هي أني
عندما أذهب إلى هناك يشُقُّ عليَّ جدًّا أن أعود؛ فطفلها من
أجمل الأطفال، وهو يكاد يبلغُ الشهر الخامس عشرَ من عمره.
ويظنُّ أنْ ليس في الدنيا مثل جدَّتِه. وأنا بالطبع أظنُّ أنْ
ليس في الدنيا من يُمَاثِلُه، ولو أني، أصدُقُك القول، كنت
أمقُتُه أشدَّ المَقْتِ حينما وُلدَ؛ وذلك لما تصوَّرتُ أنه
جعل منِّي جدَّة، ولكنَّه انتصر عليَّ، وأظنُّني الآن في
حماقَةِ كل جدَّة أُخرى.
مس أوستن
:
وهل هي ابنتك الوحيدة يا مسز فريزير؟
مسز فريزير
:
نعم هي وحيدتي.
كريج
:
وإذن فأنت تعيشين وحدك هنا يا مسز فريزير؟
مسز فريزير
:
نعم، في وحدة تامَّة.
مس أوستن
:
أحقًّا هذا؟
مسز فريزير
:
نعم لقد عشتُ وحدي الآن قرابة أربعة أعوام، منذُ تزوَّجَت
ابنتي. وحيدة في الخمسين (تضحكُ ضحكة
خفيفة)، وهي عُزلَةٌ مُبكِّرة نوعًا ما. أليس
كذلك؟
(تضحك قليلًا مرة أخرى.)
كريج
:
بالتأكيد.
مس أوستن
:
أعتقد ذلك.
مسز فريزير
:
أذكر أني قرأت قِصَّة بهذا الاسم منذ عدة سنوات. وأذكر أنِّي
اعتقدت في ذلك الحين أنه من المُؤلِم جدًّا أن يُترَكَ المرءُ
وحيدًا وبخاصَّةٍ إذا كان امرأة. ومع ذلك فقد حدَثَ لي نفس
الشيء قبل أن أبلغ الخمسين.
مس أوستن
:
وهل لم يطرأ لك أن تُسافِري لتعِيشي مع ابنتك يا مسز
فريزير؟
مسز فريزير
:
إنها بالطبع لم تَقْنَط قطُّ من إغرائي بذلك. ولكني أقول لها
دائمًا: «لا يا عزيزتي، سوف أعيش ما بَقِيَ لي من أيام حياتي
في بيت أبيك، ولو أنَّهُ ليس مُقيمًا به، وأقول، فلدَيَّ
ذكرياتي على الأقلِّ، ولا يستطيع امرؤٌ أن ينزِعَهَا عنِّي.»
وهي ترُدُّ عليَّ بالطبع بقولِهَا إنِّي عاطفِيَّة (تضحك)، ولكِنِّي في الواقع لست
كذلك البتَّة. فلو كنت عاطفية لجاز أن أتزَوَّج مرةً أخرى، غير
أنِّي أُحِسُّ …
كريج
:
أعتقد أنه يجوز لك أن تتزوَّجي مرة أخرى يا مسز
فريزير.
مسز فريزير
:
أعتقد أن المَنطِقَ يقول بذلك يا مستر كريج، ولكني لست أدري.
لعلِّي من أولئك النسوة اللائي لا يُطِقْنَ غيرَ رجلٍ واحدٍ،
فهناك من النساء من يَرَيْنَ ذلك كما تعلم.
مس أوستن
:
نعم هناك من يَعتقِدْنَ في ذلك.
مسز فريزير
:
كما أن هناك من الرجالِ من لا يُطيقُ غير امرأةٍ واحدةٍ.
وأعتقد أنه من سوء الحظِّ خاصةً أن يحدُث لشخصٍ من هذا النوع
ما يَمَسُّ هذه الصلة
الوثيقة — سواء كان بالموت أو بزوال الوَهْم، أو بغير ذلك —
لأن مثل هذا الجُرحِ لا يلتئِمُ البتَّة بعد ذلك. إن الشخص من
هذا الطراز لا يُمكن أن يأبَهَ بعدئذٍ كثيرًا بأيِّ أمرٍ من
الأمور.
مس أوستن
(ترسل نظرة بعيدة)
:
ما أصدَقَ ما تقولين يا مسز فريزير.
مسز فريزير
(في حالة من التأمل)
:
أبدًا (تهز رأسها وئيدًا من جانب
إلى آخر، ثم تنهض). خير لي أن أنصرف، وإلَّا
اتَّفَقْتُم مع ابنَتِي على أنِّي عاطفية.
(يَتْبَعَانِها صوب الباب.)
(مس أوستن وكريج يتكلمان معًا.)
مس أوستن
:
كلَّا يا مسز فريزير إنِّي أتَّفِق معك تمامًا.
كريج
:
أعتقد أن شيئًا من العاطفة أمرٌ جميل جدًّا في بعض
الأحيان.
مسز فريزير
(تلتفِتُ عند الباب)
:
وإنِّي لأتَعَشَّم أن تُخبِر مسز كريج أني كنت أسأل عن
أختِهَا.
كريج
:
سأُخبِرُها بذلك يا مسز فريزير، وشكرًا لك شكرًا
كثيرًا.
مسز فريزير
:
وأتعَشَّم أن تتَحَسَّن بعد قليل. ليلَتُك سعيدة يا مستر
كريج (تخرج).
كريج
:
ليلَتُكِ سعيدة يا مسز فريزير. آمُلُ أن تعودي إلينا قريبًا
جدًّا.
مسز فريزير
(تردُّ صائِحَةً)
:
شكرًا لك، شُكرًا كثيرًا، يَسرُّني أن أعود.
مس أوستن
(تُتَابِعُها)
:
وشكرًا مرَّةً أخرى على الزهور.
(كريج يبتَعِدُ عن الباب ويصْعَد الدَّرَج،
وتظهر مسز كريج خلال السَّتَائر، وهي تنظر نظرة عابِسَةً نحوَ
المشربيَّة على اليسار، حيث يُمكِنُ أن تُشاهِدَ مسز فريزير وهي
تعبُرُ عُشبَ الحديقة.)
مسز فريزير
:
عفوًا يا ابنتي العزيزة؛ بل كان ينبَغِي لي أن آتِي لك
بضِعفِ هذه الزهور.
مس أوستن
:
وسوف أُخطِرُك بكلِّ ما يصْعُب عليَّ أثناءَ
التَّطريز.
مسز فريزير
:
أرجو أن تفعَلِي ذلك الآن يا مس أوستن، ولا تترَدَّدي في
استدعائي.
مس أوستن
:
سوفَ أفعل، وسوف أخبرك.
مسز فريزير
:
مع السلامة.
مس أوستن
:
مع السلامة يا مسز فريزير.
(الباب الحاجز يُحدِث صوتًا، وتتقدم مسز كريج
نحو المرآة فوق رفِّ المِدفأة على اليمين.)
مسز كريج
:
هذه المخلوقة السَّخيفة (تقف أمام
المرآة تُشاهد نفسها وتَمَسُّ شعرَها، ثم تدخُل مس
أوستن).
مس أوستن
(تقِفُ عندَ الباب من الداخل)
:
أهلًا يا هاريت. كنت على وشك الصعود إلى غُرفتك. كيف وجدْتِ
أختَكِ، فقد أنبأَتْنِي مسز هارولد منذُ لحظة أنك عُدتِ إلى
بيتِك.
مسز كريج
(دون أن تَلتَفِتَ)
:
نعم لقد عُدْتُ (ثم تلتَفِتُ وفي
لهجَتِهَا مَسحَةٌ من التَّحَدِّي)، وأعتقد أني
عُدتُ في الوقت المُلائِم. ألا تعتقدين ذلك؟
مس أوستن
:
لماذا يا عزيزتي؟
مسز كريج
:
لماذا؟
مس أوستن
:
نعم، فلست أفهم ما تعنين.
مسز كريج
:
ممَّا يبدو لي، أعتقد أنِّي لو أَطَلْتُ ابتعادي لكانَ من
الجائز أن أجِدَ بيتِي عندَ عودتي طريقًا عامًّا لكلِّ
جِيرانِنَا.
مس أوستن
:
تقصدين وجود مسز فريزير هنا؟
مسز كريج
:
تعلمين جيدًا ما أقصد يا عمَّتِي أوستن، وأرجو ألا تُحاوِلي
التظاهُرَ بالبراءة التَّامَّة (تتقدَّم نحو مطلعِ الدَّرَج لكي تتأَكَّد من أن مستر
كريج ليس على مسمعٍ منها، وتُلقِي عليها مس أوستن نظرةً
نافذةً فاحصة، وتتقدَّم إلى يمين البيانو، وتَتلُو ذلك
فترة سكون، ثمَّ تتقدَّم مسز كريج بعد ذلك نحو النَّضَد
الوسيط في غضبٍ شديدٍ). ذلك بالضبط ما حاوَلَت
تلك المرأة أن تفعله مُذ جئنا إلى هنا. وفي اللحظة التي أُدِير
فيها ظهري تُمكِّنِينها من ذلك، لمجرَّد اللَّغْوِ في الكلام.
كيف استطاعت أن تدخُل هذا المكان؟
مس أوستن
:
أنا التي استَدْعَيْتُها بالطبع. لا تَحسَبِي أنها جاءت من
تِلقاءِ نفسها.
مسز كريج
:
إني لا أُبَرِّئُها من سوء النيَّة لو كانت تعلمُ بغيابي
(مس أوستن تنظر إليها).
وأنَا أَعْرَفُ منك بطراز مسز فريزير من النساء (ترتب الأشياء فوق النَّضَد).
ماذا فَعَلَتْ، هل تعقَّبْتِها؟
مس أوستن
:
كلَّا، لم أفعل ذلك. كنتُ أحوك عند مدخل الباب، وأتتني ببعض
الزهور، فكانت لفتةً منها كريمة.
مسز كريج
:
لفتة جدُّ كريمة!
مس أوستن
:
وحدَثَ أني ذكرتُ الرِّدَاء الذي كنت أصنَعُهُ، وأنَّ
النموذج الذي اشتريتُهُ لأحوك على طِرَازِه لم يكن واضحًا لي
كلَّ الوضوح. ويبدو أنها عرفت من وصفِي هذا الطراز، فتفضَّلَت
وعرَضَت عليَّ مَعونَتَها.
مسز كريج
:
طبعًا، ثم وقَعْتِ أنت توًّا في الفخِّ.
مس أوستن
(مُلتَفِتَةً إليها)
:
ولماذا — فِيمَا تَظُنِّينَ — كانت حريصة على دخولها هذا
المكان يا هاريت؟
مسز كريج
:
لنفسِ السَّببِ الذي من أجلِهِ توَدُّ الكثيرات غيرها من
جاراتنا أن يَلِجْنَ هذا المكان؛ كي يُشبِعنَ حُبَّ استطلاعٍ
لديهِنَّ دنيئًا، وليَشْهَدْنَ ما يَستَطِعْنَ شُهودَه.
مس أوستن
:
وماذا يَضيرُكِ لو شَهِدْنَ؟
مسز كريج
:
لن أُرْضِيَهُنَّ، ولا أحبُّ أن أتبادَلَ الزيارة مع جاراتٍ
كثيراتٍ خاملاتٍ. ليَرعَيْنَ بُيوتَهُنَّ، فسوف يَجِدْنَ فيها
كثيرًا من العمل، بدلًا من أن يُضَيِّعْنَ أوقاتَهُنَّ في
زهورٍ لا قيمةَ لها (تتجه نحو المرآة
مرَّة أخرى). وأكبر الظنِّ أن مسز فريزير واحدة
من صاحبات البيوت اللائي يُخفِين القَذَارة في الأركان بباقاتِ
الزُّهور.
مس أوستن
:
إنك لا تعرفين شيئًا عن بيتها يا هاريت.
مسز كريج
:
أعرف كيف تَبدُو أرض حديقَتِها، ويكفيني هذا (متلفتة). وأنت تَصحبِينَهَا
إلى الطَّابق العلويِّ أيضًا خِشيَةَ ألا تَرَى في الطابق
السُفلي ما يكفِي.
مس أوستن
:
لا أحسب أن المرأة تَعرِفُ ما في داخل دارك يا هاريت.
مسز كريج
:
عجبًا يا عمَّتِي أوستن! كم كنتُ أوَدُّ حقًّا أن تكوني
مُخلِصَةً في نواحٍ أُخرى كما يبدو عليك في شأن زِيارات
الجارات.
مس أوستن
:
الجارة الطَّيِّبة شيءٌ طَيِّب جدًّا أحيانًا
يا هاريت.
مسز كريج
:
خُذيهنَّ أنت إذن، فلستُ أريدهنَّ مُقبِلاتٍ عليَّ
ومُدبِرات.
مس أوستن
:
لا أَذكُرُ أنَّ إحداهن قد ترَدَّدت عليكِ في إقبالٍ
وإدبارٍ.
مسز كريج
:
بل لقد غَادَرَتْنَا واحدةٌ منهنَّ منذُ لحظةٍ.
مس أوستن
:
لم تأتِ إلى هذا المكان لرُؤيَتِك.
مسز كريج
:
كانت في بيتي. أليس كذلك؟
مس أوستن
:
وفي بيت زَوْجِك.
مسز كريج
:
عجبًا! (تُرسِل ضحكة خفيفة لا
تدُلُّ على انشراحٍ)، إنك لا تَستطِيعينَ أن
تَقُولي إنها كانت هنا لتَرَى زَوجِي. أليس كذلك؟
(ترفَعُ مس أوستن بصرَهَا بُرهَةً.)
مس أوستن
:
لا! لم تكن هنا لتراه، ولو أنِّي لا أشكُّ في أنك قد
تُحاولين هذا التفسير لو أنك اعتقدتِ في إمكان تصديق والتر له،
وأعتقد أنك تَستَخِفِّين بكلِّ مُبالغَةٍ يا هاريت ما دَامَتْ
تُبعِدُ الناسَ عن بيتك المقدَّس. وإنِّي لأعجَبُ أنك لم تطلبي
إلينا أن نخلَعَ النِّعَال عندما نطأُ بأقدَامِنَا السجاد
(مستر كريج يسعُلُ في مكانٍ ما
في الطابق العلوي، وتتقدَّم مسز كريج فجأةً إلى مطلعِ
الدَّرَجِ وتنظرُ إلى أعلَى). كانت مسز فريزير
هنا لتراني، أنا عمَّة زوجك. وقد رحَّبْتُ بها، ورحَّبَ.
وطلَبْتُ إليها أن تعود. ولا أظنُّ أن زوجك يوافقك على موقِفِك
هذا كثيرًا لو عَلِمَ به.
مسز كريج
:
أُرَجِّحُ أنك سوف تُنْبِئِينَهُ به.
مس أوستن
:
عِندِي أشياء كثيرة أوَدُّ أن أُنْبِئَه بها
يا هاريت.
مسز كريج
:
لستُ أشكُّ في ذلك.
مس أوستن
:
تَوَفَّرَ لي وقتٌ طويل للتفكير فيها خلال العامين الماضيين
في غُرفَتِي. وقد اتَّضَحَت لي خاصةً في الأسبوع المُنصرِم
الذي تغَيَّبْتِ فيه. من أجل هذا صمَّمْتُ على مُفاتَحَةِ
والتر (تتلفت مسز كريج بغتةً
وتُحَدِّقُ
فيها)؛
لأنِّي أعتقد أنه لا بُدَّ من علمه. غير أنِّي أودُّ أن تكوني
هنا عندما أُفاتِحُهُ حتَّى لا تتمَكَّنِي من تَحريف ما
أقول.
مسز كريج
(تتقَدَّم نحو النَّضَد)
:
فكرَتُكِ عنِّي حسنة جدًّا يا عمَّتِي أوستن. أليس
كذلك؟
مس أوستن
:
ليس ما لديَّ عنكِ هو مُجرَّدُ فكرة يا هاريت، إنما هو واقعُ
صُورَتِكِ بعَيْنِها.
مسز كريج
:
أيًّا كان الأمر، لا يهمُّنِي البتَّة أن أُصغِي إليه.
وأودُّ أن تعرفي أنِّي أكرَه أشدَّ الكُرْهِ دعوَتَكِ مسز
فريزير إلى هنا.
مس أوستن
(مُشِيحَةً بوجهِها)
:
لا أقلَّ من أن تُخْلِصِي فيما تَقولين يا هاريت!
مسز كريج
:
ماذا تعنين؟
مس أوستن
:
لماذا تُخَصِّصِين القول في مسز فريزير؟
مسز كريج
:
لأني لا أريدُها هنا.
مس أوستن
:
إنك لا تُريدين أحدًا هنا!
مسز كريج
:
لستُ أرِيدُها بالذَّات.
مس أوستن
(توجِّهُ بصرَها نحوَهَا مُباشرةً)
:
أنت لا تُرِيدين زَوجَكِ، (تهتزُّ
مسز كريج قليلًا ثم تقِفُ جامدةً بُرهة من الزمن ثمَّ
تتقدَّم نحوَ مطلَعِ الدَّرَجِ مُبَطِّئَةً كي تتطَلَّع
إلى أعلى، وهي ما تزال تُحدِّقُ في عيني أوستن)
لولا أَنَّهُ لا غِنَى لك عنه للإنفاق، ولو عرفت كيفَ
تُدَبِّرين ذلك الأمر بدُونِهِ لكانت مكانَتُهُ هُنَا أقلَّ
ثُبوتًا من مكانة إحدَى هذه الوِسَادات (مشيرة إلى الوسادات فوق المِقعد على
يمين السلم).
مسز كريج
(تتقدم مرة أخرى)
:
لا بُدَّ أن أقول ما أجمَلَ هذا الكلام تُوجِّهينَه إليَّ
يا مس أوستن.
مس أوستن
:
هو الحقُّ، سواء كنتِ تُحِبِّين أن تَسمعِيه أم لا
تُحِبِّين. إنما تُريدين بيتَكِ فحسب يا هاريت، وذلك كلُّ ما
تُريدين، ولن تنالي في نهاية الأمر غير ذلك ما لم تُعَدِّلِي
سلوكَكِ. إن من يعيشون لأنفسهم يا هاريت يترُكُهم الناس عادةً
لأنفسِهِم؛ لأن الآخرين لن يُطِيقوا البُؤسَ إلى ما لا نهاية
من أجل تقدِيسِكِ المُضحِكِ لأثاثِ بيتِك.
مسز كريج
:
يَظْهَر أنك تَحمَّلْتِ هذا البؤسَ بكثيرٍ من
الشَّجاعَة.
مس أوستن
:
تحمَّلْتُه من أجل والتر؛ لأنِّي أعرِفُ أنه يُريدُني هنا.
ولم أرِدْ أن أُعَقِّد الأمور، ولكني كنت في الواقع مُعتَزِلةً
في غُرفتي العُليَا مُذ قدِمنا إلى هنا؛ وذلك حتَّى أتجنَّبَ
خدْشَ ذلك الدَّرَج المُقَدَّس، وحتى لا أترك أثَرَ قَدَمِي
على هذا السجاد المقدَّس. ولم أتعوَّدْ هذا السُّخف، إنَّمَا
اعتدتُ أن «أعيشَ» في الحُجُرات (يهبط مستر كريج صامتًا من الدَّرَج ويقفُ عندَ عتبة
الباب، ويتطلَّعُ مرَّة إلى هذه ومرَّةً إلى تلك
مُستَفسِرًا. وتَلمَحُه مسز كريج بزاويةِ عينيها، وتسير
قُدُمًا نحوَ المرآةِ على اليمين)، وأنا أحتَرِم
نفسي احترامًا يَحمِلُنِي على إغفال مَظهَرِ الحُجُرات إن كان
في ذلك ما يَمَسُّ راحتي؛ ولذا عزَمْتُ على تغيير المكان،
ولكنِّي أودُّ أن أُوَضِّح أسبابي تمامًا لوالتر قبل أن أرحل.
وأعتقد ذلك حقًّا له عليَّ، من أجله ومن أجل نفسي.
(تدرك مس أوستن موقف كريج على عتبة الباب
فتَتَلَفَّتُ وتنظر إليه، ويسود صمت مُمِيتٌ، ثم تتحرَّكُ من
مكانها ويدخلُ كريج الغُرفة ويتقدَّمُ مُتسائلًا):
كريج
:
ما أمرُكُما؟
مسز كريج
(مُتَلَفِّتَةً)
:
أؤكد لك أنَّني لا أدري البتَّةَ، ولكن ما سمعتُ الآن من
عمَّتِي أوستن يُبَيِّنُ لي أنها تَعتَقِد أن هناك أمورًا
مهمَّة.
كريج
:
وما هِيَ يا عمَّتِي؟
مسز كريج
:
تقول إنها سوف تُغادرنا.
(ينظر إلى زوجه ثم إلى عمته.)
مس أوستن
:
ليس الأمر جديدًا يا والتر.
كريج
(لزوجته)
:
تقصدين أنها سوف تُغادر البيت؟
مسز كريج
:
هكذا تقول.
(ينظر إلى مس أوستن مرة أخرى.)
كريج
:
أحقًّا قلتِ ذلك يا عمَّتِي؟
مسز كريج
:
ألم أذكُر لك الآن أنها قالت ذلك؟
مس أوستن
:
سأغادر في الغَدِ يا والتر.
كريج
:
لماذا، وماذا حدث؟
مسز كريج
:
تقول إنها وجدَتْ إدَارَتِي للأمور هنا غيرَ
مُحتَمَلَة.
مس أوستن
:
أكون شاكرة لك يا هاريت لو سمحتِ لي أن أشرح الأسباب التي
تدفعُنِي إلى المغادرة، فأنا أعْرَفُ بها منك.
مسز كريج
(تتَّجِهُ نحو المقعد الكبير أمام الموقِد
ثم تجلِس)
:
لا أرى عندَكِ سببًا من الأسباب، سوى أسباب الغيرة المألوفة
التي تكون عند النساء من زوجاتِ الرجال الذين
ربَّوْهُم.
مس أوستن
:
سوف يتوفَّر لك الوقت لكي تُفَسِّري هِجرتي بعد
مُغادرَتِي.
مسز كريج
:
اجلسِي إذن ودَعِينا نَستَمِعُ إلى تفسيرِكِ أنتِ.
مس أوستن
:
أوثِرُ الوقوف، وشكرًا لك.
مسز كريج
:
كما تَشائين.
مس أوستن
(توَجِّهُ نظرها نحو المِقعد الأيسر تحت
البيانو)
:
أشكُّ في معرفَتِي كيف يكون الجلوس على أحدِ هذه
المقاعد.
كريج
:
ماذا تَعنِين يا عمتي؟ لا أستطيع أن أتصوَّر أنك لقِيتِ
مشقَّةً من أي إنسانٍ، وبخاصةٍ من هاريت التي تُكْبِرُك
أيَّمَا إكبار (تَبْتَسِمُ مس أوستن
ابتسامةً جافَّةً)، وأنت تعلمين ذلك يا عمَّتِي.
هاريت تُغرَمُ بك غرَامِي (ملتَفِتًا
إلى زوجته). هذا لا يُعقَلُ بكلِّ تأكيد.
مسز كريج
:
أنا مَسرورَةٌ لوجودِك هنا؛ لكي تَسمعَ شيئًا من هذا.
كريج
:
أعتقدُ أن البيت تنشأ فيه مُضايقات صغرى بين الحين والحين،
كما تنشأ في أي عمل من الأعمال، ولكني واثق من أنك أعقَلُ
يا عمَّتِي من أن تسمَحِي لهذه المُضايقات بأن تؤثر في نفسِك
تأثيرًا يَحمِلُك على الرغبة في مغادرة البيت. وماذا نصنع هنا
بدونِك؟ بغيرك لا يبدو لي أنَّ لنا بيتًا إطلاقًا. ماذا قُلت
لعمَّتِي يا هاريت؟
مسز كريج
:
بالطَّبع لم أقُلْ لها شيئًا، ولكنَّهَا تعْمَدُ إلى
خَيَالِهَا.
كريج
:
إذن فالسببُ لا يرجِعُ إلى شيء ذكرَتْه لك هاريت
يا عمَّتِي؟
مس أوستن
:
لا، إن هاريت لا «تقول» البتَّة شيئًا، ولكنها تعمَل، وتترك
لك التفسير، إن استطعت، ولن تَستطيع إلا بعد وقتٍ طويلٍ، حينما
تَعثُر على مفاتيح ما أَغلقَ عليك. بعدئذٍ تجدُ الأمر بسيطًا،
بل ومُضحِكًا، وأنانيًّا إلى درجةٍ غير معقولَةٍ. ويبلغ الأمر
من ذلك حدًّا يا والتر يجعلني أيئَسُ من إقناعِك بالأسباب التي
تحمِلُني على مغادرة البيت.
كريج
:
وماذا فعلت هاريت يا عمَّتي؟
مسز كريج
:
سأخبرُك بما فعلتُ يا والتر، اعترضتُ على استدعاء عمَّتي
أوستن لتلك المرأة التي تقطُن عبرَ الشارع إلى هذا المكان
أثناء غَيبتِي.
كريج
:
تقصدين مسز فريزير؟
مسز كريج
:
نعم أعنِي مسز فريزير.
كريج
:
وما وجهُ اعتراضِك عليها؟
مسز كريج
:
إنها عجوز فُضوليَّة سفيهة. هذا هو وجهُ اعتراضِي عليها.
حاولت أن تدْخُلَ هذا المكان مذ قدِمْنَا إلى هنا.
كريج
:
وماذا تَعنِين بقولك حاولت أن تَدْخُل هذا المكان؟
مسز كريج
:
لن تفهَمَنِي لو قلتُ لك ما أعنِي يا والتر. إنه نوع من حبِّ
الاستطلاع عندَ النساء عن بيوت النساء الأُخرَيَاتِ، وهو أمر
لا يُقَدِّرُه الرجال.
مس أوستن
:
إنَّ هاريت مُضطَرِبَة يا والتر لأنها سمَحَت لنفسها أن
تَزِلَّ مُنذُ لحظة. كانت تُؤثِر أن تُبعِدَ مسز فريزير
بالطريقة المألوفة، التي استُخدِمَت في استبعاد كلِّ رجل
وامرأة زار هذا البيت. وما دامت قد زَلَّتْ فلا بُدَّ أن
تُحاوِلَ تبرير مَسلَكِهَا الآنَ بوصْمِ مسز فريزير بكلِّ صفةٍ
وضيعة من السفالة إلى الفضُول؛ بل وإلى الإشارة بأنها في
زيارَتِهَا لنا هذا المساء كانت مَدفُوعةً باهتمامِهَا
بِك.
مسز كريج
:
لم أُشِر إلى شيء من هذا، ولم يحدُثْ إلا أنَّي ألقيتُ
سؤالًا إجابةً عن إشارَةٍ منك.
مس أوستن
:
التفصيل لا يهمُّ يا هاريت. وأنا أعرِفُ المَبدَأَ.
مسز كريج
:
لا أقلَّ من أن تقولي الصِّدْقَ في هذا.
مس أوستن
:
هذا بالضبط ما سوف أفعل، ولو على حساب استياء والتر.
كريج
:
لا أظن أنك تستطيعين إحداث ذلك يا عمَّتِي.
مس أوستن
:
أنت رجل يا والتر، وأنت تحبُّ زوجتك. وأنا أعرف حقَّ المعرفة
ما ينجُم عادةً من التدخُّل تحت هذه الظروف.
كريج
:
إني قابلٌ للاقتناع يا عمَّتِي لو كانت لديك
مَظْلَمَة.
مس أوستن
:
لن أُدَافِع عن قضيَّةٍ ليست لي، ولن أكون هنا. غير أني لا
أحبُّ أن أشهَدَ إفسادَ رجلٍ يشُقُّ طريقَهُ إلى الشُّهرة، دون
أن أُنَبِّهَهُ إلى الخطر.
كريج
:
لستُ أفهمُ ما تَعنين يا عمَّتِي.
مس أوستن
:
قد يكون ذلك هو الخطر يا والتر، أنك لا تفهم؛ إذ لو فهِمْتَ
لَمَا باتَتْ هناك ضرورة قصوى لتحذِيرِك.
كريج
:
تحذيري من أيِّ شيءٍ؟
(يسود السكون، وتُحَدِّقُ مس أوستن في
عينيه.)
مس أوستن
:
مِن زَوجَتِكَ.
(تنفجر مسز كريج في ضَحِكٍ يخلُو من المَرَحِ
على سُخفِ ما تَرْمِي إليه مس أوستن، ويلتَفِتُ كريج نحوَهَا
ويحدِّق فيها.)
كريج
:
مِمَّ تضحكين يا هاريت؟
مسز كريج
:
ألَا تَرَى في ذلك لَهوًا؟
كريج
:
لا أظنُّ أنِّي أعتَقِدُ أن الأمر يُضحِك إلى هذا
الحدِّ.
مسز كريج
:
إذن انتَظِرْ حتى تَسمعَ بقيَّة الأمر؛ فربما عَدَلْتَ عن
رأيك بعدئذٍ.
مس أوستن
(تنظُرُ إلى مسز كريج في ثباتٍ)
:
إن هاريت ليست في الواقع ضَاحِكَةً يا والتر.
مسز كريج
:
وماذا أنا فاعِلَة. هل تَرَين أنِّي أبكِي؟
مس أوستن
:
إنك تُصَفِّرين في الظلام.
مسز كريج
(تنهضُ في نَشوَةٍ كُبرى)
:
عجبًا يا عزيزتي.
مس أوستن
:
أنت تَخْشَينَ افتضَاحَ سِرِّكِ.
(مسز كريج تَلْتَفِتُ بغتةً
وتُجَابِهُهَا.)
مسز كريج
:
أحقًّا ذلك؟ وما هو سِرِّي هذا؟
مس أوستن
:
لا أحسَبُ هناك ضرورة مُلِحَّة في إخبارك به
يا هاريت.
مسز كريج
:
ولكن يَهمُّنِي أن أستَمِعَ إليه.
مس أوستن
:
إذن فَلتُنصِتِي بينمَا أُخبرُ به والتر.
مسز كريج
:
حسنًا جدًّا.
مس أوستن
:
غير أني أُريدُك أن تَعرفي قبل أن أُخبرَه أن السِّرَّ لم
يبقَ مستورًا عنِّي حتَّى انفجرْتِ في أمر مسز فريزير هنا منذ
لحظات فتَكَشَّفَ لي؛ بل لقدْ كِدْتُ أن أعْرِفَهُ حينما
عرَفَتْهُ أمُّ والتر.
(يسود السكون، ثم تتقدَّم مسز كريج بضعَ خُطوات
نحو زوجِها.)
مسز كريج
(في شيء من الغموض والسخرية)
:
تقصِدُ أني كنت أحاوِلُ أن أدُسَّ لك السُّمَّ سرًّا
يا والتر.
مس أوستن
:
لا، لم يحدُثْ أنْ كنتِ تَتَسَتَّرِين يا هاريت.
(تضحك مسز كريج ضحكة خفيفة وتسير نحو ستار
الباب.)
مسز كريج
:
يُؤسفُنِي أني لا بُدَّ أن أنصَرِفَ؛ لأنِّي على ثِقَةٍ من
أن الأمر سوف يكون مُسَلِّيًا للغاية.
مس أوستن
:
لقد طلبت إلى هاريت أن تَبْقَى هنا يا والتر.
مسز كريج
(تَتَلَفَّتُ بغتةً)
:
ولكنِّي لا أنوِي البقاء.
مس أوستن
:
لا أحسَبُ أنك تَرغَبِين.
كريج
:
لماذا يا هاريت؟
مسز كريج
:
لأن لديَّ عملًا أهم من الاستماع إلى سَخَافات.
مس أوستن
:
وإذن فسوف أعتَبِرُ انصرافَكِ اعترافًا بصِدْقِ هذه
السَّخافات.
مسز كريج
:
ظُنِّي ما شِئتِ. ولست آمُلُ بعد أن تتحَدَّثِي في شأني
إلَّا أن تُطلِعِي والتر — بنفس الصراحة — على شيءٍ ممَّا
احتَمَلْتِ خلال العامين الماضيين (ثم تخرج).
مس أوستن
:
تُمَثِّلين الشَّهيدَة كعادَتِكِ (يخطو كريج خُطوةً أو اثنتين نحو ستار الباب ويقف بُرهة
يُتابِع بالنظر زوجتَهُ، ثم يلتَفِتُ وينظر إلى
عمَّتِه). كان بِوِسعِي أن أُوَجِّهَ إليها هذه
الكلمات الأخيرة يا والتر؛ فأنا أعرِفُهَا حقَّ
المعرفة.
كريج
(عائدًا)
:
أودُّ أن تُخبريني بما حدث هنا يا عمتي.
مس أوستن
:
ليس من اليسير أن يُخْبَرَ به رجل يا والتر. إنه يحتاج إلى
شيء من الإيضاح.
كريج
:
وما هو؟
مس أوستن
:
لماذا في ظَنِّكَ يا والتر طلبتْ إليك أمك أن تَعِدَهَا، وهي
تلفظ أنفاسها الأخيرة، بأن تأخُذَنِي معك بعد زواجِك؟
كريج
:
أعتقدُ يا عمَّتي أن هذا المَطلبَ طبيعيٌّ جدًّا، إذا
اعتبرنا تقديرها لك أثناء مرضِها.
مس أوستن
:
لم يكن ذلك لأنَّني سوف أكون بحاجة إلى مَأوًى؛ لأنها كانت
تعرِفُ أنِّي أوثِر السفر وأن ذلك ما كنت أتأَهَّبُ له في مبدأ
إصابتها. ولم أُخبِرْك بذلك قطُّ يا والتر. غير أنها طلبت
إليَّ أن أَعِدَها بقبولِ دعوتِكَ حينما تُوَجِّهُها إليَّ.
وتدرِكُ من هذا أنها كانت تعرف المرأةَ يا والتر، المرأة التي
اخترْتَهَا زوجًا لك.
كريج
:
تقصدين أن أمِّي لم تُحبَّ هاريت؟
مس أوستن
:
إن أحدًا لا يستطيع أن يُحِبَّهَا يا والتر؛ بل إنها لا تريد
من الناس مَحَبَّتَهم.
كريج
:
أنا أُحِبُّها.
مس أوستن
:
أعْمَاكَ وجهٌ جَميل يا بُنَيَّ كما أعَمَى كثيرًا غيرك من
الرجال.
كريج
:
وماذا فَعَلَتْ هاريت؟
مس أوستن
:
تركتْكَ فعلًا بِغيرِ أصدقاء لسببٍ واحدٍ؛ ذلك أن زيارات
أصدقائك تعنِي أهمية لك لا تتَّفِقُ وما رَسَمَتْ من خُطَطٍ؛
ولذا أوضحَتْ لهم تمامًا — بالآلافِ من الإشارات الخفيفة —
بأنهم ليسوا على رحْبٍ وسَعَةٍ في بيتها؛ لأن هذا البيت بيتها
— كما تعلم — يا والتر، وليس بيتَك — وأرجو ألا تُخطِئ في هذا
السبيل. هذا البيت هو ما تَزَوَّجَتْ منه هاريت، ولم تتزوج
منك، ولست إلا جزءًا من البيت، كضرورة تأسَفُ هي لها إلى حدٍّ
كبير، ويجب ألا تعتَرِضَ لأنها تريد البيت لها وحدها؛ ومن
ثَمَّ شَرَعَتْ تَجْعَل منكَ عاملًا مُهْمَلًا بقدرِ ما
استطاعَتْ في تسييرِ الأمور بهذا البيت.
كريج
:
وهل تُؤمنين بذلك حقًّا يا عمَّتي؟
مس أوستن
:
تلك خُطَّتُها فيما يتعلَّق بك يا والتر، قد أوضَحْتُها لك.
ومِن أجل هذا تراها لا تُشَجِّع على زيارات أصدقائك.
كريج
:
لا أعتقدُ أن هاريت لا تُشَجِّعُ على زيارات أصدقائي
يا عمَّتِي.
مس أوستن
:
وهل يأتِي أحدٌ منهم إلى هنا؟
كريج
:
نعم، أكثرُهُم يترَدَّدُ على هذا البيت بين حينٍ
وحينٍ.
مس أوستن
:
لم يحدُثْ ذلك خِلال الثمانية عشر شهرًا الأخيرة، ولمَّا
ينقَضِ على زواجِك غير عامين.
كريج
:
ولماذا لا تُريدُ هاريت أصدقائي هنا؟
مس أوستن
:
للسَّبَبِ عينِه الذي مِن أجلِه لا تُريد أحدًا آخرَ هنا؛
لأنها امرأة تُرَكِّزُ اهتمامها في نفسها إلى أبعد الحدود،
وبكبرياء حبِّ الذات تُريد أن تَستَبْعِدَ العالم أجمع؛ لأنها
تخْشَى الناس أجمعين. وهذه الجُدران الأربعة هي رمزُ
خشْيَتِهَا.
كريج
(يبتَعِدُ، ثُمَّ يتَّجِه يمينًا نحو
النَّضَد)
:
لا أستطيع أن أُصَدِّقَ ذلك يا عمَّتِي.
مس أوستن
(تمدُّ ذِراعيها نحو الباب الخارجي
وتُتَابِعُهُ)
:
هل تَذْكُر أنَّ أحدًا
ألقَى ظِلَّهُ على هذا الباب، حتَّى اليوم، حينما جاءت مسز
فريزير؟ وقد رأيتَ نتيجة زيارتها، ولماذا — في ظنِّكَ — كفَّ
الناس فجأةً عن زيارتك بعدما كانوا يزُورُونَكَ دائمًا في
بيتك؟ يبعُدُ أن يكون ذلك لأنك تغيَّرْتَ تغيُّرًا شاملًا في
عامين. ويُخيَّل إليَّ أن كلَّ أولئك الشبَّان والشابات الذين
اعتادوا أن يقضوا بالبيت وقتًا مُمتعًا حسِبوا أن البيت
سيُصبِحُ بعد زواجك مُلتَقَى الأصدقاء. بيدَ أنهم لم يكونوا
يحسُبُون لِرَبَّةِ البيت حسابًا، كما أنهم بدءوا لا يحسبون لك
أنت أيضًا حسابًا، يا والتر (يتلفتُ
وينظر إليها). أنت لم تعُدْ تخرجُ من البيت، ولا
يطلبُ إليك ذلك أحد؛ لأنهم يَخشَوْنَ أن تَصْحَبَكَ وهم لا
يُرِيدُونَهَا، لأنها أوضحت لهم تمامًا أنها لا تُرِيدُهم
(كريج يُلقِي بنظرِه بعيدًا
مرَّةً أخرى مُتباطِئًا)، وكما بدأ أصدقاؤك
يستَغْنُون عنك في حياتهم الاجتماعية، فكذلك سوف يستغْنُون عنك
في حياتهم العملية. وليست المسألة مسألةَ وقتٍ فحسب (ينظر إليها مرَّة أخرى، وتقتَرِبُ هي
منه). أحِبُّ أن أخبرَك بشيءٍ رأيته يا والتر
منذُ أيام في المدينة، أو قُلْ سمعتُ به. كنتُ أتناول غَدَائي
في مطعم الكولونيد وإذا باثنين من زُمرَتِكَ القديمة التي
ألفتَ أن تَلْعَبَ مَعَهَا البوكر مساء الخميس يُقبِلَان
ويجلسان إلى مائدةٍ على مَسمَعٍ منِّي. وبعد قليلٍ أقبَلَ رجل
وزوجته وجلَسَا إلى مائدةٍ أخرى. وسرعان ما شرعت الزوجة تَذكُر
لزوجها الطريقة التي كان ينبَغِي له أن يجلِسَ بها، وكيف ينبغي
له الآنَ أن يعتَدِلَ في جلسته، إلى آخر ذلك. عندئذٍ سمعت أحدَ
صديقيك يقولُ للآخر في وضوحٍ: «استمِعْ إلى زوجةِ كريج هناك»
(كريج يُدِير رأسَهُ ويُحدِّقُ
في عينَي مس أوستن، ثمَّ تتلو ذلك فترة سكون يسيرة، ثمَّ
يتقدَّم تِجَاهها ويسير نحو البيانو على اليسار، وتسير هي
خلفه). ما هذه إلا رِيشة خفيفة يا والتر يَجبُ أن
تُبَيِّن لك في أيِّ اتجاه تهبُّ الريح. إن أصدقاءك يستنكِرُون
أن يُقالَ لهم أينَ يجلسون وكيف يجلسون؛ ولذا فهم يتجنَّبون ما
يدعو إلى ذلك، كما سوف أتجنَّبه. ولكنَّك لا تستطيع أن
تتَجَنَّبه، ولذا كان عليك أن تُعالجَ الأمر.
كريج
:
ولكن كيفَ أعالِجُه؟
مس أوستن
:
بأن تُقِرَّ في ذهن زوجتِك أن للبيت رجُلًا كما أنَّ له
امرأة، وأنك أنت الرَّجل. وإذا لم تفعل ذلك يا والتر فستسير في
نفس الطريق التي سلكها كل رجل آخر سمح لنفسه أن تَسودَه امرأة
أنانية، تُصبح صدًى باهتًا خفيفًا لآرائها الملتوية، وتعتقد في
النهاية أن كلَّ من صادفْتَهُ قبل أن تُقابِلَهَا كان يُحاول
أن يقودَك إلى الهلاك، وأنَّها أنقَذَتْكَ وجعلت منك رجلًا
(يصدر عنها صوت خفيف يدُلُّ على
السُّخرية المُمتَزِجَةِ بالمرارة، ثم تَتَّجِه نحو
مَطلَعِ الدَّرَج). إنها لسخرية، ولكنَّ النساء
يَستَطِعْنَ القيام بها.
كريج
:
إن هاريت لن تستطيع البتَّةَ أن تُؤَلِّبَنِي على
أصدقائي.
مس أوستن
(تَلتفِتُ وهي عندَ مطلَعِ الدَّرَجِ
وتتحدَّث في ثِقَةٍ لا تتزعزَعْ)
:
والتر، إنهنَّ يستطعْنَ أن يَحملْنَ الرِّجال على الاعتقاد
بأن الأمَّهاتِ اللائي أرضَعْنَهُم خُصُومٌ ألدَّاء (تتقدم نحوه فجأة). ولذا فإني
أحذِّرُك؛ لأنك تُجَاهد في سبيل حياتِكَ، ولا أستطيع أن
أُغادِر هذا البيت مرتاحة الضمير دونَ أن أُشعِل الضوءَ هنا
على الأقلِّ، فأُهيِّئَ لك أن تشهَدَ ما أنت مُجاهدٌ في سبيله
(تسير نحو الدَّرَج، ويدور كريج
فجأة ويَتْبَعُها).
كريج
:
عمَّتِي، إنِّي لا أستطيع أن أرَاكِ مُغادِرةً هذا
البيت.
مس أوستن
(تقِفُ عند عتبَةِ الباب)
:
ولكنِّي لست سعيدة هنا.
كريج
:
إني لأعجب كيف عَمِيتُ حتى خَفِيَ عليَّ أنك لست سعيدة هنا،
وكيف لم أعمل على إسعادك.
مس أوستن
(في صوت خافت)
:
لأنك لا ترى إلا زوجتك يا والتر.
كريج
:
لا أستطيع أن أصدِّق أنه لا يُوجَد بينك وبين هاريت عنصر
كبير من عناصر سوء التَّفاهم (مس
أوستن تَغمِض عينيها وتهزُّ رأسها من جانب إلى
آخر). إني لا أُجادِل في أن لها مزاجًا شاذًّا،
وربما اتَّصفت بكل ما ذَكَرْتِ عنها. غير أني لا أستطيع في
الواقع أن أرى ضرورة لهُجرانك البيت. فالأمر يجبُ أن يُعالَج
بشيء من التوفيق.
مس أوستن
:
لا يتَّسِع بيت من البيوت يا والتر لامرأتين كِلتَاهُما
مُهتمَّتان بأمر رجلٍ واحد.
كريج
(يتَّجه يسارًا)
:
لو هجرتِ هذا البيت فلن أطمئِنَّ دقيقة واحدة. وسوف أعود على
نفسي باللائمة.
مس أوستن
:
ليس عندك ما تلوم نفسك عليه يا والتر. ولقد كنت دائمًا
رفيقًا بي جدًّا.
كريج
:
وماذا عسَاكِ فاعلة إذا هَجرتِ هذا البيت؟
مس أوستن
:
ما كنتُ دائمًا أود أن أفعل، أن أُسافر في جميع أنحاء العالم
من شرقه إلى غربه؛ حتى لا أُمسي ضئيلة. وإنِّي لأخشَى ذلك
خشيةَ الموت بعدما انقضَى عليَّ هنا عامان.
كريج
:
ولكنِّي وعدتُ أمِّي أن يكون لك عندي دائمًا مأوًى، فإذا
ذهبت فسوف يتولَّد عندي إحساس بأني أخلفْتُ وعدِي.
مس أوستن
:
إنك لا تملك بيتًا تجعلُ لي فيه مأوًى يا والتر، وليس لديك
إلا منزل — مؤنث — لا يمكن
استعماله إلا بشروط محدَّدة غاية التحديد. وعندي نوع من
الإحساس، حينما أنظر إلى هذه الحُجُرات، أنها حُجُرات ميِّتَة
مُكَفَّنَة (تدور وتسير نحو
الدَّرَج).
كريج
:
مهما تكن هذه الحُجُرات فسوف تبدو أقلَّ شأنًا بعد
هِجْرَتِك. ولا أحسَبُ أنِّي كنت أَضيق بنفسي أكثر من ذلك لو
كانت أمي نفسها هي التي تهجرني.
(تلتَفِتُ ويدها على حاجز السُّلَّم.)
مس أوستن
:
احمد ربك أني لستُ أمك يا والتر. ولو كانت أمك لهجرت من أمدٍ
بعيدٍ (تُواصِل صعود السلم ويقف
ناظرًا إليها. ويدَقُّ جرس الباب الخارجي، فيلتفت وينظر
خلال النافذة المُستطيلة ثمَّ يتقدَّم نحو وسط الحجرة
وينظر خلال ستار الباب. ويدُقُّ الجرس مرة أخرى، وتهبط
ميزي الدَّرَج).
كريج
:
عند الباب الخارجي فتًى يا ميزي.
ميزي
:
نعم يا سيدي، ولقد سمعتُ الجرس.
كريج
:
وأنا أيضًا في انتظار رجل يا ميزي بعد بضع دقائق. سأكون
بالطابق العلوي.
ميزي
:
حسنًا يا مستر كريج. سأدعوك عند حضوره (تخرج ميزي لترى من بالباب، ويصعد كريج
الدَّرَج، ويقف في منتصفه مُفَكِّرًا).
صوت فتى
(عند الباب الخارجي)
:
إن كرستين تقف في زاوية الطريق، وتقول إن كنتِ ذاهبةً إلى
الجمعية هذا المساء فتفضَّلِي بأن تدفعِي لها اشتراكها. إنها
تقول إنها لا تستطيع الذهاب هذا المساء.
(يختفي كريج.)
ميزي
:
بالتأكيد، قل لها إن ذلك يسرُّني.
صوت فتى
:
إنها تقول إن البطاقة في هذا الظرف مصحوبة بالنقود.
(تدخل مسز هارولد خلال السِّتار وتسير نحو
الباب وتتطلَّع إلى الخارج بنظر ثاقب.)
ميزي
:
حسنًا، قل لها إنِّي سأُباشِر ذلك (يُحدِث الباب الحاجز صوتًا وتدخل ميزي).
مسز هارولد
:
هل رأيتِ من بالباب يا مِيزي؟
ميزي
(تسير من النَّضَد إلى المِدفأة)
:
نعم، هو صبيُّ الخيَّاط الصغير، صاحب المحلِّ الذي يقع في
زاوية الطريق، ومعه اشتراك كرستين في الجمعية. ويقول إنها لا
تستطيع الذهاب هذا المساء.
مسز هارولد
:
وهل عاد اجتماع الجمعية هذه الليلة بهذه السرعة؟
ميزي
(تضع ظرفًا خلف النَّجفة التي تتوسط رفَّ
المِدفأة)
:
إنها الجمعية الثالثة.
مسز هارولد
:
إني لا أستطيع قطُّ أن أُتابع هذه الجمعية العنيفة.
ميزي
:
هل تُريدين أن أدفعَ لك اشتراكك؟
مسز هارولد
(تسير نحو مَطلَعِ الدَّرَجِ)
:
كلَّا يا عزيزتي، لقد دفعتُ حتى أول يوليو (تعود ميزي من عند رفِّ المِدفأة
وتتقدَّم نحوها). أين ذهب مستر كريج؟ إلى الطابِق
العلوي؟
ميزي
:
أظنُّ ذلك، اللهم إلَّا إن كان في مكانٍ ما خارج
الغرفة.
مسز هارولد
(تتطلَّع صوب الباب الخارجي، ثم تخطو خطوة
أو خطوتين نحو ميزي)
:
كلَّا، إنه ليس خارج الغُرفة.
ميزي
:
لماذا؟ ما الخبر؟
مسز هارولد
(تضعُ يدَها على ذراع ميزي، وتخفِض
صوتها)
:
أعتقد أن السيدة العجوز تُوشِك أن تُغادرنا (تسير على أطراف أصابع قدميها نحو ستار
الباب، وميزي ترقُبُها).
ميزي
:
مس أوستن؟ (مسز هارولد تومئ
برأسها، ثم تتطلع إلى الغرف المجاورة.)
مسز هارولد
(مُلتفتَةً نحو ميزي)
:
لقد أحدثَتِ السيدة ضجَّة بشأن بقاء مسز فريزير هنا.
(تنظر إلى الخارج مرة أخرى.)
ميزي
:
هل فَعَلَتْ ذلك؟
مسز هارولد
(تعود)
:
كانت غاضبة؟ وقد أدركت من مُحيَّاها، عندما طلبتْ إليَّ أن
أُخرِج الزهور من الغرفة، أنها في ثورة نفسية؛ ولذا فما إن
سمعتُ مسز فريزير وهي تنصرِف حتى ذهبت توًّا إلى المكتبة.
وهناك تستطيعين أن تسمَعِي الحديث كلمةً
كلمةً — كما تَعلمين — إذا
اقتربتِ من جهاز التَّبريد.
ميزي
:
نعم، أعرف أنك تستطيعين ذلك، وهل كان الرجل هنا؟
مسز هارولد
:
لم يكن هنا أول الأمر، ولكني أعتقد أنه لا بُدَّ قد نزل وهما
تَتَنازعان. سمِعتُها تقول إنَّها لا تحبُّ أن تجعل بيتَهَا
طريقًا عامًّا لجاراتها.
ميزي
:
وهل تتصوَّرين ذلك؟ كأن الناس يتردَّدُون على هذا
البيت.
مسز هارولد
:
ذلك ما ودَدْتُ أن أقول، ولكن مس أوستن قالت لها ذلك.
ميزي
:
حقًّا؟
مسز هارولد
:
أعتقد أنها فعلت. ولم تلبث مسز كريج طويلًا في الغرفة، بل
غادرتها بمجرَّد ما أُثيرت مس أوستن.
(يُغلَق الباب في الطابق العلوي، وتنطلِق ميزي
صوب النَّضَد الوسيط وتُسوِّي مفرش النَّضَد. أمَّا مسز هارولد
فتتقدَّم نحو المقعد الكبير أمام المِدفأة وتتظاهر باشتغالها في
وضعه وضعًا صحيحًا. وتنظر ميزي على يمين كتِفِها نحو الدَّرَج، ثم
تخطو نحو مطلعه وتُصَوِّب نظرها إلى أعلى، ثم تسارع نحو مسز هارولد
مرة أخرى، وتنظر خلال ستار الباب أثناء سيرها.)
ميزي
:
وماذا فعلت مسز كريج؟ هل خرجت من الغرفة؟
مسز هارولد
:
نعم، وقالت إن لديها عملًا آخر غير الاستماع إلى الكلام
السخيف (ترفع ميزي عينيها نحو
السماء). ودَدْتُ أن أقول إني أحبُّ أن أعرف ماذا
عليها أن تعمل.
ميزي
:
وكذلك أودُّ أنا أن أعرف.
مسز هارولد
:
لقد قضيت الآن في هذا البيت قُرابة العام. وهذه أول مرة أسمع
فيها أنها تعمل شيئًا. لا شيء لديها غير النَّقد بعدما يُتمُّ
غيرها العمل.
ميزي
:
من الأسف أن مس أوستن لم تَذْكُر لها ذلك حينما كانت تتحدَّث
في الموضوع.
مسز هارولد
(ترفع يدَها في شيءٍ من الوَقَار)
:
بل لقد ذَكَرَتْ لها ما يكفي (تخرج
إلى مطلع الدَّرَج وتنظر إلى أعلى).
ميزي
:
وهل لم يَقُل شيئًا؟
مسز هارولد
:
لم يقُل كثيرًا، وقد أخذت مس أوستن على عاتِقها أكثر الحديث
(تتجه إلى يسار ميزي وتُسِرُّ
إليها). قالت له إنه إذا لم يصنع شيئًا في وقت
قريب، فستجعل منه زوجته صدًى لها.
ميزي
:
نعم سوف تفعل ذلك.
مسز هارولد
:
قال إن لها طبيعة شاذة، وأن مس أوستن لم تفْهَمْها. ووددْتُ
أن أقول إذا كانت مس أوستن لم تفهمها، فأنا أفهمها، وعلى
استعداد لأن أقول لها كيف أفهمها فهمًا جيدًا لو سمَحَتْ لي
بذلك.
ميزي
:
ومع ذلك فإني أشعر أحيانًا بشيء من الأسف.
مسز هارولد
:
وا حسرتاه له (تخفِض صوتها وتتحدث
في ثِقة عُظمى). إنها تستطيع أن تبْنِيَ في أذنه
عُشًّا دون أن يعرف (تتجه نحو
النَّضَد وتُسوِّي مفرشه).
ميزي
:
إني لم أعمل مع امرأةٍ شَقَّ عليَّ إرضاؤها مثلها.
مسز هارولد
:
لا أدري إن كان إرضاؤها شاقًّا يا ميزي؛ لأني لم أحاول قطُّ
أن أرضِيَها، إنما أُؤَدِّي عملي فإذا لم يعجبها، فإن عندها
لسانها تستطيع أن تعبر به. وأستطيع أنا أن أذهب إلى مكان آخر.
ولقد عملتُ في بيوتٍ كثيرة فلا يُمكنُ أن أظَلَّ عاطلة أمدًا
طويلًا (تستقيم وتُلقِي يدها اليسرى
على النَّضَدِ). هل قلتُ لك إنها أرادتني في
الأسبوع الماضي أن أُزيل التراب عن الأوراق من تلك الشجيرة
التي تُواجه نافذة غُرفة الطعام؟
ميزي
:
تُزيلين التراب عن الأوراق؟
مسز هارولد
(تنظر إلى السماء مُستشهِدَةً بها)
:
هذه حقيقة، وكنت أشكو الروماتزم في ذلك الحين.
ميزي
:
وهل يتصوَّر المرء ذلك؟
مسز هارولد
:
هل تعرفين كيف تصرَّفْتُ؟
ميزي
:
ماذا قلتِ لها؟
مسز هارولد
:
ردَدْتُ عليها فورًا وقلتُ: «لن أُزِيل التراب عن أوراق
الشجر لأيِّ مخلوق.»
ميزي
:
نِعم ما فَعلْتِ.
مسز هارولد
:
قالت: «هل تقصدين أنك ترفُضين إزالتها؟» قلت: «نعم أرفُض.»
بل قلتُ ما هو أكثر من ذلك. قلت: «وأصرُّ على الرفض.» قالت:
«إنها بحاجة إلى إزالتها، سواء فعلتِ أو لم تفعَلِي.» قلت:
«لِتَكُنْ بحاجةٍ إلى ذلك.» ثم قلت: «إن قليلًا من التراب لا
يُسَمِّمُها.» وقلت كذلك: «سنكون نحن أنفسنا تُرابًا في يوم من
الأيام، ما لم نَمُتْ غرقًا.» (تتوجه
نحو ستار الباب.)
ميزي
:
نِعم ما فَعلتِ.
مسز هارولد
:
نعم لقد قلتُ لها ذلك (تتطلَّع
خلال الحُجُرات).
ميزي
:
إن أسوأ النساء مِمَّن نخدمهن من تكون مجنونة ببيتها.
مسز هارولد
:
أعتقد ذلك أيضًا؛ لأني أومِن أنهن يكُنَّ مجنونات نصف الوقت.
وقد تُجَنُّ المرأة ببيتها يا ميزي كما تُجَنُّ بأي شيء
آخر.
ميزي
:
بالتأكيد.
مسز هارولد
:
كانت زوجة دكتور نِكلسُن واحدة من هؤلاء، ولو أنها لم تكن
سَخيَّة كهذه المرأة.
ميزي
:
لا، ذلك شيء يجب أن نعتَرِف به لمسز كريج. إنها ليست
مُمْسِكة.
مسز هارولد
:
لا، هذا حقٌّ. إنها ليست كذلك.
ميزي
:
لا أظنُّني عملت قطُّ في بيت مائدته مُعدَّة
كمائدتها.
مسز هارولد
:
هذا حقٌّ، وتستطيعين دائمًا أن تتناوَلِي ما
يتناوَلُون.
ميزي
:
وكذلك لا تُضطرِّين قطُّ أن تُطالِبي بأجرك (يدقُّ جرس الباب).
مسز هارولد
:
إنها في ذلك طيبة جدًّا.
ميزي
(تتوجَّه إلى الباب لترى من به، وهي
تُسوِّي طاقِيَّتَها وفُوطتها)
:
يُخيَّل إليَّ أن هذا هو الرجل الذي ينتظرُه مستر
كريج.
مسز هارولد
:
اخرُجي، عندما تعودين يا ميزي (تخرج خلال ستار الباب ويهبِط مستر كريج من
الدَّرَج).
بيركماير
(عند الباب الخارجي)
:
مساء الخير، هل مستر كريج هنا؟
ميزي
:
نعم يا سيِّدي هو هنا.
(يسمع صوت الباب الحاجز عند إغلاقِه، ويدخُل
بيركماير.)
كريج
:
أهلًا بك يا بلي، كيف حالك؟
بيركماير
(يصافِحُه باشتياقٍ)
:
أهلًا يا والت (ويُحدِّقُ في عيني
كريج).
كريج
:
طلبتُ بيتك منذُ لحظة (بيركماير
يلتَفِتُ إلى البيانو وهو يرْتَدِي معطف المطر
والقبَّعة) فقدْ وجدتُ هنا رسالة لي عند مَقدِمي
تقول فيها إنك قصدْتَ داري.
(تدخل ميزي وتسير نحو ستار الباب.)
بيركماير
:
نعم، كنت أحاول أن أعثر عليك منذ الساعة الرابعة.
كريج
:
دعني أخفِّفُ عنك ما ترتدِي من لِباسٍ. (تقف ميزي قريبًا من ستار الباب وتلتفتُ
خلفَهَا لعلَّهُما يريدانها أن تأخذ ما لدَى بيركماير من
أشياء.)
بيركماير
:
لا، شكرًا يا والتر، فلا بُدَّ لي من العودة فورًا إلى
منزلي.
(تخرج ميزي، ويتقدم كريج نحو النَّضَد.)
كريج
:
هل ما زال أبوك هنا؟
بيركماير
:
وسيلْبَثُ هنا يومًا أو يومين آخرين (يُنعِم النظر خلال ستار الباب، ثم يسير
نحو مُؤخرة الحجرة).
كريج
(يراقبه في شغفٍ)
:
ما بك؟ (يشير بيركماير إشارة
حاذقةً تدلُّ على أن ميزي قد تكون على مسمعٍ
منهما) وما الأمر؟
بيركماير
(يقترب من كريج ويضع يدَه على
كُمِّه)
:
ماذا هناك يا والت؟
كريج
:
عمَّ تسألُ؟
بيركماير
:
عن فرجس وزوجه، كنت لديهما في الليلة الماضية. أليس
كذلك؟
كريج
:
أجل، ومن هناكَ تحدَّثْتُ إليك.
بيركماير
:
عجبًا، وماذا حدَثَ هناك يا والتر؟
كريج
:
ماذا تَعنِي؟
كريج
:
ألم تطَّلِعْ على صُحف المساء؟
بيركماير
:
لا لم أطَّلِعْ عليها بعدُ. لماذا؟
بيركماير
(يكبِتُ تعجُّبَه، ويسير نحو البيانو
ليُخرِجَ من جيبِهِ صحيفة)
:
وحقِّ يسوع لقد نجوتَ.
كريج
:
لماذا؟ ماذا حدَثَ؟
بيركماير
:
لقد مات فرجس وزوجته.
كريج
:
ماذا تقولُ؟
بيركماير
:
وُجِدَا هذا الصباح في المكتبة.
كريج
:
تعني باسمور؟
بيركماير
(يناوِلُه الصحيفة)
:
ها هو ذا الخبر في الصفحة الأولى من «التلغراف».
كريج
(يتَّجِه يمينًا)
:
ماذا تقولُ يا بلي؟
بيركماير
(يتَّجِه نحو ستار الباب ويتطلَّعُ إلى
الخارج)
:
الخبر في كلِّ صحيفةٍ من صُحف المدينة.
كريج
:
أين هو؟
بيركماير
(يتَّجِه إلى يسار كريج ويشير إلى أحد
العناوين)
:
فرجس باسمور وزوجته وُجِدَا صريعين بالمكتبة.
كريج
:
يا إلهي!
بيركماير
(يتجه يسارًا ويُخرِج من صندوقه
سيجارة)
:
حدث أني اطَّلعت على الخبر في صحيفة كان يحملها رجل
يتقدَّمني في مصعد هابط في مبنى لاندتايتل في نحو الساعة
الرابعة، وكاد قلبي أن ينفطر، وحاولت أن أتصل بك تليفونيًّا
منذ ذلك الحين. وقد رأيتها بنفسي في رتز في الليلة الماضية في
الساعة الثانية عشرة، بل كنت أتحدَّث إليها، ودعوت ذلك الرجل
العجوز على عشاء خفيف بعد الاستعراض، وهناك رأيتها مع ذلك
الضابط الذي صاحبَتْه أخيرًا (يضع
يده على ذراع كريج فجأة).
وهذا تفسيري للحادث يا والتر: أعتقد أنها لاعبت ذلك الضابط
مؤخرًا أكثر مما ينبغي، ونمى ذلك إلى فرجس. وربما أثار الموضوع
عند عودتها مساء الأمس، فنشب بينهما نزاع، وأنت تعلم أنه كان
دائمًا يغار عليها غيرةً جُهنَّمية (يخطو إلى مؤخرة الغرفة خطوة أو خطوتين ويتطلَّع من ثنايا
ستار الباب).
كريج
:
لا بُدَّ أن يكون في الأمر خدعة يا بلي.
بيركماير
(يتقدم مرة أخرى)
:
كيف يكون فيه خدعة يا والتر؟ وهل تظنُّ أن الصُّحف تنشر هذا
النبأ مازحةً؟
كريج
:
لقد كنت هناك ليلة الأمس حتى الثانية عشرة.
بيركماير
(يَسحَق السيجارة بين إصبعَيه)
:
من الواضح أن الحادث وقع بعد انصرافك. هل عادت إلى بيتها قبل
أن تُغادِره ليلة الأمس؟
كريج
(يرفع رأسه عن الصحيفة)
:
ماذا تقول؟
بيركماير
:
أقول هل عادت أدليد ليلة الأمس قبل أن تُغادِر
بيتَها؟
كريج
:
لا، ولكنها كانت هناك عندما ذهبتُ، في نحو الساعة التاسعة،
ثم خرجَتْ إلى مكان ما.
بيركماير
:
نعم، وأنا أعرف أيضًا من خرجَتْ معه. وهذه هي المرة الثالثة
التي أُلاقيها فيها مع ذلك الطائر في الأيام الأخيرة، وأودُّ
أن أعرف اسمه أيضًا على الفور؛ فقد تكون له يدٌ في هذا
الحادث.
كريج
:
هل ذهبتَ إلى هناك بعد ذلك؟
بيركماير
:
تقصد إلى بيت فرجس؟
كريج
:
نعم.
بيركماير
:
بالتأكيد، هُرعتُ إلى هناك فور اطِّلاعي على الخبر، ولكنك لا
تستطيع أن تقترب من المكان.
كريج
:
أعتقد أنه لا بُدَّ لي من الاتصال برياسة البوليس فورًا
يا بلي.
بيركماير
:
من أجل ذلك أردتُ أن أتَّصِل بك. تقول الصحيفة إنهم يبحثون
عن رجلٍ شُوهد وهو يُغادِر البيت بعد منتصف الليل.
كريج
:
هو أنا بالتأكيد.
بيركماير
:
لا يتحتَّم أن تكونَه يا والتر.
كريج
:
في هذا الوقت غادرتُ البيت.
بيركماير
:
إن ذلك لا يعني شيئًا. بيدَ أني أرى أنه من الخير أن يعلموا
بذلك فورًا.
كريج
(يدور بغتة ثم يتَّجه نحو التليفون)
:
سأطلبهم بالتليفون في الحال بكلِّ تأكيد.
بيركماير
(يُتابِعه)
:
تريَّث لحظةً يا والتر، لا تتسرَّع في تصرُّفك؛ فأنت تعلمُ
أن أمرًا مثل هذا قد يسير في ألف اتجاه واتجاه، ولا أودُّ أن
نتصرف تصرُّفًا خاطئًا، فمثل ذلك يكون — كما تعلم — مادة
تلُوكها الصحف. ودعوتنا للعب الورق هناك تُثير الشكوك.
كريج
:
ولكنك لم تكن هناك.
بيركماير
:
أعلم ذلك، ولكني في هذا الأمر لستُ مُنزويًا يا والتر؛ فإن
عدم حضوري إنما كان مصادفةً، وقد تحدثت إليك في التليفون في
الليلة الماضية من بيتي. وفي مثل هذه الأمور يَتتبَّعون
المكالمات التليفونية وما إليها.
كريج
(ينظر في الصحيفة مرة أخرى)
:
يا إلهي! إنها لمسألة شائكة برغم ذلك يا بلي. أليس
كذلك؟
بيركماير
(يتلفَّتُ يسارًا ويمسح بيده جبينه)
:
لم أحصُر جوانب الموضوع أنا نفسي بعدُ.
كريج
:
يا لفداحة الخطْب!
بيركماير
:
سيكون صدمة لزوجتك حينما تسمع به. ألا تظنُّ ذلك؟
كريج
:
هذا أمرٌ فظيع.
بيركماير
:
ويُحتَمل جدًّا أن تطَّلع على الخبر في الصحف هناك في
أولبني.
كريج
:
لقد عادت من أولبني.
بيركماير
:
حقًّا؟
كريج
:
وصلتْ منذ بُرهة وجيزة.
بيركماير
:
إذن فهي لا تعلم شيئًا عن هذا الموضوع بعدُ؟
كريج
:
لا أظنُّ ذلك، إلا إن كانت قد اطَّلَعتْ مُصادَفةً على
الصحيفة التي أتيتُ بها إلى البيت. ولا أحسب أن هذه الصحيفة قد
ذَكرتْ عن الأمر شيئًا.
بيركماير
:
لم يُنشَر الخبر في جميع الصحف.
كريج
:
تناولتُ الصحيفة من بائعها وحفظتُها في جيبي، ولم أفعل غير
ذلك.
بيركماير
:
وأين هاريت؟
كريج
:
في الطابق العلوي.
بيركماير
(يخفِض صوته)
:
وهل تعلم أنك كنتَ هناك في الليلة الماضية؟
كريج
:
لستُ أدري، وأعتقد أنها لا تعلم. لا، بل أذكر أني ذكرتُ ذلك
منذ فترة وجيزة.
بيركماير
(يتقدم إلى جوار كريج، ويضع يده على
ذراعه)
:
استمع إليَّ يا والتر، إذا حدث أنها لم تطَّلع على الصحيفة،
فإن ما لم تعلم به لا يهمُّها، وسوف تتضح جليَّة الأمر بين يوم
وليلة، بل قد يتَّضح الآن فيما أظنُّ؛ لأني أعتقد أن البوليس
يتحرَّى الحقيقة طوال اليوم، ولكني أعتقد أن خير ما نقوم به من
عمل الآن أن نسارع إلى هناك ونحاول أن نكتشف مجرى الأمور. وإذا
كان الأمر لا يزال غامضًا نتَّصل برئاسة البوليس ونخبره
بموقفنا.
كريج
(يُلقِي الصحيفة فوق المقعد إلى جوار نَضَد
التليفون)
:
نعم، دعنا نفعل ذلك، وانتظر حتى آتي بقبَّعتي (يخرج خلال ستار الباب).
بيركماير
(يتَّجه إلى البيانو ليحمل أشياءه)
:
معي عرَبتي خارج البيت. ونستطيع أن نعبُر الحديقة ونصل إلى
هناك في عشر دقائق (يحمل مِعطف المطر
فوق ذراعه، ويلتقط قبَّعته، ويخطو بسرعة ليأخُذ الصحيفة
التي تركها كريج فوق المقعد، ويلقي بنظرة إلى أعلى
الدَّرَج وخلال ستار الباب، ثم يُشاهِد كريج خارجًا من
الحجرة المجاورة، ويسير نحو الباب
الأمامي).
كريج
(يدخل لابسًا قبَّعته وحاملًا الصحيفة التي
أتى بها إلى البيت)
:
سآخذُ هذه الصحيفة معي وسأُخفيها عن الأنظار.
بيركماير
:
والأخرى معي هنا في جيبي (يخرج
بيركماير).
كريج
(يتطلَّع في أرجاء الغرفة وهو يسير نحو
الباب الخارجي)
:
نحن نشتري «الدنيا» في المساء. غير أن عيني لم تقع عليها في
أي مكان هنا (ثم
يخرج).
بيركماير
:
عرَبَتي هناك في الخارج.
كريج
(من الخارج)
:
أعتقد أن أقْصَر الطرق عبْرَ الحديقة.
بيركماير
:
نعم، ونستطيع أن نصل إلى هناك في عشر دقائق.
(ثم يسود سكون مُمِيت، وتدقُّ ساعة كبرى في
مكان ما ناحية اليمين: النصف بعد السادسة في صوت ناعم، ثم تسُود
فترة يسيرة من السكون، وبعدئذٍ تندفع مسز كريج خلال ستار الباب
حاملة صحيفة منشورة، ثم تَلحَظ أن الغرفة خالية من كلِّ إنسان،
فتُهرَع إلى النافذة لعلَّها تجد مستر كريج في مكان ما، ثم تتَّجه
نحو الباب الأمامي، ولكنها تعْدِل عن رأيها، وتُهرَع نحو مطلع
الدَّرَج.)
مسز كريج
(مُناديةً فوق الدَّرَج)
:
والتر! والتر! هل أنت في الطابق الأعلى يا والتر؟ (تُسارِع إلى الغرفة مرة أخرى ثم تتَّجه
نحو ستار الباب) ميزي! ميزي! (تعدو نحو الباب الخارجي ثم تخرج، وتدخل
ميزي خلال ستار الباب وتَتطلَّع حولها، وتسير بعدئذ نحو
الباب الخارجي، وتعود مسز كريج مرة أخرى
مُسرعة.)
ميزي
:
هل كنت تُنادِينني يا مسز كريج؟
مسز كريج
:
نعم يا ميزي، هل رأيت لمستر كريج أثرًا؟
ميزي
:
نعم كان هنا منذ بضع دقائق يا مسز كريج، بصُحبة رجل.
مسز كريج
:
أيُّ رجل؟ ومن هو؟
ميزي
:
لا أدري من هو يا مسز كريج، لم أرَه من قبلُ قط.
مسز كريج
:
ألم تَسمعي باسمِه؟
ميزي
:
لا يا سيدتي لم يَطرُق اسمه سمعي. ولقد جاء في سيارة.
مسز كريج
:
وهل انصرف معه مستر كريج؟
ميزي
:
لستُ أدري إن كان قد انصرف أو لم ينصرف يا مسز كريج. ولم
أعلم بخروجه.
مسز كريج
(تُدير ميزي في لهفةٍ من كتِفِها وتدفعها
نحو ستار الباب)
:
انظري هل قبَّعة مستر كريج فوق المِشجَب؟
ميزي
(تخرج مسرعة)
:
أليس في غرفته؟
مسز كريج
:
لا، إنه ليس فيها (تلتفت وهي تلهث
وتوجِّه نظرها ناحية المشربية أعلى اليسار)
يا إلهي! (وتَلتفِت ناحية ستار الباب
مرة أخرى) هل وجدْتِها؟
ميزي
(من مكان ما في الخارج ناحية
اليمين)
:
لا يا سيدتي، لم أجدها.
مسز كريج
:
أصغِي إليَّ ميزي. سارعي إلى مخزن العربات وانظري إن كان
هناك. لا، لا، تعالي من هذا الطريق، فهو أقصر (تنتظر في هَلَع شديد حتى تندفع ميزي
خلال ستار الباب ثم تسير نحو الباب الخارجي) وإن
أَلفَيْتِه هناك، قولي له يحضر إلى هنا في الحال؛ فإني أودُّ
أن أراه.
ميزي
:
سأفعل يا سيدتي (يحدث الباب الحاجز
صوتًا في إثرها، وتُهرَع نحو المشربية إلى
اليسار).
مسز كريج
:
أسرِعي يا ميزي، قُولِي له إني أريده فورًا (تدخل من الباب وتستنِد إلى قائمته
ناظرةً إلى الخارج رأسًا بعينٍ مفتوحة، وهي تُلصِق الصحيفة
بصدرها). يا إلهي! (ثم
تُسرِع نحو النَّضَد الوسيط، ثم تتَّجه نحو النافذة
الأمامية ناحية اليمين) رباه! (وتقف وهي تنظر في لهفةٍ خلال النافذة
ناحية اليسار، كأنها تُراقب ميزي وهي تجري في
الطريق.)
(ينزل الستار رُويدًا رُويدًا.)