الذهب … في مدينة «ماكاي»
أُضيئت الخريطة في قاعة الاجتماعات بالمقرِّ السرِّيِّ للشياطين. كانت قارة «أستراليا» السابحة في مياه المحيطَين الهادي والهندي تظهر بوضوح، وظهر سهمٌ أحمر، ثم مجرًى يُحدِّد أماكنَ معينةً على الخريطة. بدأت أجزاءٌ منها تختفي، لتظهر بجلاء أكثر في أجزاء أخرى، ثم تركَّزت عند ولايتَين فقط من ولايات القارة. في الشمال عند ولاية «كوينزلاند»، وفي الجنوب عند ولاية «نيو ساوث ويلز»، ثم ظهر سهمٌ أصفر، يشير إلى مجرًى محدِّدًا خطَّ السكة الحديد الذي يربط الولايتَين، ثم ظهرَت نقطةٌ حمراء عند علامة محددة على نهر «كولجوا» حيث تَعبُر السكة الحديد النهر، وواحدة بعد أخرى ظهرَت نُقَط حمراء؛ نقطة عند الشاطئ الشرقي لولاية «كوينزلاند» التي تُطلُّ على بحر «المرجان» حيث تقع مدينة «ماكاي»، ثم نقطة أخرى عند شاطئ ولاية «نيو ساوث ويلز» في اتجاه الشرق أيضًا، حيث تقع مدينة «لزمور»، ثم عند الشاطئ الجنوبي لنفس الولاية، حيث يقع ميناء «سدني».
كان الشياطين يتأملون الخريطة بتفاصيلها، وفي نفس الوقت ينتظرون قدوم رقم «صفر» الذي انصرف منذ قليل، حيث كانت هناك رسالةٌ من خارج المقر، ومضَت دقائق قبل أن يَصِل إلى سمْع الشياطين وقْعُ خطوات رقم «صفر» وهو يقترب، ثم توقَّفَت الخطوات، وبدأ صوتُه يَصِل إليهم. قال رقم «صفر»: لعلكم تأملتم جيدًا الخريطةَ التي أمامكم … إن هذه المساحة الواسعة سوف تجري فيها أحداثُ مغامرتكم الجديدة.
توقَّف رقم «صفر» قليلًا، بينما كانت أعين الشياطين تجري فوق مساحة الخريطة، حيث تمتدُّ الولايات من شمال القارة إلى جنوبها، وحيث يظهر في اتجاه الشرقِ الحاجزُ المرجاني الكبير، الذي يقع في بحر «المرجان»، فيكاد يسدُّ الشاطئ الشرقي أمام أمواج المحيط الهادي.
جاء رقم «صفر» يقول: إن عصابة «سادة العالم» سوف تقوم بعملية سطوٍ ضخمة، في المنطقة التي يَعبُر فيها قطارُ السكة الحديد نهرَ «كولجوا» بين الولايتَين، فسوف يحمل قطارُ السكة الحديد حمولةً ضخمة من الذهب، تُقدَّر بحوالي مائة طن … وقد وصلَتنا معلوماتٌ متفرقة من عملائنا في العالم، فسوف تتحرك إحدى الغواصات التابعة للعصابة والتي تجوب مياه المحيطات، دون أن تتوقف في مكان معين، لتتَّجهَ إلى مدينة «ماكاي»، على ساحة ولاية «كوينزلاند»، حيث بحر «المرجان». وهناك سوف تنزل مجموعة النَّسْف، التي ستقوم بنَسْف الخط الحديدي عند عبور القطارِ نهرَ «كولجوا». إن مجموعة النسف، ولنُسمِّها المجموعة «س»، سوف تنزل في مدينة «ماكاي» لتنتقل إلى موضع تلك النقطة المضيئة على الخريطة.
صمَت رقم «صفر»، واختفَت كلُّ النقط المضيئة من الخريطة، فيما عدا نقطة واحدة، هي النقطة التي سوف يَعبُر القطارُ عندها نهرَ «كولجوا» … بعد لحظة قال: هذه النقطة سوف يحدث فيها الانفجار. إن المجموعة «س» سوف تقوم بوضع موادَّ ناسفة، تنفجر عند توقيت معين، هو الساعة الرابعة صباحًا، يوم ٥ أغسطس.
رفع «أحمد» يدَه بسرعة، ثم نظر في تاريخ اليوم والساعة … كانت الساعة تُشير إلى الثانية عشرة ظهرًا، وكان التاريخ يُشير إلى يوم ٢ أغسطس … كان هذا يعني أن المهمة قد بدأت، أو أنها توشك أن تبدأ.
قال رقم «صفر»: إن المعلومات لدينا تقول إن المجموعة «س» سوف تصل مدينة «ماكاي» يوم ٣ أغسطس، ثم تتحرك حركتَها خلال يومين، لتنتهيَ من مهمة وضْع الشحنات الناسفة قبل التاريخ المحدَّد. في نفس الوقت تكون مجموعة السطو، ولنُسمِّها المجموعة «ط»، في حالة استعداد لنقل كمية الذهب إلى ميناء «سدني»، حيث تكون مجموعة ثالثة وهي مجموعة النقل، على استعداد للانتهاء من العملية كلها.
صمتَ رقم «صفر» وسمع الشياطين صوتَ أوراق تُقلب. بعد لحظات قال رقم «صفر»: هذه هي خطة العصابة … والمفروض أن نقْلَ كمية الذهب هذه مسألةٌ سريَّة وتتم لصالح بعض البلاد العربية … لكن عصابة «سادة العالم» قد توصَّلت إلى تفاصيل المسألة؛ لهذا فأمامنا ثلاثُ مجموعات من العصابة، متفرقة في ثلاثة أماكن؛ مجموعة في «ماكاي»، ومجموعة عند نقطة نهر «كولجوا»، ومجموعة ثالثة في ميناء «سدني»، ونحن لا تهمُّنا كثيرًا المجموعة الثالثة؛ لأن عملَها لن يتمَّ إلا إذا أتمت المجموعتان الأخريان عملَهما … إذن تُصبح المجموعة «س» هي الأهم، ثم المجموعة «ط»، فإذا فشلت خطة عمل المجموعة «س» فلا يتم عمل المجموعة «ط»، أو المجموعة الثالثة.
كان يبدو أمام الشياطين أن المهمة شاقة، وأنها تحتاج مجموعة الشياطين كلها … غير أن رقم «صفر» الذي صمت قليلًا قال: المسألة ليست شاقة وليست صعبة كما يبدو. إننا سوف نُركز أكثر على المجموعة «س» التي تُحقق عملَ المجموعتَين الأخريَين، لكن ذلك لا يمنع أن نهتمَّ بالمجموعة «ط» أيضًا، ضمانًا لعدم حدوث أيِّ شيء … إننا سوف نحتاج إلى مجموعتَين؛ مجموعة يكون عملها في مدينة «ماكاي» أمام ساحل بحر «المرجان»، ومجموعة يكون عملها عند نقطة العبور فوق نهر «كولجوا».
نظر الشياطين إلى بعضهم قليلًا، ثم شدَّ نظرَهم قولُ رقم «صفر»: إن المعلومات التي توافرت لدينا عن الغواصة تقول إنها متوسطةُ الحجم، وصوتُ ماكيناتها يمكن رصدُه؛ فهي غواصة قديمة؛ ولهذا فإنها سوف تصل إلى الساحل الشرقي لولاية «كوينزلاند» في الثالثة من صباح يوم ٣ أغسطس، وسوف يقود المجموعةَ «س» رجلٌ يُدعَى «والتر»، وهو في الأربعين، قويُّ البنية، اشترك في حرب «فيتنام»، وهو ماهرٌ في عمليات النسف، ومجموعتُه تضمُّ أربعةَ رجال … أما المجموعة «ط» فيقودها «داش»، وهو أحد الرجال الذين تعتمد عليهم العصابة، ومجموعتُه تضم ثمانية.
صمَت رقم «صفر» قليلًا ثم قال: الآن، يمكن أن نبدأ المناقشة، إذا كان هناك أسئلة.
نظر الشياطين إلى بعضهم، ومرَّت فترةُ صمت، لم يتحدث خلالها أحد. في النهاية قال الرقم «صفر»: أتمنى لكم التوفيق.
سَمِع الشياطين صوتَ أقدام رقم «صفر» تبتعد شيئًا فشيئًا، حتى تلاشَت تمامًا. كانوا لا يزالون يجلسون في أماكنهم دون أن ينطقَ أحدُهم بكلمة، بينما كانت الخريطة قد أُضيئَت كلها الآن، فظلوا يتأملونها. في النهاية قال «عثمان»: يجب أن ننصرف فورًا؛ فإن عملية التنظيم ستحتاج إلى بعض الوقت.
أخذوا يخرجون من القاعة، الواحد بعد الآخر، وعندما ضمَّتْهم حجرةُ «أحمد» قالت «إلهام»: يجب أن نُحدِّدَ المجموعاتِ بسرعة.
زبيدة: إننا سوف نحتاج إلى مجموعتَين فقط كما ذكر رقم «صفر».
صمتَ الشياطين … كان كلٌّ منهم قد استغرق في تفكيره، في النهاية قال «رشيد»: أعتقد أننا يجب أن نُركز على مجموعة واحدة، هي المجموعة الأولى، التي تقابل المجموعة «س» على أن تكون مجموعةً قوية وقادرة على إيقاف عمل المجموعة الأولى … ما رأيكم؟
أحمد: هذه حقيقة! فإنَّ فشَلَ عملِ المجموعة «س» يعني فشَلَ المجموعتَين الأخريَين.
فهد: لكننا لا نضمن الظروف، قد يحدث شيء بالنسبة لعمل المجموعة «س»؛ ولهذا يجب أن نجهز مجموعة ثانية تعمل أمام المجموعة «ط».
طال الحوار بين الشياطين، لتحديد عدد المجموعات المطلوبة واستقروا في النهاية على تكوين مجموعتَين، مع بقاء مجموعة ثالثة، تكون على استعدادٍ للتحرُّك في أي لحظة …
تكوَّنت المجموعة الأولى، والتي أطلقوا عليها المجموعة «س/أ»، من «أحمد» و«عثمان» و«هدى» و«فهد»، وتكوَّنت المجموعة الثانية والتي أطلقوا عليها المجموعة «ط/ب» من «مصباح» و«رشيد» و«إلهام» و«باسم» … أما باقي الشياطين فقد ظلوا على استعداد في المقر.
فُتحت الأبواب الصخرية للمقرِّ السري وانطلقَت سيارتان، كلُّ واحدة تحمل مجموعةً في الطريق إلى أقرب مطار، حيث تبدأ رحلة الطيران إلى «أستراليا» … كان المناخ حارًّا في هذا الوقت من السنة، إلا أن العربات المكيفة تُلغي تمامًا أيَّ إحساس بالحرارة، اللهم إلا السراب الذي كان يظهر في الأفق، فيبدو كسَيلٍ من الفضة الذائبة … ولشدةِ الحرارة، فقد كان الطريقُ خاليًا تمامًا في مثل هذا الوقت من النهار، حيث كانت الساعة تُشير إلى الثانية ظهرًا.
كان كلُّ شيء جاهزًا في انتظار انطلاق الشياطين … كانت تذاكرُ الطائرة قد حُجزت، وكان الموعد معروفًا لديهم، فسوف تُغادر الطائرةُ المطارَ في الخامسة عصرًا، وكان هذا يعني أن الوقت أمامهم يكفي لوصولهم، أمام سرعة انطلاق السيارتَين، وعندما دقَّت الساعة الرابعة، كان الشياطين يقفون أمام باب المطار. لم تكن المجموعتان معًا، بل كانت كلُّ واحدة تتصرف على حدةٍ، وكأنها لا تعرف الأخرى، هكذا كان الاتفاق.
أخذَت كلُّ مجموعةٍ طريقَها إلى داخل صالة المطار التي كانت تزدحم بالناس، واتجه «عثمان» إلى بائع جرائد، فقد لفَت نظرَه مجلةٌ عليها صورة غواصة، وكانت المجلة عن أعماق البحار، فاشترى «عثمان» المجلة، ثم لَحِق بمجموعته.
عندما دقَّت الساعة الخامسة، كانت الطائرة تتحرك من مكانها، تحمل ركَّابَها، وبينهم مجموعتَا الشياطين. وعندما استوَت في الجو تمامًا، جاء صوتُ مذيعة الطائرة تتمنَّى للركاب رحلة موفقة وتُحدِّد لهم الطريق، والمسافة، وارتفاع الطائرة.
وألقى «أحمد» بصرَه في اتجاه المجموعة «ط/ب» التي كانت تجلس في صفٍّ واحد، وقد غَشِيها النعاسُ، فنامت ولم تكَدْ تمرُّ دقائق، حتى شعر «أحمد» بدفء جهاز الاستقبال فعرف أن هناك رسالةً ما، وبدأ يتلقَّى الرسالة، وكانت من رقم «صفر»، كانت الرسالة تقول: «لقد تحرَّكَت الكرةُ من مكانها في اتجاه الملعب. الفريق جاهز تمامًا. سوف تنطلق الصفارة في موعدها المحدد.»
فَهِم «أحمد» معنى الرسالة، وبسرعةٍ أرسلها إلى «رشيد» الذي كان مسئولًا عن قيادة المجموعة «ط/ب» … ردَّ «رشيد»: إذن نحن على موعد للمباراة.
عندما خرجَت الطائرة من المجال الجوي العربي كان «أحمد» يفكِّر في لحظة النزول في مدينة «هجندن»، التي تَبعُد مئاتِ الأميال عن مدينة «ماكاي» الساحلية، وكان عليهم أن ينتقلوا بالطيران الداخلي إليها، بينما كان على المجموعة «ط/ب» أن تُواصل طريقها، حيث تنزل في مدينة «يورك» القريبة من نهر «كولجوا» …
كانت الخريطة الصغيرة لا تزال مبسوطةً أمام «أحمد»، وعيناه تمرُّ على تلك المدن التي سوف يجري فيها الصراع، عندئذٍ رفع «أحمد» عينَيه، ونظر من النافذة القريبة، وكان الليل قد انتشر، وبدأت النجوم تلمع في السماء، وتبدو قريبةً تمامًا … وعندما وقعَت عيناه على «هدى» كانت هي الأخرى تنظر إلى النجوم، فقال لها مبتسمًا: هل تبحثين عن شيء؟
قالت «هدى»: أبدًا! إنها نفس النجوم التي سوف تشهد مغامرتَنا.
أحمد: مغامرة مهمة … أليس كذلك؟
ردَّ «عثمان» الذي كان مغمضَ العينَين: إن مغامراتِنا كلَّها مهمة.
كانت كلماتهم تأتي همسًا، حتى لا يُزعجوا أحدًا، وأخيرًا قال «فهد»: إننا نقترب من ميدان الصراع.
قالت «هدى»: نعم! إن كل خطوة تأخذنا إلى هناك.
وقبل أن يستسلموا للنوم كانوا يفكِّرون في أن هذه آخر ليلة هادئة قبل أن تبدأ المغامرة المهمة.