مغامرة … في الفضاء
عندما نزلت الطائرةُ مطارَ مدينة «هجندن»، كان «أحمد» قد أرسل رسالةً إلى المجموعة «ط/ب» يتمنَّى لها رحلةً طيبة، حيث كانت مستمرةً في طريقها إلى مدينة «يورك». غادرت المجموعةُ «س/أ» الطائرةَ إلى أرض المطار. لم يكن هناك عددٌ كبير من المسافرين؛ ولذلك، فقد أخذوا طريقَهم إلى صالة المطار مباشرة. هناك، عرفوا أن الطيران الداخلي يطير من مطار آخر، ويبعد عن مطار «هجندن» بحوالي ساعة. فاستقلُّوا تاكسيًا إلى المطار، وكان الطريق يشقُّ أراضيَ زراعيةً مترامية. لم يكن أحدٌ من الشياطين يفكِّر في شيء سوى مراقبة الطريق، فمَن يدري، ربما يحتاجونه إليه فيما بعد، غير أنَّ «هدى» قطعَت الصمتَ متسائلةً: تُرى، لماذا لم تُنقل شحنة الذهب بالطائرة؟
انتبه «أحمد» للسؤال، في نفس اللحظة التي نظر فيها «عثمان» و«فهد» إلى «هدى»، قال «أحمد»: إن الحراسة في الطريق البري أسهلُ كثيرًا من الحراسة في الفضاء! إنَّ أيَّ إنسان يستطيع بمفرده أن يخطفَ طائرة، ولقد سمعنا عن خَطْف الطائرات كثيرًا. لكن على الأرض فإن الموقف يختلف.
مرة أخرى عادوا إلى الصمت، بينما كانت السيارةُ مندفعةً في طريقها بأقصى سرعة … إلا أن «هدى» عادَت للحديث من جديد، قائلةً: إن مجموعتَنا الأخرى، لا تزال في المطار الآن.
رفع «أحمد» ساعةَ يدِه ونظرَ فيها ثم قال: إنها تُقلع … الآن. ثم نظر إلى السائق وسأله: هل تستغرق الطائرة كثيرًا حتى تصل إلى «ماكاي»؟
ودون أن ينظر السائق إليه، أجاب: حوالي ساعة في الأحوال العادية.
أحمد: تقصد عندما يكون الطقس جيدًا؟
هزَّ السائقُ رأسَه، دون أن ينطق، وكانت هزَّةُ رأسِه إجابةً كافية ليعرف «أحمد» أنه كان يقصد ذلك، وبعدها انحرفَت السيارة يمينًا ثم استمرت في سيرها، وقال السائق: أمامنا عشرُ دقائق حتى نصل إلى المطار.
سأل «عثمان»: هل حركة الطيران الداخلي نشيطة؟
السائق: ربما أنشط من حركة النقل البري … فنحن نعتمد هنا أكثر على الطيران، حيث تمتد الصحراء مسافات شاسعة، مما يجعل النقلَ البري شاقًّا.
عثمان: لكن هذا لا ينفي وجودَ طُرقٍ برية!
السائق: بالتأكيد، وهناك سكة حديد أيضًا، وإن كانت لم تغطِّ القارةَ كلَّها بعد! ودون أن يلتفت السائق قال: ها هو المطار أمامنا … ونظر في ساعة يده ثم قال: هناك طائرة بعد ربع ساعة إلى «ماكاي» وأظن أنكم تستطيعون اللحاق بها.
عندما توقفت السيارة أمام المطار، أسرع الشياطين بالنزول، ثم أخذوا طريقَهم إلى الداخل، واتجه «أحمد» إلى شباك التذاكر، فاشترى أربع تذاكر إلى «ماكاي» … كان يبدو من حركة الطيران، وشباك التذاكر، أنهم يستخدمون الطائرات، كما نستخدم نحن قطار السكة الحديد … أسرعوا إلى الطائرة، التي كانت تقف غير بعيدة عنهم، وعندما بدءوا صعودَ السُّلَّم نظر «أحمد» في ساعة يده، فعرف أنها على وشَك الطيران.
لم تمضِ دقائق بعد استقرارهم في أماكنهم، حتى كانت مذيعة الطائرة تطلب ربطَ الأحزمة وهي تتمنى لهم رحلة طيبة … بعد لحظات، كانت الطائرة تأخذ طريقها إلى الفضاء، ولم تكن تطير على ارتفاع كبير؛ ولذلك، فقد كان الشياطين يرَون الصحراء بوضوح.
كان الوقت يقترب من الظهيرة، وكان هذا هو ثاني يوم لهم من أيام الطيران … غير أن الرحلة الأولى على طولها كانت رحلةً مريحة، وها هم الآن في رحلتهم الثانية، وهي رحلة طيبة أيضًا … قال «فهد»: سوف نقضي ساعاتٍ هادئةً في «ماكاي»، قبل أن نبدأ العمل.
عثمان: إن ذلك يعطينا الفرصة لدراسة المنطقة بشكل أحسن … إن الساحل طويل، ونحن لا نعرف على وجه التحديد طريقة حراسة الساحل هناك!
فهد: لا أظنها تختلف كثيرًا عن أي منطقة ساحلية في أي مكان. هناك دائمًا شرطة الساحل، ولنشات الحراسة، ولا شيء أكثر.
أحمد: إن الحاجز المرجاني الكبير الذي يمتد بطول الساحل الأسترالي الشرقي يعطي فرصة لحماية الساحل كله فهي منطقة وعرة، ومن الصعب الوصول إلى الساحل مباشرة.
هدى: هذا يعني أن الكرة لن تنزل الملعب مباشرة.
أحمد: أعتقد ذلك. إن اللاعبين لا بد أن ينزلوا خلف الحاجز. ثم يعبروا المسافة إلى أمامه … حتى يمكن أن ينزلوا إلى الشاطئ.
عثمان: أعتقد أن الوقت أمامنا ويكفي لأن ندرس المنطقة أكثر.
فهد: بالتأكيد! على الأقل، سوف نحظَى برحلات بحرية طيبة.
جاء صوتُ مذيعة الطائرة، يقول: إننا الآن نقترب من ساحل بحر «المرجان»، وسوف نصل إلى «ماكاي» في خلال ربع ساعة، إذا استمر الطقس معتدلًا … أما إذا حدثَت أيُّ مفاجآت، فإننا قد نضطرُّ إلى تصرُّف آخر.
نظر الشياطين إلى بعضهم البعض … كانت المعلومات الأخيرة للمذيعة تعني شيئًا، ثم جاء صوتُ المذيعة مرة أخرى، يقول: نرجو أن تربطوا الأحزمة … إننا نتعرض لبعض المطبات الهوائية، إلا أن هذه مسألة طبيعية في مناطقنا الساحلية.
لم يكَد الشياطين يربطون أحزمتهم، حتى اهتزت الطائرة بشدة، ثم تعالَت الصيحات من الركاب، وجاء صوتُ كابتن الطائرة يقول: إن هذه مسألة عادية … ونرجو أن يكون الركاب أكثرَ احتمالًا واطمئنانًا.
اهتزت الطائرة مرة أخرى بشدة، وتعالَت الصيحات من جديد، فقالت «هدى»: إن هذه مغامرة جديدة ليست مع عصابة … ولكنها مع الطبيعة.
قال صوت مذيعة الطائرة: أمام أيِّ احتمال … يوجد في الجانب الأيمن لكل راكب زِر، إذا حدث شيءٌ يمكن ضغط الزِّر بقوة، وسوف يندفع الكرسيُّ وحده، وتُفتح المظلة للنزول بسلام. إننا نمر بمنطقة صحراوية، إن كابتن الطائرة ومعه طاقمها يحاولون الاقتراب من المطار … لكن يبدو أنها مسألة صعبة نوعًا.
صمتت قليلًا، ثم قالت: سوف نُصدر لكم التعليمات تباعًا. فقط، نرجو أن تطمئنوا إلى أننا سنجتاز الأزمة بسلام.
ارتفعت موسيقى هادئة داخل الطائرة ولكن لم يكن أحد على استعداد للاستماع. وكانت الطائرة لا تزال تهتز بشدة، وبدأت «هدى» تشعر بالغثيان ونظرت إلى «أحمد» الذي فَهِم حالتها فقدَّم لها كيسًا من النايلون مثبتًا في ظهر المقعد الأمامي، حتى يمكن أن تُفرغ ما في جوفها لو شعرت بالتعب … تماسكت «هدى» وأغمضت عينَيها لكن الألم كان يبدو على وجهها. نظر «عثمان» من النافذة وكانت الطائرة تحاول أن تخرج من الدوامة الهوائية التي قابلَتْها، فبدأ يشعر بالقلق.
مرَّت لحظات قلقة للغاية، ثم جاء صوت قائد الطائرة يقول: سوف نحاول أن ننزل في الصحراء، إن الإشارة التي وصلتنا من مطار «ماكاي» تقول إن هناك عاصفة فوق المطار، وإنه من الصعب الاقتراب … سنحوم فترة فقد نتمكن من النزول في المطار.
سكت صوت «الكابتن» وشاهد «عثمان» الأرض تقترب بسرعة … كان هذا يعني أن الطائرة تتجه إلى الأرض. فجأةً، بدأت الطائرة ترتفع بشكل عمودي، عرف «عثمان» أن الطائرة في مأزق الآن. ظلت ترتفع وترتفع، حتى كادت الصحراء تختفي. مرة أخرى، قال صوت «الكابتن»: معذرة، إنني مضطر أن أكشف لكم الموقف أولًا بأول، حتى تكونوا على استعداد لأي احتمال. إن الوقود الذي معنا لا يكفي أكثر من ثلث ساعة، وهذا يعني أنه من الضروري أن نحاول الآن النزول في الصحراء بأية طريقة، وإلا تعرضنا للهلاك؛ فالمطار ما زال مغلقًا في وجوه الطائرات!
شاهد «عثمان» حركةَ الطائرة الدائرية، ثم اتجاهها إلى الأرض. كانت الصحراء تقترب بسرعة رهيبة حتى إنه أغلق عينَيه. بدأ يعتمد على مشاعره فأحس بأن سرعة الطائرة تقلُّ شيئًا فشيئًا، ثم أحس أنها تأخذ دورة كاملة. فتح عينيه، كان واضحًا أنها تبحث عن مكان مسطح يمكن النزول فيه.
كانت «هدى» لا تزال مغمضة العينين، وكان «فهد» و«أحمد» يرقبان حركة الطائرة في صمت، بينما كان الركاب جميعًا قد استسلموا في هدوء … ثم شعروا فجأةً بارتطام شيء، وعرف «أحمد» أن عجلات الطائرة قد لمست الأرض، كانت تجري بسرعة، ثم أخذت تقلل سرعتها، حتى توقفت تمامًا. ومرت فترة صمت، ثم جاء صوت «الكابتن» يقول: شكرًا لله، لقد نزلنا سالمين.
وصمتَ قليلًا ثم قال: من حسن الحظ أن الوقود قد انتهى تمامًا الآن، ونحن لسنا بعيدين عن «ماكاي» … على كل حال إن أجهزة الطائرة كلها سليمة، ونحن على اتصال بالمطار.
لم يتحرك أحد من الركاب … كانوا وكأنهم قد استسلموا لمشاعرهم الخاصة … وكأنه لم يَعُد يعنيهم حتى وقوف الطائرة الآن.
قال صوت «الكابتن»: سوف نفتح الأبواب، ونُنزل السُّلَّم إذا كان أحد يريد أن يُلقيَ نظرة على المكان.
فتحَت «هدى» عينَيها ولم تتكلم. قال «أحمد»: ما رأيكم؟ إنها فرصة على كل حال أن نرى مكانًا أوسع!
فتحَت الطائرةُ أبوابَها، وأُنزل السلم. تحرَّك الشياطين إلى الباب ثم بدءوا ينزلون … كانت الصحراء ممتدة بلا نهاية، وظهر قائد الطائرة بجوار الشياطين، وقال مبتسمًا: إنني أشكر قوة تحمُّلِكم التي ساعدتنا على التصرف بهدوء.
أحمد: إن ما حدث شيء عادي.
الكابتن: سوف تصل سيارات الإنقاذ حالًا، فقد أرسلنا رسالة إلى المطار وحدَّدنا لهم المكان الذي هبطنا فيه.
بدأ بعض الركاب يظهرون، وكانت تبدو عليهم علامات الاستفهام.
قال أحدهم: يبدو أننا فُقدنا إلى الأبد!
فابتسم «الكابتن» وقال: لا تخشَ شيئًا، إن المسألة عادية، ونحن نشكر الله أن نزلنا سالمين وسوف تصل سيارات الإنقاذ لأخذنا بعد قليل.
لم ينطق أحد بكلمة. كانت الحرارة تشتد، وأخذ بعضُ الذين نزلوا مكانًا في ظل الطائرة، ثم جلسوا على الأرض.
قال واحد: إن الحرارة مرتفعة، والطائرة لا تعمل الآن. ولا أمل في تشغيل أجهزة التكييف، فهل يطول بنا الوقت هنا؟
الكابتن: لا أظن. لقد أرسلنا إلى المطار، وحددنا المكان … ونحن لسنا بعيدين على كل حال!
كان الوقت يمر بطيئًا … حتى بدأ القلق يظهر على وجوه الركاب فقال «أحمد» مخاطبًا «الكابتن»: هل أجهزة الطائرة كلها سليمة، بما فيها البوصلة وأجهزة الاتصال؟
الكابتن: نعم. كل شيء على ما يرام!
فجأةً … ظهر أحد أفراد طاقم الطائرة أعلى السلم … كانت تبدو عليه حالة الفزع، فنظر له «الكابتن» في دهشة، ثم قال: ماذا هناك؟
حاول الطيار أن ينطق ولكن الكلمات احتُبست في حلقه … نظر الجميع له، وأسرع الكابتن إليه … غير أنه في النهاية استطاع أن ينطق: إن أجهزة الطائرة معطلة. ويبدو أننا أرسلنا الرسالة وحددنا مكاننا خطأً … وإن هذه كانت آخر رسالة أرسلناها بأجهزة الاتصال.
ظهر الرعب على الجميع … إلا الشياطين؛ فقد كان لهم خططهم الأخرى.