صوت يقترب من البحر
سَمِع «أحمد» صوتَ ماكينات تدور، وفَهِم «عثمان» ما فعله «أحمد»، وأشار إلى قدمِه، فأخذ «تالبوت» يُدلِّكها له برفق. ظل «أحمد» فترةً يستمع لذلك الصوت الذي أخذ يهدأ حتى كاد يتلاشى، وعرف في تلك اللحظة أن الغواصة قد وصلَت، وأنها ربما قد توقَّفت خلف حاجز «المرجان».
جلس وقد أظهر تماسكَه ثم قال: شكرًا أيها الكابتن «تالبوت»، وأنا آسفٌ أن سبَّبتُ لك هذا الإزعاج.
ابتسم «تالبوت» وقال: لا شيء. لقد أحزنني ما ألمَّ بك.
أحمد: إنني الآن على ما يرام!
تالبوت: تستطيعان العودة إذن، حتى لا تزدادَ آلامُك.
أحمد: إنني بخير تمامًا.
قام «أحمد» إلا أن «تالبوت» طلب منه أن يستريح قليلًا. فكَّر قليلًا، ثم قال: سوف أستمر في مروري على الساحل قليلًا. إنكما يمكن أن تعرفَا مكاني عن طريق البطارية.
تركهما، وانصرف. لم يكن لخطواته صوتٌ؛ فقد كان صوتُ الموج يُغطِّي على كل شيء …
نظر «عثمان» في ساعته، ثم قال: إنها تُشير إلى الحادية عشرة، هذا يعني أن أفراد العصابة لا يزال أمامهم وقتٌ!
أحمد: أظن أنهم خلف حاجز «المرجان»، وهذا يستغرق وقتًا حتى يمكن تجاوزه للوصول إلى الساحل.
شعر «أحمد» بأن هناك رسالةً ما؛ فقد كان جهاز الاستقبال يُرسل بعض الحرارة، فتلقَّى الرسالة وكانت من «فهد» و«هدى»، قالت الرسالة: إن صوت الغواصة قد توقَّف تمامًا. وإنهما قد تعرَّفَا إلى الحارس الليلي في منطقتهما … ثم حدَّدَا النقطة التي يتواجدان فيها الآن … ردَّ «أحمد» وقال: إنهما قد فعلَا نفسَ الشيء.
عاد «تالبوت» وكان ضوء البطارية يدل على مكانه … همس «عثمان»: يجب أن نتخلص من هذه البطارية … إنها يمكن أن تُفسد كلَّ شيء.
قال «تالبوت» وهو يقترب منهما: كيف حالك أيها الصديق الآن؟
أحمد: لا بأس … كل شيء على ما يرام.
تالبوت: هل تنصرفان الآن؟
عثمان: نفضِّل أن نسهر معك.
تالبوت: سوف أعود إلى كشك الحراسة لأرى إن كان زميلي قد عاد أم لا.
أحمد: هل يوجد زميل آخر؟
تالبوت: نعم. إنه سوف يتسلَّم الحراسة بعد نصف ساعة، حتى الرابعة صباحًا.
أحمد: هل يمكن أن نتعرف إليه؟
تالبوت: لا أظن أنكما سوف تسهران حتى الصباح.
أحمد: هذا صحيح.
تالبوت: إذن، سوف أترككما الآن. أظن أنكما تعرفان الطريق إلى فندق «فيكتوريا».
أحمد: إنها مسألة سهلة.
تالبوت: تحياتي لكما إذن … وأرجو ألَّا يطولَ بكما الوقت هنا!
أحمد: إلى اللقاء.
انصرف «تالبوت» ونظر «أحمد» في ساعته، وكانت تقترب من منتصف الليل، ثم أرسل رسالة إلى «فهد»: ما الأخبار عندكم؟ وجاءه الرد: لا شيءَ حتى الآن … لقد انصرف الحارس لتغيير الحراسة، وسوف يتسلَّم حارس آخر في خلال نصف ساعة.
قال «عثمان»: ينبغي أن نختفيَ الآن، حتى نُعطيَ فرصة للأمور لتسير سيرَها الطبيعي، وينبغي أن يفعل «فهد» و«هدى» نفس الشيء.
أرسل «أحمد» رسالة سريعة إلى «فهد» بهذا المعنى … ثم بدآ يبحثان عن مكان يصلح للاختفاء. تحرَّكَا من مكانهما في هدوء، واقتربَا أكثر من الماء، حتى اصطدمَت أقدامُهما بشيء صلب.
فجأةً قال «عثمان»: يبدو أن أمامنا مرتفعًا ما … قد يكون صخرة، وقد يكون تلًّا من الرمال.
اقتربَا من المرتفع، وتحسَّساه … كان صخرةً متوسطةَ الحجم، فقال «أحمد»: إنها تصلح للاختفاء. لكن ليست هذه هي المسألة. إنها مسألة الحارس!
استندَا إلى الصخرة، وكان ثمة صوتٌ يأتي من أعماق البحر. وضع «أحمد» أُذنه على الصخرة، في نفس الوقت الذي رقد فيه «عثمان» على الرمال، وألصق أُذنه بها … تناهَى إليه صوتُ الماكينات من جديد فقال «عثمان» همسًا: يبدو أنها بدأَت تغوص مرة أخرى، بعد أن أفرغت حمولتها.
قال «أحمد»: نعم. إنني أسمع صوت الماكينات.
لم يكَد «أحمد» ينتهي من كلماته، حتى جاءته رسالةٌ من «فهد»: هناك صوت مجاديف … يبدو أن العصابة تستخدم قوارب المطاط.
ردَّ «أحمد»: إنني لا أسمع شيئًا … قد يكون اتجاه العصابة عند النقطة التي تقف فيها الآن.
نظر «أحمد» إلى «عثمان» وقال هامسًا: يجب أن نتحرك في اتجاه «فهد». هل تسمع شيئًا الآن؟
ردَّ «عثمان»: لا شيء!
نقل «أحمد» رسالة «فهد» إلى «عثمان» وفي نفس الوقت لمع ضوءٌ في الطريق. كان الضوء يتحرك، حتى إن «أحمد» قال: يبدو أن الحراسة قد بدأت … إن الحارس الجديد في الطريق إلينا …
لم يكَد «أحمد» ينتهي من كلماته، حتى جاء صوت الحارس: هل أنتما الصديقان؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: نعم … أهلًا بك.
الحارس: أهلًا بكما … ينبغي أن تنصرفَا الآن … إن الساحل منذ الساعة يبدو غيرَ آمن، فنحن نتعرض لمخاطر كثيرة؛ لأن العصابات البحرية تبدأ عملها في الوقت المتأخر من الليل.
كان «الحارس» قد اقترب منهما تمامًا فأكمل: لقد أخبرني «تالبوت» عنكما … لكني أظن أنكما لن تسهرَا حتى الصباح، فنحن نتعرَّض أيضًا لمرور رئيس فرقة الحراسة … ووجودكما هنا ممنوع.
فكَّر «أحمد» بسرعة، ورأى أن الأحسن لهما أن ينصرفَا الآن بعيدًا، حتى لا يلفتَا النظر، فقال: وداعًا أيها الصديق … نتمنَّى لك حراسة هادئة!
أخذَا طريقَهما في الاتجاه الذي حدَّدَته رسالةُ «فهد»، وفي نفس الوقت فكَّر «أحمد»: ما دامت الحراسة قد تغيرت هنا … وهناك، فلا بد من حل.
أسرع بإرسال رسالة إلى «فهد» حتى يعرف الموقف تمامًا. جاء الردُّ: لقد انتقلنا من المكان إلى مكان مختلف … إننا على اليمين من تحرُّكِكما الآن … لقد رفض الحارس أن نسهر معه.
أرسل رسالةً قال فيها: إننا في الطريق إليكما.
أخذَا طريقهما في الاتجاه الذي حدَّده «فهد» … كانت الرمال كثيفة في هذه المنطقة ولذلك فإن تقدُّمَهما كان بطيئًا … أخرج «أحمد» البوصلة ثم أخذ يسير وفقَ اتجاه السهم فيها، وكان السهم يتجه إلى حيث يوجد «فهد» و«هدى». سمع «أحمد» حديثًا بين اثنين، أحدهما «فهد» فعرف أن الآخر هو الحارس … كان واضحًا أنهما يأخذان طريقهما في اتجاه المدينة … كانت الرياح تحمل صوتَيهما في وضوح، وسمع الحارس يقول: سوف أظل في كشك الحراسة، فالبرد يبدأ بعد قليل.
أخذ «أحمد» و«عثمان» طريقًا مبتعدًا عنهما، وكانت هذه فرصة ليقتربَا من الشاطئ … بعيدًا عن الحارس … ثم اختفى صوتُ «فهد» وتناهَى إلى سمْع «أحمد» صوتُ المجاديف يقترب، فنظر إلى «عثمان» وهمس: هل تسمع؟
عثمان: نعم. يجب أن نختفيَ الآن.
أسرعَا بالابتعاد عن الشاطئ، ولم يَطُل بهما الطريق؛ فقد ظهر أمامهما كوخٌ متهدِّم لجآ إليه، ثم اختفيَا فيه. بعد لحظات جاءت رسالة من «فهد»: لقد اضطررنا للذهاب إلى المدينة، بعد أن أصرَّ أحدُ الحارسَين على توصيلنا …
نقل «أحمد» الرسالة إلى «عثمان» الذي قال: نحن لن نحتاج إليهما الآن … لا تزال العصابة مختفية ولم تظهر بعد.
لم يكَد «عثمان» ينتهي من كلامه حتى سمعا صوتَ ارتطام بالماء، وحدث نوعٌ من الضجيج المكتوم، استمر لدقائق، ثم انتهى إلى حالة صمْتٍ كاملة … أعقبَتها حركةٌ هادئة في الماء. ومرَّت دقائق … ثم ارتفع صوتٌ: مَن هناك؟ فعرفَا أنه صوت الحارس، وأنه لا بد قد كشف وجودَ أحد، وتكرر النداء: مَن هناك؟ ثم دار حوار: مَن أنت؟ نحن بعض الصيادين فقدْنا طريقَنا، ونزلْنا هنا عندما رأينا ضوء البطارية. ثم ظهر وجهُ أحد الرجال، فقال «أحمد» الذي كان يرى وجهَ الرجل بوضوح: لا بد أنه أحدهم.
زحف الاثنان، وأخذَا يقتربان من مكان الحارس والرجل ليسمعَا جيدًا الحوار الذي يدور بينهما.
الحارس: هل تعرفون أين أنتم الآن؟
الرجل: لقد كنا نقصد الاتجاه إلى بلدة «روكامبتون».
الحارس: لقد انحرفتم كثيرًا … إنكم الآن في «ماكاي».
الرجل: هل يعني أننا بعدنا كثيرًا؟
الحارس: نعم. وإلى أين ستذهبون الآن؟
الرجل: لا ندري!
مرت لحظة صمْتٍ، أعقبها قولُ الحارس: إذن، هيَّا معي إلى قسم شرطة الساحل حتى نرى ما يمكن عمله.
الرجل: أظن أنه لا داعيَ لذلك. إن الرياح هي السبب في نزولنا عند هذا الشاطئ.
ومرَّت لحظة صمت أخرى، وجَّه أثناءها الحارسُ ضوءَ البطارية في اتجاه الأصوات الآتية من البحر، ثم قال: إنني أرى آخرين قادمين إلى هنا!
لم يردَّ الرجل مباشرة، غير أنه قال بعد لحظة: ربما ضلُّوا مثلنا الطريق …
تقدَّم الحارس، بينما سار الرجل خلفه، ولم يكَد الحارس يتقدم خطوتَين، حتى ضربَه الرجل ضربة عنيفة على رأسه، جعلَته يتهاوى، ثم يسقط على الأرض.