مطاردة في الليل
كاد «عثمان» يقفز من مكانه، إلا أن «أحمد» كان أسرعَ منه، فقد منعه من القفز، فنظر إليه «عثمان» في دهشة وهو يقول: لماذا؟
أحمد: انتظر، لا بد أن نأخذ فرصتنا كاملة، فلننتظر وصول الآخرين.
ظل «عثمان» في مكانه، لكن فجأةً سمعَا صوتَ أقدام تقترب … كان يبدو أن الخطوات حذرة، لكن صوتها فوق الرمال كان مسموعًا، وكان له وقعٌ معين. شعر «أحمد» أن البوصلة تُصدر إشارة ما فنظر إليها … كانت تُعطي إشارة اقتراب «فهد» و«هدى»، ولم تمضِ لحظة حتى ظهرَا معًا، فأشار لهما «أحمد» أن يظلَّا بجوارهما في صمْت. كان الرجل لا يزال يقف في مكانه بجوار الحارس، ثم فجأةً ظهر في قلب الظلام بعض الرجال … كانت تبدو خيالاتهم أمام انعكاسات أضواء بعيدة على سطح الماء، وكان عددهم أربعة، ولم يكن أحدهم يحمل شيئًا، وبدءوا يتحدثون. فقال واحد منهم: لقد انتهى كلُّ شيء يا سيد «والتر»!
كان سماع اسم «والتر» هو التأكيد النهائي على أن هؤلاء هم أفراد المجموعة «س» وهذا هو قائدهم «والتر» … قال «والتر»: هل وضعت علامة مميزة؟
قال الرجل: نعم. هل نتحرك الآن؟
والتر: ليس قبل أن ننتهيَ من هذا.
ثم ركل الحارسَ بقدمه، فقال أحدهم: فلنُلقِ به في البحر.
صمتَ الرجال قليلًا، وكان يبدو أنهم يفكرون … قال «والتر»: على كل الأحوال هي فكرة طيبة يا «بيرت».
التفَّ رجال العصابة حول الحارس الملقى على الأرض، ثم حملوه بين أيديهم، وبدءوا يتقدمون في اتجاه البحر، ولم يكن هناك وقتٌ للانتظار، ففي لمحِ البصر، كان الشياطين ينطلقون في اتجاههم … وفي قفزة واحدة، كان الشياطين يطيرون في الهواء، وفي ضربة واحدة … وكأنها اتفاق، كان رجال العصابة يطيرون ثم يسقطون على الأرض. وقع الحارس هو الآخر من بين أيديهم، لكنه لم يتحرك.
أصبح على كل واحد من الشياطين أن يتصرف مع أحد أفراد العصابة … جرى أحدهم في اتجاه الكوخ، ثم اختفى خلفه، كان «عثمان» يطارده. في نفس الوقت كان «أحمد» قد اشتبك مع «والتر» … جذبه «أحمد» بقوة فاندفع، وبحركة مزدوجة ضربه بقدمَيه، فسقط على الأرض مندفعًا حتى اصطدم بالحارس.
ضرب «فهد» أحدَهم ضربةً قوية فتألَّم بشدة، ثم وقع على الأرض … في نفس الوقت الذي كان فيه الآخر قد أمسك بذراع «هدى» ودار بها دورتين، لكن «فهد» تلقَّاه قبل أن يقوم بحركته الخطافية، فضربه بقدمه فانقلب على وجهه في الرمال … وقفزت «هدى» بعيدًا. التفت «فهد» خلفه، فلم يجد الرجل، فقد كان الظلام فرصةً طيبة للهرب. رقد «فهد» على الأرض، ثم ألصق أُذنه بالرمال، فسمع وقْعَ خطوات تبتعد بجهد، في اتجاه الغرب، فأسرع في نفس الاتجاه، ثم أطلق صفيرًا متقطعًا … فسمع الرد من «عثمان»، الذي كان يطارد أحدهم.
كان «أحمد» قد استطاع ضرْبَ «والتر» بكلتا يدَيه فوق رأسه، مما جعله يسقط مغشيًّا عليه، فأوثق يدَيه ثم جرَّه حتى الكوخ، فأدخله فيه. في نفس اللحظة دخل «عثمان» وهو يسوق أمامه آخر … سمع الاثنان نداءً عاليًا، عرفَا أنه صادرٌ من «هدى» … جرَى «أحمد» في اتجاهها … فوجدها ملقاةً على الأرض، نظر حوله فلم يرَ أحدًا … عرف أن آخر قد فرَّ، فأطلق صفير الشياطين … ردَّ «فهد» بنفس الصفير، بمعنى أن رجلًا اختفى، أسرع «أحمد» بإسعاف «هدى» التي أفاقت على الفور ثم قال: إلى الكوخ … إن أمامنا مطاردةً مثيرة!
أسرعَت «هدى» إلى الكوخ … وأسرع «أحمد» في اتجاه الرجل … فكَّر أن يُطلقَ طلقةً مضيئة تكشف المكان، لكنه تراجع مؤقتًا. أخرج البوصلة، ثم أدار أحدَ أزرارها فتحرَّك السهم إلى الغرب، عرف أن الرجل في مكان قريب. أخرج مسدسه، ثم أطلق طلقة بلا صوت … فجأةً صرخ الرجل، فأخذ «أحمد» اتجاه الصرخة. كان يتقدم بحذر خشيةَ أن تكون الصرخة مجردَ كمين يمكن أن يقع فيه، أطلق صفير الشياطين مرة أخرى، جاءه الردُّ من «فهد» أن الرجل غير موجود … كان هذا يعني فشلَ المهمة … أطلق صفيرًا آخر بمعنى «اقترب مني».
كان يتقدم في نفس الاتجاه الذي جاءت منه الصرخة … فجأةً … شعر وكأن حائطًا وقع فوقه … لقد قفز الرجلان معًا فوق «أحمد»، فوقع بهما على الأرض … وقبل أن يتمكن أحدهما من القيام، كان قد قفز قفزةَ الثعبان، فأصبح على قدمَيه، ثم دار دورة كاملة، ثم ضرب الاثنين بكلتا قدمَيه، فدارَا بقوة الضربة، فعاجل أحدهما بلكمة قوية، إلا أن الرجل تحمَّلها، ثم ضرب «أحمد» «ضربة» خطافية، جعلَته يتراجع، ويكاد يتهاوَى … في نفس اللحظة كان «فهد» قد وصل، فأسرع إلى أحد الرجلَين، وكان يفكِّر في الجري … طار «فهد» وألقى بنفسه فوق الرجل، إلا أن الرجل كان قد أحس بحركة «فهد»، فتراجع دفعة واحدة، جعلَت «فهد» يسقط فوق الرمال. ألقى الرجلُ نفسَه فوق «فهد» الذي كان قد رفع قدمَيه وضرب الرجلَ بهما معًا، فاصطدمَا بوجهه، فاندفعت الدماء بقوة جعلَت الرجل يتهاوى على الأرض، وهو لا يعي شيئًا، وأسرع «فهد» إليه، فقبض عليه. وفي نفس اللحظة كان «أحمد» قد أوثق الرجل الآخر، ثم وقف الاثنان يشمَّان هواء الليل البارد، ليشعَرا بالقوة، غير أنهما لم يكادَا يفعلان ذلك، حتى جاءهما صفيرُ الشياطين، عرف «أحمد» أنه صفير «هدى» … كان معنى الصفير: لقد هرب الرجلان!
أرسل «أحمد» صفيرًا إلى «هدى» يسأل: أين «عثمان»؟
أجابت «هدى»: إنه يطاردهما. فنظر «أحمد» إلى «فهد» وقال: عليك بحراسة الرجلَين وسوف ألحق ﺑ «عثمان»، واستدعِ «هدى» إليك.
بينما كان «أحمد» يتقدم في الليل … كان قد أرسل صفيرًا إلى «هدى» يطلب إليها الحضور إلى «فهد»، ثم اندفع في طريقه. فكَّر «أحمد» أن الرجلين إذا وصلَا إلى المدينة، فسوف يندسَّان في زحام البيوت، ويمكن أن يختفيَا في أي مكان، فحاول أن يتقدم بسرعة بالرغم من أن الرمال كانت تعوق تقدُّمَه.
فكَّر أن البوصلة يمكن أن تكشف مكانهما إذا كانَا قريبَين، فأخرج البوصلة ثم أدارها وأرسل صفير الشياطين … جاءه الردُّ من «عثمان» وكان الرد يقول: إنهما أمامي مباشرة أنا موجود عند النقطة «د». فضبط مؤشر البوصلة على النقطة «د» فأضاءت ضوءًا خافتًا، فأخذ اتجاه السهم … وانطلق.
وفي الأفق، كان الهلال الوليد يظهر صغيرًا، فأرسل ضوءَه الضعيف إلى الوجود، وبدأت الأشياء تظهر خافتة، شاحبة … وقريبًا منه، رأى «عثمان» يعدو، فأرسل صفيرَه إليه. أجاب «عثمان»: إنهما أمامي مباشرة. وأرسل «أحمد» نظرةً في نفس الاتجاه، فشاهد الرجلان يندفعان بسرعة، فأخرج مسدسه ثم أطلق طلقة مخدرة. لحظة، ثم سقط أحد الرجلين. غير أن الآخر، كان قد اقترب من مباني المدينة، وقبل أن يندفع في أحد الشوارع كانت طلقة أخرى قد انطلقت … فاختفى الرجل. اقترب «أحمد» من الرجل الأول، فوجد «عثمان» يقف بجواره … تركه «أحمد» واستمر في عَدْوه، حتى بداية المباني وكان الرجل الآخر يرقد مكومًا … اقترب «أحمد» منه ثم حمله على كتفَيه، وعاد به … كان الرجل ثقيلًا، إلا أن «أحمد» ظل متقدمًا به حتى وصل إلى «عثمان». ألقى الرجلَ بجوار الآخر وقال: إن أحدهما «والتر» قائد المجموعة. وكيف تركتَه يهرب منك؟
عثمان: لقد خدعني أحدهما … وكنت أظن أنه قد فقد حياته إلى الأبد!
أحمد: ينبغي أن نلحق بالآخرين.
حمل كلٌّ منهما صيدَه، وعادَا في بطءٍ … كانت المسافة طويلة … وكان الهلال الوليد قد وقف فوق الأفق لا يبرحه … قال «أحمد»: إنه هلال أول الشهر، وسوف يختفي بعد قليل.
ظلَّا في تقدُّمِهما، حتى شعرَا بالتعب. قال «عثمان»: ينبغي أن تتوقف قليلًا … إنني أشعر بالإجهاد. فالرجل ثقيلٌ للغاية.
أنزلَا الرجلَين، وجلسَا فوق الرمال. أرسل «أحمد» صفير الشياطين يسأل «فهد»، وظل ينتظر الردَّ للحظات إلا أن الردَّ لم يأتِ … نظر إلى «عثمان» وقال: يبدو أن شيئًا قد حدث!
أرسل الصفير مرة أخرى، ولم يأتِ الردُّ فقال: ينبغي أن أذهب إليهما، وعليك بحراسة الرجلَين، إن أيًّا منهما لن يستيقظ قبل نصف ساعة … سوف أعود حالًا.
انطلق «أحمد» يعدو بسرعة … حتى إذا اقترب … توقَّف فجأةً … فقد شاهد ما لم يكن يخطر له ببال.