صراع … في الأعماق
لقد كانت هناك مجموعة من الرجال، يقتادون «فهد» و«هدى» إلى البحر … وقف يفكر لحظة، ثم أطلق صفيرًا متقطعًا … ردَّ عليه «عثمان» ولم تمضِ لحظات حتى كان «عثمان» يقترب عَدْوًا … ولم يكَد يصل حتى قال: لقد أوثقتهما جيدًا.
أشار «أحمد» في اتجاه الرجال، وقال: انظر!
نظر «عثمان» إلى حيث أشار «أحمد»، وظهرت على وجهه الدهشة، وقال: ما هذا؟ … هل خُدعنا؟
أحمد: يبدو أنهما مجموعتان. واحدة تنزل بعد الأخرى؛ ضمانًا لتفادي لأي خطأ … ويبدو أن تفكيرهم كان صحيحًا.
انتظرَا لحظة، فرأيَا المجموعة أمام قوارب من المطاط وقد نُفِخت بسرعة، ثم بدءوا يركبونها، وهمس «أحمد» يجب أن يفعل «فهد» شيئًا!
لم يكَد «أحمد» ينتهي من جملته، حتى كان أحد القوارب يتمايل … حتى ملأه الماء.
همس «عثمان»: لقد بدأ «فهد»! … وحدثَت جلبةٌ فتقدَّم «أحمد» و«عثمان» زحفًا حتى لا يلفتَا النظر … وأخذَا يقتربان أكثر فأكثر. فجأةً، وجد «أحمد» الحارس، وقد أجهزَت عليه العصابة.
اهتز للمنظر لحظة، لكنه استمر فأخرج مسدسه الكاتم للصوت، ثم صوَّبه في اتجاه أحد القوارب وأطلقه.
أصابَت الطلقة جسم القارب، فانفجر … وسقط مَن فيه في الماء. أسرع «عثمان» هو الآخر وأطلق طلقة، فانفجر الآخر. تعالَت الضجة قليلًا، لكنهم كانوا حريصين على ألَّا تكشفَهم صيحاتُهم. وفجأةً دوَّت طلقةٌ بجوار «أحمد»، وانغرست في الرمال، فهمس ﻟ «عثمان»: يجب أن نصل إلى الماء بسرعة.
أخذَا يزحفان مبتعدين عن مكان العصابة، حتى نزلَا الماء … أخرج «أحمد» أنبوبة صغيرة، فجذب منها أنبوبة أخرى … وثالثة، ورابعة حتى أصبح طولُها أكثرَ من متر ونصف … ثم وضع طرفَها المائل بزاوية قائمة في فمه، وغطس في الماء. وكما فعل «أحمد» فعل «عثمان» … ولم يكن لهما من أثر، سوى ما يظهر من الأنبوبة على سطح الماء، حتى يتمكَّنَا من التنفس … أخذَا يقتربان من العصابة التي كانت تتجه إلى أعماق بحر «المرجان» … ثم فجأةً أصبحَا بينهم تمامًا. أخرج «أحمد» حبلًا رفيعًا من السلك اللين … ثم قذف به حول وسط أحدهم، فالتفَّ السلك، ثم جذبه «أحمد» بقوة فصرخ الرجل فزعًا: أسماك القرش تهاجمنا.
حدَث هرجٌ بين أفراد العصابة، فأرسل «أحمد» سلسلة من الموجات، جعلَت «هدى» تنظر إلى «فهد» … كان الاثنان مربوطَين، يجلسان في قارب مطاطي … أرسلَت «هدى» صفيرًا، فَهِمه «فهد»، فعرف أن «أحمد» و«عثمان» في الماء تحتهما مباشرة … كانت هناك عدة قوارب مطاطية أخرى. أخرج «أحمد» سكينًا، وثقب أحدَها، وبدأ الماء يندفع في القارب، فصاح أحد أفراد العصابة: إن الأسماك المتوحشة تهاجم القوارب!
صاح آخر: يجب أن نعود إلى الشاطئ، فليس أمامنا شيءٌ نحتمي به … والأسماك تزداد كلما تقدمنا أكثر.
بدأت القوارب تعود إلى الشاطئ … اقترب «عثمان» من أحدهم، ثم أصابه بخنجره فاندفع الماء، وبدأ الرجال يسقطون … اقترب «أحمد» من قارب «فهد» ثم أرسل الموجات … فتحفز الشياطين. أصاب قاربهما بالخنجر فاندفع الماء، وألقى «فهد» و«هدى» بنفسَيهما في الماء … كان «أحمد» أسرع إليهما … فقطع وثاقهما بالخنجر … وفي الأعماق كانت تدور أغرب محادثة بالأيدي.
كان «فهد» قد بدأ يركب أنبوبته … وفعلَت «هدى» مثله، وعن طريق اللمس، قال «أحمد»: اتجِهْ فورًا إلى الشاطئ، ونفِّذ الخطة «أ».
أسرع «فهد» مندفعًا إلى الشاطئ … بينما كان «أحمد» و«عثمان» و«هدى» يرقبون تقدُّمَ الرجال كلهم إلى الشاطئ خوفًا من الأسماك … أخذ الشياطين يقلدون حركة سمك القرش، بتلك الدوامات المائية التي يُحدثها، ومع كل دوامةٍ يرتفع الضجيج … ثم اقترب «أحمد» من أحدهم، وأخرج خنجره وجرحه في ساقه؛ صرخ الرجل واندفعت الدماء منه … امتلأ أفراد العصابة بالذعر، وصاح الرجل: ما دامت الدماء قد ظهرت، فإن أسماك القرش سوف تهاجمنا بضراوة. إن الدماء تُثيرها، أسرعوا إلى الشاطئ.
كانت لحظة مثيرة؛ الشياطين في الأعماق دون أي مقاومة أو اشتباك، والعصابة عند السطح، تأخذ طريقها إلى مصيرها المحتوم.
فجأةً، شاهد «عثمان» أحد أفراد العصابة، يأخذ طريقه إلى الأعماق، وهو يجدف بذراعَيه ورِجلَيه. ارتسمت الدهشة على وجه الرجل، ثم طفَا على السطح وصاح: إننا أمام مخلوقات غريبة.
كانت الأصوات تتردد فيسمعها الشياطين … سأل أحدهم: ماذا هناك؟
فردَّ الآخر: هناك رجال في الأعماق!
وفجأةً، اندفع عدد من الرجال إلى الأعماق. كانوا يلبسون نظارات الماء، ويُمسكون الخناجر، وعرف الشياطين أنهم مُقبِلون على معركة رهيبة، فغاصوا في أعماق أبعد … وبدأت المطاردة. فجأةً … ظهرت أمامهم صخرة مرجانية، ذات شعب مسنونة، كأنها الحراب … أرسل «أحمد» إشارة تقول: احذروا الشعب المرجانية إنها ممكن أن تكون مصيدة لنا … أو لهم.
كان الرجال يقتربون … بينما أخذ الشياطين طريقَهم مندفعين في اتجاه الشعب المرجانية … حتى إذا اقتربوا منها، بدءوا يأخذون طريقهم إلى السطح، وتناهَت إلى سمعهم صرخة … عرف الشياطين أن أحد رجال العصابة قد اصطدم بالشعب المرجانية، وأن هذه نهايته … كانت مجموعة أخرى قد أخذت طريقها خلف الشياطين، في نفس الوقت الذي استمر فيه الشياطين … إلى السطح.
نظر «أحمد» إلى أسفل ثم ظهرَت الدهشة على وجهه، لقد اصطبغ الماء بلونٍ أحمرَ قانٍ. عرف أن أسماك القرش قد وصلت إلى العصابة …
أشار إلى الشياطين، فرأوا المنظر … كان يبدو الصراع بين أسماك القرش وأفراد العصابة عنيفًا. ثم أصبح الشياطين فوق سطح الماء، كان الشاطئ يبدو غير بعيد، كانت مجموعة أخرى من أفراد العصابة … تأخذ طريقها إلى الشاطئ …
قال «أحمد»: لقد انتهت مجموعة الأعماق … قامت أسماك القرش بدورها معهم.
ابتسمت «هدى» وقالت: أسماك الشياطين!
أخذوا يتقدمون سباحةً. لكن فجأةً، صاح «أحمد»: احذروا. هناك سمكة قرش خلفنا تمامًا.
استعد «أحمد» ثم تنفَّس نفَسًا عميقًا … وغطس في الماء … ظل الشياطين ينظرون في اتجاه سمكة القرش، التي كانت تأتي مندفعةً في اتجاههم … وهي تُثير الموجات العالية، ثم فجأةً، ارتفعت موجة عالية، حتى إن الشياطين لم يرَوا ما خلفها … وعندما هدأت الموجة، شاهد الشياطين بُقَع الدماء تطفو فوق السطح … علَت الدهشةُ وجوهَهم، كانوا ينظرون في فزع … فجأةً سمعوا صفارات متتالية، التفتوا تجاهها وكانت لنشات شرطة الساحل تأخذ طريقها إليهم … قالت «هدى»: إن «أحمد» لم يظهر بعد!
عثمان: «يبدو أنه …» لكن لم يُكمل كلامه …
هدأ الموج وبدأت بُقَع الدماء تنتشر على السطح، فجأةً خرج «أحمد» بجوارهم صاحت «هدى»: «أحمد»!
رفع «أحمد» إصبعَيه علامة النصر … وقال: أول قرش!
اقتربت اللنشات، حتى توقَّف أولها عندهم … كان ضوء النهار قد بدأ ينتشر، وكان أفراد العصابة يقتربون من الشاطئ. أشار «أحمد» في اتجاههم، فابتسم قائد اللنش وهو يقول: إن زملاءَنا في انتظارهم.
وعندما أصبحوا داخل اللنش، قدَّم لهم القائد نظارة مكبرة، وضعها فوق عينَيه ثم بدأ يرى التفاصيل أكثرَ وضوحًا … كانت هناك مجموعة كبيرة من رجال شرطة الساحل يقفون ببنادقهم … وكان يقف بينهم «فهد» الذي رفع يدَه بالتحية.
اقترب اللنش من المرساة التي يقف عندها … كان رجال الشرطة قد قبضوا على العصابة … وعندما كان القائد يقدِّم شكرَه ﻟ «أحمد»، قال «أحمد»: إن هناك مسألة أخرى!
ثم أخذ طريقه إلى الشاطئ، وبجواره الشياطين، والقائد وبعض الشرطة … وعند نقطة معينة وقف بجوار علامة مميزة ثم قال: فليحفر أحدٌ هنا.
بدأ بعض رجال الشرطة يحفرون، ثم ظهر صندوقٌ متوسطُ الحجم، مغطًّى بالقصدير.
قال «أحمد»: هذه مفرقعات العصابة … لا بد أنهم قد أخفَوا أكثر من واحد.
رفع الشياطين أيديَهم بالتحية، وهم يغادرون الشاطئ. وفي فندق «فيكتوريا» أرسلوا رسالة إلى المجموعة «ط/ن»: لقد هزمنا الفريقَ الآخر. إلى اللقاء.
وفي اليوم التالي … كانوا في الطريق إلى الطائرة … في طريق العودة … ولكن حدَث شيءٌ جعلهم يبتعدون بسرعة … ليبدءوا جولة أخرى مع «سادة العالم».