حور محب على عرش الملك
يدل ما كُشف عنه من آثار باقية حتى الآن على أن الملك «آي» السالف الذكر لم يحكم أكثر من خمس سنوات، كما أننا لم نعرف من آثاره كذلك كيف كان مصيره، فهل مات حتف أنفه أو أعلن عليه القائد الأعلى للجيوش «حور محب» العصيان وقتله؟
وتدل ملابسات الأحوال على أن الرأي الأخير هو المرجح؛ إذ كان «لحور محب» بلا شك شيعة يناصرونه في «طيبة» على الرغم من أنه كان قد اختار «منف» مقره بوصفه قائدًا للجيوش المصرية، وكذلك بوصفه الوصي على الفرعون «توت عنخ آمون» مدة حياته. وقد كان «حور محب» صاحب رأي صائب وفطنة سديدة في اختياره هذا؛ إذ كانت «طيبة» في الواقع بعيدة عن وسط الملك، وعن الإمبراطورية الآسيوية التي كان يريد أن يعمل جهده لاستردادها لمصر كاملة بعد أن أضاعها «إخناتون» لاشتغاله بإصلاحه الديني العظيم.
شبابه
يعيش «حور»، الثور القوي، حاضر الخطط، محبوب الإلهتين، عظيم المعجزات؛ في «الكرنك»، حور الذهبي، الراضي بالصدق، منشئ الأرضين، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، رب الأرضين، «زسر خبرو رع» «ستبنرع» ابن الشمس، رب التيجان، محبوب «آمون» «حور محب»، ومحبوب «حور» سيد «حت نسوت» … ثور والدته، وابن «آمون» ملك الآلهة، وهو الذي نشأه «حور» بن «إزيس» وحرسه، كما كان بالحامي لأعضائه. ولما خرج من الفرج كان متقمصًا القوة، وكانت تعلوه صبغة الإله، وقد صنع … ومن يحني له الذراع وهو لم يزل طفلًا، ومن يقدم له الطاعة العظماء والصغار … الطعام وما يؤكل، وهو لا يزال طفلًا، بدون نصيحته … عظيم أمام الأرض كلها، ومن كانت في لونه صورة إله، ومن كانت فيه قوة والده «حور» وقد وضع نفسه وراءه (حماية)، والناس قد أحضروا كل … وقد عرف يوم رضاه ليمنحه مملكته.
تعيينه في الوظيفة
تأمل! إن هذا الإله قد رفع شأن ابنه أمام الأرض قاطبة، وأراد أن يمد في خطاه حتى حلول اليوم الذي يجب أن يتسلم فيه وظيفته، وكان قلب الملك راضيًا بشئونه، ومسرورًا باختياره، وقد نصبه ليكون رئيس الأرض، وليدبر قوانين الأرضين بوصفه أميرًا وراثيًّا على هذه الأرض كلها، وقد كان فذًّا منقطع القرين، وكان الناس يسيرون على حسب أمره، وقد أدهش الناس بما خرج من فمه. وعندما كان يطلب للمثول أمام الفرعون كان الخوف يدب في القصر. وعندما كان يفتح فمه، وعندما كان يجيب الملك فإنه كان يسره بما كان يخرج من فيه، وهو الوحيد الممتاز الذي لا مثيل له.
… وكانت كل خطوة له هي خطة «إبيس» (تحوت) وقراراته جزء من قرارات رب «الأشمونين» وكان ينعم بالعدالة مثل «خنتي» (الإله أوزير)، وقلبه مسرور بها مثل الإله «بتاح»، وكان عندما يستيقظ في الصباح يعطيها حقها. والطريق … أحواله. وأما من كان يسير على نهجها (العدالة) فإنها هي التي كانت تحميه على الأرض مخلدًا.
تعيينه نائبًا للملك
تأمل! لقد أدار شئون الأرضين سنين عدة، وكان المراقبون يبلغونه … وانحنى المجلس أمام أبواب القصر خضوعًا له كما كان يأتي إليه هناك رؤساء الأقواس التسعة والجنوب والشمال، وكانت أيديهم تبسط في حضرته مقدمين لمحياه التحيات كما يقدم لإله (ملك)، وكل شيء يُنفذ كان بأمر منه. وعندما كان يحضر كان الخوف منه عظيمًا في أعين الناس، وكان الفلاح والصحة يطلبان إليه، كما كان يُرحب به بوصفه والد الأرضين والممتاز النصيحة التي وهبها إياه الإله ليدبر …
تتويج «حور محب» في طيبة
وبعد أن انقضت عدة أيام على ذلك عندما كان أسن أولاد «حور» هو الرئيس، والأمير الوراثي في كل هذه الأرض، تأمل! فإن هذا الإله الفاخر «حور» رب «حت نسوت» كان قلبه يتوق إلى أن يمكن ابنه على عرشه الأبدي، وقد أمر … «آمون» وقد سار «حور» نحو «طيبة» مدينة رب الأبدية في ابتهاج، ومعه ابنه في أحضانه إلى «الكرنك» ليقدمه أمام «آمون»، ليقلده وظيفة الملك، وليقضي حياته ملكًا، تأمل، لقد حضروا في ابتهاج في وقت عيد الأقصر الجميل. وقد رأى «آمون» جلالة هذا الإله «حور» رب «حت نسوت» ومعه ابنه بوصفه ملكًا فقدمه ليمنحه وظيفته على العرش، تأمل! فإن «آمون رع» كان مفعمًا بالسرور عندما شاهده آتيًا في يوم تقديم قربانه. وبعد ذلك قدَّم نفسه لهذا الأمير، والحاكم الوراثي، ورئيس الأرضين «حور محب».
زواج «حور محب» من الأميرة «موت نزمت»
وتوجه «آمون» نحو القصر وأتى به؛ أي (الملك) أمامه إلى محراب كبرى بناته، فقدمت له الخضوع، وقبلت جماله وقعدت أمامه.
فرح الآلهة بهذا التتويج
وكان الآلهة أسياد «حجرة النار» في ابتهاج بسبب هذا التتويج، كما أن الآلهة «نخبت» و«بوتو» و«نيت» و«إزيس» و«نفتيس» و«حور» و«ست» وكل تاسوع الآلهة الذين يشرفون على العرش العظيم قد رفعوا أكف المديح حتى عنان السماء، مبتهجين برضاء «آمون». تأملوا! إن «آمون» قد حضر وابنه أمامه إلى القصر ليضع تاجه على رأسه، وليطيل له حياته كلها، ولقد اجتمعنا سويًّا لأجل أن نمكن له. دعنا نعد له كل حلي «رع» (أي التي كان يتحلى بها «رع» عندما كان ملكًا على مصر)، ودعنا نشكر «آمون» من أجله: لقد أحضرت لنا حامينا، فامنحه أعياد «رع» الملكية الثلاثينية وهي سني «حور» بوصفه ملكًا؛ لأنه هو الذي سيرضي قلبك في وسط «الكرنك»، وكذلك في «هليوبوليس» وفي «منف»، وإنه هو الذي سيجعلها في بهاء.
الإلهة تقرر ألقاب «حور محب»
دع الاسم العظيم لهذا الإله الطيب وألقابه تُكتب مثل اسم جلالة رع كما يأتي: (١) «حور»: الثور القوي، حاضر الخطط، محبوب الإلهتين، عظيم المعجزات في «الكرنك»، «حور» الذهبي، الراضي بالصدق، وخالق الأرضين، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، «زسر خبرو رع» «ستبترع»، ابن «رع»، محبوب «آمون» «حور محب» معطي الحياة.
العيد في الأقصر
وبعد ذلك خرج هذا الإله المبجل «آمون» ملك الآلهة إلى خلف قصره، وأمامه ابنه، فضم جلالته وهو متوَّج بتاج الملك ليسلطه على ما يحيط به قرص الشمس، والأقواس التسعة تحت قدميه، والسماء في عيد، والأرض في فرح، وقلوب تاسوع آلهة مصر سعيدة. تأمل! لقد كانت كل الأرض في سرور، وعلت أصواتهم حتى السماء، والعظماء والسوقة أخذوا في أسباب المسرات، والأرض كلها كانت في ابتهاج. وبعد الانتهاء من عيد الأقصر هذا عاد «آمون» ملك الآلهة في سلام إلى «طيبة».
إصلاح المعابد
وبعد ذلك انحدر جلالته في النيل كأنه صورة الإله «حوراخن». تأمل! فإنه قد نظم شئون هذه الأرض؛ إذ أعاد العدالة فيها كما كانت في عهد الإله «رع»؛ فأصلح المعابد من أول بِرَك المستنقعات (في الدلتا) حتى بلاد النوبة، ونحت تماثيل لهم عددها أكثر من ذي قبل، وزاد في جمال في ما قد صنعه. وقد فرح عندما رآها بعد أن كان قد وجدها أخنى عليها البلى فيما سلف، ورفع بنيان معابدهم (الآلهة)، وسوى مائة صورة بأجسامها محكمة الصنع من كل حجر ثمين فاخر، ثم بحث عن حدود أملاك الآلهة التي كانت في الأقاليم في هذه الأرض، ثم أمدَّها بما كانت تُمد به منذ الزمن الأزلي، وخصص لهم قرابين يومية، أما أواني المعابد جميعها، فقد صُنعت من الفضة والذهب، وجهزها (المعابد) بالكهنة المطهرين والكهنة المرتلين، وبخيرة رجال الجيش، ومنحهم أراضي وماشية مجهزة بكل جهازها.
الصلاة للملك
فكانوا يستيقظون مبكرين لينشدوا لرع الأغاني في صباح كل يوم: ليتك ترفع لنا من شأن مملكة ابنك الذي يرضي قلبك «زسر خبرو رع» «ستبترع» «حور محب». ليتك تمنحه عشرة آلاف من الأعياد الثلاثينية الملكية، وتجعله منتصرًا على الأراضي كلها مثل «حور بن إزيس» بقدر ما أبهج قلبك في «هليوبوليس» متحدًا مع التاسوع المقدس.
وقد تغاضى «حور محب» بعد أن وصف لنا حياته قبل تولي العرش عن التحدث إلينا عن كيفية توليه الملك، بل قال: «بعد أن انقضت عدة أيام على ذلك عندما كان بكر أولاد «حور» هو الرئيس الأعلى والأمير الوراثي … إلخ.» ونسب نفسه بأنه ابن الإله «حور» إله «حت نسوت»، وهي بلدة من أعمال المقاطعة الثامنة عشرة من مقاطعات الوجه القبلي، ثم جعل هذا الإله المحلي يقوده إلى «طيبة» ليتوَّج على يد ملك الآلهة «آمون رع» الذي كان يُعد الإله الأعظم للدولة، وهو الذي ناضل من أجله «حور محب» ليعيد مجده، وقد قبل هذا الإله العظيم أن يزوِّجه من ابنته «موت نزمت» التي لا نعرف لها نسبًا قط، ولا يبعد أنها كانت من البيت المالك لتكون محلِّلًا ومبررًا لاعتلاء «حور محب» عرش الملك. ولا نزاع في أن مثل هذا الزواج الذي تمَّ على هذه الكيفية يُعد ابتكارًا جديدًا من الابتكارات التي كان يخترعها ملوك مصر لجعل شرعيتهم لتولي الملك قانونية في نظر الشعب، فها نحن نجد هنا إله مقاطعة يقود أحد أبنائها إلى الإله الأعظم ليزوِّجه من ابنته، وليس لهذا الملك الجديد أي مبرر لاعتلاء العرش إلا قوة ذكائه ومعاضدته لكهنة «آمون» الذين عضهم الدهر بنابه فترة لا يُستهان بها في عهد «إخناتون» وخلفه، هذا إلى أنه كان صاحب القول الفصل في الجيش الذي كان يشد أزره، ويسيطر على البلاد به، ثم تُوج «حور محب» ملكًا على البلاد، وقد كان ذا فطنة في اختيار ألقابه؛ إذ جعلها تنسجم مع مقتضيات الأحوال التي وُجد فيها؛ فوصف نفسه بأنه حاضر الخطط، وأنه عظيم المعجزات في «الكرنك»؛ مشعرًا الكهنة بأنه سيقوم في هذا المعبد بالأعمال المدهشة إكرامًا لوالده «آمون». ثم قال لنا إنه خالق مصر، وهذا حق كذلك؛ لأنه قد أحياها بعد أن صارت كأن لم تغنَ بالأمس، وأعاد لها شيئًا كثيرًا من مجدها في الخارج بالفتوح، وفي الداخل بإصلاح قانونها، وبناء معابد الآلهة التي قضى عليها «إخناتون». وبعد التتويج أُقيمت الأفراح والأعياد، ودعا الآلهة لهذا الملك العظيم. ولم تكد تنتهي هذه الأعياد التي كانت منتشرة في طول البلاد وعرضها حتى امتطى «حور محب» متن سفينته، وانحدر في النيل ليتفقد أحوال المعابد المخربة والتماثيل المهشمة؛ فأعاد لها بهجتها، وزاد فيها عما كانت عليه، وحبس عليها الأوقاف، وحفظ لها أملاكها؛ مما جعل طائفة الكهنة تلهج بذكره وتتمدح بعظيم أعماله، ويقيمون له الصلوات في كل أمهات المدن على لسان الآلهة.
(١) حالة البلاد عند تولي حور محب
والواقع أن حالة البلاد عندما اعتلى العرش الملك «حور محب» كانت لا تبعث على الرضى. حقًّا كان أخلاف «إخناتون» قد أخذوا في إعادة امتيازات «آمون» التي كان يتمتع بها من قبل، غير أن الأحوال في داخل البلاد وخارجها كانت غاية في الارتباك لا من الناحية الدينية وحسب، بل كذلك من الناحية السياسية، وبخاصة التطاحن على عرش الملك بعد موت «إخناتون». ولسنا مبالغين إذا قلنا إن ديانة «إخناتون» على الرغم من عدم حب الشعب لها لبعدها عن تقاليدهم الموروثة كانت قد تأصلت في نفوس فئة عظيمة من المفكرين، وتركت أثرها في نواحٍ كثيرة من حياة القوم؛ ولذلك نجد أن هذه الفئة مع عودتهم إلى ديانة الآباء القديمة فإنهم لم يفعلوا ذلك عن طيب خاطر، بل دفعهم إلى ذلك سيل التحول الجارف، فتمشوا مع الأحوال السياسية؛ إذ الواقع أن بعض أخلاف «إخناتون» كانوا يعتنقون ديانته، وإن لم يكونوا من جنوده الظاهرين، وحتى «حور محب» نفسه لم يتحول بسرعة إلى ديانة «آمون»، وقد كان معبد «آتون» البغيض لم يزل قائمًا جنبًا لجنب مع معبد «آمون» في الكرنك فكان ذكرى أليمة لأتباعه.
وقد كان العمل الذي شرع فيه «حور محب» في «طيبة» بحماس وغيرة وإخلاص يسير بنفس القوة وبنفس الحماسة في جميع أنحاء الوادي دون هوادة وبلا انقطاع، وهذا هو ما قصه علينا في لوحة تتويجه.
فإذا كانت مقابر ملوك الأسرة الثامنة عشرة تُنتهك حرمتها على الرغم من شدة حراستها والقيام عليها في ذلك الوقت؛ فأي فوضى تكون أبشع من هذه!
(١-١) إصلاح القوانين
وكذلك لم يكن عهد «حور محب» محصورًا في إصلاح المباني وإقامة أخرى جديدة لإرضاء كهنة «آمون»، بل كانت لديه مهمة شاقة أقضَّت مضجعه وشغلت باله؛ لأنها كانت تمس نظام الحكم ونزاهته، وحسن سيره؛ وذلك أن التراخي المشين، والتهاون المخزي، والتغاضي المقصود في ملاحظة الموظفين وما يرتكبونه من اختلاسات؛ كل ذلك كان من خصائص عهد «إخناتون» وأخلافه في داخل البلاد وخارجها؛ مما أضاع أملاكها في الخارج وأتعس أهلها في الداخل، يُضاف إلى ذلك أن رجال الجيش كانوا يعيثون في الأرض فسادًا، وبخاصة أنهم كانوا منتشرين في طول البلاد وعرضها في تلك الفترة التي أصبح فيها لرجال الجيش السيطرة التامة على مرافق الحكومة ووظائفها كما شرحنا ذلك من قبل، وهذه الرذائل التي تكون دائمًا عرضة للتفشي في وقت الانقلابات العظيمة كانت قد استفحل خطرها، وامتد طغيانها إلى حد مشين في مصر وممتلكاتها. فقد كان الموظفون المحليون والجنود الذين كانوا بعيدين عن أعين مفتشي الحكومة المركزية يتمتعون بحياة ناعمة بما ينتزعونه من أفراد الشعب الذين كانوا يرزحون تحت عبء الظلم أمدًا طويلًا حتى أصبح النظام المالي والإداري مفعمًا بالرشوة والاختلاس من كل صنف، وعلى الجملة فالبلاد قبل عهد «حور محب» كانت متعطشة إلى العدالة، وكان الفساد ضاربًا بأعراقه في نواحي الحياة المختلفة، ومظاهر الظلم والعسف كانت منتشرة في ربوع المملكة المصرية؛ ومن أجل ذلك كانت ألقاب العدالة من أبرز الألقاب التي تمدح بها جلالته في لوحته، ومن أجل ذلك أيضًا قضى ليله ونهاره في البحث عما كان صالحًا لأرض الكنانة؛ فتعقب الظلم والإثم، وقضى عليهما في مظانهما، وقطع دابر الكذب والرشوة، وكَتَب جلالته بيده دستور العدالة، وأشرف بنفسه على تنفيذه.
ولا بد أن «حور محب» كان قد وقف بنفسه على نواحي الخلل والفساد في الدولة وهو لا يزال موظفًا، فوضع لكل حالة قانونًا يكفل رد الأمور إلى نصابها الصحيح، ويعرِّض من يحاول الخروج عليه لعقوبات مادية تناله في جسمه أو في ماله أو في كليهما ببتر عضو من أعضائه، أو بالقضاء عليه فوق ذلك بالإبعاد والنفي، وردِّ الرشوة المغتصبة.
ويظهر أن الطريقة التي كانت متبعة في جمع الضرائب هي أن يحمل كل مواطن ما فُرض عليه من ضرائب في سفينته ويوصلها إلى الفرعون، ويظهر كذلك أن السفن كانت تتعرض كثيرًا لأعمال السلب والنهب، وكان هذا لا يحرك ساكنًا عند أولياء الأمور في الدولة المنحلة المتداعية قبل عهد «حور محب»، ولا يُعفى المسلوب من دفع الجزية، فجاء «حور محب» فعرَّض المعتدي الأثيم لعقوبة تتمثل في جدع أنفه ونفيه إلى «سيلا» (تل أبو صيفه الحالية)، وعد المعتدى عليه مُعافًى من دفع الجزية.
وإذا وجد الموظف مواطنًا بدون سفينة يريد توريد ما فُرض عليه من جزية، فإنه يجب على ذلك الموظف أن يحصل له على سفينة من أي مواطن آخر؛ لأن كل مواطن يجب عليه أن يخدم الفرعون مهما حدث.
ولا نستغرب على «حور محب» بعدما رأينا غيرته الدينية أن ينظر إلى أملاك المعابد والالتزامات التابعة لها نظرته إلى شيء مقدس، وأنه كان يحيطها بسياج منيع من القدسية والجلال حتى جعل أي اعتداء على الضرائب التي تخصها اعتداءً على حق مقدس يُعد مرتكبه مجرمًا يُعاقب بنفس العقوبات السابقة.
ولم تكن قوانين «حور محب» مدنية فحسب تحدد علاقات بعض الوطنيين ببعض، بل كانت شاملة للقوانين الدستورية التي تحدد علاقة الفرد بالسلطة الحاكمة، وكان أفراد الشعب كثيرًا ما يتعرضون لحيف طبقة الموظفين الذين كانوا محميين بسلطانهم ونفوذهم — كما هي الحال في كل عصر — فجعل لكل موظف يخرج عن حدود سلطته أو يسيء استعمالها عقوبة تتناسب وجرمه؛ فأي موظف يحاول الاستيلاء على نبات «كث» بدون حق مشروع أو يستدعي لتنفيذ مآربه عبدًا أو عبيدًا بدون رغبة سيدهم، فإن هذا العمل من شأنه أن يعرِّض هذا الموظف للعقوبة.
وطالما وقع الأهلون فريسة لرجال الإدارة الذين كانوا يشرفون على الوجه القبلي والوجه البحري، فكانوا يسرقون منهم جلود قطعان الماشية التي كان مفروضًا عليهم أن يقدموها جزية لسيدهم الفرعون كل سنة عن قطعانهم المستأجرة من الدولة، فوضع «حور محب» لذلك قانونًا صارمًا يتمثل في جَلد المجرم مائة جلدة، وجرحه خمسة جروح دامية، ورد الجلد إلى صاحبه، أو إعفائه من توريد ما فُرض عليه من جلود للخزانة.
ولقد كان من مظاهر الظلم والعسف وتفشي الرشوة قبل عهد «حور محب» أن العمد كانوا يفرضون الإتاوة على الأهلين ويجمعونها منهم ظلمًا وعدوانًا؛ فكان مثلًا كتاب مائدة بيت الزوجة الملكية، وكتاب مائدة الحريم الذين كانوا يقتفون أثر العمد على استعداد للتفتيش السطحي والتغاضي عن كل اختلاس لقاء قدح من النبيذ يُقدم لكل منهم. وعلى مثل هذه الأحوال السيئة كانت تسير الأمور في البلاد، فكان العثور على المجرم والقضاء على الجريمة أمرًا بعيد المنال؛ لأن منفذ الشر هو حامي القانون ومرتكب الجرم هو رجل الإدارة.
ولذلك نجد «حور محب» بعد أن سن قوانينه للضرب على أمثال هؤلاء المختلسين يقوم بنفسه برحلة تفتيشية للإشراف على تنفيذها بمناسبة عيد الأقصر الفاخر الذي كان يُقام كل عام، فيجوس في أثنائها خلال الديار، ويأمر باستئصال الشر في مكمنه، وكان أمره مقضيًّا، ولقد نهج «حور محب» في طريقته هذه منهج سلفه «تحتمس الثالث»، الملك الجبار الذي اجتث هذه المساوئ من جذورها؛ فضرب على أيدي المجرمين من هذا الصنف، وكان يقوم بنفس هذه الرحلات التفتيشية في طول البلاد وعرضها للإشراف على تطبيق قوانينه وتنفيذها كما سلف ذكره. ولقد كان نظر «حور محب» ثاقبًا؛ فقد نفذ إلى كل صغيرة وكبيرة في الدولة، كما يُؤخذ ذلك من النقوش التي تركها على لوحته، فها هو ذا يحيط خبرًا بما كان يجري من غش واختلاس قبل عهده من رجال السلطة، فكثيرًا ما استولى هؤلاء على نبات «سم» باسم دخل الفرعون، وكثيرًا ما طففوا المكيال لأنفسهم وأخسروه لحق من حقوق الدولة نظير رشوة ينالونها، وكثيرًا ما استولوا على الكتان والخضر وباكورة المحاصيل؛ مما حرم الأهلين ثمرة جدهم وكدهم، فحرم «حور محب» كل ذلك ووضع القوانين الصارمة، وأشرف بنفسه على تنفيذها؛ فاستأصل بذرة الشر من جذورها.
ولم يكن سبيله الإرهاب والتخويف وتعذيب المجرم فحسب، بل كذلك كافأ الأمناء والشرفاء؛ فجمع بين الرغبة والرهبة، وأتاح لكل مخلص أمين سبيل الترقي والعلو، واختار طائفة عدَّهم من أماثل القوم، فأسند إليهم المناصب الخطيرة في الدولة، وزوَّدهم بنصائحه الغالية، وحذَّرهم مما وقع فيه من قبلهم، فأمر ألا يقبلوا قعب نبيذ من أحد، وألا يتخذوا لهم أصدقاء؛ حتى لا يدفعهم الهوى إلى الميل والانحراف، وعلَّمهم طريق الحياة، وأرشدهم إلى كل ما هو عدل، وبسط لهم في الرزق؛ لعلمه أن كل تشريع يتناول الناحية الروحية فحسب من شأنه أن يعرض أحكام المشرع للمخالفة والامتهان، فكان كل واحد منهم يتسلم مرتبه بدون أي تأخير، كما رفع عنهم ما كان مفروضًا على مرتباتهم من ضرائب الذهب والفضة؛ ليمنعهم استصفاء أية ضريبة على السلع لأنفسهم.
ولتحقيق السعادة لسكان مصر وضمان تنفيذ قوانينه كما يريد أَسَّس في كل البلاد مجالس قضائية تفصل في الخصومات بين الناس كأحدث التشاريع في العصر الحاضر، وأوصى القضاة أن تكون العدالة رائدهم، فلا يقبلوا رشوة من أحد، ولا يميزوا أحد المتخاصمين على الآخر، ومن يتعد هذه الحدود فعليه إثم نفسه وعقوبة جريمته. ولحرص «حور محب» على تحقيق العدالة وتنفيذها رغب في أن تكون علاقته برجال جيشه وضباطه ورجال إدارته علاقة ودٍّ وحب مباشرة؛ فكان يتصل بهم بنفسه ويدعوهم إلى مائدته التي ينفق عليها من أمواله الخاصة، فيأكلون ويشربون، وفوق ذلك ينقلبون إلى أهليهم حاملين الحقائب بهداياه الوفيرة، التي كان يوزعها عليهم بنفسه؛ فيناديهم بأسمائهم، ويلقيها عليهم من نافذة قصره؛ فلذلك كانت إدارة المليك شريعة الأمة، وجاءت إصلاحاته مطابقة للمحز مصيبة للمفصل.
ولسنا في حاجة بعد ذلك إلى تقرير أن «حور محب» قد تربع على عرش القلوب ونال محبة شعبه وتقديره، بل نقرر أنه ارتقى مكانًا عليًّا في تاريخ حكومة الإنسان لأخيه الإنسان، وبخاصة إذا علمنا أن المساوئ التي كان يعالجها ويعمل على اقتلاعها من جذورها لم تزل مشاهدة في البلاد على الرغم من الإصلاحات السطحية التي يقوم بها بعض الذين يريدون القضاء على الأمراض المتأصلة، وهي لا يمكن أن تزول إلا بنهضة قوية على يد فئة درست الإصلاح على وجهه الصحيح، كما فعل «حور محب» وأفلح فلاحًا عظيمًا هيأ لأخلافه إعادة مجد الإمبراطورية الغابر بعد سقوطها في فترة الانقلاب الديني.
ولعل سائلًا يسأل عن السبب الحقيقي الذي جعل «حور محب» ينجح هذا النجاح المؤزر؟ سواء في سَنِّ قوانينه، أم في تطبيقها؛ والجواب عن ذلك لا يختلف باختلاف الأشخاص ولا يتغير بتغير العصور وتباين المجتمعات، فهو السبب نفسه الذي جعل قادة الشعوب الذين أفلحوا في بعث الحياة في أممهم التي كانت أشلاء متناثرة، وجسمًا هامدًا، وهو السبب عينه الذي جعل الأمة المصرية تلتف حول القادة والزعماء الذين نشئوا من بينهم، وتجعل اعتناق مبادئهم من الأمور المحببة إليهم.
ذلك أن «حور محب» نشأ من بين أبناء الشعب، وانصهر في بوتقته؛ فكان ملمًّا بكل رغباته وميوله، عالمًا بكل ما كان يحيق به من عسف وظلم، فأحسن التعبير عن رغباته، والترجمة عما يتطلبه، ووقف بنفسه على العلل والأدواء، فكان دواؤه ناجعًا، وبلسمه شافيًا. والتاريخ يفيض بأمثلة كثيرة من هذا النوع من القادة، ويدلنا على أن ذلك هو السبب الحقيقي الذي من أجله نجح كثير من الزعماء والمفكرين، كما أن كثيرًا من الزعماء والملوك كان سبب إخفاقهم عدم استطاعتهم الترجمة عن رغبات الشعب وميوله، وما يصلح له من نظم وقوانين، وتخبطوا في تطبيقها لبعدهم بالفوارق الاجتماعية والمعيشية عن أفراد شعوبهم.
مقدمة: (فجوة أربعة أسطر ونصف) «حور محب» معطي الحياة مخلدًا أبدًا، بداية الخلود حيث يتقبل (الملك) السرور، ومئات آلاف السنين، وملايين أعياد ثلاثينية، وهو على عرش من في السماء (أي رع)، ومملكة «رع». وإليه يُنسب عرش «حور» … والبلاد تفيض بحبه، والعدالة قد عادت، وامتزجت معه … والمصريون يفرحون، وأرض الكنانة تعيد شبابها، والأرض السوداء قلبها في سرور وغبطة … قد رأى، وعلى ذلك أتى ممتلئًا بالفخار، وملأ الأرضين بجماله؛ لأن الإله الطيب قد أنجبه رع … بإقامة العدالة على الشاطئين، وإنه يصبح في عيد عندما يكون جمالها (العدالة) قد أصبح ممجدًا.
والواقع أن جلالته فكر في قلبه … عن الطريقة التي يقضي بها على الإثم، وينفي الكذب. وتدابير جلالته تُعَدُّ مأوًى ممتازًا؛ وذلك بكبح جماح العسف أينما وُجد … والظلم الذي كان منتشرًا بينهم. والواقع أن جلالته قد قضى نهاره وليله في البحث عما كان صالحًا لأرض الكنانة، وكذلك في متابعة القيام بالأعمال (الممتازة) … جلالته. فأخذ الدواة والقرطاس وكتب كل ما فاه به جلالته.
وقد أصدر الملك نفسه الأوامر التالية:
… حالات الاضطهاد في البلاد.
الأنظمة التشريعية
-
(١)
المواد التي سُنت لمنع التعدي على سفن النقل التي تُستخدم لتوريد الضرائب: إذا صنع مواطن سفينة بمعداتها ليستطيع بها خدمة الفرعون (له الحياة والسعادة والصحة)، (واغتُصبت منه هذه السفينة فأصبح غير قادر على توريد) الجزية، وأصبح مسلوبًا متاعه، ومحرومًا ثمرة جهوده العدة (… فقد أمر جلالتي بِعَدِّه معافًا) لحسن مقاصده.
وإذا وُجد إنسان ما يرغب في توريد الجزية لمعامل الجِعة، ومجازر الفرعون له الحياة والسعادة والصحة، من قبل ضابطين من ضباط الجيش … وإن إنسانًا يعمل له عراقيل، ويغتصب سفينة عضو من الجيش (أو) ملك أي شخص آخر من أهل البلاد قاطبة، فإن مثل هذا الشخص يُطبق عليه القانون؛ وذلك بجدع أنفه ونفيه إلى «سيلة» (تل أبو صيفة الحالي) …
ومع ذلك إذا وجد موظف مواطنًا بدون سفينة، فإن له الحق أن يحصل له على سفينة من آخر ليتمكن من توريد الجزية، ويرسل صاحب السفينة الأصلي لأجل أن يحمل الخشب إلى مكانه؛ لأن من واجبه أن يخدم الفرعون مهما حدث.
-
(٢)
الإجراءات المتخذة للقيام بمساعدة أصحاب السفن الذين سُرقت حمولتها المرسلة للفرعون: (إذا وجد موظف مواطنًا صاحب سفينة قد سلَب متاعه، وأن حمولة هذه السفينة قد فرغت بالسرقة، وبذلك أصبح هذا المواطن مسلوبًا متاعه …) وأمسى لا يملك شيئًا، فنظرًا لأن هذا التقرير الدال على عمل فيه خسارة كبيرة ليس بالعمل الحسن؛ فإن جلالتي قد أمر بأن يُعد معافًا. انظر …
-
(٣)
الإجراءات المتخذة ضد الذين يعرقلون توريد الضرائب للحريم والقرب الإلهية: إذا أقام إنسان ما عقبات في سبيل أولئك الذين … وسبيل أولئك الذين يقومون بالتوريدات للحريم، وكذلك لمائدة القربان الخاصة بقرب الآلهة المختلفين، في حين أنهم يدفعون الضرائب لضابطي الجيش، وأنهم … فإن القانون يُطبق عليه بجدع أنفه ونفيه إلى «سيلة» أيضًا.
-
(٤)
الإجراءات المتخذة لمنع الاستيلاء على نبات «كث» وكذلك لمنع تسخير عبيد الأفراد في هذا العمل: إذا قام موظفون من إدارة قربان الفرعون (له الحياة والسعادة والصحة) بطلبات رسمية للاستيلاء على نبات «كث»، وكذلك إذا استدعوا لهذا العمل عبيدًا يملكهم أفراد لمدة ستة أو سبعة أيام دون أن يكون لهم الحق في الذهاب أحرارًا، فهذا عمل مجحف، فيجب أن تُتخذ معهم الإجراءات على حسب خطورة المسألة. أما في أي مكان (… حيث) يسمع الناس يقولون فيه: إنهم يستدعون الناس لأجل الاستيلاء على نبات كث، وكذلك حيث يأتي إنسان آخر معلنًا: لقد استولى على عبدي أو أمتي؛ فلا بد من تطبيق القانون ﺑ …
-
(٥)
الإجراءات المتخذة لمنع اغتصاب جلود الحيوان من الفلاحين — مادة في صالح دافعي الضرائب: إذا استولت فرقتا الجيش المعسكرتان في الريف، وهما اللتان تقيم واحدة منهما في الوجه البحري والأخرى في الوجه القبلي؛ على جلود الحيوان في كل البلاد دون أن يتركوها مدة سنة واحدة لأجل أن يتمتع بها الفلاحون … ويأخذون من بينها المرسومة (أي المكوية)، في حين أنهم يذهبون من بيت لبيت طارقين أبوابها ومنتهجين السعف دون أن يتركوا جلودًا للفلاحين …
وإذا جاء بعض … من قبل الفرعون (له الحياة والسعادة والصحة) لعمل إحصاء ماشيته، وحققوا معهم (أي مع الفلاحين) ولكنهم لم يجدوا عندهم جلودًا، بل فوق ذلك يتضح لهم أن الدَّين ركبهم، وأنهم قد اكتسبوا ثقتهم (أي ثقة مديري حيوان الفرعون) فيقولون لهم: «لقد أُخذت منا.»
ولما كان ذلك يُعد عملًا خطيرًا فلا بد من الفصل فيه على حسب فداحة العمل. إذا قام مدير حيوان الفرعون له الحياة والسعادة والصحة، لتسلم إحصاء الحيوان في كل أنحاء البلاد؛ لأنه هو الذي يقوم بجمع جلود الحيوان الميتة التي … فإن جلالتي قد أمر أن يُعد الفلاح مُعفًى بسبب حسن نيته.
أما فيما يخص أي جندي يُسمع عنه أنه قد ذهب للاستيلاء على جلود منذ تاريخ هذا اليوم، فلا بد من تطبيق القانون عليه، بجلده مائة جلدة ومسببة جروح دامية، والاستيلاء منه على الجلد الذي اغتصبه بوصفه مالًا مكتسبًا من وجه غير مشروع.
-
(٦)
الإجراءات المتخذة ضد ابتزاز الأموال وضد الرشوة في إدارة الدخل: أما عن نوع تلك الجريمة الأخرى التي تُعزى إلى … كتاب مائدة بيت الزوجة الملكية، وكتاب مائدة الحريم الذين كانوا يقتفون أثر العمد ملحين عليهم وطالبين إليهم إبريق خمر مما يُحمل في النيل شمالًا أو جنوبًا، على حسب ما كان يُطلب قديمًا من العمد في عهد الفرعون «منخبر رع» «تحتمس الثالث».
أما من جهة ما كان يُحمل في النيل شمالًا أو جنوبًا، وكان العمد يستولون عليه، فإنه على أثر وصول العمد في عهد «تحتمس الثالث» في كل سنة كانوا يفرضون الإتاوة على الأهلين في خلال رحلتهم، وكذلك كان يصل خدام الحريم عند العمد قائلين لهم: «فليُقدم لنا إبريق من الخمر مقابل تفتيش سطحي»، ولكن تأمل! الآن ترى الفرعون — له الحياة والسعادة والصحة — يقوم برحلة تفتيشية بمناسبة عيد «أبت» (الأقصر) في كل عام دون إظهار أي إهمال، بل على العكس تُعمل الترتيبات قبل وصول الفرعون … خدام الحريم … بحيث يكون الاستعداد متقنًا. ولكن ما الذي حدث في هذه الإجراءات المستمرة لاستنزاف إبريق الخمر منهم؛ فلأجل ذلك كان العمد يصحبون الملك في رحلته، وذلك لفائدة المواطنين … ولما كانت هذه حالة خطيرة فإن جلالتي أمر بألا يُسمح بالعمل على هذه الصورة منذ هذا اليوم. أما من جهة … الذين كانوا كذلك يستولون على سفينة تكون في الميناء، فإنه كانت تحرر محاضر ضدهم.
-
(٧)
الإجراءات المتخذة لمنع الاستيلاء على نبات «سم» بغير حق: وكذلك فإن الذين سيستولون على نبات «سم» لأجل معامل الجِعة … المواطنين مغتصبين عشبهم «سم» يوميًّا قائلين: إنها مقابل دخل الفرعون … وإنه لا فائدة للمواطنين الذين يستولون عليه في العمل الذي يقومون به — ولما كانت هذه حالة ضارة فإن جلالتي قد أمر … وأن الموظفين الذين يستولون على أعشاب «سم» لأجل دخل الفرعون له الحياة والسعادة والصحة في حدائق الفرعون وضياعه له الحياة والسعادة والصحة … الفرعون له الحياة والسعادة والصحة، التي تحتوي على أعشاب «سم»، فإذا سمع أنهم يستولون على متاع أي جندي أو أي شخص آخر في أي جزء ما من أجزاء البلاد … فإن القانون سيُطبق عليهم؟ لأنهم أناس قد تعدوا حدود التعليمات.
-
(٨)
الإجراءات التي تُتخذ ضد الذين يستولون بدون حق على حيوان وخضر … إلخ: أما ما يتعلق بحراس القردة الذين يستولون … في الإقليم الجنوبي، وفي الإقليم الشمالي، ويستولون اغتصابًا على غلال أهالي القرى فارضين خمسين «هنا» على كل بيت، ومخسرين مكيال خزانة الغلال العامة (؟)، وكذلك يستولون بدون حق على الكتان والخضر وباكورة المحاصيل … وبما أن هذه حالة مضرة فإن جلالتي قد أمر بمنع هذا العمل (؟) … والذين يسلبون من الضياع بغير حق، ويستولون قسرًا على السفن، ثم يأتي أناس آخرون … في الإقليم الجنوبي، والإقليم الشمالي، ويغتصبون بدون حق مكيال خمسين «هنا» عن كل بيت من المواطنين، أما أولئك الذين يكونون أمناء فإنهم سيُكافئون. أما المواطنون الذين … من الخبز المورد لهم، فإن جلالته أمر بإعادته كله لمنع … المواطنون …
-
(٩)
إجراء متخذ ضد نوع آخر من سوء التصرف: أما عن الحالة الأخرى الإجرامية التي يكون التقرير عنها سيئًا، فإذا كان أولئك الذين … كل الضيعات التي هم فيها، وهم … من الملك … فإن مدير البلاد الأجنبية يقدم ذهب الملك … إلى الذين هم …
-
(١٠)
الإجراءات المتخذة لمنع استغلال العبيد في العمل ظلمًا: … إذا ذهب رسل الحريم ليعطوا رسميًّا الاستيلاء على عامل فقير مهما كان قد عُين لهم بالذات، فإن مع ذلك … مع غسل (؟)، وإذا سمع مرارًا … كل … فإنها جرائم … فإن رسل الحريم الذين يذهبون ليستولوا في المكان … سكان القرى (؟) … صيادو السمك، وصيادو الطيور … يحملون …
إجراءات إدارية
-
(١)
مقدمة: … لقد أصلحت هذه البلاد كلها … وإني جبتها بعناية حتى الجنوب، وقد فحصتها … قاطبة، وإني أعرف على وجه التأكيد ما في داخلها؛ لأني قد زرتها أولًا من الداخل.
-
(٢)
إعادة تنظيم المجالس: لقد بحثت عن أفراد … ذوي حزم وأخلاق جميلة، يعرفون كيف يحكمون على الآراء، ومتيقظين لأقوال القصر، وإلى قواعد الإدارة، وقد عينتهم ليحكموا في أمور القطرين، وليرضوا سكانهما … وقد نصبتهم في المدن الكبيرة في الجنوب وفي الشمال، وكان كل واحد منهم يتسلم مرتبه بدون أي تأخير، وقد وضعت لهم نصائح وقوانين في قائمة أعمالهم … صادقة، وعلمتهم طريق الحياة؛ لأني أرشدتهم إلى ما هو عدل. وقد أوصيتهم قائلًا: لا تتآخوا مع أناس آخرين، ولا تقبلوا قعب نبيذ من آخر؛ لأنه لا يوجد … إذ ما الذي يظن الآخرون في أشخاص مثلكم مكلفين بالقيام مكان آخرين، مع ذلك إذا كان من بينكم من ينتهك حرمة العدالة؟ أما عن الضريبة من الفضة والذهب … فإن جلالتي قد أمر بإعفائكم منها؛ لأجل أن يُمنع جباية أية ضريبة على أية سلعة بوساطة مجالس «قنبت» الجنوبية أو الشمالية.
أما أي حاكم أو أي كاهن يُشاع عنه أنه جلس ليحكم بالعدل في المجلس «قنبت» الذي أُسس للحكم ومع هذا وتعدى فيه العدل فإنه يُتهم من أجل ذلك بجريمة كبرى؛ لأن جلالتي قد ألَّف هذا (المجلس) لأجل إعادة توطيد مصر، ولأجل منع حدوث … آخر … من المجلس (قنبت). وكهنة المعبد (خدام الإله) وموظفو مقر الحكم في هذه البلاد، وكذلك الكهنة المطهرون، الخاصون بالآلهة، فهم الذين يتألف منهم كل مجلس (قنبت)، فهم الذين سيفصلون في قضايا مواطني كل مدينة.
وإن جلالتي قد أجهد نفسه من أجل مصر لتكون حياة سكانها سعيدة؛ لأنه يظهر كل يوم على عرش «رع». تأمل فإنه قد أسس مجالس قضائية في البلاد كلها ليحكموا بين الناس، وليعقدوا جلسات في المدن على حسب الخطط الممتازة التي وضعها جلالتي.
-
(٣)
علاقة الفرعون بضباط جيشه: … كلية. لقد وضعت هذا النظام؛ لأن جلالتي يرغب في حماية كل الناس، وكانوا يجتمعون حول جلالتي ثلاث مرات شهريًّا، وكان هذا عيدًا لهم؛ إذ إن كل فرد منهم يجلس ومعه جرايته من كل شيء لذيذ، تشمل خبزًا طيبًا ولحمًا وفطائر من ممتلكات الفرعون … وأصواتهم تصل إلى عنان السماء معظمين كرم سيد الأرضين.
وقد كان كل واحد من رؤساء الجيش، وكل ضباط المشاة يُكافأ كما كانت الحال من قبل. وقد كان الفرعون نفسه يلقي عليهم الهدايا من النافذة مناديًا كل واحد منهم باسمه، وكانوا يمرون أمامه مهللين، وكانوا يتسلمون الهدايا التي تُصرف من ممتلكات القصر الملكي. والواقع أنهم كانوا يحملون معهم مؤنًا من المخازن. فكان كل منهم ينصرف ومعه الشعير والشوفان دون أن يوجد واحد من بينهم لم يتسلم نصيبه … لأجل أن يعمل له الباقي … مدنهم، دون أن يُعطوا وقت فراغ مدة هذه الأيام الثلاثة ليتمتعوا بالراحة.
ورجال «خنتخت» (طائفة من الناس) يسعون وراءهم إلى المكان الذي يكونون فيه، وكل ما يجدونه هناك هو ملك سيدهم أبدًا … الرغبة … في إدارة سيد الأرضين …
-
(٤)
إعادة تأسيس بعض احتفالات البلاط التي كانت قائمة قبل عهد العمارنة: … حاملو النعال، وكانوا يسيرون في قاعة الإدارة الواسعة ذهابًا وإيابًا من أبوابها … وأتى الشريف. ويدخلون من باب القصر بسرعة بالعربة ذاهبين نحو الباب الفاخر، وفي ركابهم كلب سلوقي … قاعة العرش لابسين … ومنتعلين أحذية وعصا في هيئة التي في قبضته مثل … إلى مكانهم، كما كانت الحال قديمًا، وقد حددت التغييرات الخاصة بالقصر العظيم الخاص، ونظام بيت الأمراء، ومنحت بيتًا لتموين (الإله) … وحجاب قاعة العرش على حسب منهاجهم و… فخمت في كل البيت. ورجال بلاط الملك في مكانهم، وأعضاء مجلس الثلاثين يتبعون النظام …
الخاتمة: وإذا مُد في أجلي على الأرض لأني أقوم ببناء آثار للآلهة … فإني سأجدد ولادتي مثل القمر … منضمًّا إلى الحياة والخلود والسعادة.
وقد شع جسمه على أقاصي البلاد مثل قرص «رع»، وقد أضاء جسمه مثل ضوء «رع» عندما يظهر في فصل الفيضان، وجماله قد أصبح غاية في البهاء، وقوته صارت في قلوب الناس.
وتدل صور «حور محب» التي عُثر عليها حتى الآن على أنه كان رجلًا صاحب خلق عظيم جمع بين النشاط والشدة ولين الجانب، وأجمل هذه الصور قطعة من الجرانيت حُفظت لنا عليها صورة محياه، والواقع أن الناظر إليها لا يجد فيها شيئًا من الجاذبية أو ما ترتاح إليه العين، فالوجه كان لم يزل يعبر عن نضرة الشباب، غير أنه كان يشتم منه ريح الكآبة، وهو تعبير قلَّ أن نجده على وجوه الفراعنة الذين عاشوا في أزهى عهود مصر، ويُلاحظ أن أنفه الرفيع المستقيم قد ركب في صورته بإتقان، وعينيه المستطيلتين لهما جفنان ثقيلان، وشفتيه الغليظتين المنقبضتين بعض الشيء عند طرفي الفم قد سُويتا بصورة مرهفة ينبعث منهما نشاط فذ، كما أن ذقنه المتماسك المحكم الصنع قد فقد بعض شكله باللحية المستعارة التي رُكبت فيه، وفي الحق نجد أن كل تفصيل في أجزاء وجهه قد عالجها المفتن بدرجة عظيمة من الحرية، حتى ليخيل للإنسان أن المثَّال كان ينحت تمثاله في مادة لينة، لا في حجر تكاد تقاوم صلابته آلة النحات، غير أن السيطرة التامة قد أظهرها المثال على هذا الحجر بما نشاهده من نتيجة ممتازة جعلت الإنسان ينسى صعوبة العمل فيه، وما لاقاه المفتن من مشقة مضنية في إخراجه.
(١-٢) الحملة إلى بنت
خطاب رؤساء «بنت» العظام
ولا غرابة في أن نرى «حور محب» يرسل مثل هذه الحملات التي كانت على ما يظهر سلمية إلى بلاد «بنت»، كما أرسل أخرى إلى بلاد «كوش» لإخضاع الثوار وجعلهم يدفعون ما عليهم من جزية؛ إذ لو فحصنا السبب الحقيقي لوجدنا أن الدافع لها كان الإله «آمون»؛ لأن هذا الإله قد قُضي عليه بالإهمال والترك في زوايا النسيان نحو ربع قرن من الزمان، وكان بعد أن استرد سلطانه في حاجة إلى الذهب والفضة لتُملأ بهما خزائنه في هذا الوقت أكثر من أي وقت آخر مضى، فقد كان في حاجة إلى بنائين لإقامة مبانيه، وعبيد وماشية لمزارعه، وعطور وبخور لإقامة شعائره اليومية؛ ولذلك نجده حفز «حور محب» ليقوم بحملاته إلى تلك البلاد التي ترد منها تلك الخيرات مما جعله يولي وجهه نحو الجنوب كما ذكرنا، وقد عاد منه بالأموال الوفيرة والخيرات العظيمة.
(١-٣) حروبه في آسيا
(٢) أهم الآثار التي خلفها «حور محب» قبل تولي الملك
-
(١)
وُجد له تمثالٌ في معبد «آمون» «بالكرنك»، وهو محفوظ الآن بالمتحف المصري (راجع سجل المتحف رقم ٤٢١٢٩).
-
(٢)
تمثال من معبد «تحوت» في «منف» (راجع J. E. A. Vol. 10. p. 1–5; B. M. M. Part. II, October (1923) pff).
-
(٣)
وقد أقام «حور محب» لنفسه مقبرة فخمة في «سقارة» تُعَدُّ من الطراز الأول في النقش، ويظهر فيها فن عصر العمارنة بصورة واضحة. ومما يؤسف له أن هذه المقبرة قد مزق شملها المخربون؛ ولذلك توجد أجزاؤها في مختلف متاحف العالم وهي:
- متحف ليدن: وتوجد فيه قطعة (راجع Leiden Boeser Beschiyv IV, Pl. XXIII–XXIVb).
- متحف «فينا»: وفيه قطعة باسم هذا الفرعون (Breasted. A. Z, 38. p. 47).
- متحف «برلين»: يوجد فيه كتلة Berichte Aus Berl Mus. 49. Heft 2. p. 34.
- متحف «بولونيا»: وُجد فيه قطع كذلك من جدران هذا القبر عليها مناظر مختلفة (راجع Capart J. E. A, 7. p. 31; & Von Bissing Denkmaler).
- المتحف البريطاني: يوجد فيه عارضتا باب (راجع p. 130-1.,&Gauth.L.R. II, p. 383).
- المتحف المصري: يوجد فيه عارضتا باب وعمود كان في قبره من سقارة (راجع De Rougé Insc. Hierog p. 107-8. & Gauth. Ibid).
- متحف «اللوفر»: يُوجد فيه عارضتا باب وواجهة، كما يوجد فيه قطعة من جدار (راجع Wiedemann. P. S. B. A, II, p. 424).
- متحف الإسكندرية: كانت فيه قطعة من هذا القبر، غير أنها قد اختفت (راجع Wiedemann. P. S. B. A, II, p. 424).
- متحف «ليننجراد»: يوجد فيه لوحة (راجع A, Z. 72, p. 311ff).
(٣) آثار حور محب الملك
وفي السنة الثالثة من عهده أقام «نفر حتب» مدير أملاك الفرعون مقبرته. أما حروبه التي شنَّها على أهل الجنوب في السودان وحروبه مع أقوام «حايونبوت» في الشمال (سكان جزر البحر الأبيض) فلا نعلم على وجه التأكيد موعد حدوثها بعد توليه العرش أو قبله، ومن المحتمل أنها تُعزى إلى الجزء الأول من حياته كما سبق الكلام عن ذلك. أما التواريخ التي تدل على طول مدة حكمه منفردًا، فقد عثرنا منها حتى الآن على «استراكون» مؤرخة بالسنة السابعة من حكمه، وقد كُتب عليها تظلم رجل يُدعى «حاي» يشكو فيه من أن قبر والده كان قد منحه في السنة السابعة من حكم «حور محب»، وأنه الآن في السنة الواحدة والعشرين (لم يذكر اسم الملك) ولم يتسلم بعد وثيقة الملكية. على أنه ليس لدينا برهان على أن السنة الواحدة والعشرين تعود إلى حكم الملك «سيتي الأول». غير أنه من الجائز أن «حور محب» بعد أن ألغى عبادة «آتون» أرَّخ حكمه بوصفه ملكًا منذ توليه قيادة الجيش.
ولكن لم يلبث «حور محب» أن محا كل أثر من هذا النوع حتى أسس مباني «إخناتون» في «طيبة» كما استعمل أحجارها، وكذلك أحجار مباني «توت عنخ آمون» والملك «آي» في إقامة بوَّاباته بالكرنك.
(٤) وفاته
وقد قضى «حور محب» في سن متقدمة، وشيخوخة موقرة، ودُفن بقبره في «طيبة»، والواقع أنه أقام لنفسه ثلاث مقابر؛ الأولى في «تل العمارنة» (وإن كان ذلك فيه شك)، ولكنه لم يتقدم في بنائها كثيرًا، والثانية في «منف»، وكانت من بدائع ما أخرجته يد كل من المهندس والمفتن المصري، وتصور لنا حياته الحكومية وكيف مهد السبيل إلى اعتلاء عرش الملك، والقبر الثالث في «أبواب الملوك» على الضفة الغربية من النيل، وهو مزين بالرسوم التقليدية والمتون الدينية الخاصة بالعالم السفلي بوصفه ملكًا، وفي الحجرة الداخلية من هذا القبر نجد تابوته المصنوع من الجرانيت الأحمر لم يزل موجودًا في مكانه الأصلي، وقد حُليت جوانبه بصورة أربعة الآلهة الحامية للمتوفى، كما كانت العادة في تزيين مثل هذه التوابيت، ويُلاحظ أنها كانت ناشرة أجنحتها على الأركان الأربعة للتابوت.
أما صندوقه الخشبي فقد نُهب ولم يُعثر فيه على شيء قط، كما أن مومية هذا الفرعون قد اختفت، ولا نعرف عنها شيئًا قط.
ولا نزاع في أن «حور محب» قد وضع أمامنا صفحتين في التاريخ يكاد يمتاز بهما عن كل ملوك مصر؛ ففي قبره في «منف» صفحة عن الرجل الموظف وحياته، ولما اعتلى الملك طوى هذه الصحيفة ونشر أمامنا أخرى تمثله وهو ملك، ولم يُجَارِه في هذا المضمار إلا الملك «آي» سلفه؛ ومن ثم نستطيع أن نقول بحق إنهما هما الرجلان اللذان مهدا السبيل إلى استعادة مجد مصر بعد أن ضيعه «إخناتون» في عهد إصلاحه الديني.
ويُعد «حور محب» في نظر المصريين وفي نظر التاريخ عامة ملكًا شرعيًّا نشأ من لا شيء، ومات ملكًا متوَّجًا، وحقق لبلاده ما لم يحققه ملك من الذين نشئوا من دم ملكي، ولم يترك للعرش وارثًا، ولذلك كان هذا الروح الفريد، والعقل الفذ الذي حرك سكان الحكم في مصر بروية وحزم في الطريق القويمة ثانية، بعد أن ضلت السبيل فترة من الزمن؛ نعمة عظمى لمصر، والرجل المثالي الذي شيد للعدالة صرحًا لا نزال نترسم خطاه.
(٥) آثاره بعد توليه العرش
أما آثاره التي تركها لنا بعد توليه العرش فهي قليلة بالنسبة للملوك الآخرين، وربما يُعزى ذلك لأن حكمه الحقيقي لم يَدُمْ طويلًا، ومع ذلك فإنا نجدها منتشرة في طول البلاد وعرضها، وسنذكرها على حسب الترتيب الجغرافي بقدر المستطاع.
(٥-١) منف (مدافن العجل أبيس)
(٥-٢) قرية بوصير
(٥-٣) غراب
(٥-٤) وفي «القاهرة»
(٥-٥) العرابة
(٥-٦) «طيبة» في «الكرنك»
(٥-٧) وفي معبد «الأقصر»
(٥-٨) وفي معبد بتاح
(٥-٩) وفي معبد آمون
(٥-١٠) وفي «طيبة الغربية»
(٥-١١) وفي مدينة «هابو»
(٥-١٢) وفي متحف «برلين» (Berlin Mus. No. 1497.)
(٥-١٣) أرمنت
(٥-١٤) كوم أمبو
(٥-١٥) أسوان
(٥-١٦) كوبان
(٥-١٧) جبل عدة
(٥-١٨) تماثيل الفرعون «حور محب»
- (١) ومن أهم ما لدينا الجزء الأعلى من تمثال ضخم عُثر عليه في مدينة «هابو» وهو الآن في «متحف برلين» (راجع L. D. III, 112c. وقد تكلمنا عنه فيما سبق).
- (٢)
مجموعة تماثيل من الحجر الجيري الأبيض مُثل فيها الملك والإله «آمون» وهي الآن بمتحف «تورين».
- (٣) تمثال ضخم في فندق الأقصر (Wiedemann Gesch p. 411).
- (٤) تمثال نصفي من البازلت الأحمر (؟) في متحف «فلورنس» الآن، ولا بد أنه جزء من تمثال راكع (Schiaparelli. Cat. Flonence 1225).
- (٥) تمثال للفرعون بوصفه «حابي» إله النيل (Budge Guide Sculp. 125).
- (٦) مجموعة تمثل هذا الفرعون مع الإله «حور» في «كاستل كتاچو» (Castel Cattajo) (راجع Wiedmann Gesch p. 411). هذا عدا ما ذكرناه فيما سبق.
وإذا ألقينا نظرة فاحصة على آثار هذا الفرعون نجد أنه على الرغم مما يُنسب إليه من طول مدة الحكم أحيانًا بما يُقدر بنحو ربع قرن، وأحيانًا بأنه لم يحكم بوصفه ملكًا إلا سنين قلائل، فإن آثاره كانت منتشرة في طول البلاد وعرضها بدرجة لا بأس بها، غير أننا مع ذلك نميل إلى الرأي القائل بأنه لم يحكم بوصفه ملكًا فعليًّا إلا مدة قصيرة.
(٦) الموظفون في عهد «حور محب»
إن ما لدينا من معلومات عن رجال أواخر الأسرة الثامنة عشرة لا يمكننا من تمييز الرجال البارزين الذين خدموا في عهد الفرعون «حور محب» بصفة قاطعة، وقد يُعزى السبب في ذلك إلى تلاحق الملوك بسرعة على عرش البلاد بعد موت «إخناتون». ومن جهة أخرى لقصر المدة التي تولى فيها «حور محب» عرش البلاد منفردًا. وأهم الشخصيات البارزة في عهده ما يأتي:
(٦-١) نفر حتب
الكاهن «والد الإله».
وألقابه هي (١) والد الإله «لآمون رع»، وقاضي المكان العظيم، وتشريفاتي والدته (؟)، وساقي الإله «آمون».
وقبر هذا الموظف يحتوي على مناظر ونقوش لها أهمية عظمى من الوجهة الدينية من حيث إقامة الشعائر الجنازية، هذا إلى أنه يحتوي على منظر تاريخي ذي قيمة عظيمة؛ إذ نشاهد «نفرحتب» وهو يتقبل الإنعامات الفرعونية من يد الملك «حور محب» نفسه.
فنرى في قاعة مزار قبره على الجدار من جهة اليمين الفرعون «حور محب» في منظر واقفًا في الشرفة الملكية مرتديًا قبعة الملك الخاصة، وفي يده سوط ملكي، ويسير خلفه تابعان، وأمامه تشريفاتي البلاط، ويصحبه وزيرا الدولة، وخلف هؤلاء نشاهد «نفرحتب» رافعًا يديه بسرور، وكان يطوق جيده بقلائد من الذهب تابعان، ونرى كذلك أساور من ذهب وقلائد كانت مجهزة على منضدة أمام الشرفة ليحلي بها جيده، والمتون التي تتبع هذا المنظر هي:
فوق صورة أتباع الملك: المشرف على أملاك الفرعون، وساقي الملك، وتابع الملك في كل مكان.
أمام الملك: السنة الثالثة في عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري زسر خبر ورع (حور محب).
تأمل! فإن جلالته قد ظهر مثل الشمس في قصره صاحب الحياة المرضية، بعد أن قرب الخبز لوالده «آمون»، وعند خروجه من بيت الذهب انتشر الحبور في كل الأرض، ووصل الفرح إلى عنان السماء، وقد طلب «نفرحتب» والد الإله «آمون» ليتقبل الإنعام في حضرة الملك، وهو عشرات آلاف من كل شيء من الفضة والذهب والملابس والعطور والخبز والجِعة واللحم والفطائر عند طلب سيدي آمون الذي يحفظ لي حظوتي في الحضرة (الملكية).
الكاهن المرتل الذي يسر قلب آمون «نفرحتب» يقول: «ما أعظم أملاك من يعرف عطايا هذا الإله ملك الآلهة، وإن من يعرفه لذو حكمة، ومن يخدمه محظوظ، ومن يتبعه فإن نصيبه الحماية، وإنه شمس جسمه، وقرص الشمس المخلد ملكه أبدًا.» ولا نزاع في أن القارئ يشتم من هذا المتن رائحة بقايا عبادة «آتون» التي لم يكن في الاستطاعة اقتلاعها من جذورها دفعة واحدة، وبعد هذا الإنعام نشاهد «نفرحتب» متقلدًا قلائد من ذهب، ثم يقابل أخاه «أمنحتب» وقد نُقش فوق رأسه اسمه والألفاظ التالية: «كوفئ بالفضة والذهب من الملك نفسه.» ثم يتبعه كاهن آخر يلبس قلائد مشابهة، ونُقش معه الكلمات التالية: «وصول والد الإله «لآمون» «برننفر» المرحوم، في سلام حاملًا إنعام الملك.»
أما المناظر الجنازية التي نشاهدها في هذا القبر فهي التي كنا نشاهدها في القبور التي من قبل عهد «إخناتون»؛ إذ نرى المتوفى في وليمة مع أسرته، وكذلك القربان التي كانت تُقدم، ومتونًا خاصة بالأعياد، غير أن الشيء الجديد الذي نلحظه هنا هو ظهور متن يشبه المتون التي كنا نقرؤها في عصر التشكك الذي جاء على أثر الانقلاب الاجتماعي العظيم الذي تلا سقوط الدولة القديمة (راجع كتاب الأدب المصري القديم الجزء الثاني ص٢٢٢–٢٢٨)، ولا غرابة في ذلك؛ إذ لو أنعمنا النظر لوجدنا أن الانقلاب الذي أحدثه «إخناتون» قد أثَّر في نفوس القوم، وخلخل عقائدهم، وجعلهم ينظرون للحياة نظرة تجعلهم يتجهون إلى التمتع بمناعمها ولذائذها؛ لأنهم لا يعرفون ماذا سيكون مصيرهم بعد الموت. وسنرى أن هذه السحابة المليئة بالتشكك لم تمكث طويلًا، بل ستهدأ النفوس ثانية، ويعود إيمانها عندما يعود الأمن إلى نصابه، وتسود السكينة في البلاد.
وإنا من جانبنا لنلتمس لمصري هذا العهد بعض العذر بل كل العذر؛ إذ نجده في نفس الموقف الذي كان يقفه كاتب أغنية الضارب على العود الذي كان يرى مقابر العظماء والملوك تُخرب وتُنهب على مرأًى منه، وهذا هو نفس ما شاهده «نفرحتب»؛ فقد رأى قبور الملوك العظام تُهدم وتُسرق على مرأًى من رجال الحكومة وليس في مقدورهم عمل أي شيء لإصلاح ما تهدم منها، إلى أن قام «حور محب» بوضع القوانين الفذة، وأمر بإصلاح ما خربه الطغاة، وهاك نص هذه الأغنية:
(٦-٢) ري (روي)
رئيس الحكومة المركزية. كان «ري» يُلقب الكاتب الملكي ومدير أملاك «حور محب»، وكذلك مدير ضياع الإله «آمون». والظاهر أنه كان معاصرًا لهذا الفرعون.
وقبره في «جبانة ذراع أبو النجا». ومزار هذا القبر قد حُليت جدرانه بالمناظر الجنازية العادية؛ حيث نشاهد المتوفى واقفًا أمام الآلهة ومنظر الحساب والموكب الجنازي.
(٦-٣) أمنمأبت
- (١)
الأمير الوراثي والرئيس الأول لمقاطعة «منف».
- (٢)
مدير عبيد الإلهة «ماعت».
- (٣)
المشرف على الأعمال في معبد «رع».
- (٤)
المشرف على الوظائف كلها في الوجه القبلي والوجه البحري.
- (٥)
مدير كل أعمال الفرعون.
- (٦)
الممدوح كثيرًا من الإله الطيب (الملك) القائد الأعلى لجيوش رب الأرضين.
- (٧)
صاحب الفرعون الأول.
- (٨)
رئيس الرماة.
- (٩)
مدير بيت الفرعون «تحمس الثالث» (أي معبده).
وأهم ما يلفت النظر في القطع التي عُثر عليها من قبر هذا الموظف الكبير قطعة يُشاهد فيها «أمنمأنت» راكعًا يتعبد وقد نُقش أمامه صلاة يتضرع بها لحور إله الشمس؛ مما يدل على أن القوم كانوا لا يزالون متعلقين بعبادة الشمس، وإن كانت عبادة «آمون» قد أخذت تتغلب على عبادة كل إله آخر، وما تبقى من هذه الصلاة أو الأنشودة هو: «السلام عليك يا أيها الإله الطيب، يا حور صاحب التيجان الجميلة، أنت يا شمس كل عين، ويا شمس كل من يتبعه.» ومن هذه الأنشودة نلحظ أن النقوش كانت لا تزال متأثرة بعبادة إله الشمس التي كانت تتمثل «لإخناتون» في قرصها الذي كان يسميه «آتون».
(٦-٤) معي
لم يُكشف بعد قبر هذا الموظف، وكل ما لدينا من آثاره هو تمثال عثر عليه «لجران» في معبد الكرنك على مقربة من جنوبي مسلة الفرعون «تحتمس الأول» بالقرب من المكان الذي عُثر فيه على تمثال «أمنحتب بن حبو» السالف الذكر، وهذا التمثال وُجد مهشمًا، وقد مُثل جالسًا القرفصاء، وعلى حجره ورقة مبسوطة يقرأ فيها، وقد نُقش على صدره لقب الفرعون «حور محب». ومما يؤسف له أن نقوشه قد وُجدت مهشمة كذلك، غير أنه قد تبقى منها ما يدلنا على ألقابه وهي: حامل المروحة على يمين الفرعون، ومدير كل أعمال «آمون» في «الكرنك»، والكاتب الملكي، والمشرف على الخزانة. وهذا الموظف معروف لنا من قبل؛ فقد ذكرنا أنه هو الذي كلفه الفرعون «حور محب» بإصلاح مقبرة الملك «تحتمس الرابع» ووضع موميته في مقرها الفاخر. وفي استطاعتنا أن نفهم مقدار عظم مكانته عند الفرعون حينما نعلم أن حاكم «طيبة» نفسه كان تحت إدارته بوصفه سكرتيرًا له. والخطاب الذي وجهه «معي» للفرعون وهو المنقوش على تمثاله من الأهمية بمكان؛ لأنه يذكر لنا الأعمال التي تمت في هذا العهد وما نال الآلهة منها.
يقول: «إن اسمك مضاعف جماله ضعفين يا ملك الأرضين، وإن والدك «آمون» قد أنجبك، وإنك أنت الذي قد شيدت له بيته من جديد، وجعلته ثابتًا أبدًا. وإن الآلهة قد أنجبوك، وأنت تزيد في مؤنهم، وأنت الذي أقمت لهم معابدهم التي قد ذهبت إلى البلى، وقلوبهم قد ابتهجت بما فعلته لهم، وإنك منعم تقيم الشعائر، وقد حفظوك حيًّا ثابتًا معافًى مئات آلاف السنين في سلام، وإنك روحنا، والأنفاس تخرج منك، وأنت تعمل لبقائنا، واسمك يبقى كما تبقى الأبدية.»
والواقع أن الدور الذي كان يقوم به «معي» في خدمة «حور محب» هو دور رئيس الوزراء، وهو في ذلك يشبه «أمنحتب بن حبو» وما قام به من جليل الأعمال للفرعون «أمنحتب الثالث». وتدل شواهد الأحوال على أنه هو الذي ساعد «حور محب» في كل الإصلاحات البنائية التي قام بها في طول البلاد وعرضها كما ذكرنا من قبل.
والظاهر أن «معي» هذا هو الذي كان يشرف على حفر مقصورة السلسلة التي حفرها «حور محب» في هذه الجهة، غير أن الألقاب التي وُجدت للموظف الذي كان يشرف على هذه المقصورة، ليست موحدة مع ألقابه التي نُقشت على التمثال، ولا مع التي على الصخرة، هذا إلى أن اسم صاحب النقش على مقصورة «حور محب» في «السلسلة» قد وُجد ممحوًّا في كل مكان، ويفسر «لجران» هذا الاختلاف بقوله: إن «معي» كان رئيس كل أعمال «آمون» عندما كان في الكرنك ورئيس الأعمال في الجبانة عندما عُين لتجديد مومية «تحتمس الرابع»، وعندما ذهب إلى «السلسلة»، وكان العمال يقطعون الأحجار العظيمة من الجبل، كان يحمل لقب المشرف على الأعمال العظيمة لسيده؛ أي إنه كان يحمل في كل مكان اللقب الذي يتفق معه.