الفرعون أمنحتب الثالث
(١) مقدمة
يدل ما لدينا من وثائق على أن «تحتمس الرابع» كان آخر فرعون عظيم من فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، سار على رأس جيش عرمرم لتأديب الأمراء الثائرين في بلاد آسيا وإخضاعهم وإعادة النظام إلى كل ممتلكاته في تلك الجهات النائية، فلما مات ترك ملكه الذي كان يمتد من «الفرات» شمالًا إلى «كاراي» جنوبًا يُخيِّم على ربوعه السلام والسكينة، وبموت هذا العاهل انطفأت شعلة الروح الحربي الذي كان يضيء نفوس فراعنة هذه الأسرة الأماجد، كما خَبَتْ في نفوس الشعب. وتلاشت تلك الصفات التي كانت تقود رجال «تحتمس الثالث» إلى ساحة القتال بقلوب ملؤها الشجاعة والإقدام.
(٢) ولادة أمنحتب الثالث كما صُوِّرت على جدران معبد الأقصر
تولَّى «أمنحتب الثالث» وهو صغير السِّنِّ، وقد استمر في حكم البلاد منفردًا نحو ستٍّ وثلاثين سنة، كان في خلالها أعظم عاهل في العالَم المتمدين، كما كانت «مصر» أكبر إمبراطورية في الشرق القديم وصاحبة السيادة السياسية والأدبية فيه.
(٣) حروبه في السودان
وتدل الوثائق التي وصلت إلينا حتى الآن على أنه لم يَقُمْ بحرب غير حملة واحدة في بلاد «كوش» في السنة الخامسة من حكمه، وهذا دليل على أنه لما تولى الملك كان السلام على وجه عام مخيِّمًا على ربوع دولته المترامية الأطراف في آسيا.
السنة الخامسة الشهر الثالث من الفصل الأول اليوم الثاني وهو يوم التتويج، في عهد جلالة «حور» الثور القوي، المضيء في الصدق، محبوب الإلهتين، مؤسس القانون، ومهدئ الأرضين «حور» الذهبي، العظيم في القوة، وضارب الآسيويين، الإله الطيب، حاكم طيبة، رب القوة، شديد البأس، ملك الوجه القبلي والوجه البحري «نب ماعت رع» ابن الشمس «أمنحتب الثالث» حاكم طيبة، محبوب آمون، وملك الآلهة، و«خنوم» سيد الشلال الذي يُعطي الحياة.
(٣-١) لوحة سمنة
(٣-٢) الموقعة
وقد أخذتْهم قوة «نب ماعت رع» في يوم، بل في ساعة في مذبحة وماشيتهم، ولم يُفلِت واحد منهم، وأُحضر كلٌّ منهم … الخوف، وقد استولت عليهم قوة «أمنحتب»، والمتوحشون منهم ذكورًا وإناثًا لم يُفصل بينهم، وذلك بتدبير «حور» رب الأرضين، الملك «نب ماعت رع» الثور القوي الشديد في البأساء. وقد كانت بلاد «أبهت» متغطرسة، وكان في قلوبهم أشياء عظيمة، ولكن الأسد ذا العين المفترسة — هذا الحاكم — قد ذبحهم بأمر «آمون-آتوم» والده الفاخر، وهو الذي قاده بقوة ونصر.
(٣-٣) قائمة الأسرى والقتلى
خمسون ومائة عبد حي، وعشرة ومائة رامٍ، خمسون ومائتا أَمَة، خمسة وخمسون خادمًا من العبيد، وخمسة وسبعون ومائة من أولادهم، فمجموع هؤلاء إذن أربعون وسبعمائة نسمة، يُضاف إليهم اثنتا عشرة وثلاثمائة يد منهم، وعلى هذا فالمجموع الكلي لهؤلاء الأسرى هو اثنان وخمسون بعد الألف من النسمات.
ما قاله نائب الفرعون
ابن الملك الساهر لأجل سيده، محبوب الإله الطيب، حاكم كل بلاد «كوش»، وكاتب الملك «مرمس» يقول: الحمد لك يا أيها الإله الطيب، إن بأسك عظيم على مَن يُجابِهك، وإنك تجعل مَن يثور عليك يقول: إن النار التي أشعلناها تضطرم فينا، وإنك ذبحتَ كل أعدائك وطرحتَهم تحت قدميك.
(٣-٤) أعمال الفرعون في آسيا
أما المصادر المصرية التي تشير إلى حروبه في آسيا فهي:
ومما سبق نرى إذا صدَّقنا ما جاء على الآثار أن هذا الفرعون فتح البلاد المشار إليها هنا، بَيْدَ أن الحقيقة الواقعة أنها كانت كلها ممالك مصادِقة له تُرسِل إليه الهدايا كما أسلفنا.
(٤) إمبراطورية «أمنحتب الثالث» وملاهيه
والواقع أن «أمنحتب الثالث» كان آخِر فرعون حكم الإمبراطورية المصرية من أقصاها إلى أقصاها، وهي ذلك المُلْك الشاسع الذي فتحه أسلافه المحاربون، وإذا قيس هذا الملك الضخم بأعمار الدول العظام الأخرى فإنها تُعدُّ قصيرة العمر؛ إذ قد وصلت إلى قمة مجْدها في الفتوح في عهد «تحتمس الثالث» العظيم في حملته الثامنة حينما عَبَرَ بجيوشه «نهر الفرات» وأقام لوحة الحدود على ضفته اليمنى، وعندما انتصر على الآسيويين في موقعة «قرقميش» عام ١٤٦٧ق.م، ولم يكد ينقضي قرن من الزمان على هذا الفتح حتى وجدنا هذا المُلْك الشاسع أخذ يذوب ويتلاشى في آسيا، فلم يحلَّ عام ١٣٦٠ق.م حتى أصبح مُلْكها في سوريا أَثَرًا بعد عَيْن إلى أنْ أعاد «سيتي» وابنه «رعمسيس الثاني» بعض مجْد البلاد ثانية في هذه البقاع.
والظاهر أن الروح الحربي الذي كان يتأجَّج في نفوس رجال الشعب المصري قد انطفأ مصباحه عندما أخذتْ عِيشة التَّرَف والبَذَخ والدَّعَة تدِبُّ في الشجعان الذين كانوا يقودون جيوش مصر إلى ساحة النصر والفخار.
ولا غرابة فقد كان «أمنحتب الثالث» أكبر مترجم للشعور القومي من هذه الناحية. حقًّا كان نَشِطًا مقدامًا إلى حدٍّ ما، عندما كان يقوم بأعمال ترتاح إليها نفسه، وينعم بها لشخصه وإشباع شهوة في طويته؛ إذ يدل ما ترك لنا من آثار وبخاصة جعارينه التذكارية على أنه كان صيادًا ماهرًا مثل والده وأجداده، وقد سجل لنا على أحدها عدد الأسود التي سقطتْ مضرَّجة بدمائها بسهامه، غير أنه على ما يَظهَر لم يَرِثْ منهم حبَّ الغزو الذي بقي يضطرب في نفس «تحتمس الثالث» حتى أقعدتْه عنه الشيخوخة وأعباء السنين، والواقع أنه بعد حملته إلى بلاد النوبة كانت كل الإمبراطورية في هدوء تام مدة طويلة من الزمن، وقد يكون هذا هو السبب الذي جعله يقوم بدور آخر مثَّله تمثيلًا يتفق مع عظمة مصر وضخامة ملكها. فقد أراد أن يمثل في شخصها كل البهاء والفخار وأبهة المُلْك التي أحرزها أجداده لمصر قبل أن يخبو مصباحها وتنكمش في عقر دارها. وقد كُتب له أن يفوز بما أراد بما هيَّأَتْه له الأحوال، فكان مَثَلُه مَثَلَ «هارون الرشيد» الذي يرمز إلى عظمة الدولة العباسية، مع الفارق أن الثاني كان يغزو سنة ويحجُّ أخرى. أما الأول فكانت حياته صيدًا وقنصًا، أو إنشاء أو تشييدًا، وقد كان يَعدُّ نفسَه إلهًا على الأرض، ولا غرابة في ذلك؛ فإن كل ملك مصري كان يُلقَّب بالملك الطيِّب، كما كان يلقب «آمون» أو «رع» أو «بتاح» بالإله الأعظم الذي يسكن السماء، غير أن طبيعة «أمنحتب» الإلهية لم تكن رسمية فقط، بل كان مثله كمثل الملكة «حتشبسوت» من قبله، ابن الإله مباشرة. وذلك أن الإله «آمون» ملك الإمبراطورية وربَّه الأعظم قد تمثَّل للمَلِكة «موت مويا» بشرًا سويًّا في صورة «تحتمس الرابع» على حسب ما جاء في نص معبد الأقصر، ونفخ فيها من رُوحه واجتمع بها، ووضعتْ له غلامًا زكيًّا اسمه «أمنحتب الثالث»، وبذلك يكون «آمون» هو والدُه الروحي. ولا غرابة في أن نرى هذا الفرعون يَعدُّ نفسَه منذ نعومة أظفاره ابن الإله. وسنرى أنه كان مؤلَّهًا في المعبد الذي أقامه لنفسه ولإلهه «آمون» لهذا الغرض وحده.
يُضاف إلى ذلك أن كل الثراء والغنى والجزية التي كانت قد كُدِّست في طيبة مما كانت تنتجه أرض الكنانة ومما كان يتدفَّق عليها من البلاد الآسيوية وبلاد النوبة، وبخاصة ما كان يُجبَى من هذه الممتلكات من الذهب الذي كان لا ينقطع معينه من بلاد «واوات» وبلاد «بنت». كل هذا الثراء كان مغريًا خلَّابًا، وحافزًا جذَّابًا، ودافعًا قويًّا ليجعله ينظر إلى ملكه، كما كان ينظر الخليفة العباسي «الأمين» أو «لويس العاشر» عندما اعتلى عرش البابوية فنراه يقول: «بما أن الله قد وهبنا إياها فلنتمتع بها.» وعلى أية حال فإن حب التمتُّع بمناعم الحياة الدنيا وزينتها كان رائدَه الأعلى طَوَالَ مدة حكمه، كما كانت الفتوح العظيمة هدفَ جدِّه «تحتمس الثالث». والظاهر أن الثورات في بلاد «سوريا» كانت معدومة عند توليته العرش، فليس لدينا من الوثائق ما يُشير إلى اضطراره إلى الزحف على رأس جيش نحو آسيا قط، اللهم إلا إشارة عابرة في أحد خطابات «تل العمارنة» عن زيارة قام بها إلى «صيدا»، وربما كان من الخير لو اضطرَّتْه الأحوال إلى خَوْض غمار حرب في آسيا لحِفْظ كيان الإمبراطورية. وتدل كل الأمور على أن كل بقاع العاهلية ظلت في هدوء وسكينة سنين عدةً على حسب ما كان يصل إلى سمعه من الأخبار التي كانت في معظم الأحوال تُصاغ بصورة تُرضي الفرعون وتُهدِّئ خاطرَه.
يعيش (ألقاب الفرعون كاملة) المَلِك «أمنحتب الثالث» معطي الحياة، والزوجة الملكية العظيمة «تي» العائشة. واسم والدها «يويا»، واسم والدتها «تويا»، وهي زوجة مَلِك عظيم تمتد حدودُه الجنوبية حتى «كاراي» وحدوده الشمالية حتى «نهرين».
ولقد استطاعتْ بنتُ الشعب هذه بما أوتيتْ من ذكاء وسِحْر أن تستأثر بلُبِّ زوجها وتستهويَ قلبَه طَوالَ مدة حياته، حتى وهي في شيخوختها ظلت صاحبة المكانة الممتازة بين الأميرات الأجنبيات اللاتي كُنَّ أزواج «أمنحتب».
(٤-١) «أمنحتب» والصيد والقنص
السنة الثانية من حكم جلالة «أمنحتب الثالث» معطي الحياة، والزوجة الملكية العظيمة «تي» العائشة أبديًّا. الأعجوبة التي حدثتْ لجلالته. أتى إنسان ليقول لجلالته توجد ثيران برية على النِّجاد في إقليم المستنقعات، فانحدَرَ جلالتُه في النهر في سفينته المسماة «خع إم ماعت» (التي تظهر في الصدق) عند الأصيل، وقد بدأ طريقه المستقيمة، ووصل سالمًا إلى إقليم «شتا» عند وقت الإصباح، وقد ظهر جلالته على جواده (أي عربته) وكان كل جيشه خلفه، وكان على القواد ورجال الجيش عامة، وكذلك الأطفال (كپ) أن ينتبهوا لحراسة الماشية البرية؛ تأمل! لقد أمر جلالته أن تُحاط هذه الماشية بجدار مسوَّر، وقد أمر جلالته بإحصاء كل هذه الماشية البرية، فقرر أنها سبعون ومائة ماشية برية، وقرَّر أن ما استولى عليه جلالته في الطِّراد في هذا اليوم هو ستة وخمسون ثورًا بريًّا. وقد مكث جلالته أربعة أيام بدون عمل ليعطي جياده نارًا (ينشطها) ثم ظهر جلالته على جواده كرة أخرى.
(٥) مباني أمنحتب الثالث
هذه صفحة من أنواع اللهو الذي كان يصرف فيه «أمنحتب» شطرًا من حياته وبرفقته زوجه «تي»، وهذه الهوية المحبَّبة لم تكن لتَثْنِيه عن الالتفات إلى جسام الأمور في داخلية البلاد عندما كان يرى أن ذلك مما يُمجِّده أو يرفع من شأنه في أعين الشعب ويُكسِبه رضى آلهته الذين حبَوْه بالنصر على الأعداء. ولذلك كان أول ما وضع فيه كل همته هو تجميل مدينة «طيبة» مَهْد أعظمِ آلهة الدولة وأعلاها كعبًا. ولا غرابة فإن ذلك كان يتفق مع ميوله السلمية، وقد كانت هذه المدينة آخذة في الاتساع، يزداد بهاؤها وعظمتها باطِّراد منذ أوائل الأسرة الثامنة عشرة، مما جعلها تأخذ بنصيب الأسد من الثروة التي كانت تتدفَّق على مصر من «سوريا» وبلاد «النوبة». والواقع أن «طيبة» نالتْ في عهده ما لم تَنَلْه في عهد أيِّ فرعون قبله أو بعده، بما أُقيم فيها من معابد فاخرة وقصور شامخة كانتْ مضرب الأمثال وبهجة الناظرين في عصره. على أن ما أقامه في هذه المدينة من آثار كان يترسَّم فيه خُطَا أسلافه ثم يفوقهم في الفَخَامة والعَظَمة، هذا فضلًا عما ابتكره مما لم يُسبَق إليه.
لقد نقلتُهما من «عين شمس» الشمالية إلى «عين شمس الجنوبية» (أيْ من محاجر الجبل الأحمر الواقعة بجوار عين شمس إلى طيبة الغربية التي كان يُطلِق عليها المصريون اسمَ «عين شمس الجنوبية»).
وقد لَقَّب هذا الفرعونُ نفسَه على تمثاليه الضخمين المُقامين أمام هذا المعبد: «صاحب الآثار العظيمة التي نقَلها بقوَّته من «عين شمس الشمالية» إلى «عين شمس الجنوبية».
وهذه اللوحة لها أهميتها القيمة من الوجهة التاريخية والدينية؛ إذ تَصِف لنا معبد «أمنحتب» الجنازي الذي أُقيم فيه تمثالا «ممنون» ومعبد «الأقصر» وما يتصل به من مبانٍ، والقارب المقدس، والبوابة الثالثة العظيمة التي أقامها هذا الفرعون في معبد «الكرنك»، ومعبد «صولب» الذي أقامه في بلاد «النوبة»، ثم أنشودة للإله «آمون».
تأمل! إن قلب جلالته كان راضيًا عن إقامة آثار عظيمة مما لم يُعمل مثلُها منذ الأزل.
خطاب الفرعون
يعيش (ألقاب الفرعون) الملك «أمنحتب الثالث» يقول: تعالَ أنت يا «آمون رع» يا رب طيبة، يا مَن تسيطر على «الكرنك»، لقد رأيتُ بيتك، الذي لك في غربي «طيبة»، وجماله يمتزج بجبال «مانو» (جبال خرافية في الغرب) عندما تسبح في السماء لتغرب وراءها، وعندما تشرق في أفق السماء فإنه يضيء بذهب وجهك؛ لأن واجهته شطر الشرق … وإنك تضيء في الصباح كل يوم، وجمالك في وسطه دائمًا، ولقد صنعتُه صناعة ممتازة، فهو من الحجر الرملي الأبيض الجميل.
تمثالا ممنون
ولقد ملأه جلالتي بالآثار بتماثيلي من جبال الحجر الصلب، وعندما تُرى في مكانها فإنها تبعث البهجة بسبب حجمها «العظيم»، ولقد صنعتُ كذلك صورة في الحجر من المرمر والجرانيت الوردي والأسود. وقد أقام جلالتي «بوابتين» مريدًا عمل أشياء ممتازة لوالدي، وتماثيل خارجة … وقد صورت … جميعها، ولقد كان ما صنعتُه من ذهب وحجر، وكل حجر غالٍ فاخر لا حصر له. ولقد ألقَيتُ عليهم التعليمات ليعملوا ما يسرُّ حضرتَك راضيًا بمأوًى ممتاز مثل …
القربان
ولقد خصصت لها (التماثيل) قربانًا … وقد عمل جلالتي هذه الأشياء لملايين السنين، وإني أعلم أنها تمكث على الأرض لوالدي … كل ما يلزم عمله له. وصنعتُ لك ظلًّا (مزولة؛ أي ساعة شمسية) لسياحتك في عرض السماء مثل «آتوم» عندما يخرج مع كل الآلهة حينما يكون تاسوع الآلهة الذين خلفك والقردة المقدسة تمجِّد شروقك وظهورك في … الأفق. والتاسوع الإلهي يبتهج ويقدمون الثناء للإله «خبري»، والقردة المقدسة تمدحك عندما تغرب في «الحياة» في الغرب.
المسلات
كلام آمون
الكلام الذي نطق به «آمون» … تعالَ يا بُنَي «أمنحتب»، إني أسمع ما تقول، ولقد رأيتُ آثارَك، وإني والدك خالق جمالك … وإني أتقبَّل أثَرَك الذي أقمتَه لي.
كلام التاسوع الإلهي
… تعالَ … في معبدك الأبدي، وإنه «نب ماعت رع» (أمنحتب الثالث) ابنك الذي عمل لك هذا … وإنك في السماء، وإنك تضيء الأرض، والمَلِك على الأرض يُدير دولتك …
وربما يُعزَى بقاء هذين الأثرين لتأليه القوم لهذا الفرعون، وعلى أية حال يَظهَر أنه لم تَقُمْ أية محاولة لإتلافهما واغتصابهما، كما كانت سُنَّة الفراعنة؛ ولذلك فقد بَقِيَا جالسَيْن على حافَةِ الصحراء يَرَيان «طيبة» تنمو تارة وتسقط أخرى. فقد رأيَا «الأثيوبيين» يدخلون البلاد، ومِن بعدِهم «الآشوريين» ثم «الفُرْس» ثم أعقبهم «الإغريق» «فالرومان»، ثم «العرب» أخيرًا.
وفي عام ٢٧ق.م حدث زلزال قضَى على بعض ما كان ماثلًا من خرائب «طيبة» وهشَّم التمثال الشمالي من تمثالَيْ «ممنون» فكسر نصفين، وسقط نصفُه الأعلى، وكان هذا الزلزال الذي أعقبه الكسر فاتحةَ عهدٍ جديد في شُهْرة هذا الأثر؛ إذ بعد حدوث هذا التصدُّع بزمن قصير كان المارَّة يسمعون في الصباح المبكر عند طلوع الشمس صوتًا موسيقيًّا ينبعث من التمثال المكسور، كأنه صوت عود، وقد انتشر خبر تلك الأعجوبة؛ ومن ثَمَّ حَبَكَ الخيالُ الإغريقي الخصب الخرافات عن سبب هذا الحادث. وعلى الرغم من أن المصريين الذين كانوا يعيشون بجوار هذين الصنمين يعرفون أنهما للفرعون «أمنحتب الثالث»، فإنهم أفتَوْا بأن الصوت المنبعث من التمثال هو صوت «ممنون» ابن «تيتوس» أخي الملك «برايام» صاحب «طروادة» و«إيوس» الإلهة الإغريقية إلهة شفق الفجر.
وتقول الأسطورة إن ممنون كان يُهاجِم أهالي «طروادة» هو وجيش من الأثيوبيين ضد الإغريقيين، وقد قتله «أخيل» البطل الإغريقي، غير أن أمه «إيوس» التقطتْ جثته من ساحة القتال، ودَعَتِ الإله «زيوس» أن يمنحه الأبدية.
(٥-١) قصر «أمنحتب الثالث» في الجهة الغربية من «طيبة»
والواقع أنه لما كُشف عن بقايا هذا القصر حديثًا كشفًا علميًّا، لم نجد منه إلا بقايا ضئيلة جدًّا، مما يؤكد قول «ديدور» إن المصري كان يَعُدُّ مسكنَه مجرَّد مأوًى مؤقت. فلم تكن قصور الفراعنة تحوي من الآثار الضخمة ما كانت تحويه قصور «آشور»، بل كان بناءً من اللَّبِن مثل البيوت الأخرى، يحوطه إطار من الخشب، مرفوع على عَمَد، وله واجهات وأروقة، ويحتمل أنه كان قليل الارتفاع عظيم المساحة. وإذا أراد الإنسان أن يتخيل قصرًا مصريًّا في تلك الفترة فما عليه إلا أن يُرخِيَ لخياله العنان، من حيث العظمة والضخامة؛ إذ على ما يظهر كانت كل العناية موجَّهة إلى حسن الذوق في تنسيقه وزخرفته، وما بقي لنا من نتف صغيرة من زخرفة هذا القصر، يدل على أن «أمنحتب الثالث» كان مثله كمثل ابنه «أمنحتب الرابع» (إخناتون) يرغب في أن يجعل مناظر الطبيعة ممثَّلة داخل قصره لتكون متعة للعين، فلا بد أن مناظر طيور الماء وهي تسيح في أدغال نبات البشنين، والحمام وهو يرفرف في السماء الصافية الأديم، وغير ذلك مما صوَّره في مناظره، كانت تُدخِل على قلب هذا الفرعون السرور والغِبْطة، ولا بد أن حجرات هذا القصر كانت مؤثَّثة بأحسن ما يُنتِجه الفن المصري، من أنواع التصوير، والأداة الزخرفية الرشيقة، ولسنا مبالغين في هذا الخيال، ولا ذاهبين فيه شططًا، فإن فيما عُثر عليه من الأثاث الجنازي الفاخر في قبر «يويا» وزوجه «تويا»، وهما والدا الملكة «تي» زوج «أمنحتب الثالث» برهانًا ساطعًا على صِدْق ما تخيلناه. فقد وُجدتْ في هذا القبر قِطَع فنية من أحسن وأدقِّ ما أخرجه المفتنُّ المصري، وأحكم صناعته الصائغ الحاذق. ولسنا بذاهبين بعيدًا للبحث عن وصف قصر هذا الفرعون، ففيما خلفه لنا «توت عنخ آمون» من أثاث فاخر، وما كُشف عنه حديثًا من بقايا قصر «أمنحتب الرابع» في «إخناتون»، وقد كان يسكنه والده في آخر أيام حياته ما يُغني عن كل وصْف وتهويل. أما قصور عظماء القوم فسنتحدث عنها في حينها.
أهمية اسم القارب «تحن آتون»: على أن الأهمية الحقيقية للمؤرِّخ هنا، لم تكن في الواقع تُحصَر في بناء هذا القصر أو في حفر تلك البحيرة، بل ربما كانت الأهمية العظمى تنحصر فيما ينطوي عليه اسم هذا القارب الذي كان يمخر عباب البحيرة بالملك من معنًى عميق؛ وذلك لأن الاسم «تحن آتون» (قرص الشمس يسطع) كان أول مظهر رسمي لاسم إله جديد مُزج باسم هذا القارب «آتون» وسيكون له بعد خمسة وعشرين عامًا أكبر مكانة عند الفرعون، كما سيكون أكبر شؤم وأبغض شيء عند السواد الأعظم من المصريين. على أنه لا يمكن الجزم في هذه الآوِنَة بما إذا كان «آتون» الذي يحتفل «أمنحتب» بضوئه في اسم قاربه هو نفس «آتون» الذي كان يقصده والدُه «تحتمس الرابع» ثم ابنه «إخناتون» فيما بعد أم غيره، وإنْ كانت كل الدلائل والظواهر تدل على أنه هو بعينه كما سبق ذكره. وعلى أية حال فإن مجرد ظهور هذا الاسم في هذه الفترة، وبعد ذكره في عهد «تحتمس الرابع» يُعدُّ البذرة الأولى، لقيام هذا المذهب الجديد فيما بعد جملة.
وعلى أية حال، فإنا نجد «أمنحتب الثالث» قد بقي — ولو ظاهرًا — مؤمنًا بآلهة آبائه الأولين؛ مما جعله يستمر في إقامة المباني الضخمة لهم في «طيبة» وفي جميع أنحاء جهات القُطْر.
(٥-٢) قبر «أمنحتب» في أبواب الملوك
وكذلك وُجد غطاء تابوته المصنوع من الجرانيت الأحمر.
(٦) آثار «أمنحتب» في طيبة الشرقية
(٦-١) طريق الكِبَاش
أما في طيبة الشرقية فقد أقام فيها عدَّة مبانٍ، نخص بالذكر منها: طريقًا لتماثيل «بوالهول» الذي يمثِّل الإله «آمون» برأس كبش، ويتألف من اثنين وعشرين ومائة تمثال نُحتت من الحجر الرملي. وتقع هذه الطريق أمام معبد الإله «خنسو» الحالي، وقد نُقش عليها اسم «أمنحتب الثالث»، والظاهر أن هذا الفرعون، قد أقام معبدًا في هذه النقطة في المكان الذي يحتلُّه معبد «رعمسيس الثالث» الحالي.
(٦-٢) البوابة الثالثة
وقد أقام «أمنحتب» كذلك بوابة بمثابة واجهة جديدة لمعبد الإله «آمون» العظيم، وتدل الكُشُوف الحديثة على أن معظم الأحجار التي ملأ بها هذا الفرعون جوف هذه البوابة كانت من معابد مَن سبقه، وبخاصة من معبدين صغيرين يرجع أحدهما للملك «سنوسرت الأول»، والثاني للملكة «حتشبسوت»، وكذلك وُجدت فيها أحجار من معبد للفرعون «أمنحتب الثاني» وغيره كما أشرنا إلى ذلك من قبل.
(٦-٣) سفينة الإله «آمون» في الكرنك
وكان «أمنحتب» مهتمًّا بسفينة الإله «آمون» المقدسة، التي كان يركبها في وقت الاحتفال بالأعياد العظيمة ليذهب لزيارة آلهة المعابد المجاورة، وبخاصة في «عيد الوادي» الذي كان ينتقل فيه من معبده بالكرنك إلى «طيبة» الغربية إلى معبد «الدير البحري» (راجع مصر القديمة ج٣)، وقد كان ذلك يُحتِّم استعمال سفينة كبيرة يوضع عليها القارب المقدس المسمى «وسرحات»، وأحسن صورة لهذا المنظر نجدها في الكرنك مصوَّرة على البوابة الثالثة التي أقامها الفرعون «أمنحتب الثالث» وهي على الجدار الشرقي لبرج البوابة الشمالي.
لقد صنعتُ أثرًا ثانيًا لمَن أنجبني، وهو الإله «آمون رع» رب طيبة، الذي مكَّننِي على عرشه، فصنعتُ له سفينة عظيمة لأجْل «عِيد بداية النهر»، واسمها «آمون رع في السفينة المقدسة» (وسرحات) من خشب الأرز الجديد الذي قطعه جلالته من أقاليم أرض الإله. وقد جرَّه (الخشب) على جبال «رتنو» أمراء كل الأقاليم. وقد كانت واسعة وكبيرة ولم يُصنع لها مثيل (من قبل)، وقد بُنيت جميعُها بالفضة وغُشِّيت بالذهب، ومحرابها العظيم من السام، وبذلك تملأ الأرض بضوئها، ومقدماتها كذلك لامعة، وتحمل التيجان العظيمة التي تلف أصلالها على كِلا جانبيها لحمايتها، وقد نُصبَتْ عَمَد الأعلام أمام (المحراب) موشَّاة بالذهب، وبينها مسلتان عظيمتان، وهي جميلة في كل نواحيها، وآلهة (أرواح) «بوتو» يقدمون لها عيدًا، وآلهة «نخن» (الكاب) يمدحونها، وإلها النيل الجنوبي والشمالي يضمان جمالها، ومقدماتها تجعل «نون» (النيل) يضيء كما تضيء الشمس عندما تطلع في السماء لتجعل سياحته البهية في عيد «أوبت» (الأقصر) في سياحته الغربية لملايين ملايين السنين.
موازنة بين سفينة آمون وسفينة أمير البحر نلسن: ومن ذلك نرى جليًّا أن السفينة المقدسة كان يبلغ طولها نحو أربع وعشرين ومائتي قدم، وتلك حقيقة تنطق بمهارة المصري في صنع السفن مما يدعو إلى الإعجاب والتقدير، وبخاصة إذا وازنَّا سفينة «آمون» المقدسة بسفينة أمير البحر الإنجليزي العظيم «نلسن»، التي انتصر بها على أسطول «نابليون» في موقعة «الطرف الأغر» عام ١٨٠٥، وهي التي كان يُطلَق عليها «فكتوري» (النصر)، فقد كان طولُها لا يزيد على ست وثمانين ومائة قدم. أيْ إن سفينة الإله «آمون» التي بُنيتْ عام ١٢٠٠ق.م، تُربِي عليها بنحو ثمانٍ وثلاثين قدمًا. وكانت سفينة «نلسن» هذه تُعَدُّ فخْرَ الأسطول الإنجليزي في عام ١٨٠٥ بعد الميلاد.
وقد أقام هذا الفرعون في معبد الكرنك عدَّة مبانٍ أخرى، كما أضاف نقوشًا على مباني الملوك الذين سبقوه.
(٦-٤) معبد آخر للإله «منتو»
(٦-٥) معبد الإلهة موت
(٦-٦) معبد الأقصر١١
وهذا المعبد الفخم، يشمل خمسة أجزاء لها ثلاثة محاور مختلفة بعض الشيء، فالمحراب وهو المكان الذي ينتهي إليه الاحتفال بتمثال الإله ويوضع فيه مفتوح من الأمام والخلف وله قاعة أمامه، ورواق ذو عَمَد في الخلف، وحجرات جانبية، وأمام رواق العمد هذه ساحة مفتوحة. ثم قاعة عمد فيها أربعة صفوف، كل منها يحتوي على ثمانية أعمدة، محورها ينحرف بعض الشيء إلى الشمال، بدلًا من الشمال الشرقي مثل المحراب، وبعد ذلك ساحة يُحيط بها عمد بُنيت في اتجاه المحراب، وأخيرًا نجد أمام هذه الساحة والبوابة الضخمة، التي تُؤلِّف واجهة المعبد، طريقًا على جانبه أربعة عشر عمودًا، بمثابة مدخل، وأمامها بوابة أصغر من السالفة.
ملك الوجه القبلي، والوجه البحري، رب الأرضين «نب ماعت رع» (أمنحتب الثالث)، وارث رع، وابن الشمس، رب التيجان، «أمنحتب الثالث»، حاكم طيبة الذي رضي ببناء أقامه لوالده «آمون» رب «طيبة» في «إبت» الجنوبية (الأقصر) من الحجر الرملي الأبيض الجميل، وقد أقامه واسعًا كبيرًا، وقد زيد في جماله، وجدرانه من السام، ورقعته من الفضة، وكل أبوابه قد غشِّيت با … وبرجاه يصلان إلى عنان السماء، ويمتزجان بالنجوم، وعندما يراه القوم ينطلقون بالحمد لجلالته.
وإنه الفرعون «نب ماعت رع» الذي أرضى قلب والده «آمون» رب «طيبة» الذي وهبه كل مُلْكه، ابن الشمس، «أمنحتب» حاكم «طيبة» ضياء «رع».
لقد أقامه (المعبد) أثرًا لوالده «آمون رع» ملك الآلهة، فأقام له قصرًا جديدًا من الحجر الرملي الأبيض الجميل، وأعلى بناءه جدًّا وزاد في وسعه، وزيَّنه بالسام جميعًا، وبكل الأحجار الفاخرة الغالية؛ ليكون مأوًى للإله «آمون» ومكان استراحة لرب الآلهة، وقد عمل على غرار أفقه (مسكنه) في السماء، لأجل أن يُعطِي الحياة.
على أن ما جاء في النقش من بيان مثل: «الذي بنى المعبد … ونحت تماثيلهم وما كان مقامًا باللبِن أُقيم ثانية بالحجر.» يدل دلالة صريحة على أن هذا المبعد كان قد أُقيم على أنقاض معبد آخر من عهد الدولة الوسطى.
ولا نزاع في أن الجزء الذي أقامه «أمنحتب الثالث» في هذا المعبد الضخم، وهو الجزء الجنوبي، يمتاز بجمال الفن ودقة التنسيق، تلحظهما لأول وهلة عين المفتنِّ عندما نَقْرِنه بالمباني الأخرى التي أُقيمت في العهود التي تَلَتْ عصرَه، وهي التي تنقصها تلك المسحة الفنية الراقية والتناسُب الجميل الذي يمتاز به معبد «أمنحتب».
(٦-٧) معبد آخر بالقرب من الأقصر
وقد أقام جلالته معبدًا آخر لوالده «آمون»، وقد أقام له حظيرة بمثابة قربان إلهي قبالة «أبت الجنوبية» (الأقصر)، وهو مكان ملائم لوالدي في عيده الجميل، وقد أقمتُ معبدًا عظيمًا في وسطه مثل «رع» عندما يُشرق في الأفق. وقد غرستُ فيه كل الأزهار، وما أجمل «نون» (النيل) يجري في بحيرته في كل فصل! وخمره أغزر من المياه، كأنه النيل في تمام فيضانه، وقد خلقه رب الأبدية، وسِلَع هذا المبنى عديدة، فجِزْية كل الأقاليم تَرِد إليه، ويؤتَى لوالدي بإتاوات كثيرة من كل البلاد بمثابة قرابين. وقد وهبني كل أمراء الأقاليم الجنوبية، ومثلهم الشماليون، كل واحد منهم مثل جاره، وفضتهم، وذهبهم، وماشيتهم، وكل حجر فاخر ثمين في بلادهم بالملايين ومئات الآلاف وعشرات الآلاف. ولقد أقمتُه للذي أنجبني بقلب سليم على حسب ما نصبني لأكون شمسَ قبائل الأقواس التسعة.
من هذا النص نفهَم: أن معظم خيرات البلاد الأجنبية، كانت تتدفق على هذه المعابد، ولا بد أن كهنة هذا المعبد، كانوا ينعمون بحياة رضيَّة، كلها رخاء، خمرها أنهار، وفاكهتها مما تشتهي الأنفس وتلذُّ الأعين، وقصورها مغشَّاة بالذهب، فُرشت بالأثاث الفاخر، مما يتخيَّله الإنسان في جنات النعيم. جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها لا يبغون عنها حِوَلًا.
(٦-٨) معبد «صولب»
«ملك الوجه القبلي والوجه البحري «نب ماعت رع»، محبوب «آمون رع» ابن الشمس، «أمنحتب الثالث»، حاكم طيبة. لقد أقمتُ آثارًا أخرى لآمون منقطعة النظير، لقد أقمتُ لك بيتك (الباقي) ملايين السنين في … «آمون رع» رب طيبة، المسمَّى «المضيء في الصدق» (خع-م-ماعت) رافلًا في السام، مأوًى لوالدي في كل أعياده، وقد بُني بالحجر الرملي الجميل، وغشِّي بالذهب كله، ورقعته زُيِّنت بالفضة، وكل أبوابه بالذهب. ونُصبت مسلتان على كلا جانبيه، وعندما يشرق والدي بينهما تراني من بين أتباعه. وقربتُ له آلافًا من الثيران وقِطَعًا من أحسن الأجزاء الخلفية (من الثور).» ثم يلي ذلك أنشودة لآمون وهي:
أنشودة «لآمون»: كلام آمون ملك الآلهة
ومن هذا النص تعلم أن «أمنحتب الثالث» قد أقام مسلتين أُخرَيَيْن أمام هذا المعبد، وقد ذُكرا على نقش دوِّن على أحد الكباش التي أُقيمت أمام هذا المعبد. وبذلك يكون هذا الفرعون قد أقام أكثر من ثماني مسلات في «طيبة» و«صولب»، إلا أنه لم يبقَ منها واحدة في مكانها. أما القصيدة التي جاءت في آخر هذا النقش، فتُعدِّد لنا الممالك والأقاليم التي كان يسيطر عليها هذا الفرعون، والتي كان أهلها يأتون إليه صاغرين، مُحمَّلين بالجزية والهدايا، فكان يأتي إليه من الجنوب أهل السودان، ومن الشمال يَفِدُ عليه أهل آسيا حتى أقاصيها، ومن الغرب كان يُجلِب إليه أهل «لوبيا» الذين استولى عليهم وسخَّرهم في بناء هذا المعبد المحوَّط بسور عظيم، يصل ارتفاعه إلى عنان السماء، ومن الشرق كان يسعى إليه أهل بلاد «بنت» يحملون العطور والأشجار ذات الشذَى الذكي، ثم هم في الوقت نفسه يطلبون إليه أن يمنحهم نفس الحياة الذي هو مِلْك يدِه.
أما النقوش التي وُجدت على ما تبقَّى من جدران المعبد في تلك الجهة فلم نجد من بينها ما يدل على وصف المعبد في المكان المخصص بها عادة وهو العتب، ولكنا وجدنا ما يشير إلى ذلك في بعض النقوش، وبخاصة على تماثيل الكباش التي كانت مصفوفة على جانبي الطريق المؤدِّي إلى المعبد، وكذلك على الأُسُود المشهورة التي كانت مُقامة هناك، والمحفوظ بعضها الآن بالمتحف البريطاني.
يعيش الإله الطبيب «نب ماعت رع» ابن الشمس «أمنحتب الثالث»، لقد عمله بمثابة أثَرٍ لصورة «نب ماعت رع» رب النوبة، الإله العظيم، رب السماء، مقيمًا لنفسه حصنًا ممتازًا يحيط به جدار عظيم، تضيء شرفاته أكثر من السماء، مثل المسلات العظيمة التي أقامها الملك «أمنحتب الثالث» حاكم طيبة، لمدة مليون مليون من السنين، أبد الآبدين. يعيش الإله الطيب … لقد أقامه بمثابة تذكار لوالده «آمون» رب طيبة، فبنى له معبدًا فاخرًا، وقد أُقيم عظيمًا في سعته، وضخامته، وزيد في جماله. (بواباته) تصل إلى عنان السماء، وعمد أعلامه هي نجوم السماء، ويُرى من كلا جانبي النهر مضيئًا الأرضين.
وفي نقش ثانٍ على صورة كبش آخر قد ذُكر المعبد بأنه أُقيم في حصن «خع-م-ماعت» وأنه أُهدِي للإله «آمون»، كما جاء في نقش اللوحة الجنازية.
والنقوش التي على بعض هذه التماثيل لها أهمية تاريخية؛ إذ قد حَرَص «أمنحتب الثالث» على أن يذكر عليها تأسيس المعبد كما ذكرنا، وكذلك يمكننا أن نستخلص حقائق تاريخية أخرى من التغيُّر الذي حدث في نقوشها الأصلية؛ إذ نجد أن نقوش الإهداء التي دوَّنها «أمنحتب الثالث» على هذه التماثيل قد مُحيتْ في عهد الثورة الدينية التي قام بها «إخناتون»، مما يدل على أن اضطهاد «إخناتون» للإله «آمون» كان قد وصل إلى «صولب» جنوبًا، وأنه تجنَّى على اسم والده فمَحَاه؛ لأنه يشمل كلمة «آمون».
(٧) أعياد «سد» (العيد الثلاثيني)١٤ التي احتفل بها «أمنحتب الثالث»
ومن التقاليد التي تتصل بعيد «سد» كل المناظر التي يمثل فيها الفرعون ويجري أشواطًا في سباقات، وكذلك مناظر للرقصات الخاصة التي كان يرقصها أمام الإله، وكذلك مواكب أرواح الوجهين القبلي والبحري، وهم يحملون الفرعون على محفَّة كالتي نراها مثلًا في الأقصر على الجدار الجنوبي لحجرة الولادة.
وتدل النقوش على أن هذا العيد كان ينتظم عدَّة احتفالات تُقام حسب تقاليد العصر ومعتقداته؛ ولذلك لا نجدها تجتمع كلها في منظر واحد على ما يظهر، أو في مكان واحد على الآثار التي بَقِيتْ لنا حتى الآن. والظاهر أنه كان يُنحت بعض هذه الاحتفالات وتُصور على جدران «المقبرة»، أو في المعبد حسب اعتقاد صاحب المقبرة التي ستُرسم فيها هذه الاحتفالات. ومن الجائز أن المساحة التي كانت تحت تصرُّف الرَّسَّام لها دخْل في رسوم مناظر هذا العيد. وقد تَرك لنا «خيروف» في مقبرته بطيبة الغربية منظرين خاصين بالاحتفالات التي كانت تُقام في هذا العيد، كلٌّ منهما يختلف عن الآخر، فالأول يُفسِّر لنا العقيدة الشمسية، والثاني يوضِّح لنا العقيدة الأوزيرية، وكلاهما يدل على الحياة ثم الموت ثم الحياة ثانية وهكذا.
فالمنظر الأول خاص بالعيد الأول الذي احتفل به في العام الثلاثين من حكم «أمنحتب الثالث»، والثاني خاص بالعيد الثالث الذي أُقيم في العام السادس والثلاثين من حكمه أيضًا.
فيُشاهَد على الجدار الشمالي من الجزء المكشوف حديثًا منظر في طرفه الأيمن يُرى فيه الملك مرتديًا لباس العيد «سد»، وبجانبه الملكة «تي» جالسَيْن، والإلهة «حتحور» واقفة خلفَهما، وهما يُشرِفان على توزيع الهدايا التي كانت تحتوي على أطواق من الذهب وطيور وسمك من الذهب أيضًا، هذا إلى أشرافٍ كان يمنَحُهم الفرعون عطفَه. والمشهد الثاني يَظهَر فيه الفرعون والملكة خارجَيْن من باب القصر المزدوج يتقدَّمهما عشرة كهنة، كلُّ واحد منهم يحمل رمزًا قديمًا مقدسًا مرفوعًا على عَلَم، وأمامهم طائفة من الأميرات يحمِلْنَ سلات ويلْعَبْنَ بالصاجات. وفي الطرف الأيسر من المنظر نرى صورة «سفينة الشمس» (مهشَّمة) يجرُّها عشرون من كبار موظفي القصر. وتدل النقوش الخاصة بهذه السفينة على أنها «سفينة الليل» (أي التي يغرب فيها الإله دلالة على الموت)، وهي من النوع العادي، وفي وسطها حجرة على هيئة محراب صغير. ويُشاهَد في مقدمتها ستارة منظومة من حبات خرز معلقة في نهاية السفينة، ويعلوها صورة الإله «حور» الطفل وثلاثة أوتاد. وفي وسط هذا المحراب يُشاهَد الفرعون واقفًا بملابس عيد «سد»، وفي يده السوط والقضيب المعقوف، ويُرى خلفَه صورة امرأة ربما تكون الملكة «تي». وأمام المحراب يُشاهَد خمسة أشخاص أولهما صاحب المقبرة «خيروف». والثاني والثالث يحمل كلٌّ منهما لقب «القاضي والوزير» (أي وزير الوجه القبلي ووزير الوجه البحري). أما الرابع فإن النقش الدالَّ على وظيفته وُجد مهشَّمًا، وخامسها يُشاهَد خلف المحراب محرِّكًا سكان السفينة.
السنة الثلاثون الشهر الثاني من فصل الصيف السابع والعشرون من حكم جلالة «حور»، الثور القوي المشرق مثل العدالة، معطي الحياة ملك محبوبه «أمنحتب» حاكم طيبة معطي الحياة ملك الوجه القبلي والوجه البحري (نب ماعت رع) (رب العدالة رع)، ابن الشمس محبوبه «أمنحتب» حاكم طيبة معطي الحياة، لقد ظهر الملك عندما أُقيم الاحتفال بعيد «سد» عند باب قصره الكبير المزدوج وسمح للأمراء بالدخول في إيوانه، كذلك أقارب الملك الذين كانوا على رأس الشعب وهم أقارب الفرعون، وموظفو سفينة الشمس، ومديرو القصر، والأشراف الملكيون فكوفئوا بذهب الثناء في صور طيور وسمك مصوغة من الذهب، وخُلِع عليهم ملابس من نسيج «سسفو» ونسيج «وازو»، ثم صفوا في الموكب (كلٌّ على حسب درجته) ثم أكلوا بعد ذلك خبز الإفطار وقربان الفرعون، وبعد ذلك أُمروا بالذهاب إلى بحيرة جلالته ليجدفوا في السفينتين الملكيتين، وأمسكوا بأمراس مؤخرة سفينة الليل (مسكتت) وأمراس مقدمة سفينة النهار (معنزت) ثم جرُّوا الجالس على العرش العظيم ووقفوا على دَرَج سُلَّم عرش جلالته، وقد عُمل ذلك على حسب ما في السجلات القديمة، ومنذ القِدَم لم يحتفل القومُ بعيد «سد» احتفالًا يُضارِع هذا …
وهذا المتن الهام يَضَع أمامنا بوضوح الدور الذي كانت تلعبه كل من سفينتي الشمس في عيد «سد». والظاهر أن الفرعون كان بعدَ إقامة الولائم وبذْل العطايا للمُصْطَفَيْنَ الأخيار من بين أشرافه ورجال بلاطه يسير في موكب إلى البحيرة المقدسة، ولا بد أن تكون في هذا الوقت هي البحيرة التي حفرها «أمنحتب» للملكة «تي» في الجهة الغربية من «الأقصر»، أو تكون بحيرة المعبد بالكرنك وهو المرجح، وفيها ينزل الفرعون في سفينة الشمس الخاصة بالليل وهي التي تمثِّل الموت، ثم في سفينة النهار كلٌّ بدورها، ويجرُّها الموظفون، وهم فئة خاصة يسمَّوْن موظفي سفينتي الشمس. ولما كان عيد «سد» هو رمز موت الفرعون وإحيائه كما قدمنا، فالغرض إذن من هذا المنظر هو أن الفرعون كان ينزل أولًا في سفينة الشمس الليلية، وهذا الحادث يمثل موتَه وتوحيدَه مع «إله الشمس» المتوفَّى. وبعد أن يطوف حول البحيرة كان ينتقل إلى سفينة النهار وهذا رمز لولادته من جديد مثل إله الشمس عندما تشرق في الصباح، ثم يطوف حول البحيرة، وفي هذه الحالة كان العظماء الذين يجرُّون السفينة يُعتبَرون رمزًا للنجوم الثابتة التي لا تغيب؛ (النجم القطبي) والكواكب السيارة، أما الأشخاص الذين كانوا في السفينة مع الفرعون فيمثلون الآلهة الذين يكونون مع إله الشمس في السفينة.
ومعنى كل هذا أن الملك هو ابن إله الشمس، وكان يلعب كل الأدوار التي تمثل حياة هذا الإله الذي يُولَد في الصباح في الجهة الشرقية من السماء ثم يغيب في الجهة الغربية؛ أي يموت ليعود للحياة ثانية مولودًا جديدًا في الجهة الشرقية من السماء، وهذا ما يُرمز إليه عند الاحتفال بعيد «سد».
بَيْدَ أنه وُجد في الرسم الذي صَوَّر مناظرَه «خيروف» على جدران مقبرته في عيد «سد» الثالث حلقة ثانية في إحياء الفرعون كرة أخرى، أو بعبارة أخرى عقيدة ثانية في موضوع إحياء الفرعون تختلف عن العقيدة السابقة. وذلك أن العقيدة السابقة تمثل حياة الفرعون بحياة إله الشمس «رع» في السماء أو العقيدة الروحية. أما العقيدة التالية فتمثِّل حياته وموته بوصفه «أوزير» إله الموتى، أو بعبارة أخرى تمثل حياة الطبيعة المحسة التي تحيا ثم تموت ثم تحيا، وهكذا دواليك، وذلك على حسب زيادة النيل؛ فتحيا الطبيعة بحياته ثم تموت وتتجدد ثانية …
ولقد كان «أوزير» بخاصة يُعَدُّ في قديم الزمان ملكًا حكم على الأرض مدة ثم مات ثم أُعيد للحياة كرة أخرى وبقي يحكم في عالم الأموات. وقد رُسم منظر هذا العيد على الرواق الشمالي لمقبرة «خيروف»، فيُشاهَد في نهاية الطرف الأيسر الفرعون «أمنحتب الثالث» ومعه الملكة «تي» وكلاهما جالس على عرشه تحت مظلة فخمة. ويُلاحَظ أن العرش الذي تجلس عليه الملكة «تي» مزيَّن برسم «بوالهول» وهو يطأ تحت قدميه أعداء من السودانيين والآسيويين كما هي العادة. ولكن لما كانتِ الجالسة على العرش امرأة فإن صورة «بوالهول» تمشِّيًا مع ذلك مُثِّلت برأس امرأة، وكذلك الأعداء اللائي تطؤهن تحت قدميها أو المُصَفَّدات في الأغلال جاءت مناظرهن في صور نساء. ويقف أمام الملك والملكة «خيروف» صاحب المقبرة ويحمل لقب «الكاتب الملكي» ولقب مدير بيت الملكة «تي» وهو يقدِّم آنية من الذهب وقلائد للفرعون، ويشاهد كذلك أن الجزء الأعلى من صورة «خيروف» قد مُحي محوًا تامًّا، وفوق صورته نقش يصف تقديم الحُلِي ويشمل قلائد من اللَّازَوَرْد وحُليًّا من الذهب.
ويلاحظ أن جزء الجدار الذي خلف «خيروف» مقسم ثلاثة صفوف بعضها فوق بعض، وكلٌّ منها يشمل صورة «خيروف» يسير خلفه شخصان آخران، وأمام كل مجموعة منهم مَتْن مؤلَّف من سطرين أفقيين، غير أن الصور والمتن كليهما قد مُحي ولم يبقَ منها جميعًا إلا المتن الذي في الصف الأعلى، وهذه المتون تتحدث عن الدور الذي كان يقوم به «خيروف» في هذا الاحتفال بعيد «سد».
السنة السادسة والثلاثون. استعراض السمار الوحيدين، أمام عيد «سد» الثالث لجلالته بوساطة الأمير الوراثي والسمير الوحيد عظيم الحب والكاتب الملكي، مدير بيت الزوجة الملكية العظيمة «تي».
ومن ذلك نفهم أن «خيروف» كان يقوم بدور رئيس التشريفات في هذا الحفل.
وخلف هذا المنظر نجد على الجدار منظرًا آخر مقسمًا أربعة صفوف بعضها فوق بعض، أعلاها واسع والثلاثة الأخرى ضيقة، وكلها تمثل الشعائر المختلفة لهذا العيد.
إنه يعطي الحياة كلها والسرور كله والصحة كلها «أوزير» المسيطر على معبد «سكر» العظيم ملك الأحياء، والذي يثوي في ساحة جدران هذا الإله بعد إقامة «زد».
الحماية والحياة كلها تحيط بك مثل «رع».» وعلى حافة المحراب: «لك الحياة والثبات والعافية والحكم على عرش «جب» (الأرض)، أنت يا أيها الكائن الطيب «وننفر» يا ابن «نوت» الذي يُقِيم في حجرة من بيته.» (يعني «أوزير»).
رفع العمود «زد» الفرعون نفسه لتضيء الأرض بعيد «سد» الثالث.
وكُتب فوق الكاهنين المنحنِيَيْن نقش مُحي أوله، ويَظهَر أن هذين الكاهنين كانا مكلَّفَيْن إعطاء الملابس، وليقفا على أقدامهما لعمل الحفل بإقامة تمثال «زد» أمام الفرعون. ونُقش أمام الملك ما يأتي: «رفع تمثال «زد» الملك نفسه ليعطيه الحياة مثل «رع» مخلدًا.»
ويقف خلف الملك زوجه «تي»، ونُقش أمامَها: «الزوجة الملكية العظيمة محبوبته «تي».» ويُشاهَد خلفَها موكب مؤلَّف من الأميرات اللائي كن مشتركات في إقامة تمثال «زد»، كما يدل على ذلك النقش الذي يفسر المنظر.
الأحفال: خصصت ثلاثة الصفوف التي أسفل منظر إقامة عمود «زد» لتوضح الأحفال المختلفة التي كانت تَقِيمها الكهنة والكاهنات في هذا المعبد.
فالمنظر الأول يبتدئ من اليسار ويُشاهَد فيه ثلاث غانيات يصفقن بأيديهن وأمامهن عشرة كُهَّان يرقصن بأوضاع مختلفة في جماعات، وقد كُتب بين جماعتين منهن «هذا الرقص يُعمل أمام تمثال «زد».» ويُرى أيضًا أربعة من هؤلاء الكهنة يغنون أغنية كُتبت أمامهم.
موكب القرابين: هذا المنظر يبتدئ بمغنِّيَيْن يصفقان على أيديهما ويغنيان أغنية كُتبت عليها أمامهما، وتتألف من أربعة سطور. وخلف المغنيين أربعة من حاملي القرابين وكلهم من أقارب الفرعون، ونُقش فوقهم إحضار الجِعَة والخضر وكل الأشياء اللذيذة الطاهرة إلى روح بتاح «سكر» عمود «أوزير».
فتح الباب على مصراعيه للإله «سكر رع» في السماء لتجديد ضوء «آتوم»؛ لأجل أن نرى الضوء في الأفق، ولأجْل أن تملأ الأرضين بجمالك مثل السماء، وأنك ترسل أشعتك مثل «تحنت» (حجر براق لامع) مثل وقت ولادتك ومثل «آتوم» في السماء.
وخلف حاملي القرابين نشاهد طائفة من الرجال يرقصون رقصة حركاتها مثل حركات الراقصين في المنظر الأول. وهم كذلك مقسمون جماعتين، وقد كُتب في وسط الجماعتين التفسير التالي: «إقامة هذا المحفل في يوم … إقامة «زد» «أوزير» الفاخر أما التمثال الفاخر لبيت الإله «سكر».»
الصف الثاني: يوجد في هذا الصف منظران؛ الأول: للغناء والرقص، والثاني: يمثل الحرب بالعِصِيِّ وسيقان البردي.
ويبتدئ المنظر الأول منهما بصورة غريبة في بابها تشتمل على ثماني مغنيات، الاثنتان الأوليان منهن تضربان على الدفِّ، والباقيات يصفِّقْنَ بأيديهن، ويصحبهن المتن التالي: «مغنيات ومغنون لإقامة الشعائر والاحتفالات لنصب تمثال «زد».» ويلاحظ أن أربع راقصات يلبسْنَ ملابس رأس تُشبه التقيات الحالية لاصقة برءوسهن ويقمن برقصة استعملن فيها حركات بالجسم والأقدام والأذرعة، وقد نقش بينهن متن جاء فيه: «نساء أُتِي بهنَّ من الواحات لإقامة تمثال «زد».» غير أنه من المستحيل علينا أن نفهم لماذا أُحضِرْنَ من الواحات. وقد يحتمل أن الواحات الواقعة في غربي مصر لها علاقة بالأحفال الخاصة بإحياء «أوزير»، غير أن هذا يدل دلالة واضحة على العلاقة التي كانت بين الواحات وسكان مصر نفسها. وبعد هؤلاء الراقصات نشاهد كهنةً مرتِّلِين، يرقصون بأوضاع مختلفة، ثم كهنة يتحاربون، فبعضهم يتشاجر بقضبان بأيديهم في أوضاع مختلفة، وآخرون يتضاربون بسيقان البردي، وهم يمثلون أهل بلدة «ب» بالدلتا، وبلدة «دب» (بوتو) وغيرهم.
الصف الأسفل: وتستمر الاحتفالات في الصف الأسفل، وهو الصف الثالث والأخير، ويمكن تقسيمه ثلاثة أقسام؛ أولها: الجزء الذي في النهاية الشمالية من المنظر، ويمثل «خيروف» يتبعه بعض الموظفين الذين يحملون أشياء خاصة، والجزء الثاني: يمثِّل السفن المحمَّلة بالقرابين. أما الثالث: فيمثَّل فيه الثيران والحمير التي تطوف أربع مرات حول جدران «منف» وقد كُتب عليه: «طوافها حول جدران «منف» أربع مرات في هذا اليوم الذي يُنصب فيه عمود «زد» الفاخر للإله «بتاح سكر أوزير».» ومِن كل هذا يمكننا أن نفهم أن هذا الاحتفال بإقامة عمود «زد» هو رمز لإحياء الفرعون بعد موته، أو بعبارة أخرى تتويج الفرعون من جديد. كما تُوِّج أوزير من جديد على عالم الأموات.
(٨) آثاره خارج القُطْر
- وفي «قبرص»: وجد للملكة «تي» جِعْران في إنكومي Enkomi (راجع Murray, Smith and Walters, “Excavations in Cyprus”, IV, p. 608).
- في سوريا: وفي «سوريا» وُجد إناءان عليهما اسم هذا الفرعون في غزة (راجع Petrie, “History”, II, p. 188).
- في سينا: وفي «سرابة الخادم» في شبه جزيرة «سينا» قام هذا الفرعون بأعمال عظيمة لاستحضار المعادن والأحجار، وبخاصة الفيروزج، وقد وُجد له هناك لوحتان إحداهما مؤرَّخة بالسنة السادسة والثلاثين، وفيها يُشير قائد الحملة إلى البحر باسم «الأخضر العظيم»؛ مما يدل على أنه قام برحلة إلى هذه الجهات عن طريق البحر، ويلاحظ أن الفرعون قد مُثِّل على هاتين اللوحتين يتعبَّد للإلهة «حتحور» ربة «الفيروزنج» (راجع L. D. III, Pl. 71c). وكذلك عُثر له على مبانٍ هناك، وفخَّار مطليٍّ باسمه (راجع Petrie, “Researches in Sinai”, p. 74, 82, 108; Figs. 146, 5, 5; 148; 11, 12; 150. 12, 155. 7; Gardiner and Peet, “Sinai”, Pls. LIX, LXV–VI, 211, 222).
- وفي القاهرة: يوجد عمود مؤلف من قطع أعمدة من عهد «أمنحتب الثالث» في جامع التركمان بباب البحر، وقد اغتصبه «مرنبتاح» و«ستناخت»، ويحتمل أنه أتى به من «هليوبوليس» (راجع Daressy, “Notes sur des Pierres Antiques du Caire”, Rec. Trav. XXXV. p. 46).
- وفي الدلتا: أما في الدلتا فلم نعثر له إلا على آثار قليلة؛ أهمها أربعة تماثيل لموظفين من عهده، وُجدت في «تل بسطة» اثنان منها لحاكم يُدعَى «أمنحتب» وقاعدة واحدة لكاتب ملكي يُدعَى «خرفو»، ويلقَّب كذلك «مدير البيت»، وتمثال لم يُذكر عليه اسم صاحبه لكاهن وكاهنة، ولكن عليه مثل الآخرين اسم الفرعون (راجع Naville, “Bubastis”, p. 31–33).
- وفي بنها: عُثر على قطعة حجر كبيرة من الجرانيت الأسود عليها اسم الفرعون واسم الثعبان الحارس «حرخنتي خاتي» (“Monuments Divers”, 63b).
-
وفي طرة: فتح هذا الفرعون محاجر جديدة في السنة الأولى من حكمه. وقد دَوَّن
عمله هذا على جدران المحجر في «طرة» نفسها. وفي السنة الثانية من حكمه
دَوَّن نقشًا آخر مثل النقش الأول، وقد جاء فيه: «السنة الثانية في عهد
جلالة الفرعون (الألقاب) أمنحتب الثالث … أمر جلالته بفتْح حجرة جديدة
لأجْل قطع أحجار «عيان» الجميلة لبناء معابده (لملايين) السنين، وذلك
بعد أن وجد جلالته حجرات قطع الأحجار التي كانت في «عيان» بدأتْ تَظهَر
مخرَّبة جدًّا منذ الأزمان السالفة. وقد كان جلالته هو الذي جدَّدها
لأجْل أن يُعطَى الحياة والثبات والصحة مثل «رع» مخلدًا.»
(راجعA. S. XI, 259 (L. D. III, Pl. 71. Cd.)).
وقد وجد في معبد «كوم الحيطان» في «طيبة» قطعة من هذا الحجر مؤرَّخة بتاريخ المحجر باليوم الأول من السنة الأولى (Petrie, “History”, II; p. 189; Breasted, A. R., II. § 875).
- وفي الجيزة: وفي منطقة الجيزة عُثر له على لوحة في الحفائر التي قامت بها البعثة الألمانية في هذه المنطقة. واللوحة توحي بأن هذا الفرعون قد قام بزيارة منطقة الأهرام مثل أسلافه. وهذه اللوحة تحمل طغراء الفرعون ومنظرًا مُثِّل فيه الملك وهو طفل صغير عريان، يقدِّم زهرة «البشنين» ﻟ «بوالهول» الذي مثِّل جالسًا على قاعدة عالية، ومتوجًا بقرص الشمس يكتنفه صلان، والظاهر أنه كان يوجد تمثال بين مخلبي «بوالهول» غير أنه مُحي. وتمثيل هذا الفرعون وهو طفل يُشير إلى أنه تولَّى المُلْك وهو لم يبلغ الحُلُم بعدُ (راجع Holscher, “Das Grabdenkmal des Konigs Chephren”, p. 107).
-
وفي منف: وُجد في معبدها اسم هذا الفرعون، كما وُجدت له مناظر نقلت معظم
قِطَعها إلى «متحف بوستن» بأمريكا «وكوبنهاجن» (راجع
Porter and Moss, “Bibliography”, III, p.
220).
وكذلك وُجد صندوق أواني الأحشاء لقطة؟ أهداها «تحتمس» بن «أمنحتب الثالث»، وكان يشغل وظيفة كاهن الإله «بتاح» الأكبر (راجع Rec. Trav. XIV. p. 174-5).وتُعزَى أقدم مقابر للعجل «أبيس» لعهد هذا الفرعون، وقد كانت حجرة من الصخر يصل إليها الإنسان بممرٍّ منحدِر بُني فوقها مقصورة (راجع Mariette, “Le Serapeum de Memphis”, publie d’apres le Manuscrit de l’Auteur Par. G. Maspero (Paris, 1882) p. 117)، وقد وُجدت المقصورة للعجل الأول منقوشة، ويُشاهَد على جدرانها الفرعون «أمنحتب الثالث» مع الأمير «تحتمس» واقفَيْن أمام العجل أبيس (راجع Ibid, Texts, PP. 124–5).وكذلك وُجدت أربع أوانٍ من أواني الأحشاء عليها اسمه (راجع Ibid, Pl. I).وكذلك وجد إناء من المرمر عليه اسم الأمير «تحتمس» ابنه في «اللوفر» الآن (“Gauthier”, L. R. II, p. 336. (CIII))، كما عُثر على قطعة حجر من هذا العهد، وهي الآن في المتحف المصري (راجع Virey, “Catalogue”, 230).
- ميدوم: وفي «ميدوم» وُجد نقش على الصخرة ذُكر عليه اسم «أمنحتب الثالث» (راجع Petrie, “Meydum”, p. 4). أُرِّخ بالسنة الثلاثين من حكمه (راجع Porter and Moss, “Bibliography”, III. p. 90).
-
كوم مدينة غراب: ووُجد في غراب مائدة قربان أهدتْها الملكة «تي» إلى الفرعون «أمنحتب
الثالث»، وقد جاء عليها: «عملت آثارها لأخيها المحبوب «نب ماعت رع».»
وكذلك وُجد غطاء صندوق وأنبوبة كحل ذُكر عليهما اسم الملك وزوجته
وابنته «حنت تانب» (راجع Petrie, “Illahun”, Pls. XVII,
XXIV)».
وكذلك عُثر على وسادة عليها اسم الفرعون (راجع A. S. II. p. 142).
-
الكوم الأحمر: وفي الكوم الأحمر (بالقرب من المنيا) وُجدت له لوحة عليها لقبه (راجع
A. S., XII, p. 93). أما اسمه
فوُجد ممحوًّا، وكذلك وُجدت قطعة من الحَجَر عليها اسم «أمنحتب الثالث»
في «هوارتة» (بالقرب من المنيا) (راجع Murray, “Guide”,
p. 406). ويحتمل أنه وُجد في هذا المكان أيضًا
ثلاثة تماثيل من الأبنوس للفرعون «أمنحتب الثالث» والملكة «تي» ولأمير
آخَر (راجع Ippel and Roeder, “Denkmaler des Pelizaeus
Museums zu Hildesheim (1921), PP. 70, 80, Abb. 23,
25).
وبالقرب من هذه البلدة عُثر على قبرٍ سليمٍ لفرد يُدعَى «ثوتي» من عصر هذا الفرعون وعصر ابنه «أمنحتب الرابع»، وقد تجلَّى فيه فن العصر (راجع Chassinat, B. I. F. A. O., I, p. 226-7). وفي زاوية الأموات عُثر له على لوحة في الجبانة الحديثة، وهي محفوظة بالمتحف المصري الآن (راجع A. S. XII, p. 93 (VII))، ولوحة منحوتة في الصخر بالدير البحري مؤرخة بالسنة الأولى من حكم «أمنحتب الثالث» (راجع Rec. Trav, XXVI, p. 151-2).
- البرشة: وفي البرشة وُجدت لوحة مؤرَّخة بالسنة الأولى من عهد «أمنحتب» في محجر (راجع P. S. B. A., IX, p. 195, 206).
- العمارنة: وفي تل العمارنة وُجدت بطاقة بردية عليها اسم هذا الفرعون (راجع A. Z. XXXIII, p. 72)، وكذلك وُجدت خواتم باسمه (راجع J. E. A., VII, p. 182-3) كما عُثر على خمسة ألواح من المرمر باسمه هناك أيضًا (راجع Berlin Mus. 10586–8, 17955-6. Cartouches, “Aeg. Insch. Mus. Berlin”, II, p. 242)، وكذلك لوحة «لأمنحتب الثالث» و«تي» أمامهما القربان (راجع J. E. A., XII, Pl. 1. cf. p. 1-2)، ورأس «لأمنحتب الثالث» (راجع Berlin Mus. 21299)، وقِطَع من إناء أحمر من الجرانيت (راجع Frankfort, and Pendelbury, “The City of Akhenaton”, II, Pls. XLVII (3, 3) cf. p. 102. 108).
- مسيخ: وفي «مسيخ» يوجد معبد لهذا الفرعون (راجع P. S. B. A., VII. p. 172).
- ريانة: وفي «ريانة» يوجد حصن من اللبِن خُتمتْ بعضُ لَبِناته باسم «أمنحتب الثالث» (راجع Murray, “Guide”, p. 426).
- الوجه القبلي: أما في الوجه القبلي فآثار هذا الفرعون منتشرة بدرجة عظيمة.
- أرمنت: ففي «أرمنت» وُجدت قطعة من تمثال من الجرانيت الأسود باسمه (راجع Daressy, “Notes et Remarques”, Rec. Trav. XIX, p. 14).
- دندرة: وفي «دندرة» وُجد نقش من عصر البطالمة لهذا الفرعون في صورة «حابي» (النيل) بطغراء «نب ماعت رع» على رأسه، وأيضًا تمثال لأمِّه «موت مويا». (راجع A. S. VIII, p. 146.)، أما في «الكرنك» وفي «الأقصر» و«طيبة» الغربية فقد تكلَّمنا عن آثاره هناك بإسهاب في مكانه.
- الكاب: ويوجد له في الكاب معبد صغير مؤلَّف من حجرة مربعة ذات أربعة عَمَد وله ردهة، وقد بُني في الوادي الصحراوي خلف المدينة، وكان قد بدأ في إقامته والده وأتمَّه «أمنحتب» للإلهة «نخبت» (راجع L. D., III, Pl. 80). وكذلك يوجد اسم هذا الفرعون في المعبد الكبير الموجود بهذه البلدة (راجع Weigall, “Guide”, p. 328; Champollion, “Notices”, I, p. 266).
- الردسية: وفي «وادي عباد» بالردسية الواقعة على بعد ٣٥ كيلومترًا من إدفو في الصحراء يوجد نقش على الصخر مذكور فيه اسم الفرعون «أمنحتب الثالث» (راجع A. S. IX, p. 76).
- جبل السلسلة: وفي جبل السلسلة يوجد محراب عليه اسم هذا الفرعون في المحاجر هناك كان يعلوه صقر وقد سقط الآن بجواره (راجع P. S. B. A., XI, p. 233-4) وكذلك توجد مائدة قربان أُهديت إليه في السنة الخامسة والثلاثين من حكمه (راجع L. D. III, Pl. 81–c)، وكذلك وجد محراب عليه اسمه Weigall, “Guide”, p. 373، كما ذُكر اسم وزيره «أمنحتب» هناك (راجع A. S. IV, p. 197).
- إلفنتين: وكان يوجد في «إلفنتين» معبد مِن أتم المعابد وأجملها من عهد هذا الفرعون، وقد كان حتى هدْمِه في نوفمبر عام ١٨٢٢ يحتوي على جزء من ألوانه الأصلية، وقد هُدم لاستعمال أحجاره لإقامة معسكر ليسكن فيه الجنود السودانيون الذين كَوَّن منهم «محمد على باشا» جيشًا. ويقول «لينان باشا»: «إن محمد بك الذي كان مكلَّفًا بتأليف هذا الجيش قد هَدَمَ المعبد لا جهلًا منه، بل عن قصد؛ ليمنع زيارة الأجانب لأسوان.» (راجع J. E. A., Vol. XXXII (1946) p. 59)، ولكن لحسن الحظ كان هذا المعبد قد رُسم في عهد الحملة الفرنسية، وكذلك وُجد في مخطوطات المستر «بانكس» وغيرها «ibid, p. 57»، والمعبد في ذاته كالمعابد الأخرى له بابان من الأمام والخلف، ويسير الاحتفال الديني فيه حتى المحراب، ويشتمل على قاعة عَمَد مؤلَّفة من سبعة أعمدة في الجانب وأربعة أعمدة في الأمام حول خارجه. ومن المميزات الغريبة لهذا المعبد أنه كان مقامًا على طوار أجوف يصل إليه الإنسان بسُلَّمٍ ذي درجات. وقد رُسمت صورة المعبد كما رُسم في وثائق «بانكس» (راجع ibid, Pl. VII).
- أسوان: وقد عُثر له في «أسوان» على لوحة منحوتة في الصخر عليها أفراد يتعبَّدون إلى خرطوش «أمنحتب الثالث» (راجع Porter and Moss, “Bibliography” V, “Upper Egyptian Sites”, p. 222). ولوحة أخرى من المرمر باسم «أمنحتب الثالث» والملكة «تي» يتعبدان «لأوزير»، أهداهما «سبك نخت» مدير معبد آمون، وهي الآن في ميونخ (راجع ibid. p. 242). كما لا يزال في محاجرها التمثال العملاق الذي كان قد عُمل لهذا الفرعون ملقًى، وعلى الرغم من أن جزءًا منه لا يزال مدفونًا في الأرض، غير أنه من نسبة حجمه يمكن أن يُقدَّر ارتفاعه بنحو ٢٥ قدمًا، وفي هذه المحاجر نَقْش في الصخر يُرَى فيه النحات يتعبد لاسم هذا الفرعون ويقول فيه: «إنه قد نحت تمثال جلالته العظيم أحد الأمراء.» (راجع De Morgan “Cat. Mon.”, I. p. 62-3).
- كونوسو: وفي «كونوسو» نقشه المؤرَّخ بالسنة الخامسة من حكمه على الصخر.
- وادي السبوع: وله محراب في وادي السبوع (راجع A. S. IX, p. 184).
- أمدا: وفي «أمدا» وُجد له لوحات، وأتم كذلك نقش المعبد القائم هناك (راجع Lacau, “Steles du Nouvel Empire”, No. 340278).
- عنيبة: ووُجد له في عنيبة قطعة حجر عليها اسمه.
- مرجيس: وفي قلعة «مرجيس» له معبد (راجع Gunn, “The Religion of the Poor in Ancient Egypt”, J. E. A. III (1916). p. 81).
- بوهن: (وادي حلفا) وجدت لوحات باسمه (راجع Maciver and Woolley, “Buhen” p. 180, 81).
- سمنة: وفي «سمنة» عُثر على لوحة عليها اسمه (راجع Brit. Mus. Budge, “Sculpture”, p. 114, 115).
- سدنجا: وفي «سدنجا» الواقعة في شمالي «صلب» أقام هذا الملك معبدًا جميلًا، لا تزال بعض بقاياه تكريمًا للملكة «تي»، وبه نقش يقول: «إن «أمنحتب الثالث» قد أقام هذه الآثار للوارثة العظيمة القوية سيدة كل الأراضي «تي».» (راجع L. D. III. Pl. 82e–i).
- نباتا: (جبل بركل) وفيها عُثر على بقايا محراب مُهدَى للإله «آمون» إله الشمس في جبل «بركل»، والظاهر أن «أمنحتب الثالث» كان أول مَن لحظ ميزة موقع هذا المكان، وحاول أن يجعل من قرية «نباتا» الساذجة بلدة مصرية كبيرة متمدينة، كما يوجد في «نباتا» آثار نقلت من «صولب» كما ذُكر آنفًا.
(٩) تماثيل الملك أمنحتب الثالث
- وفي موسكو: له تمثال (راجع “Ancient Egypt” (1920) p. 125).
- وفي أفنيون بفرنسا: توجد قاعدة تمثال عليها اسمه (راجع Moret, “Monuments Egyptiens du Musee Calvet à Avignon”, Rec. Trav. XXXV, p. 196).
- وفي مجموعة سورما Saurma: توجد مجموعة مؤلفة من الملك وزوجه «تي»، ويوجد لهذا الفرعون ثلاث صور ممتازة تمثِّله في ثلاثة أدوار مختلفة (راجع Champollion, “Monuments” p. 232; L. D. III, Pl. 70). وقد شهد «شمبليون» تمثال «بوالهول» لهذا الفرعون في الكرنك (راجع Champollion, “Notices”, II, p. 272)، ومن الجائز أن أحد التماثيل الموضوعة الآن أمام كنيسة «سنت بطرس برج» له (راجع Lieblein, “Die Agyptische Denkmaler in St. Petersburg, Helsingfors, Upsala und Copenhagen (Christiania, 1873) p. 61).
(١٠) تماثيل الآلهة التي تُنسب لعهد «أمنحتب الثالث»
(١١) عبادة أمنحتب الثالث
(١٢) الأسرة المالكة
(١٣) نهاية حكمه
ومما سبق نعلم أن «أمنحتب الثالث» يُعَدُّ على ما يتضح أعظم ملك قام بأعمال البناء والتعمير في عهد الأسرة «الثامنة عشرة»، وكان النشاط والاهتمام اللذان بذلهما الملوك السابقون له في الحروب الطاحنة، قد استغلَّهما هو في تصميم المباني التي أراد أن يُزيِّن بها بلادَه، وفي زيادة ثراء معابد الآلهة في الوجهين القبلي والبحري، وبخاصة في «طيبة» وفي «السودان»، ومع أنه كان لدى هذا الفرعون عَبِيدٌ لا يُحصَى عددُهم رهن إشارته، فلم يكن في استطاعته أن يَبنِي «رومة» في يوم واحد، كما يقول المثل السائر. ولا نزاع في أن زهرة مباني الأسرة «الثامنة عشرة» التي أقامها كانتْ تحتاج إلى الجزء الأكبر من سِنِي حكمِه، غير أننا لا نعرف التواريخ التي تمَّتْ فيها مبانيه الضخمة. وعلى كلٍّ فإن الوثائق التي تركَهَا لنا منقوشة على هذه المباني تَنطِق بعِظَم ما قام به هذا الفرعون في هذه الناحية.
والواقع أن البذخ والتَّرَف وعِيشة الاستهتار التي كانت تتميز بها حياة الفرعون وأفعاله، والتي تُنبِئ عنها بقايا قصره في مدينة «هابو» لأكبر دليل على ما أصابه في أواخر حياته من وَهن الصحة وترهُّل في الجسم على الرغم من صِغَر سِنِّه، وما كان ينتظر أن يتمَّ على يَدَيْه في مثل هذا الدور من حياته الذي يكون فيه الشخص قد نضج وتأهَّب لجليل الأعمال، ولا سيما أنه كان في أول حياته قد راضَ جسمَه وقوَّاه في الطِّراد الذي كان يَهوَاه، ولكن كل ذلك لا يُجْدِي نفعًا من رجل أرخَى لنفسه العنان في الملاذِّ والشهوات، على أن مومية الفرعون «رعمسيس الثاني» تحدثنا عن نفس القصة، ولكنها لم تكن في إسراف «أمنحتب»؛ إذ قد عاش «رعمسيس» نصف قرن أكثر منه، ومع ذلك فإن الحالة التي وُجدت عليها موميته من الوَهن تُنسَب جُلُّها للشيخوخة. ولا نكون مبالِغين إذا قلنا إنه لم يبقَ لنا من الماضي صورة حية تدلُّ على صاحبها في صِدْق تعبير مثل صورة «أمنحتب الثالث» هذه.
(١٤) الموظفون في عهد «أمنحتب الثالث» والحياة الاجتماعية في عصره
(١٤-١) أمنحتب بن حبي (ويُسمَّى كذلك حوي)
- (١)
ألقاب الشرف التقليدية: الأمير الوراثي، وحامل خاتم ملك الوجه البحري، والسمير الوحيد، والسمير العظيم الحب، والسمير الأكبر لرب الأرضين، والمدير الملكي، والقاضي (أو المبجَّل).
- (٢)
ألقاب الكهانة: كاهن «ورت حقاو»، والمشرف على الكهنة في بيت سخمت، ومدير أعياد «بتاح» القاطن جنوبي جداره وكل آلهة «منف»، والكاهن «إمي ورت».
- (٣) ألقابه الهندسية والإدارية: (راجع J. E. A. Vol. XXIV. p. 19, 20). المشرف على الأعمال في «خنمت بتاح»، ومدير الأعمال، والمشرف على مخزن الغلال المزدوج في كل البلاد قاطبة، والمشرف على بيتَيِ الذهب والفضة، والمشرف على كل صُنَّاع الملك.
- (٤) ألقابه الكتابية: الكاتب، وكاتب الملك، وكاتب الملك الحقيقي، ومحبوبه (راجع Davies, “The Tomb of Ramose”, Pls. IX, XI, XII, XIX)، وكاتب الفرعون للمجندين.
- (٥)
ألقابه بوصفه مدير البيت: مدير البيت، والمدير العظيم لبيت الملك، ومدير البيت «لمنف»، والمدير العظيم لبيت الفرعون في «منف».
نعوته
إن هذا التمثال قد مُنح بمثابة حظوة من الملك ووُضع في بيت «نب ماعت رع» المسمَّى المتَّحِد مع «بتاح»، وهو الذي أقامه جلالته حديثًا لوالِدِه «بتاح» القاطن جنوبي جداره في أراضيه المنزرعة غربي «حتكا بتاح» لأجْل الأمير الوراثي، وحامل خاتم ملك الوجه البحري، ومحبوب رب الأرضين، العظيم في رتبته، والسامي في وظيفته، والحاكم الذي رأس أشراف جلالته، وعينا ملك الوجه القبلي، وأُذُنا ملك الوجه البحري …
وكانت قاعاته وأبوابه من … عظيم … عمل خالد بمثابة قطعة حصينة، أمَّا بُحيْرته فقد حُفرت وغُرست فيها الأشجار، وصارت ساطعة بكل نوع من الأخشاب الثمينة المنتخبة من البلاد المقدسة، وقواعد أوانيه كانت من الفضة والذهب … وكل أنواع الأحجار الصلبة. وبعد أنْ تمَّ هذا البناء بصورة جميلة وقف جلالته قرابين جديدة مقدسة تحتوي على هِبَات يومية لوالده «بتاح» القاطن جنوبي جداره ولآلهة هذا البيت، فقد كانوا يمدُّون بالطعام الطيب إلى الأبد، وعين كهنة مطهرون، وكهنة من أولاد حكام «إنبو» (منف) وخُصصت حقول وماشية وعمال ورعاة من غنائم جلالته التي رجع بها من كل أرض، وقد شغل جلالته تمامًا كل وظائف هذا المعبد، وكان جلالته هو الذي أنجزها على هذا الوجه، كما تستحق عن طيب خاطر؟ … وقد جعل جلالته هذا البيت يقدِّم لمعبد «بتاح» المُؤَن لكل تماثيله مثل بيوت ملك الوجه القبلي والوجه البحري التي بجانب جلالته في المدينة الجنوبية (طيبة)، وقد كانت تحت مراقبة كل مدير بيت للفرعون … خبزها أبدي. والآن تأمَّل، لقد خَصَّصتُ أملاكًا من حقولي وعبيدي وماشيتي لأجْل تمثال «نب ماعت رع» الذي يُسمَّى … وهو الذي أقامه جلالته لوالده بتاح في هذا المحراب.
وقد منحني جلالته قربانًا مقدسًا مما قدَّم أمام تمثاله الخاص بالحفلات في بيته المسمَّى المتَّحِد مع «بتاح» الذي أقامَه في أرضه المنزرعة غربي «حتكا بتاح». وفضلًا عن ذلك فإنه عندما يشبع الإله نفسه بمأكولاته، ويتسلَّم هذا التمثال كذلك وجباته، تقدم المُؤَن أمام خادمه المطيع هذا (أيْ نفسي) على يدِ الكاهن المرتِّل الذي في بيته، وعلى الكاهن المطهَّر اللبيب أن يقدم قربانًا … (٢٧) … على حسب الشعائر المُتَّبَعة خلال اليوم.
قائمة بذلك: «فطائر بيت (المقدار المستعمل في الطهو ثلاثون) عشرون فطيرة، فطائر بيت (المقدار المستعمل في الخبز أربعون وحدة) ثلاثون فطيرة، وفطائر «بيت» (المقدار في الخبز مائة) مائة فطيرة، وفطائر برسن (المقدار المستعمل في الخبز أربعون) عشرون، فطيرة وفطائر برش (المقدار المستعمل في الخبز أربعون) ثلاثون فطيرة، فيكون المجموع مائتي رغيف مختلفة، وجِعَة (المقدار الذي استُعمل في صنعها ثلاثون) عشرة أباريق، ومن الشحم إبريقان، وساقٌ واحدة من كل مقدمة ثور يَرِد إلى هذا البيت، و«مَنٌّ» واحد من النبيذ، ووِطاب من اللبن، وفطائر من الخبز الأبيض اثنان، وإوزة واحدة، وخضر وستُّ حزم … وثلاث. وهكذا أقول: اصغوا أنتم يا أيها الكهنة المطهرون، والكهنة المرتِّلون، والكهنة التابعون للمعبد المسمَّى «المتَّحِد مع بتاح»، وكل مدير بيت للفرعون، سيعيش هنا فيما بعد في «إنبوا». لقد منحكم جلالته خبزًا وجِعَة ولحمًا وفطائر وكل ما لذَّ وطاب لأجْل أن تغذُّوا أنفسكم في بيته المسمَّى «المتحد مع آمون» في خلال كل يوم فلا تطمعوا في مؤنتي التي قرَّرها لي إلهي فضلًا منه عليَّ في قبري. على أني لم أذكر أكثر مما هو ملكي الخاص، ولم أطلب أيَّ شيء أكثر مما يجب، وذلك لأني لما تعاقدتُ على تخصيص هذا العَقَار بتمثال الفرعون الكائن في هذا البيت (المعبد) في مقابل منْحِي قربانًا مقدسًا من تلك القرابين التي تمرُّ بهذا التمثال المحفلي بعد أداء التضحية الخاصة بالشعيرة الدينية رغبة في تسجيل مؤنتي للأجيال، كنتُ رجلًا عادلًا على الأرض يَعرِف إلهه، وأنه سيزيد في جماله، كما عاملتُ خَدَم بيته معاملة طيبة، ولم أُقْصِ رجلًا عن مرتبه، ولم أغشَّ إنسانًا آخَر في ممتلكاته، ولم أغتصب أملاك آخرين بالخداع، وكنتُ أمقتُ الغشَّ، وإني أقول أيضًا: إن كل مدير بيت للفرعون من الذين سيكونون في منف، وكل كاتب وكل كاهن مرتل، وكل كاهن مطهر تابع لهذا المعبد، والكهنة غير المحترفين في كل المعبد، وكل مَن سيكون في هذا البيت إذا منعوا مؤنتي التي قرَّرها لي «بتاح القاطن جنوبي جداره» والإله الفاخر الذي يعيش على الصدق، والذي سوَّى صورتَه بنفسه، مما أعطانيه الملك «نب ماعت رع» لأجل أن أعمل قربانًا لقبري، بسبب عِظَم حظوتي عنده (فإن مثل هذا الشخص) سيزوره غضبُه، وستُنزَع وظيفتُه أمام وجهه، ويُعطاها رجلٌ يكون عدوًّا له، وستغيب عنه قرينتُه (رُوحه)، وسيسقط بيته على الأرض. أما كل مدير بيت للفرعون في «إنبوا» وكل كاتب، وكل كاهن مرتل، وكل كاهن مطهر لهذا المعبد، والكهنة غير المحترفين في كل المعبد، وكل مَن يلوذ بهذا البيت ويمنح الكاهن المرتل الذي في بيتي مؤنتي كل يوم، فإن هذا الإله الفاخر سيمدحه، وسيقضي حياته في سلام وبدون شجار، وسيرتفع إلى عُمْرٍ موقَّر، وتُسلَّم وظيفتُه إلى أولاده بعدَ عُمْرٍ طويل، وستكون كل سِنِيه سعيدة بدون حزن، وسيكون حسن السمعة بين الناس، ولن يَحِيق به شرٌّ؛ لأني كنتُ عادلًا ومنصفًا على الأرض، فقد أَعطيتُ الجائع خبزًا والعطشان ماء، وعملتُ كلَّ ما يُرضي الناسَ ويمدحُه الإلهُ.
ومما سبق نعلم أن «أمنحتب» قد درج إلى أعلى الرُّتَب بفضل مجهوداته وما امتاز به من الصفات العالية والخلق العظيم. فلم يَرِثْ وظائفَه من والدٍ صاحب ألقاب عظيمة أو عن أمٍّ لها نفوذ في البلاط، على أن مثل هذا النبوغ الشخصي كان من الأمور العادية في مصر القديمة. ولا نزاع في أن «أمنحتب» قد بدأ مجال حياته الحكومية كاتبًا، وقد كان هذا أول لقب حمله، ولا بد أنه أظهر براعة في هذه الوظيفة مما جعله يرقَى إلى وظيفة «كاتب الملك»، وهو لقب ظلَّ يحمِلُه حتى آخِرِ حياته، ثم رقي بعد ذلك إلى رتبة كاتب الملك الحقيقي (أيْ إنه كان أحد السكرتاريين الخصوصيين للفرعون «أمنحتب الثالث»).
أما مَهامُّ وظيفة رئيس الخزانة فكانت ثانوية بالنسبة لمهام المدير العظيم لبيت الفرعون، وأما لقب حامل خاتم ملك الوجه البحري فكان لقب شرف وحسب، وكان يحمله كل موظف من أصحاب الشهرة العظيمة في عهد الأسرة الثامنة عشرة، ومن الأفراد الذين كان يَكِلُ إلَيْهم الفرعون القيام ببعوث إلى البلاد الأجنبية. وما قام به «أمنحتب» بوصفه مهندسَ بناءٍ ظاهر لا يحتاج إلى إيضاح كثير؛ إذ إنه بوصفه مدير الأعمال، والمشرف على المباني في «خنمت بتاح» قد أقام معبد «أمنحتب الثالث» في «منف»، ويجوز أنه كذلك قام بالإضافات التي عملها هذا الفرعون في «معبد العرابة». وعلى الرغم من أن هذا المعبد لم يكن من الفخامة والعظمة بحيث يُضارِع المعبد الذي أقامه «أمنحتب بن حبو» في «طيبة» إلا أن ذلك لا يمنع من أن يكون على جانب عظيم من الأهمية والفخامة.
ولقد اشترك «أمنحتب بن حبي» بوصفه مواطنًا منفيًّا في الحياة الدينية الخاصة بمسقط رأسه؛ لذلك نَجِده كان يشغل وظيفة المشرف على كهنة الإلهة «سخمت» وهي زوج الإلهة «بتاح» وأمُّ الإلهة «نفرتم»، وهؤلاء يكونون ثالوث «منف»، وقد كان كاهنًا لإلهة أخرى برأس لبؤة وهي الإلهة المحلية «ورت حقاو»، والظاهر أنه كذلك كان يُشرف على كل الأعياد الدينية في «منف»، وبخاصة أعياد الإله «بتاح» أعظم آلهة هذه الجهة، ومن الجائز أن تكون الألقاب الدينية التي حَمَلها ألقاب شرف في معظم الحالات، وقد أخبرنا «أمنحتب» هذا أنه كان يختلف على القصر، وأنه كان على أحسن ما يكون مع الفرعون من الودِّ والحظوة، وليس من الصعب تصديق هذا، فقد كانتِ الصداقة التي بين الفرعون والرجل الذي ينهض بأعباء شئونه الخاصة ظاهرة بما كان بينهما من المنفعة المشتركة التي أحكمتْ أواصرها كتابة فيما يتعلَّق بالقربان الذي كان يُقدَّم لتمثال كلٍّ منهما، على أن هذا العمل لم يكن اغتصاب متاع من جهة الفرعون، ومن جهة أخرى لم تكن هبةً للفرعون من قِبَل مدير البيت، بل كان مجرَّد تبادل منفعة كما يحدث بين نِدَّيْن، قامت على مبدأ قِيمة دفعت مقابل قِيمة تسلمت؛ إذ إن مجرَّد قدرة «أمنحتب» على تخصيص ثلاثين وأربعمائة أرورا من الأرض للصَّرْف منها للمحافظة على تمثال لدليل قاطع على مقدار ما كان عليه هذا الرأسمالي من الغنى الفاحش.
والواقع أن «أمنحتب» كان مِن أول أمْره حتى نهاية المطاف موظفًا منفيًّا. وتدل ظواهر الأمور كلها على أنه تلقَّن تعليمَه الأول في «منف»، ونال أعلى وظائفه هناك، وأخيرًا دُفن في تربتها، وقد كان شعوره وعاطفته الدينية مع آلهة الوجه البحري، وبخاصة آلهة «منف» ولا أدلَّ على ذلك من أن الإله «آمون» والآلهة الطيبين لم يُذكروا على آثاره، (ومن المحتمل أنه سمِّي «أمنحتب»؛ تبرُّكًا باسم الفرعون «أمنحتب الثاني» الذي وُلد في عهده لا مِن أجْل الإله «آمون»، وقد كانت زوجة «مري» مغنية الإله «آمون» مما يدل على أنها كانت طيبية الأصل غير أن في ذلك شكًّا كبيرًا). وعلى الرغم من أن نشاط «أمنحتب» كان معظمه منحصرًا في «منف» لا يصح أن نعدَّه مجرَّدَ موظَّف إقليمي لا مكانة له في المجتمع المصري الراقي؛ إذ إنه مع ارتفاع «طيبة» إلى منزلة عاصمة الإمبراطورية، فإن «منف» قد ظلت أكبر مدينة، ومن وجوه كثيرة أهم مدينة في مصر. يضاف إلى ذلك أن «منف» بما منحتْها الطبيعة من جوٍّ لطيف ومركز وسط بالنسبة للإمبراطورية المصرية، كان فراعنة الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة يُفضِّلون الإقامة فيها معظم وقتهم أكثر من مُكْثِهم في «طيبة» عاصمة البلاد السياسية والدينية. ومع أن «أمنحتب» قد بدأ حياته رجلًا من عامة الشعب ثم دخل في خدمة الفرعون كما يقول هو من غير قرابة؛ أي دون أن يكون رجلًا من أسرة غنية وعريقة في الجاه لتُساعده، فإنه قد تسنَّم قمَّة المجد والقوة والنفوذ حتى إنه عند وفاته كان في مقدور ابنه «إبي» أن يحتلَّ مكانته التي أصبحتْ خالية بموته. وهذا دليل ناطق أمامنا على أنه كان من المستطاع لأسرة مصرية أن ترتفع في جيل واحد من الحضيض إلى مكانة علِيَّة تُهيِّئ لأفرادها أن يشغلوا أعظم مناصب الدولة. ولما كانت الأرستقراطية الوراثية غير معروفة في العادة في مصر في ذلك العصر، فلا بد أن «إبي» كان رجلًا من أصحاب الكفايات العظيمة والمهارة الفائقة.
- (١) قبره الذي أقامه لنفسه في «منف»، والظاهر أنه كان بالقرب من المقبرة التي أقامها «حور محب» القائد العظيم والمَلِك فيما بعدُ؛ أي بالقرب من رأس الجسر «بسقارة»؛ وذلك لوجود قطع منقوشة من هذا القبر في هذه الجهة (راجع J. E. A. Vol. XXIV. p. 18). ومعظم الآثار التي سنذكرها هنا مستخرجة من هذا القبر.
- (٢) محبرة كتابة نموذجية من المرمر موجودة الآن بمتحف «اللوفر» (Boreux “Guide Louvre” I. p. 66).
- (٣) محبرة أخرى نموذجية من المرمر بمتحف «متروبوليتان» (Hayes, J. E. A. Ibid. p. 16).
- (٤) محبرة أخرى نموذجية من المرمر بمتحف «فلورنس» (A. Z. Vol. XLIV. p. 89).
- (٥) قضيب مكعب في متحف «فلورنس» (راجع J. E. A. Vol. II, p. 139).
- (٦) لوحة من الحجر الجيري الأبيض بمتحف «فلورنس» (Rec. Trav. II. p. 124-5).
- (٧) هرم صغير من الجرانيت الرمادي بمتحف «فلورنس» (Schiaparelli, “Cat. Florence” p. 89).
- (٨) إناءان منقوشان من المرمر بمتحف «فلورنس» (A. Z. Vol. 44. p. 89).
- (٩) هرم صغير من الجرانيت الأحمر في متحف «ليدن» (راجع Ibid).
- (١٠) صندوق أواني أحشاء بمتحف «ليدن» (راجع ibid).
- (١١) رِجْل كرسي من الخشب بمتحف «ليدن» (راجع Ibid).
- (١٢) لوحة من الحجر الرملي (كوراتسيت) بمتحف القاهرة (Quibell, “The Monastery of Apa Jeremias”, p. 6, 146. Pl. LXXV).
- (١٣) تمثال من (الكوارتسيت) من «منف»، وهو الآن بمتحف «أشموليان» بأكسفورد (راجع Petrie, “Tarkhan I. & Memphis”, V, p. 33–36. Pls. LXXVII–LXXX).
- (١٤) تمثال من الجرانيت بالمتحف البريطاني الآن (Budge, “Guide to Sculpture”, p. 127. No. 448. Pl. XVII).
(١٤-٢) أمنحتب سورر
غير أن قبر هذا العظيم قد فَتَك به شيعة «إخناتون» فتكًا ذريعًا؛ إذ هشَّموا جزءًا كبيرًا من نقوش الجدران، ومما يلفت النظر أن شيعة «إخناتون»، قد مَحَوْا نقشًا بأكمله إلا علامة الأفق — فإنها تُركت أينما وُجدت؛ وذلك لوجود رمز الشمس فيها. وقد تُرك لقب الفرعون «نب ماعت رع» دون أن يُمسَّ بسوء، أما اسمه الذي يحوي كلمة «آمون (أمنحتب)»، فقد مُحي.
(١٤-٣) خيروف
كان «خيروف» من أكابر موظفي الدولة في عهد «أمنحتب الثالث»، ويقع قبره في «العساسيف» رقم (١٩٢)، وقد كشف عنه الدكتور أحمد فخري حديثًا بعد أن ظل موقعه مجهولًا بعد كشفه الأول. وقد وجد فيه مناظر جديدة لم تكن معروفة من قبل كما ذكرنا آنفًا.
والظاهر أن «خيروف» كان من أنصار المذهب الديني القديم فلم يَقبَل أن ينضمَّ إلى ديانة «إخناتون» وعصبيته، ويحتمل أن هذا هو السبب الذي من أجله قد مُحيَتْ صورته، وكذلك كل المتون التي تُشير إلى نشاطه، ويحتمل أن يكون الداعي لذلك أسباب أخرى غابت عنا. وعلى أية حال فإن أهم منظر كَشَف عنه الدكتور أحمد فخري هو منظر عيد «سد» الذي يُعدُّ من أهم الكشوف التي أماطتْ لنا اللثام بعض الشيء عن ماهية هذا العيد، وقد تكلمنا عنه فيما سبق، وقد بقي علينا هنا أن نُعدِّد ألقابَه ووظائفَه، وهي «الأمير الوراثي»، وحامل خاتم ملك الوجه البحري، والسمير الوحيد، والسمير العظيم الحب، ومدير بيت الزوجة الملكية العظيمة «تي»، والمشرف على الخزانة، وحاجب الفرعون الأول، ورئيس أسرار بيت الملك، والقاضي الذي في مقدمة رجال البلاط، والحاكم الذي في مقدمة المواطنين، وعظيم العظماء، وعظيم السُّمَّار، ومدير بيت الزوجة الملكية في بيت «آمون»، وكاتب الفرعون الحقيقي، والوحيد المتكلم عن المواطنين.
(١٤-٤) تحتمس الوزير
(١٤-٥) «بتاح مس» ابن الوزير «تحتمس»
(١٤-٦) مري بتاح
(١٤-٧) «بتاح مس» ابن الكاهن الأكبر «منخبر»
(١٤-٨) «بتاح مس» الوزير والكاهن الأكبر
(١٤-٩) «أمنحتب» الوزير
(١٤-١٠) رع موسى
يدل ما لدينا من النقوش على أن «رع موسى» قد خلف «أمنحتب» على كرسي الوزارة، ويحتمل أنه كان يشغل هذه الوظيفة في عهد اشتراك «إخناتون» في الحكم مع والده «أمنحتب الثالث»، وليس لدينا دليل مادي يؤكد هذا الزعم، وعلى أية حال فلم يكن «رع موسى» معارضًا لحركة الانقلاب الديني التي قام بها «إخناتون»؛ لأنه لو كان ضدها لمَحَا اسمَه من قبره كغيره من أعداء الانقلاب.
- ألقاب الشرف: الأمير الوراثي، ووالد الإله، ومحبوب الإله، والسمير الوحيد، والسمير العظيم الحب، وحامل خاتم ملك الوجه البحري.
- الألقاب الإدارية: حاكم المدينة (العمدة) والوزير، والمشرف على الوثائق، ومدير أعمال الآثار العظيمة، ومدير الوجه القبلي والوجه البحري، والفم الذي يُهدِّئ كل الأرض، ورئيس الأرض كلها (وكيل الملك).
- الألقاب القضائية: رئيس القضاة، وفم «نخن»، وحارس «نخن»، وكاهن «ماعت»، والقاضي للفصل في المعاملات، وموزع العدالة، وموزع العدالة يوميًّا ومقدمها لقصر سيدها، ومَن يحكم بالعدل ويَمقُت الظلم.
- ألقاب الكهانة: المشرف على كهنة الوجهين القبلي والبحري، والمشرف على كل معابد الوجه القبلي والوجه البحري، وأعظم الرائين، ورئيس أسرار الكلمات المقدسة (أو المشرف على الكتابة المقدسة)، ومدير القربان المقدسة، ورئيس أسرار الإلهتين، والعارف بأسرار العالم السفلي، ومَن يدخل في أسرار السماء والأرض، والكاهن سم، ومدير الموظفين كلهم.
علاقة «رع موسى» بالفرعون
الذي يقترب من سيده، وعينا حور في بيته، والذي ينفذ مبانيه بجدارة، ومن له ثقة رب الأرضين التامة، ورئيس أسرار بيت الملك، والمتمكن في حظوته مع سيد الأرضين، ومَن يحبه رب الأرضين لفضائله، والممدوح من الإله الطيب، ومَن يدخل القصر ويخرج منه وهو في حظوة.
علاقته بالموظفين
الذي يقدم القواعد المرشدة لرجال البلاط، وعظيم العظماء وقائد السُّمَّار.
علاقته بالشعب
ومَن يرتاح الناس بما يخرج من فمه، ومن يتكلم المواطنون عنه، ومَن يُرضي قلب رجال الدين (؟) (سكان عين شمس)، والشريف أو الموظف الذي على رأس المواطنين، ومَن يبحث عن أحوال البلاد.
وقد نُحت قبر «رع موسى» في صخور جبانة «شيخ عبد القرنة» ويحمل رقم ٥٥، ويُعدُّ من المقابر العظيمة المهيبة المنظر، وبخاصة من الوجهة الهندسية. وعلى أية حال فإن معظم مناظره ليس فيها ما يدعو للإعجاب أو الروعة؛ وذلك لأن المناظر القليلة التي نُقشت على جدرانه، على الرغم من قيمتها الفنية العظيمة، وبقائها محفوظة حتى الآن فإن جُلَّها خاص بمكانة «رع موسى» الاجتماعية ونفوذه، ولذلك جاءت خِلْوًا من كل ما كان يُنتَظَر من وزير أن يمثِّله لنا على جدران قبره، فقد كان يُعدُّ حاميًا للعدالة، وساهرًا على مصالح القوم، كما نشاهد ذلك في قبر الوزير «رخ مي رع» أو قبر الوزير «وسر».
وعلى أية حال فإن معظم المناظر التي صورتْ على حسب الطراز الجديد كان قد وضع تصميمها بالمداد وحسب، وقبل أن يتم نحتُها كلها تُركت وهُجرت المقبرة كلية، وقد يُعزَى السبب في ذلك إلى أن «رع موسى» ترك «طيبة» وتبع سيده إلى «تل العمارنة»، وهذا على الرغم من أنه ليس لدينا أي أثر لأسرته أو له في العاصمة الجديدة.
(١٤-١١) خع أم حات
وقد نَحت «خع أم حات» مقبرته في جبانة «شيخ عبد القرنة» (رقم ٥٧)، وتُعَدُّ من أعظم المقابر التي أُقيمت في هذه الجبانة من حيث الفخامة في النقش، والإبداع في التصوير، والواقع أن النقوش التي على جدرانه قد تفوق نقوش مقبرة الوزير «رع موسى» في دقة خطوطها وحسن إبرازها، إذ نلاحظ في المناظر التي على جدران المقبرة أن المفتنَّ لم يستعمل في إبرازها ذلك الطراز المبالغ فيه الذي كان متبعًا في عهد العمارنة، ومع ذلك فإننا نشاهد فيها تلك الليونة والرشاقة في تخطيطها الأخَّاذ، وفي منظر تلك الظهور المحنية التي تمثِّل رجال البلاط يقدِّمون خشوعهم وإجلالهم للفرعون في وضع طبعي لا تمجُّه العين إذا ما قيس بتلك الصور المبالغ في إبراز أجزائها، وكان ذلك أهم ما يصبو إليه مفتنُّ عهد العمارنة.
محصول الحبوب السنوي
على أن أهم منظر صُوِّر في مقبرة «خع أم حات» هو حادث وقع في الاحتفال بالعيد الثلاثيني للفرعون «أمنحتب الثالث»، فقد مُثِّل هذا العاهل جالسًا على عرشه، ومثِّل أمامَه «خع أم حات» يقرأ وثيقة، وبجواره نقش يقص علينا أن الفرعون قد ظهر على عرشه لأجْل أن يتسلَّم تقريرًا عن الحصاد في الجنوب والشمال، وفوق «خع أم حات» النص التالي: «تقديم التقرير عن حصاد العام الثلاثين في حضرة الملك يشمل الحصاد الذي نَتَج عن الفيضان العظيم لأجْل العيد «سد» الذي احتفل به جلالته بوساطة المدير العظيم لأملاك الفرعون له الحياة والسعادة والصحة، ومعه رؤساء الجنوب والشمال من أرض «كوش» الخاسئة، حتى حدود نهرين.»
وتحت هذه الوثيقة الكلمات التالية: «المجموع ٣٣٣٣٣٣٠٠ بوشل من القمح.» وهذا في الواقع هو التقدير الوحيد لمحصول الحصاد على حسب التقارير الرسمية (أي ما كانت تنتجه مصر وما كان يَصِلها من البلاد الأجنبية التابعة لها). ولا شك في أن هذا يُعيد إلى ذاكرتنا في الحال قصة يوسف — عليه السلام — الذي كان قد جعله الفرعون على خزائن مصر لما تُنتِجه من غلال حتى يدخر منه في المخازن الفرعونية للسنين العِجَاف عندما تهدَّد البلاد بالقحط.
(١٤-١٢) «أمنحتب» كاتب الفرعون
(١٤-١٣) با إري
(١٤-١٤) «بانحسي» المشرف على الخزانة
(١٤-١٥) «منخبر رع» كاهن «آمون» الأول
(١٤-١٦) «من» رئيس النحاتين
(١٤-١٧) «نب كابني» مرضعة بنت الملك «سات آمون»
(١٤-١٨) «نخت» الأمين على الأسلحة في السفينة الملكية «خع أم ماعت»
(١٤-١٩) «نفر سخرو» المشرف على خبز قاعة القربان
كان «نفر سخرو» من الأشراف المقرَّبين للفرعون كما تدل على ذلك ألقابه ووظائفه وهي: الأمير الوراثي، والمشرف على خبز قاعة القربان الواسعة، والأمير في البيت العظيم (المعبد الأهلي للوجْه القبلي)، وحامل خاتم الوجه البحري، والسمير الأول الذي يقترب من «حور» (الملك) في قصره الخاص (أي الحريم)، وحارس خُطَا الفرعون، ومدير البيت، والكاتب الملكي، ومدير البيت لمعبد «أمنحتب الثالث» (الذي يُسمَّى «رع ساطع»).
(١٤-٢٠) «حتب» حامل المروحة على يمين الفرعون
(١٤-٢١) «حبي ختف» حاكم «منف»
(١٤-٢٢) «سبك نخت» مدير بيت «آمون»
(١٤-٢٣) «سبك حتب» كاتب الملك
وقد ذُكر اسمه ولقبه على قاعدة تمثال من المرمر.
(١٤-٢٤) «يويا» والد الملكة «تي»
كان يويا والد الملكة «تي» زوج «أمنحتب الثالث» الشرعية، وقد تكلمنا عنه بعض الشيء فيما سبق، وسنذكر هنا ألقابه كما وُجدت على بعض آثاره التي عُثر عليها في قبره الذي أُقيم في وادي الملوك (رقم ٤٦)، وهاك ألقابه: الأمير الوراثي، والسمير الوحيد الحب، وحامل خاتم الوجه البحري، والسمير الأول بين السُّمَّار، وفم ملك الوجه القبلي، وأذنا ملك الوجه البحري، ووالد الإله، والمشرف على ثيران «آمون»، والممدوح من الإله الطيب، والممدوح كثيرًا في بيت الفرعون، وعين رب الأرضين، والمشرف على ثيران الإله «آمون» رب «أبو» (كفر أبو الحالي).
(١٤-٢٥) «أمنحتب» التشريفاتي
(١٤-٢٦) وسرحات المشرف على حريم الفرعون
(١٤-٢٧) قن آمون
ويلاحظ كذلك في هذا المنظر أن مكانة الأشخاص الذين مُثِّلوا فيه على سطح السفن قد عُبِّر عنها بالطريقة المصرية المعتادة أي على حسب حجم صورة كل واحد، ويمكن رؤية ذلك بوضوح في السفينة الكبيرة التي على اليسار، فأهم شخصيتين بارزتين فيها هما بلا شك صاحبا السفينة والسلع التي تحملها، فنشاهد أحدهما يتَّجِه نحو الشاطئ مقدِّمًا قربانًا استعطافًا لإلهة الميناء في حين أن الآخر كان ينظر خلفه، والظاهر أنه كان يستدعي إليه شخصًا آخر. ويلي هذين في الحجم ضابط السفينة الذي يُشاهَد واقفًا وقفة شاذَّة على عمود مقدمة السفينة وبيده قضيبٌ لجَسِّ الماء بُولِغ في طُوله إلى حدِّ المستحيل، وكان ينظر خلفَه معطيًا الملَّاحين الذين كانوا يُطوُون الشراع الأوامر اللازمة.
وكذلك يُشاهَد على سطح السفينة بحَّار مُنحنٍ ليرفع إناءً ضخمًا مما تحمله السفينة، كما يُرى ضابطان صغيران لابسَيْن ملابس مزركشة كالتي يرتديها رؤساؤهم، يشدان الأمراس، وكان أحدهما يستند على صبيٍّ من صِبْيَة السفينة. أما الملاحون العاديون فكانوا يرتدون القميص القصير العادي ذا اللون الفاقع، وكذلك كان يلبس كل واحد منهم حول عنقه خيطًا يتدلَّى منه قرص مستدير مما يُذكِّرنا بنَوْط تحقيق الشخصية الذي كان يلبسه الجندي في أثناء الحرب. وهؤلاء البحارة كانوا حليقي الرءوس والأذقان معًا، ولم يُستَثْنَ منهم إلا ثلاثة في المجموعة السفلية التي على اليمين وهم الذين كانوا يحملون السلع إلى الساحل، وهؤلاء قد مُيِّزوا عن رفاقهم بلِحَاهم والهدابات المدلَّاة من وسطهم ومن أطراف قمصانهم، ولا نَعلَم إذا كانت هذه القمصان مصنوعة من النسيج أو من جلود الحيوان.
أما الأفراد الذين صُوِّروا خارج السفن فملابسهم بوجهٍ عامٍّ واحدة، فكلٌّ منهم يرتدي قطعة واحدة من نسيج الصوف ملفوفة على جسمه من أول الكعب، وقد لُفَّتْ حول الجسم بطريقة عجيبة، وتحت هذا اللباس يُشاهَد قميصٌ أبيض ذو كمين يستران الذراعين حتى الرسغين، ويتمنطق بحزام عُقد من الأمام عقدة متقنة مزركشة. وهذا الرداء الخارجي السالف الذكر يَظهَر عليه أنه زيٌّ جديد لم يَشِعِ استعماله إلا بعد عهد تحتمس الثالث. ويحتمل أنه مستعار من زي أهالي «خيتا». أما لبس النساء اللائي مثلن في الصف الأعلى من اليمين في المنظر فيُلاحَظ فيه (كشكشة) أفقية مؤلَّفة من ثلاث طبقات بعضها فوق بعض، وتُشبه بعض الشيء ملابس أهل «كريت» المتقنة الصنع، وقد أظهر المثال هذا الرداء شفيفًا إلى درجة ما مما يدل على أنه كان مصنوعًا من مادة خفيفة على عكس ملابس الرجال الثقيلة التي كانت أكثر صلاحية لجو شمالي بارِد. أما الجزء الثالث من هذا الرسم الواقع على اليمين فيمثل سوقًا للتجارة على الشاطئ نظمت في ثلاثة صفوف. وهنا يلاحَظ أن معظم السلع قد نُقلت من السفن إلى الشاطئ أمام «قن آمون»: (لم يظهر صورته في الرسم الذي نقله «ديفز») إذ يظهر أنه قد وجدها كانت قد هُشِّمت، فكان يمثل هنا بوصفه وكيل مشتريات مخازن آمون التي تحت إشرافه، ومن المحتمل كذلك أنه كان يقوم بهذه الوظيفة لحساب سلطة عُلْيَا أخرى. والسلع المعروضة للبيع تحتوي أوانيَ ضخمة من النبيذ والزيت، ومما يسترعي النظر من بينها ثوران لهما سنامان وهما من فصيلة أجنبية (اقرن هذين الثورين بما جاء في مقبرة «نب آمون» رقم ١٧، وكذلك ما جاء في مقبرة «باحق من» رقم ٣٤٣).
أما السلع الأخرى المعروضة للبيع فتشمل أوعية تحتوي على طرائف من أنواع مختلفة ونماذج مما أخرجتْه يَدُ الصياغ في صور أوانٍ من المعدن الثمين. ففي الصف الأسفل من اليمين تُشاهِد إناء ذا فوهة واسعة من طراز سوري معروف يحتمل أنه صنع من الذهب، وقد زُيِّن بصورة ثور واقف في داخله، في حين نُشاهِد في الصف الأوسط تاجرًا يحمل إناء طويلًا ضيق الرقبة صِيغ من الفضة (؟) وغطاؤه على هيئة رأس ثور. ويحتمل أن بعض السلع التي خفَّ حملُها وغَلَا ثمنُها — ولا عجب أن تكون من بينها المرأتان والصبي المصورة في الصف الأعلى — كان مآلها أن تُضمَّ إلى متاع «قن آمون» نفسه في مقابل السماح لأصحابها بالاتِّجار في الميناء المصرية بوصفه عمدة «طيبة» التي رَسَتْ عندها السفن، وكذلك بمثابة (عمولة) على المتاجر بوصفه (العميل) الذي يشتري لحساب الإله «آمون رع»، وعلى الرغم من أن البضائع التي كانت تحملها هذه السفن التجارية كانت تُباع بوساطة وكلاء لهم مكانتهم العالية مثل «قن آمون»؛ فإنه كان — على ما يظهر — يوجد بجانب ذلك تجارة صغيرة حرة تُباع بالتجزئة، ولذلك نرى في الصورة الممثلة على الشاطئ بجوار الماء حيث كانت ترسو السفن الأجنبية حوانيت صغيرة يقوم بالبيع فيها صغار التجار نساء ورجالًا وأمامهم السلع مكدسة وحركة التجارة فيها رائجة. فنشاهد في الصورة التي أمامنا ثلاثة حوانيت، والبضاعة المعروضة للبيع تحتوي قطع نسيج وأحذية، ومواد غذائية وأشياء أخرى لا يمكن معرفة نوعها على وجه التأكيد. ويُشاهَد في الحانوت الذي في الصف الأسفل تاجر سوري يحاول بيع إناء ضخم من النبيذ أو الزيت، في حين نلمح في الصف الذي فوقَه بحارًا عاديًّا حَجَبتْ رأسُه مقدمة السفينة عن الناظرين يَعرِض للبيع قضيبًا من الخشب الثمين، ويدل وجود الموازين الصغيرة الحجم وهي التي كان يستعملها رجلان من أصحاب الحوانيت على أنها كانت تُستخْدَم لوزن التِّبْر الذي كان يُتخذ مادة للمبادلة، ويجوز أنها كانت مستعملة لوزن كميات صغيرة من العقاقير الثمينة وما يشبهها.
وتشاهد كذلك في هذا المنظر امرأة أمام حانوت، وقد حدث بجوارها حادث له علاقة بإدارة الميناء؛ إذ نرى بعض البحَّارة قد ساقهم رئيسهم أمام ضابط من ضباط الميناء كان يُدوِّن أسماءهم أو عددهم. والواقع أن المنظر في مجموعِه يعرض أمامنا لمحة حية عن نواحي الحياة المصرية القديمة التي لا نحظى بمثلها إلا نادرًا؛ لذلك فإنا نقدِّم عظيم شكرنا الجزيل لعمدة «طيبة» «قن آمون» الذي أمر برسم هذه التحفة على جدران قبره، وكذلك نُبدِي عظيم إعجابنا بالمفتنِّ الذي وضع تصميمها، وأخيرًا نفخر بالمَثَّالين الأحداث الذين حفظوا لنا بمجهوداتهم صورة هذا المنظر الذي كان قد ضاع كل أمل في العثور على نسخة منه بعد تهشيم الأصل تهشيمًا لا يُرجَى الاستفادة منه.