مفاجآت ممكنة!
أخذت جزيرة «ماجا» تقترب … وكان «خالد» يُراقب مؤشرات الوقود في الطائرة وقد سيطر عليه القلق … فقد أوشك الوقود على النفاد وهم يَطيرون فوق المحيط المُضطرِب ولكنه لم ينقل قلقه إلى الشياطين الثلاثة الذين جلسوا مرتاحين في مقاعدهم … كانوا قد انتهوا من انتصارٍ آخر سجَّلوه على رجال «كوجانا» وتركوهم في جزيرة «لنجا» بعد أن استولَوا على الطائرة «الهليكوبتر».
نظر «أحمد» إلى اللفة الكبيرة التي تمدَّدت في نهاية الطائرة … في هذه اللفَّة تمثالٌ من أندر التماثيل في العالم … تمثال «كانون» الواقف ذو الأحد عشر وجهًا … إنه تمثالٌ عمره أكثر من ألف سنة … سُرق من معبد «شورنجي» في مدينة «نارا» في اليابان … وهم مُكلَّفون بنقل هذا التمثال المسروق.
قال «أحمد»: هذه أول مرة نُساهم فيها بنقل شيء مسروق!
رد «عثمان»: وماذا نفعل؟ لقد كُنا على وشك أن نُقتل جميعًا لولا تدخُّل زعيم الجزيرة «مون» … لقد أنقذ حياتنا من «كوجانا» ورجاله، مقابل نقْل هذا التمثال.
وعلَّق «قيس» قائلًا: سنَفي بوعدنا للزعيم «مون» ونُسلِّم التمثال إلى مندوبه في جزيرة «ماجا» … ثم نُبلغ رجال الشرطة عنه … إنَّ الأمانة تَقتضي أن نفيَ بوعدنا للزعيم «مون» والواجب يَقتضي أن نُبلغ عن التمثال.
وساد الصمت بين الشياطين … كانت مُغامرتهم الأخيرة «سمكة القرش الزرقاء» مُغامرة غريبة رغم أنها انتهَت بانتصارهم على «كوجانا» ورجاله … إلا أنَّ رجال العصابة جميعًا ما زالوا أحياء وسوف يُطاردونهم إلى أقصى الأرض … وقد عبر «قيس» عن ذلك بقوله: إنَّنا ما زلنا مُطارَدين من عصابة «كوجانا»؛ فهو لن ينسى أننا انتصرنا عليه بضع مرات.
عثمان: المهم أن رقم «صفر» لا يعلم شيئًا … ومن المؤكَّد أنه سيَقلب الأرض بحثًا عنَّا!
أحمد: سيكون من الصعب عليه العثور علينا في هذه الجزر النائية … إنَّ آخر رسائلنا إليه كانت من «طوكيو».
تحدَّث «خالد» لأول مرَّة فقال: لا … إنَّ معلوماته كانت حتى وصولكم إلى جزيرة «سنتشوزا» ألم أحضر إليكم هناك بالفيلم؟
أحمد: هذا صحيح … ما قصدته أننا لم نتَّصل به منذ أن كنَّا في «طوكيو».
قيس: ماذا بقيَ من الطريق يا «خالد»؟
خالد: بضعة أميال ونصل.
ومرةً أخرى أخذ «خالد» يُراقب مؤشِّرات الوقود وهي تهبط باستمرار … لقد أوشك الوقود على النفاد، لهذا لا بد أن يتحدث إلى الشياطين فقال: أعتقد أن عليكم الاستعداد لمغادَرة الطائرة.
عثمان: كيف؟ …
خالد: إنَّ الوقود اقترب من الصفر … وقد نُضطرُّ إلى القفز في المياه.
دون كلمة واحدة أخذ الشياطين الثلاثة يَستعدُّون … وكانت المشكلة هي هذا التمثال الثقيل … ولكن «خالد» صاح فجأةً: هناك لسان من الرمال مُمتدٌّ من الجزيرة أعتقد أن في إمكاننا الهبوط عليه.
ثمَّ خفض «خالد» من سرعة «الهليكوبتر»، وانحرف يسارًا وأخذ يهبط تدريجيًّا، وشاهد الشياطين الثلاثة لسانًا من الرمال الذهبية يمتدُّ تحتَهم طوله نحو خمسة كيلومترات … وارتجَّت الطائرة ثم أخذت تَهبط عموديًّا، وبرشاقة يُحسد عليها «خالد» استقرَّت الطائرة على الأرض وقال: بآخِر قطرة من الوقود.
واستعدَّ الأربعة لمغادرة الطائرة وحمل «أحمد» التمثال هو و«عثمان» … ونزلوا جميعًا، وحمل «قيس» و«خالد» السلاح.
كان عليهم أن يسيروا على اللسان الرملي في الجزيرة لمقابلة مندوب «الميجي» الذي سيَتسلَّم التمثال … ومعه مندوب الزعيم «مون» الذي سيتسلَّم النقود … وكانت الشمس الاستوائية حارة … والرطوبة عالية … فتصبَّب الجميع عرقًا … ولكنهم في النهاية أشرفوا على الأدغال.
كانت جزيرة «ماجا» عبارة عن غابة من الأشجار الاستوائية … وقد امتلأتْ بالطيور من كل نوع … وتناثَرَت القردة هنا وهناك … وأخذت تنظر إلى الشياطين في دهشة وتذكَّر «عثمان» القرد الصغير … وكم كانت دهشتُه إذ وجده يقفز خلفه … كيف استطاع ركوب الطائرة والنزول خلفهم … شيء مُدهش … لم يتوقَّعه أبدًا!
وقال «عثمان»: هل لاحظتم أن القرد الصغير يسير خلفنا؟
«خالد»: غير معقول … إنني لم أشعر به في الطائرة إطلاقًا.
وقبل أن يتصوَّر أحد ما سيقع … تجمَّع عدد من القِرَدة عند حافة الغابة وأخذ أفرادها يصيحون في هياج … وقال «قيس»: إنهم يقدمون اعتراضهم على دخول قرد أجنبي إلى جزيرتهم.
أحمد: إذا تركتَه لهم يا «عثمان» فسوف يُمزقونه.
ولم يكن القرد الصغير في حاجة إلى تحذير أو حماية من الشياطين … فقد قفَز بسرعة على كتف «عثمان» … وأمسك برقبتِه مُحتميًا فيه … واستمرَّت القافلة في سيرها حتى أشرفوا على الغابة وقد ازداد هياج القِرَدة وقال «أحمد» ﻟ «عثمان»: ألا يكفي ما لنا من أعداء، حتى تضمَّ إليهم القِرَدة.
ابتسم وجه «عثمان» الأسمر، وقال: لن أتخلى عن صديقي القرد حتى ولو حاربت الدنيا كلها.
وتوغَّلُوا في الغابة حتى وجدوا ساحة واسعة نسبيًّا، قد غطت أرضها الأعشاب النامية … وأحاطت بها الأشجار كمظلَّة واقية من الشمس، فجلسُوا … ووضعوا التمثال والأسلحة جانبًا … وكان في جانب الساحة غدير صغير من المياه العذبة، فخلعوا ملابسهم الخارجية … وألقوا بأنفسهم فيه.
كانت المياه مُنعشة وباردة بعد الحر الشديد … وأخذ الشياطين يضحكون ويمرحون ووجد «قيس» شجرةَ توتٍ برِّي قد ألقت بثمارها على الأرض … فأخذ يناول الشياطين فيغسلونها في المياه ثم يأكلونها … كانت شديدة الحلاوة رائعة الطعم وقال «خالد»: إنه حلم جميل.
وكأنَّما كان هذا التعليق نهاية الحلم … فقد سمعوا صوتًا آمرًا يقول: ابقوا في أماكنكم.
وتوقَّفوا جميعًا عن الحركة … وظهر رجل قصير القامة مفتول العضلات، يلبس بنطلونًا من القماش السميك … وقميصًا خشنًا، وقد أحاط رقبته بأحزمة الرصاص، بينما مدَّ أمامه بندقية لامعة سريعة الطلقات.
كانت ملامح الرجل تُؤكِّد أنه من الجنس الأصفر … بلونه … وعينَيه المائلتَين، وشاربه المدلى على فمه … وتقدم من حيث كان يقف بين الأشجار وجلس على صخرة عالية كان الشياطين قد وضعوا ثيابهم بجوارِها.
كان الشياطين الأربعة في المياه بنصف ثيابهم الداخلية … وكانت أسلحتهم بجوار ملابسهم … وبجوارها التمثال في لفَّته … وعاد الرجل يقول بلغته الإنجليزية الركيكة: من أنتم؟
لم يردَّ أحد … فأعدَّ بندقيته للإطلاق وعاد يقول: من أنتم؟
أحمد: إننا سائحون!
الرجل: هذه أول مرة يأتي فيها سائحون إلى هذه الجزيرة في طائرة.
أحمد: لقد نفد منَّا البنزين واضطُررنا للنزول!
فكَّر الرجل لحظات ثم قال: إنني لا أُصدقكم.
أحمد: المهم … ماذا تُريد منا؟
أشار الرجل إلى لفَّة التمثال وقال: إنَّ هذه اللفة هي التي تُهمني.
أحمد: إنها ليست ملكًا لنا … إنها خاصة بصديق طلب منا أن نُقابل شخصًا في هذه الجزيرة ونُسلِّمها له.
ابتسم الرجل وقال: هل هو الزعيم «مون»؟
قال «أحمد» مُندهشًا: نعم … إنه «مون».
استغرق الرجل في الضحك وقال: إنني «موكا» مندوب «مون».
تنهَّد «أحمد» وقال: إذن أنزل بندقيتك هذه ودعنا نُكمل استحمامنا … وفي إمكانك أن تحمل اللفة وترحل.
فكر الرجل لحظات ثم قال: إنني لا أستطيع أن أحمله وحدي … وعلى كل حال أنا في انتظار مندوب «الميجي» ليأخذ التمثال ويُسلِّمني النقود.
أحمد: إذن انضمَّ إلينا.
موكا: لا … سوف أحرسُكم … إنَّ رجال «الميجي» من القتلة … وقد يُحاولون الغدر بكم وبي ويستولون على التمثال دون مقابل.
أحمد: أليس لكلمة الشرف عندكم حساب؟
موكا: المشكلة أنهم يعتقدون أنهم أصحاب الحق الأصلي في التمثال. ولهذا فهم يرون أنهم يجب ألا يدفعوا شيئًا مقابل شيء يَملكونه.
أحمد: على كل حال هذه ليست مشكلتنا … إن مشكلتنا هي الحصول على وقود للطائرة.
هز «موكا» كتفَيه وقال: وقود للطائرة … إنك تحلم … فليس في هذه الجزيرة وقودٌ من أي نوع.
أحمد: وكيف سنُغادرها إذن؟
موكا: معي قارب يُمكن أن أوصلكم به إلى جزيرة «بورينو» ومن هناك تستخدمون المواصلات العادية في الذهاب إلى حيث تُريدون.
أحمد: إذن أعطنا القارب وانتظر أنت رجال «الميجي» …
موكا: لا … ستبقون معي … فقد أحتاج إلى مُساعدتكم من ناحية ومن ناحية أخرى حتى تحملُوا التمثال معي.
وفي هذه اللحظات سمعوا حركة داخل الغابة … لم تكن حركة حيوان يجري أو طائر يحلق … كان صوت أقدام ثقيلة … وصليل أسلحة … وقفز الشياطين إلى شاطئ الغدير وأخذوا يرتدُون ثيابهم ويضعون أيديهم على أسلحتهم.