عندما يصبح الشياطين صيدًا!
صعد الشياطين الثلاثة إلى سطح القارب … واتجهوا إلى كابينة القيادة. كان «خالد» مستيقظًا … ولم يكد يراهم حتى قال: هناك شيء غير طبيعي يحدث …
نظر «أحمد» إلى المحيط المترامي أمامه ثم قال: بالتأكيد هناك شيء غير طبيعي يحدث هنا؛ فمن غير المعقول أننا لم نصل إلى أي شاطئ بعد …
خالد: إن القارب يسير مدفوعًا بقوة غير مرئية …
نظر إليه الثلاثة مُستفسرين … فقال: إنني لا أستطيع التحكم في القارب …
أحمد: منذ متى حدث هذا؟
خالد: أعتقد بعد منتصف الليل بقليل … غفوت قليلًا بعد أن ثبتُّ عجلة القيادة … وعندما استيقظت وأخذت أبحث في الخرائط لأرى خط السير كما حددتُه وجدت القارب يسير في اتجاه آخر … لقد وضعت خطتي على أساس أن نصلَ إلى «إندونيسيا» في اتجاه الجنوب الغربي … ولكني وجدت القارب يسير في اتجاه الجنوب الشرقي …
أخرج «أحمد» إحدى النظارات المُكبِّرة وأخذ يفحص الأفق … ثم أشار إلى نقطة بعيدة وقال: من الواضح أننا نسيرُ إلى شاطئ ما …
عثمان: ولكن كيف يسير القارب وحده …؟ هل هناك من يوجهنا …؟ أم هي ظاهرة طبيعية؟
قيس: ليست هناك ظاهرة طبيعية من هذا النوع … إن هناك قوة خفية فعلًا توجه مسار القارب … ولعلَّك تذكر مغامرة القوة الخفية … هذه الآلة التي تستطيع إسقاط الطائرات من الجو … وسحب السفن من البحر … إن ما يسيطر علينا الآن قوة من هذا النوع.
خالد: وما العمل؟
أحمد: أمامنا شيء من اثنين … إما أن نستسلم لهذه القوة تفعل بنا ما تشاء وإما أن نلقي بأنفسنا في المياه …
عثمان: القرار الوحيد الممكن والمعقول هو الأول … فإنَّ هذه القوة تستطيع تدميرنا فورًا إذا حاولنا الفرار … ومن الأفضل أن نَنتظر حتى …
ولكن «عثمان» لم يُتمَّ جملته … فقد ظهر أمام الجميع في هذه اللحظة جسم كبير شق الماء … وصعد إلى سطح المحيط … ولم يكن هناك أدنى شكٍّ من أنها غواصة ضخمة بدت في شمس الصباح الباكر كأنها سمكة أسطورية من أسماك ما قبل التاريخ.
وعندما ظهرت الغواصة … أحس الشياطين الأربعة بالقارب يَندفع إليها كأنه طفل صغير مشدود إلى أمه … أو كأنَّ مغناطيسًا هائلًا يجرُّه إليها …
قال «أحمد» معلقًا: هذه نهاية المطاف!
وكان ذلك صحيحًا … وعندما أمسك «عثمان» بمدفعه الرشاش للنزال … وضع «أحمد» يده عليه قائلًا: لا فائدة …
وفعلًا … لم تكن هناك أية فائدة … فعندما أتمت الغواصة طفوها … ظهر برج مدفع ضخم موجه إلى القارب … تكفي طلقة منه لنسف القارب إلى شظايا.
وقف الشياطين الأربعة ينظرون إلى الغواصة المجهولة. والأسئلة التي تدور في أذهانهم … هل يعرف هؤلاء المُطارِدون حقيقتهم؟ وهل هم من أفراد العصابات التي صارعوها من قبل؟ أم هم عصابة جديدة؟ وأين هم بالضبط وماذا سيحدث لهم؟ أسئلة كثيرة … لن يعرفوا إجابتها إلا بعد أن يصلوا إلى الغواصة، وعلى كلِّ حالٍ فإنَّ ذلك لن يستغرق سوى دقائق قليلة، فقد مضى القارب مندفعًا حتى وصل قرب الغواصة ثم توقف تمامًا … وظهر على السطح بعض رجال يلبسون ملابس البحارة … وظل المدفع مصوَّبًا إلى القارب … ونزل هؤلاء البحارة في قارب كبير من المطَّاط اقترب من القارب حتى حاذاه وتحدَّث أحد البحارة قائلًا: انزلوا …
كانت كلمة واحدة ولكنها كافية … فلم يكن أمام الشياطين الأربعة إلا الاستِسلام لهذا الأمر … وسرعان ما انتقلوا من القارب الكبير إلى القارب المطاط الذي حملهم سريعًا إلى الغواصة … وسرعان ما انتقلوا إلى سطحها …
نظر «أحمد» في وجوه الرجال حوله … وزم شفتَيه … كان بينهم «كاسينا» رجل العصابات الدموي الذي حطموا له مقره في جزيرة «سنتشوزا»، وعرف «أحمد» أي مصير ينتظرهم …
كان «كاسينا» يلبس ملابس الضابط … ودهش «أحمد» فهذه الملابس وقف على القوات البحرية الرسمية … فهل «كاسينا» ضابط في أية قوة بحرية؟ هذا مُستحيل طبعًا.
أشار «كاسينا» بيده … فتحدث أحد البحارة في بُوق يشبه بوق التليفون … وسرعان ما كان قارب «أوكاكورا» يبتعد … ووقف الشياطين الأربعة ينظرون إليه حتى أصبح على بُعد نحو ثلاثة كيلومترات … ثم أشار «كاسينا» بيده وسرعان ما انطلقت قذيفة من المدفع أصابت القارب إصابة مباشرةً وانفجر إلى أشلاء طارت في الفضاء، ثم استقرَّت في المياه … واختفى من على سطح الماء إلى الأبد القارب الجميل الفاخر … قارب «أوكاكورا» …
ودهش «أحمد» عندما وجد أن ما يَربط سطح الغواصة بباطنها مصعد أنيق كأنه في أحد الفنادق الكبرى … والمعتاد كما درس في المقرِّ السري أن يربط ظهر الغواصة بباطنها هو عادةً سلم حلزوني من الحديد كما في مراكز الإطفاء، وقد نزل كل اثنين من الشياطين معًا ومعهما حارسان … ورغم أن الشياطين الأربعة لم تكن معهم أسلحة ظاهرة … إلا أنَّ كلًّا منهم كان يَحمل على باطن ساقه بعض الأسلحة الدقيقة التي لا تستخدم إلا في حالات الضرورة القصوى.
كان باطن الغوَّاصة من الصلب البراق … وقد بدا كل شيء نظيفًا ولامعًا … ووقف البحَّارة كل في مكانه يعمل في هدوء … وأحاط الحراس بالشياطين الأربعة حتى نزل «كاسينا» وأشار لهم بالتحرُّك … ومشوا في ممرٍّ طويل وهم يُحسُّون باهتزاز خفيف عرفوا منه أن الغواصة تنزل تحت الماء … ساروا حتى نهاية الممر … ثم تقدم «كاسينا» ودق الباب … وعرف الشياطين الأربعة من هذه الحركة أن «كاسينا» ليس الرجل الأول في الغواصة … وفُتح الباب بعد قليل … ودخلوا إلى غرفة متوسِّطة الحجم قد امتلأت بالأجهزة الدقيقة … وخلف مقعد في صدر الغرفة جلس رجل أشيب الشعر … طويل القامة شديد الأناقة … كان يقرأ في تقرير أمامه … فرفَع بصره إليهم … وكانت عيناه زرقاوان شديدتا التأثير …
نظر الرجل إلى «كاسينا» ولمح «أحمد» في نظرته شيئًا من السُّخرية والاستخفاف وهو يسأله: هل هؤلاء الأولاد هم الذين دمَّروا قلعة «سنتشوزا»؟
رد «كاسينا» وهو يُصرُّ على أسنانه: إنهم هم أيها الأميرال …
الأميرال: إنها إذن مهزلة … ونحن نُنفق نقودنا عبثًا …
«كاسينا»: إنهم شياطين أيها الجنرال …
وابتسم الشياطين الأربعة رغمًا عنهم … فقد صدق «كاسينا» في وصفهم بالشياطين ولو كان يعلم حقيقتهم لوصفهم بأنهمُ الشياطين الطيبون …
قال الأميرال: هل تعرف أنها أول هزيمة تَحيق بنا منذ أنشأنا المنظمة …؟
اصفرَّ وجه «كاسينا» وقال: أؤكد لك أيها الأميرال أننا لم نُخطئ … ولكن هؤلاء الشياطين قادرون على الخروج من أيَّة قلعة …
الأميرال: عظيم … إذن سنرى كيف يُفلتون منا …
ورفع الأميرال سماعة تليفونه … وقال بصوت آمر: سنتَّجه فورًا إلى «القوقعة»!
ثم التفت إلى الشياطين بعد أن وضع السماعة وقال: إنكم ضيوفنا … وسوف نُحسن معاملتكم بقدر ما تُحسنون التصرف … لقد أعددنا لكم أماكن مريحة وسنُبقي كل اثنين معًا … ولكن ممنوع التجوُّل في الغواصة مُطلقًا … ومن الأفضل أن أقول لكم إن الأجزاء الهامة فيها كلها محملة بتيار يصعق كل مَن يقترب منها ومَن لا يلبس الملابس اللازمة للوقاية … يصعقه التيار.
وضغط الأميرال على جرس أزرق أمامه … وفتح الباب ودخل حارسان مسلحان وأشار الأميرال لهما باصطحاب الشياطين … وخرج الأربعة وخلفهم الحارسان … ومشوا في الممر الرئيسي في وسط الغواصة … واستطاع «أحمد» معرفة مدى ضخامة الغواصة من اتساع الممر … وأدرك أنها تبلغ نحو ضعف حجم الغواصة العادية … وتوقَّف الأربعة بأمر من الحارسين … وتقدم أحدهما وأخرج من جيبه جهازًا صغيرًا … ألصَقه بجدار الممر … وإذا به يَنفتح عن باب … وأشار إليهم الحارس بالدخول … ووجد الشياطين أنفسهم في صالة صغيرة يفتح عليها بابا غرفتين متقابلتين … وابتسم «عثمان» وهو ينظر حوله قائلًا: أظنُّه أغرب سجن دخلته في حياتي!
قيس: إننا محاطون بالفولاذ وبالحراس … وبالمياه!
كان «أحمد» يستمع إلى هذا الحديث صامتًا … لهذا أحس فعلًا أنهم في مأزق لم يسبق له مثيل … وأن هذه المعركة قد تكون معركتهم الأخيرة … وفي النهاية قال: يجب ألا نستسلم بسهولة …
عثمان: هل عندك خطة؟
أحمد: ليس الآن … إن ما أفكر فيه حقًّا هو القوقعة … ما هي القوقعة التي تحدث عنها الأميرال؟
رد «خالد»: أعتقد أنه حصن آخر من حصون هذه العصابة … حصن مثل قلعة «سنتشوزا» التي نجونا منها بأعجوبة …
أحمد: أعتقد أن هذه الغواصة تسير بالذرَّة … إنَّ حجمها غير عادي، وسرعتها مثل الطائرة …
عثمان: وهل من الممكن أن تمتلك عصابة مهما كانت غواصة ذرية؟!
صمت الجميع أمام هذا السؤال … وفجأةً قال «قيس»: من الممكن طبعًا … إنني أعتقد أن هذه الغواصة هي الغواصة «بولاريس» الأمريكية التي قيل إنها غرقَت تحت مياه المحيط الهادي منذ سنوات ولم يُعثر لها على أثر.
نظر الجميع إلى «قيس» بدهشة … وتذكَّروا جميعًا هذا الحادث الغريب …