الحياة تحت البحر!
أخذ «قيس» يَقيس أبعاد إحدى الغرفتَين ثم وضع أذنه على جانب الغواصة الصلب … وانحنى على الأرضية وأعاد السمع ثم قال: مِن المؤكَّد أنها هي الغواصة … فإنني أتذكَّر مقاييسها … وإن كنت أعتقد أنه قد أضيفَت لها تجهيزات جديدة …
أحمد: إن هذا يثبت جبروت هذه العصابة … وإن أشخاصًا مثل «كاسينا» و«كوجانا» وغيرهما ممَّن قابلنا ليسوا من زعمائها …
خالد: لقد كان واضحًا من أسلوب الأميرال مع «كاسينا» أنه يَنظر إليه كطفل صغير لا قيمة له …
أحمد: هذا يعني أننا ذاهبون إلى وكر العصابة الرئيسي …
عثمان: دعونا نَرتاح الآن … إننا مقبلون على معركة خرافية … ونحن في أشد الحاجة إلى كل قوانا …
كان حديث «عثمان» بمثابة إشارة … فقد قفز الجميع إلى دورة المياه فاغتسلُوا ثم استلقى كل منهم على فراشه … وبالتدريب المستمر كان في استطاعتهم أن يناموا فورًا …
استيقظ «خالد» على صوت الباب الصلب وهو يُفتح … واستيقظ بعده الشياطين …
كان «أحمد» و«عثمان» ينامان في غرفة واحدة … و«خالد» و«قيس» معًا … وتبادل كل اثنين منهما النظرات …
لقد بدأت المغامرة … وقد تكون المغامرة الأخيرة في حياتهم … وظهر أحد الحراس وأشار إليهم أن يتبعوه … وبعد لحظات كانوا يجتازون الممر إلى غرفة الطعام … وقد كانت غرفة رائعة حقًّا … لولا أنهم كانوا متأكِّدين من وجودهم في قلب الغواصة لظنُّوا أنهم في أفخر فنادق القاهرة أو لندن …
جلسوا إلى مائدة الطعام … ولاحظوا على الفور أن الغرفة الواسعة كانت جدرانها مغطاة بالزرع الأخضر … طماطم … وخيار … وجرجير … وكان هذا يعني أن هذه المزروعات قد تمَّ استنباتها بالطاقة الذرية … وأن ركاب هذه الغواصة الرهيبة يأكلون الخضروات الطازجة، وبعد لحظات قُدِّم لهم طعامٌ كان من أمتع الأطعمة التي تناولوها في حياتهم … ثم قُدم لهم الشاي … وبعدها جاء الحارس وطلب منهم التوجُّه معه إلى المركز الأمامي للقيادة … وساروا خلفه وخلفهم حارس آخر حتى وصلوا إلى شبه دائرة حمراء ضخمة تشبه قرص الشمس وقد أغلقت من الخارج بأجهزة معقدة … وفتح الباب بعد حديث تليفوني قصير بين الحارس ومن في داخل الكرة الحمراء … ودخلوا … كانت أشبه بغواصة داخل الغواصة … فقد كانت حافلة بالأجهزة والأزرار واللمبات الكهربائية … وقد جلس فيها خمسة أشخاص أحدهم الأميرال … وأشار لهم بالجلوس في صف من المقاعد كأنهم في دار سينما ولم يُخطئ ظنهم … لقد كانوا في دار سينما حقًّا، ولكن سينما حية … سينما أعماق البحار … فقد ضغط أحد الرجال الخمسة على زر أمامه … وإذا بجانب من جدار الغرفة الحمراء ينزاح جانبًا … وقد أصابت الشياطين الأربعة هزة شديدة عندما وجدوا أنفسهم وكأنهم وقعوا في قاع المحيط فقد كان الجدار التالي للجدار الصلب جدارًا من الزجاج السميك لا يخفي شيئًا من أعماق المحيط بعد أن أطلقت الغواصة شعاعًا قويًّا من الضوء أحال ظلام القاع إلى نهار … كان مشهدًا لا يُنسى بالنسبة للشياطين … فهم يجلسون وليس بينهم وبين قاع المحيط الرهيب إلا جدار من الزجاج الشفاف … وكانت الغواصة تسير بسرعة متوسطة سمحت للجالسين بتأمُّل كل ما يدور في القاع …
شاهد الشياطين جبال قاع البحر … وقد نبتت عليها مئات الأنواع من مزروعات القاع بألوان لا تُصدَّق … وأخذت الأسماك الضخمة والصغيرة وحيوانات الماء من مختلف الأنواع تظهر وتغيب … واندفعت أسراب من السمك في الضوء اللامع تخبط في الجدار الزجاجي … وكان الرجال الخمسة يتحدَّثون معًا … وكان واضحًا من كلامهم أن هناك كاميرا تُصوِّر كل هذه المشاهد … واستطاع الشياطين أن يفهموا من هذا الحديث أن الرجال الخمسة لا يُهمُّهم ما يدور أمامهم من مشاهد الطبيعة الحية … بقدر ما يُهمهم البحث عن أشياء معينة كانوا يشيرون إليها برموز مثل حرف «أ» … وحرف «ب»، وأخذ «أحمد» يربط بين هذه الرموز واهتمامات هذه العصابة الخرافية … واستطاع بسرعة أن يفهم أن حرف «أ» يُشير إلى «الذرة» والطاقة الذرية … وأن حرف «ب» يشير إلى البترول … فهؤلاء الرجال إذن يبحثون عن مناطق اليورانيوم والبترول في قاع المحيط …
فجأةً ظهرت سمكة ضخمة من أسماك القرش اندفعت إلى الضوء … ثم خبطت بشدة في الجدار الزجاجي … وفي لحظةٍ ضغط أحد الرجال على زر فانطلق شعاع رفيع كالبرق أصاب السمكة الضخمة فانقلبت على الفور …
وعرف الشياطين أنه شعاع «ليزر» صعق السمكة في ثوانٍ … وانقلبت على ظهرها … وهبطت جثة هامدة في القاع …
ومضت الغواصة الرهيبة تشقُّ طريقها عبر تضاريس قاع البحر … ثم سمع الشياطين الرجال الخمسة وهم يتحدَّثون بحماس … ثم ظهرت شاشة تليفزيون على جانب … وظهرت عليها نفس المشاهد التي يراها الشياطين عبر الحائط الزجاجي، وأخذ مؤشِّر يهتزُّ ناحية اليمين واليسار فوق الشاشة ثم استقر عند نقطة معينة … وأصدر الأميرال تعليماته … وأخذت الغواصَة تُخفِّف من سرعتها تدريجيًّا، وبدا على شاشة التليفزيون جبل صغير الحجم … أسود اللون … يبدو كأنه بركان قديم بالفتحات التي تظهر على قمَّته وجانبيه … وتوقفت الغواصة تمامًا، ودار حوار حاد بين الرجال الخمسة … ثم أمسك أحد الرجال بذراع صغير أمامه وسحبه إلى الخلف … وفوجئ الشياطين الأربعة عندما انطلقت قذيفة من الغواصة في سرعة البرق … قذيفة ليست ضخمة، ولكن ما فعلته في الجبل الأسود جعلت الشياطين الأربعة يَفتحون أفواههم في دهشة … لقد أصابت القذيفة وسط الجبل كأنها رصاصة أصابت قلب الهدف … فقد فتحت فيه فتحة واسعة وعميقة في نفس الوقت … وتدفَّق من الفتحة سائل أسود اللون أخذ ينتشر وينتشِر … وصاح الرجال الخمسة فَرِحين كأنهم عثروا على كنز. وقد كان كنزًا فعلًا … فلم يكن السائل الأسود إلا البترول.
كانت الصورة على شاشة التليفزيون واضحة جدًّا … وسرعان ما ضغط الرجل على أحد الأزرار فنزلت عليها خريطة مضيئة … وتحرَّكت مُؤشِّرات كثيرة أوضحت مكان الجبل من قاع المحيط الهائل …
ومال «أحمد» على «عثمان» قائلًا: إذا قُدِّر لنا النجاة … فسوف نكتب أخطر تقرير ﻟ «رقم صفر» إن ما يحدث أمامنا الآن تقدُّم علمي وتكنولوجي لم يَسبق له مثيل …
عثمان: لو كنت أعرف فقط لماذا كل هذا؟
أحمد: إنها منظمة إجرامية … وبالتأكيد كل ما يفعلونه موجه ضد الناس …
عادت الغواصة إلى الحركة … وشقَّت طريقها سريعًا … وأطفأ الأميرال جهاز التليفزيون وأعاد الغطاء الصلب إلى جدار الغواصة … ثم التفَت إلى الشياطين وقال باعتزاز: ما رأيكم؟!
رد «أحمد»: إنه شيء رائع لا شك هذا الذي تفعلونه!
ابتسم الأميرال وقال: إن هذا جزء بسيط مما تملكه المنظمة!
ثم مضى يقول: إنني لم أُحضركم لتشاهدوا هذا عبثًا … إنني أريد أن أقنعكم أن في حوزتنا قوة لا يمكن مقاومتها … وإن من الأفضل لكم أن تنضمُّوا إلينا …
حاول «أحمد» أن يجيب … ولكن الأميرال أشار له بيده أنه لم ينتهِ بعدُ من حديثه ثم مضى يقول: بالطبع ليس عندنا نقص في الرجال المدرَّبة، ومهما كان «كاسينا» معجبًا بكم فعندي رجال من النوع الذي لا يُمكن هزيمته … ولكن ما أريده منكم شيء آخر تمامًا …
انتبه الشياطين … فهناك إذن عرض جديد … وقال الأميرال: إنني أريدكم أن تعودوا إلى المنظمة التي تعملون فيها وتَعرضوا على زعيمها أن ينضمَّ إلينا … إننا لم نفتح فرعًا للمنظمة بعدُ في المنطقة العربية … ومن الأفضل أن يكون مُمثلنا هناك أحد العرب … لهذا فإنني أنصح أن يذهب مندوبٌ منكم إلى رئاسة المنظمة ويعود بالموافقة … إنَّ في إمكاننا تقويتكم … ولعلكم شاهدتم الآن ما يثبت لكم مدى قوتنا …
كانت فرصة للمساومة لم يكن الشياطين ليتركوها تمرُّ؛ لهذا قال «أحمد»: إنني على استعداد للقيام بهذه المهمة … ربما استطعت أن أُقنع الزعيم بذلك.
الأميرال: عظيم … ولكن يا صديقي الصغير يجب أن نضع أيدينا أولًا على كل المعلومات المهمة عن منظمتكم … مقرها … عدد الأفراد … اسم الزعيم ومقره … نوع التسليح الذي تملكه … مدى نفوذها في المنطقة …
أحمد: لا أظن أنني أستطيع ذلك يا أميرال …
احمرَّ وجه الأميرال وقال: إذن لن يخرج أحد منكم حيًّا من هنا … إن من يدخل القوقعة … ما لم يُصبح مواليًا لنا لا بد أن يموت … إننا لم نُنشئ هذه القوة في شهور ولا حتى في سنوات … إنها عشرات السنين …
سكت «أحمد» … وفجأةً أُضيء ضوء أحمر كأنه السبحة … يمرُّ في شكل كرات صغيرة … ثم ظهرت مجموعة من الأسهم الزرقاء المتقطِّعة … ووضع الأميرال إصبعه على زرٍّ أمامه … ومرةً أخرى انزاح الجدار … وظهر من بعيد بعض الغواصين … كانوا فيما يبدو من صيادي الأسماك في القاع … أو من الباحثين عن كنوز قديمة في قاع البحر …
ظهر واضحًا أن هؤلاء الغواصين قد ذُهلوا عندما شاهدوا هذه الغواصة الضخمة؛ فقد توقفوا عن السير والسباحة … وظهرت أضواؤهم الصغيرة وكأنها فراشات تحوم حول نيران موقدة نيران الغواصة التي لا ترحم … فقد أطلق أحد الرجال أشعة «الليزر» القاتلة على مجموعة الغواصين وسرعان ما كانوا يترنحون ثم تتهدل أجسامهم ويسقطون على القاع … وأحسَّ الشياطين بمدى عنف منظمة الإجرام هذه … ومدى قسوتها … وتحدث «أحمد» إلى نفسه … كان يقسم أن يبذل آخر قطرة من دمه في القضاء عليها … فقد كان مشهد الغواصين الموتى مشهدًا داميًا لا يمكن احتماله …