معركة النهاية!
مضت الغواصة تشق طريقها … وانحرفت بضع مرات ثم شوهد عبر الحاجز الزجاجي جدار ضخم من الشباك الحديدية … كأنها مصيدة ضخمة للسمك وأدرك الشياطين أنهم وصلوا إلى نهاية المطاف … عندما انطلق شعاع من الغواصة على هذه الشبكة فانفتح فيها باب مرقت منه الغواصة … ثم انزلقت عبر كهف طبيعي ضخم وأخذت تقترب تدريجيًّا من رصيف أضيء بعشرات الأضواء الضخمة وأخذت تطفو تدريجيًّا حتى حاذت هذا الرصيف الذي وقف عليه مجموعة من الحراس وتوقفت الغواصة تمامًا … وأشار الأميرال إلى الشياطين أن يخرجوا معهم. في هذه المرة لم يصعدوا في المصعد فقد انفتح جانب الغواصة عن باب ضخم يشبه باب الطائرة … خرج الأميرال أولًا ثم الشياطين وحولهم الحراس … واتجهوا فورًا إلى مصعد في الكهف … توقع الشياطين أن يصعد بهم إلى فوق ولكنه هبط بهم في جوف الصخر … ثم توقف وفُتح بابه … ووجد الشياطين أنفسهم في مقر المنظمة …
قال الأميرال: نحن الآن في القوقعة …
عرف «أحمد» أن «خالد» كان على صواب عندما فسَّر كلمة القوقعة بأنها اسم مقر المنظمة وأحاط الحراس بهم واقتادوهم إلى سجنهم الجديد … ولكنه كان سجنًا رائعًا … فقد كان يشبه غرف الفنادق الممتازة … وقال الحارس في كلمات صادقة: ممنوع التجوُّل. وإلا انتهت أعماركم في لحظات.
وتركهم وانصرف … وبدلًا من أن يدخل الشياطين غرفهم قال «أحمد»: إنهم يتوقعون منا الآن أن نلجأ إلى الراحة … ولكننا ارتحنا بما يكفي … ويجب أن نستغلَّ فترة الهدوء … وانشغال الأميرال بعودته ونحاول الخروج من هذه القوقعة …
عثمان: هل عندك خطة معينة؟
أحمد: إنني لا أعرف المكان … ولكن لا بد أن هناك فتحات للتهوية تَنفُذ من قلب الكهف إلى سطح الأرض … علينا أن نبحث عنها فورًا …
بدأ الشياطين الحركة فورًا … لم يكن هناك حراس … لقد كان الأميرال واثقًا أن لا أحد يستطيع اقتحام «قوقعته» ولا أحد يستطيع الهرب منها، وقد صدق ظن «أحمد» وعثر «خالد» على فتحة ضخمة مُغطَّاة بالسلك عندما نظر فيها استطاع أن يلمح بعيدًا جدًّا ثقبًا صغيرًا رأى منه زرقة السماء البعيدة …
أسرع الشياطين إلى «خالد» وأمسكوا جميعًا بالسلك وانتزعوه … وقال «أحمد»: «قيس» … إنك متسلق ماهر … خذ معك حبلًا طويلًا … واصعد فورًا من هذه الفتحة … ثم اربط الحبل في صخرة ودعه يتدلَّى إلينا …
وعندما بدأ «قيس» مهمته معتمدًا على الصخور البارزة في فتحة التهوية بعد أن أخذ معه حبلًا كان مكومًا بجوار الجدار … بدأ الشياطين الثلاثة عملية تخريب كبرى … كان «عثمان» قد لاحظ أثناء تجوُّله وجود صناديق من الديناميت … وأسرع الثلاثة إلى مهمتهم … ولكن الأمور لم تسر بهذه البساطة؛ فعندما توجه «عثمان» لحمل أحد الصناديق فوجئ بحارس مسلح يضع بندقيته في رقبته … ورفع «عثمان» رأسه ينظر إليه فقال الحارس: تحرَّك معي …
سار الاثنان … ولكن «أحمد» و«خالد» شاهدا ما حدث … واختفيا وراء أحد الجدران حتى مر بهما الحارس و«عثمان» … وبقفزة واسعة هبط «أحمد» على الحارس بضربة قوية، وسقط بين ذراعي «عثمان» وتناول «أحمد» البندقية … وقال بسرعة: هيا … نريد وضع كميات من الديناميت في أماكن متفرقة!
أخذ الثلاثة يعملون بسرعة وهدوء … ومن المؤكد أن الأميرال الذي كان يرتاح في غرفته لم يكن ليتصور أن يتحرك هؤلاء الشياطين بهذه السرعة … ولكن الشياطين كانوا في سباق مع الدقائق والثواني … فلو سكتوا دقيقة واحدة لخسروا معركة النهاية.
وأخذت أصابع الديناميت توضع في تجاويف الصخور … وعندما تم وضع كمية كافية منها … امتدت الأسلاك حتى فوهة فتحة التهوية … ونظر «أحمد» في الفتحة ووجد أن «قيس» قد وصل إلى سطح الأرض … وأن الحبل مُدلًّى …
أسرع «أحمد» يشير إلى «عثمان» و«خالد» وبدأ «خالد» التسلق … ثم تبعه «عثمان» … بعد أن وصل «خالد» إلى القمة … وهز الحبل … وعندما جاء الدور على «أحمد» كان قد أشعل فتيل الديناميت واتجه إلى فتحة التهوية … كان محتاجًا إلى نصف دقيقة كاملة ليصبح انتصار خطة الديناميت كاملًا … ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان …
فعندما أصبح تحت فوهة فتحة التهوية مباشرةً ظهر رجل لم يرَ «أحمد» له مثيلًا من قبل … رجل ياباني لكنه ضخم الجثة كأنه أربعة رجال في رجل واحد … كان يرتدي قميصًا ضيقًا … وسروالًا قصيرًا … حافي القدمين … وعرف «أحمد» على الفور أنه مُصارع ياباني من الحراس الخصوصيِّين الذين يحمون الزعماء من الاغتيال …
كان الفتيل مشتعلًا … وكرة النار تجري في اتجاه الديناميت …
ودقائق وينفجر المكان … تَنفجِر القوقعة … واتجه الياباني بسرعة إلى النار … وكان يكفي أن يدوس عليها بقدمه … وهو لن يتردَّد في ذلك لتنطفئ الشعلة … وينطفئ أمل «أحمد» وكان أمام «أحمد» أن يسرع إلى الحبل ويتسلقه صاعدًا وهو وحظه … أن يلحق به الرجل أو لا يلحق … أو يدخل في صراع مع هذا العملاق فينجو أو يموت مع انفجار الديناميت … ولبَّى «أحمد» نداء الواجب وقفز في اتجاه الرجل الذي أطلق صيحة «الساموراي» المخيفة ثم ضرب الأرض بقدمه ومدَّ يدَيه إلى الأمام متحفزًا …
ولم يكن أمام «أحمد» وقتٌ لتقدير الموقف … أو لاتخاذ موقف الدفاع، لقد قفز يمينًا ويسارًا بحيث شتَّت انتباه العملاق الياباني … ثم اندفع ناحية الجدار بحيث استدار الياباني ليواجهه فحرك قدميه وانتحى جانبًا … وطار «أحمد» في الهواء ثم ضربه بقدمَيه معًا … ثم دار في الهواء دورة كاملة ونزل … وكان العملاق الياباني قد أذهلتْه المفاجأة … وهزته الضربة بحيث وضع يديه على عينيه وأنفه وفمه ليوقف الدماء التي اندفعت من شدة الضربة … ورغم أن «أحمد» وكلُّ الشياطين لا يلجئون إلى شيء للضرب به سوى أيديهم، إلا أن «أحمد» خالف القاعدة هذه المرة … وتناول قطعة من الصخر ضرب بها الرجل فانهار كالجبل وأسرع «أحمد» إلى فتحة التهوية وهو يرمق كرة النار التي كانت تأكل حبل الديناميت ووجدها على وشك أن تصل إلى المتفجرات.
قفز «أحمد» إلى الحبل … ووضع قدميه على الجدار الصخري للفوهة وأخذ يصعد كالمجنون … فقد ملأت رائحة الديناميت الهواء … وسمع الانفجار الأول واهتز وهو في منتصف المسافة في البئر العميق وبين الأرض والسماء.
أدرك «عثمان» خطورة ما يحدث فاستدعى «خالد» سريعًا وأخذا يسحبان «أحمد» بكل ما يملكان من قوة … وكانت الانفجارات تتوالى في المكان وكل شيء يموج ويهتز … ووصل «أحمد» إلى سطح الأرض في اللحظة التي انفجر فيها البئر … وتطايرَت الصخور في الهواء … فاستلقى الشياطين الثلاثة على وجوههم.
في هذه اللحظات كان «قيس» منبطحًا على وجهه يرقب جدارًا من القضبان الحديدية يحيط بالمكان … وشاهد مجموعة من الحراس بجوار سيارة من طراز «مازدا» … وكان أحدهم يدخل إلى كشك مجاور للبوابة ثم يخرج وقد بدا عليه الغضب … كان الوقت فجرًا … وقد بدأت أشعة الشمس تظهر في الأفق. وكانت فرصة الشياطين هي الظلام الخفيف الذي كان لا يزال منتشرًا … وزحف «قيس» في المقدمة وخلفه بقية الشياطين … واختاروا أن يأتوا من خلف الحارس الذي كان يحرس السيارة … وأمسك «عثمان» بصخرة متوسطة وأخذ يزنها في يده … وتذكَّر كرته الجهنمية التي لم تأتِ معه … ثم طارت قطعة الصخر بسرعة الصاروخ لتضرب الحارس الذي سقط على الأرض كأنما مسَّته صاعقة …
أسرع «قيس» إلى السيارة … وظهر حارس أخذ يعدُّ بندقيته المعلقة بكتفه للإطلاق … ولكن قطعة أخرى من الصخر من يد «عثمان» أسكتته … ثم أسرع الشياطين الثلاثة … كان «قيس» قد أدار السيارة … وكانت الانفجارات الأرضية تهز الأرض تحتهم. وكانت مياه الخليج الذي دخلوا منه ساكنة … وقد خلَت من أيِّ مظهر لما يدور تحت هذه المياه … واندفع «قيس» بالسيارة كالصاعقة وكان السؤال الذي يُراود أذهان الشياطين جميعًا هو: هل يُفلتون هذه المرة … هل يخرجون من جنوب شرق آسيا ويعودون إلى المقر السري؟!
قال «أحمد»: أين نحن الآن؟
سؤال لم يخطر ببال أحد … ولكن «قيس» أجاب على الفور: نحن في إحدى الجزر التي تتحدَّث الإنجليزية … إن الإشارات كلها مكتوبة بالإنجليزية.
خالد: كل ما أرجوه أن نستطيع الوصول إلى أي مطار … وأجد نفسي في طائرة متجهة إلى القاهرة …
واقتربوا من الشوارع الكبيرة … وكانت حركة المرور قد بدأت … وقرءوا لافتات باللغة الإنجليزية تُحدِّد الاتجاه إلى مطار «ولنجتون»، وقال «قيس»: ولنجتون … أين هي هذه المدينة؟
ردَّ «خالد» على الفور: هل نسيت الجغرافيا … إنها في جنوب «نيوزيلاند».
قيس: مدهش كيف قطعنا كل هذه المسافة بين «سومطرة» وبين «نيوزيلاند»؟
أحمد: هل نسيت أنك كنتَ تَركب غواصة ذرية؟
بدا الطريق إلى مطار «ولنجتون» هادئًا في الصباح الباكر … وأحس الشياطين أنهم في أمان … وقال «عثمان» وهو يَضطجع إلى الخلف: سوف أطلب من «رقم صفر» إجازة عشرين عامًا …
وضحك الشياطين جميعًا … ومضت السيارة في طريق مطار «ولنجتون»، وبعد ساعات قليلة كانت طائرة شركة الخطوط البريطانية تحملهم في الطريق إلى القاهرة …