جيني تتأنَّق وتلتقي الحارس
جلسَت الآنسة جيني باكستر أمام مِرآتها الضخمة؛ لتضع بعض اللمسات الرقيقة والنهائية على قبعتها وفستانها، وما بين جذبةٍ طفيفة هنا وترتيبةٍ لطيفة هناك، نظرت إلى نفسها بعينٍ يملؤها الرضا. وكان معها كلُّ الحق؛ فهي في واقع الأمر فتاة جميلة للغاية. ومن الطبيعي أن تُغدِق الفتيات الجميلات على أنفسِهن العناية الفائقة، وعلى الرغم من أن جيني تبدو جميلة في أي فستان ترتديه مهما كان تصميمُه، فإنها تحرص دائمًا على التأنُّق وارتداء أجمل الفساتين وأحدثِها. ولكن، كان من اللافت في هذه المناسبة أنها بذلت جهدًا أكثرَ من المُعتاد كي تبدوَ في غاية الأناقة، ويجب أن نُقرَّ بأنها قد نجحت تمامًا في ذلك. وكان مظهرها يبعث البهجة في نفوس أصدقائها، والغيرة في قلوب أعدائها.
أما شعرها الغزير الطاغي، الذي لم يكن ذهبيًّا خالصًا، فإنه كان — كما قد يصفه الشعراء — في لون الحنطة الضارِب إلى السُّمرة، وذا نعومةٍ مذهلة عند مَنْبَته. وعيناها تلمعان بلون أسود ساحر وتفيضان رقةً وحنانًا؛ على الرغم من أنهما إذا دعتِ الضرورة، تتحوَّلان إلى عينَين ثاقبتين يُمكنهما النظر إلى المرء فتستشِفَّان أفكاره وتَسبُران أغواره. وقد ساعدت البشرة الناعمة كمَلمَس الحرير، مع لمسةٍ من اللون الأحمر الوردي تكسو الوجنتَيْن، على إعطاء هذا المزيج الأشقر مع الشعر البُني الداكن الضارب إلى السُّمرة مَظهرًا ساحرًا للغاية، حتى إنَّ العيون لا تكتفي بنظرةٍ واحدة كي تشبع من حُسْنِها. ونظرًا إلى كونها مُميَّزة بطبيعتها، لم تُهمِل جيني اللمسة الفنية. ويجب الاعتراف بأنها تُنفق معظم دخلها كي تحويَ خِزانةُ ملابسها أفضلَ ما يمكن أن توفره باريسُ من أزياء؛ والأفضل في هذه الحالة ليس بالضرورة أن يكون هو الأغلى ثمنًا، لكن ما يمكن لامرأةٍ عادية أن تتحمل ثمنه؛ لأن جيني كتبت تلك المقالات الشيِّقة عن أحدث الفساتين الأنيقة التي نُشِرت في بعض المجلات النسائية الأسبوعية، وكان من المفترض عمومًا ألا تُؤثر هذه الحقيقة في قدرتها على الشراء من بيوت الأزياء التي ذَكَرت عَرَضًا في كتاباتها أنها أغلى ممَّا يمكن أن تتحمَّله ميزانيتُها. وهكذا تحرص الآنسة باكستر دومًا على أناقتها؛ ولذا فإن تأثير جاذبيتها طاغٍ على الرجال، لدرجة أنهم لا يكتفون بنظرةٍ واحدة نحوَها إذا ما مرَّت بجوارهم في الطريق؛ بل يُغمغمون قائلين: «ما أروعَك!» وهي جملة، عندما تأخذ في حسبانك النغمة التي تُقال بها، تجد أنها تُمثل أقصى درجات الإعجاب التي تسمح بها لغةُ رجلٍ مُتحضر حينما يريد التعبير عن سحر عينَيها السوداوين، واعتدادِ وحيوية خطواتها الرشيقة؛ لكنَّ أيًّا من هؤلاء المُعجبين لم يجرؤ أبدًا على ملُاحقة تلك الخطوات.
وقد بالغت الآنسة جيني اليوم في التأنُّق لأنها ترغب في لفت انتباه رجلٍ ما؛ الذي لم يكن سوى السيد رادنور هاردويك، الصحفي الشهير ورئيس تحرير صحيفة «دايلي بيجل»، التي تُعتبَر حاليًّا الصحيفة الصباحية الأكثر جُرأةً في العاصمة الكبرى. وقد عملت الآنسة باكستر في بعض الصحف المسائية، والعديد من الصحف الأسبوعية، وعددٍ من المجلَّات الشهرية، وهي تتقاضى دخلًا جيدًا إلى حدٍّ معقول، لكنه مُتقطع إلى حدٍّ خطير. وقد أشعرها ذلك بعدم يقينٍ بشأن أسلوب حياتها، وهو ما لم يكن يُرضيها؛ ولذا عقدت العزم، إن أمكن، على مقابلة رئيس تحرير إحدى الصحف الصباحية، كي تحصل على راتبٍ ثابت ومأمون. ولا شكَّ أنه يجب أن يكون أيضًا راتبًا مُجزيًا. وكانت الآنسة جيني الجميلة لديها من الثقة بالنفس ما يجعلها تعتقد أنها سوف تكسب كل بنسٍ منه. وهي تعتمد، على نحوٍ منطقي تمامًا، على مهارتها وخبرتها كتوصيةٍ نهائية للحصول على راتبٍ كبير، لكنها، كأيِّ امرأة، تعلم أن المظهر الجذَّاب قد يكون عاملًا مساعدًا في حصولها على المزيد من اهتمام رئيس التحرير، حتى لو أظهر عند التعارُف أنه رجلٌ عمليٌّ صارم؛ وهو ما كان مُستبعَدًا إلى حدٍّ معقول. ثم نظرت إلى الساعة الصغيرة اللطيفة المتصلة بسوارها، ورأت أنها تقترب من الخامسة. وهي تعلم عن رئيس التحرير أنه يأتي إلى مكتبه بعد الثالثة بقليل، ويظل هناك حتى السادسة أو السادسة والنصف؛ حيث يخرج لتناوُل العشاء، ثم يعود في الساعة العاشرة أو قبلها بقليل، عندما يبدأ العمل الجاد من أجل تجهيز إصدار الصحيفة لليوم التالي. وهي لم تُرسل له طلبًا مُسبقًا لمُقابلته؛ لأنها تعلم أنها إذا حصلت على ردٍّ فسيكون مجرد طلبٍ للحصول على تفاصيل حول المقابلة المقترحة. وكان لديها إيمانٌ قوي بالكلمة المنطوقة مقابل المكتوبة. وهي تعلم أنه بحلول الساعة الخامسة سيكون رئيس التحرير قد انتهى من قراءة رسائله، ومقابلة أغلب مَن ينتظرونه، ومن ثمَّ توقَّعت الآنسة باكستر بدقةٍ أن هذه الساعة ستكون ملائمةً لمحادثةٍ قصيرة أكثرَ من أي وقتٍ آخر قد يكون خلاله مشغولًا بمراسلاته، أو منغمسًا في العمل اليومي الشاق، مثلما يحدُث بعد العاشرة مساءً. ولديها من الخبرة بالعالَم ما يجعلها تعرف أن الأمور العظيمة غالبًا ما تعتمد في نجاحها على أمورٍ تبدو تافهة، وكانت الفتاة قد عقدت العَزم على أن تُصبح عضوًا في فريق عمل «دايلي بيجل».
ركبت بخِفةٍ في العربة التي كانت تنتظرها، وقالت للسائق: «مكتب صحيفة دايلي بيجل من فضلك؛ المدخل الجانبي.»
وعند وصولها ترك مظهرها الأنيق انطباعه الأول على الحارس الأيرلندي العابس، الذي يقف مثل كلب حراسة فظٍّ ومُخلص، ليحرس مدخل غرف التحرير في الصحيفة؛ حيث يقبع داخل كشكٍ ذي إطارٍ زجاجي، مع باب على الجانب، وفتحة صغيرة مقوَّسة عند مستوى وجهه، وهو جالس على كرسي مرتفع، كي يُراقب ويتأكد، ليس بأدبٍ شديد، أنَّ أحدًا لن يصعد تلك السلالم ما لم يكن لديه حقٌّ أكيد للقيام بذلك. لكنه عندما ألقى نظرةً على الآنسة باكستر، انزلق عن الكرسي ودَلَفَ خارجًا من الباب نحوها، وكان ذلك بمثابة تنازُل استثنائي منه تجاه مجرد زائر؛ إذ كان بات رايان يكتفي في العادة بالقول باقتضابٍ إن رئيس التحرير مشغول، ولا يُمكنه مقابلة أحد.
لكنه قال: «ماذا تريدين يا آنسة؟ هل تريدين أن تُقابلي رئيس التحرير السيد هاردويك؟ هل لديكِ موعد سابق معه؟ إذا لم يكن الأمر كذلك؛ أشكُّ كثيرًا في أن تتمكَّني من مقابلته اليوم. من الأفضل أن تكتبي إليه، وتُحددي سبب المقابلة، وإذا حدَّد لكِ موعدًا فلن تكون هناك مشكلة على الإطلاق.»
فسألتْه الآنسة باكستر: «ولكن ما المشكلة إذا قابلتُه الآن؟ إنه موجود هنا ويُباشر مهامَّ عمله في مكتبه، مثلما تفعل أنت الشيءَ نفسَه عند البوابة. وقد جئتُ أنا في مهمة عمل، وأريد أن أراه. ألا يمكنك إبلاغ السيد هاردويك باسمي، وبأنني لن آخُذ من وقته سوى لحظاتٍ قليلة؟»
«آه يا آنسة، هذا ما يقولونه جميعًا؛ يطلبون بضع لحظاتٍ ولكنهم يظلُّون هناك لساعة. وفي الواقع، لن يكون على رئيس التحرير أيُّ لوم إذا أبقى عليكِ لأطول فترةٍ ممكنة. وأنا أودُّ حقًّا أن أُبلغه باسمكِ، لكنني أخشى أنَّ هذا لن يُفيدكِ بشيء؛ إذ إن هناك أكثرَ من اثنَي عشر رجلًا في غرفة الانتظار الآن، وهم ينتظرون السماح لهم بمقابلته، وقد صعد آخِرهم منذ نصف ساعة. ولم ينزل أيٌّ منهم حتى الآن.»
قالت الآنسة جيني مُستخدمةً نبرتها الأكثر إقناعًا: «لكن بالتأكيد، هناك طريقة ما لمُقابلة رجل عظيم مثل رئيس التحرير، وأنا واثقة أنك تعرفها.»
«في الواقع يا آنسة، أنا لست مُتأكدًا من وجود طريقة، إلا إذا قابلتِه مُصادفةً في الشارع، وهو أمرٌ مُستبعد الحدوث. فكما قلتُ لكِ، هناك اثنا عشر رجلًا ينتظرونه الآن في الغرفة الكبيرة. وبعد تلك الغرفة، هناك غرفة أخرى، وبعد تلك الأخرى يُوجَد مكتب السيد هاردويك. والآن، قد يُكلِّفني الأمر وظيفتي هذه، إذا أدخلتكِ إلى الغرفة المُجاورة لتلك التي ينتظر فيها الرجال.» ثم قال الأيرلندي خافضًا صوته كما لو كان يُفشي أسرار الصحيفة: «ولكن لأصْدُقكِ القول يا آنسة، إنَّ السيد هاردويك، وهو رجل صعب المراس، يخرج أحيانًا عبر تلك الغرفة الصغيرة، ثم عبر الممرِّ ومنه إلى الشارع؛ وذلك عندما لا يريد أن يُقابل أيَّ شخصٍ على الإطلاق، ويتركهم جميعًا ينتظرون. والآن سأُدخلكِ إلى هذه الغرفة، وإذا حاول رئيس التحرير التسلُّل عبرها، عندئذٍ يُمكنكِ مقابلته والتحدث معه؛ ولكن إذا سألكِ عن كيفية دخولكِ إلى هناك، حبًّا في الله، لا تُخبريه أني مَن فعل ذلك؛ لأن هذا قد يتسبَّب في فقداني وظيفتي.»
«قطعًا لن أُخبره كيف وصلتُ إلى هناك؛ بل سأقول إنني تسلَّلت بمفردي؛ لذلك كل ما عليك فعله هو أن تُريَني الباب، ولن تُصبح هناك حاجةٌ إلى قول أي أكاذيب.»
«هذا صحيح، فكرة جيدة جدًّا. حسنًا يا آنسة، إذن اصعدي السُّلَّم معي، إنه الباب الرابع في نهاية الممر.»
منحتِ الآنسة جيني ذلك الأيرلندي المُرهف نظرة امتنانٍ جعلت الرجل، الذي حاولت الرشوة عبثًا في كثيرٍ من الأحيان إفساده، أسيرَ حُسنها إلى الأبد. ثم صعدا السُّلَّم معًا، حيث وقف الحارس على عتبته، بينما سارت الآنسة باكستر حتى نهاية الممر الطويل وتوقفت عند الباب المنشود، فأومأ لها ريان برأسه واختفى.
فتحت الآنسة باكستر البابَ بهدوءٍ ودخلت؛ فوجدت الغرفة مضاءة إضاءةً خافتة، وكانت بها طاولة وعدة كراسي. كان الباب جهة اليمين مُغلقًا، وهو الذي بلا شك يؤدي إلى غرفة الانتظار، حيث يجلس اثنا عشر رجلًا في صبرٍ مُنتظِرِين مقابلة رئيس التحرير. بينما الباب المقابل، الذي يؤدي إلى مكتب السيد هاردويك مفتوح جزئيًّا. فجلست الآنسة باكستر بالقُرب من الباب الثالث، الذي دخلت هي عبرَه، مُستعدةً لاعتراض طريق رئيس التحرير المُراوغ إذا حاول الهرب.
وداخل غرفة رئيس التحرير، كان شخصٌ ما يمشي ذهابًا وإيابًا بخُطًى ثقيلة، ويُزمجر بصوتٍ أجش، يمكن سماعه بوضوح حيث تجلس الآنسة جيني. قال صاحب الصوت: «اسمع يا ألدر، إن الأمر كالتالي؛ في إمكان أي صحيفة أن تصنع ضجةً كبيرة كلَّ يومٍ إذا رغبَت في ذلك، لكن ما أريده هو الدقة، وإلا فلن يُصبح لصحيفتنا تأثيرٌ حقيقي. عندما يُنشَر مقال في «بيجل»، أريد أن يُدرِك قرَّاؤنا أن هذا المقال صحيح من بدايته إلى نهايته. أنا لا أريد الضجة فقط، بل أريد المصداقية، وليست المصداقية فحسب، بل الحقيقة المُطلقة.»
قاطعه صاحبُ صوتٍ آخر: «حسنًا يا سيد هاردويك؛ إنَّ ما يخشاه هازل هو أنه عندما تهدأ الأمور سيفقد منصبه.» وهو إما واقف أو جالس على كرسي، بقدر ما يمكن أن تُحدد الآنسة باكستر من خلال النبرة، بينما استمر رئيس التحرير القلِقُ في السير ذهابًا وإيابًا.
ثم قال رئيس التحرير: «لكن، لا أحدَ سيعرف أنه قدَّم المعلومات. لا أحد يعرف أي شيءٍ عن الأمر إلا أنت وأنا، ونحن بالتأكيد لن نكشف السر.»
«إنَّ هازل يخشى أنه في اللحظة التي سننشر فيها التقرير، سيعرف مجلس الإنشاءات العامة أنه هو مَن كشف الأرقام، بسبب دقَّتها. ويقول إنه إذا سمحْنا له بافتعال خطأ أو خطأَين، وهو ما لن يكون مهمًّا على الإطلاق ولن يُؤثر عمومًا في التقرير، فسيؤدي ذلك إلى دَرء الشك عنه. وسيفترضون أن شخصًا ما قد اطلع على السجلات، وقد ارتكب الأخطاء أثناء نسخ الأرقام وهو في عجَلةٍ من أمره، لأنهم يعرفون أنه يتمتع بسُمعةٍ طيبة فيما يخصُّ الدقة.»
قال رئيس التحرير: «بالضبط، وهذه فقط هي السُّمعة — فيما يخصُّ الدقة — التي أريد أن أكتسبها لصحيفة «دايلي بيجل». ألا تعتقد أن الحقيقة هي أن الرجل يُريد المزيد من المال؟»
«مَنْ؟ هازل؟»
«قطعًا. هل يتصوَّر أن بإمكانه الحصول على أكثر من خمسين جنيهًا في مكانٍ آخر؟»
«أوه، لا؛ أنا متأكد أن المال لا دخلَ له في الموضوع على الإطلاق. هو بالطبع يريد الخمسين جنيهًا، لكنه أيضًا لا يريد أن يخسر منصبه في مجلس الإنشاءات العامة في سبيل الحصول عليها.»
«أين تُقابل هذا الرجل؛ في منزله، أم في مكتبه في المجلس؟»
«أوه، في منزله بالطبع.»
«إذن فأنت لم تطَّلِع على السجلات؟»
«لا؛ ولكن لديه جميع الحسابات التي جرى إعدادها وجدولتُها على نحوٍ رائع، وكتب بيانًا واضحًا جدًّا للمُعاملة بأكملها. أنت تفهم بالطبع أنه لم يكن هناك اختزال أو اختلاس أو أي شيءٍ من هذا القبيل. فالحسابات ككلٍّ مُتزنة على نحوٍ مثالي، ولا يُوجَد بِنس واحد من الأموال العامة جرى تخصيصه على نحوٍ غير سليم. كل ما فعله مجلس الإدارة هو التوفيق بين الأرقام، بحيث يبدو أن كل بندٍ قد نُفِّذ على ما يُرام، في حين أن الحقيقة هي أن بعض البنود قد نُفِّذت بربحٍ كبير، بينما كانت هناك خَسارة في بنودٍ أخرى. من الواضح أن الهدف كان خداع الجمهور وجَعْله يعتقد أن كلَّ البنود قد نُفِّذت بنهجٍ اقتصادي.»
قال رئيس التحرير: «أنا حزين لأنَّ الأموال لم تُسرَق؛ عندئذٍ كنا سنُوقِع بهم، ولكن، حتى على هذا النحو، فإن «بيجل» ستصنع ضجَّةً كُبرى. وما أخشاه هو أن تستغل صحافة المُعارضة عدم الدقة، ومن ثمَّ ستُحاول إضفاء الشك على القضية برمَّتها. ألا تعتقد أنه يمكنك إقناع هذا الشخص بالسماح لنا بالحفاظ على المعلومات سليمة، دون تضمين تلك الأخطاء التي يبدو أنه يُصرُّ عليها؟ لا أُمانع في دفع المزيد من المال له، إذا كان هذا هو ما يسعى إليه.»
«لا أعتقد أن هذا هو هدفه. الحقيقة هي أن الرجل خائف، ويزداد خوفُه أكثرَ فأكثر مع اقتراب يوم النشر. إنه قلق للغاية بشأن منصبه لدرجة أنه أصرَّ على أنه لن يتقاضى شيكًا بالمبلغ، ولكن يجب أن أُسلِّمه المبلغ نقدًا.»
«حسنًا، سأُخبرك ماذا تفعل يا ألدر. يجب ألا نبدوَ مُتحمِّسين للغاية. دعِ الأمر كما هو حتى يوم الإثنَين. أفترض أنه يتوقع منك أن تُقابله مرة أخرى اليوم؟»
«نعم، أخبرته أنني سأقابله في السابعة.»
«لا تذهب، ولا تكتب أيَّ تفسير. دعه يُحوِّل القليل من قلقه إلى خوفٍ من فقدان مبلغ الخمسين جنيهًا. أريد، إنْ أمكَن، أن أنشُر هذه المعلومات بدقة مُطلقة.»
«هل هناك أي احتمالٍ يا سيد هاردويك أنَّ بعض الصحف الأخرى قد تسبقنا إلى هذا الأمر؟»
«لا، لا أظن ذلك؛ ليس خلال ثلاثة أيام، على أية حال. إذا ظهرنا مُتلهِّفين جدًّا، فقد يتنصَّل هذا الرجل منَّا تمامًا.»
«حسنًا يا سيدي.»
سمعَت الآنسة باكستر رئيس التحرير وهو يتوقَّف عن السير، وسمِعَت حفيف الورق، كما لو أن الصحفي كان يجمع بعض الوثائق التي يستشير رئيسَه فيها. ثم أُصيبت بالذعر عندما اعتقدَتْ أن أيًّا من الرجُلَين قد يخرج ليجدها في وضع مُتنصت، ففتحت الباب بهدوءٍ شديد وتسلَّلت إلى القاعة، مُتَّجهة من هناك إلى مدخل غرفة الانتظار العادي التي لم تجد فيها الاثني عشر رجلًا الذين بالغ الحارس في عددهم، بل خمسة فقط. من الواضح أن السبعة الآخرين كانوا موجودين فقط في خيال الحارس، أو أنهم قد سئموا الانتظار وانسحبوا. ومن ثمَّ نظر إليها الخمسة عندما دخلتْ وجلست إلى كرسي بالقُرب من الباب. وبعد لحظة، فُتِحَ باب الغرفة التي تركتها، ودخلَ موظف وهو يحمل ورقتَين أو ثلاثًا في يده، حيث نادى على أحد الأسماء، فقام أحد الرجال.
قال الموظف: «يقول السيد هاردويك إن هذا الأمر في قسم السيد ألدر. هل تُمانع في مقابلته؟ إنه في الغرفة رقم خمسة.»
وهكذا تخلَّص من هذا الرجل. ثم ذكر الموظفُ اسمًا آخر، ومرةً أخرى قام رجل. فقال الموظف: «إن السيد هاردويك يبحث الأمر. يمكنك الاتصال مرةً أخرى غدًا في نفس الموعد كي يُبلغك بقراره.»
وهكذا تخلَّص من رقم اثنين. ثم طُلب من الرجل الثالث تركُ اسمه وعنوانه؛ وسيُرسِل إليه رئيس التحرير رسالة. وأُبلغ رقم أربعة بأنه إذا قدَّم اقتراحه مكتوبًا، فسيبحثه السيد هاردويك بجدية. أما الرجل الخامس فلم يكن من السهل التخلُّصُ منه؛ حيث أصرَّ على رؤية رئيس التحرير واختفى في الداخل مع الموظف، فابتسمت الآنسة باكستر للتبدُّد السريع للمجموعة؛ لأنه ذكَّرها بأغنية «ولد صغير، ولدَين صغيرَين، ثلاثة أولاد صغار من الزنوج.» ولكن طوال الوقت ظلَّت تدور في ذهنها عبارة «مجلس الإنشاءات العامة»، واسم «هازل».
بعد بضع دقائق، خرج الرجل المُثابر الذي أصرَّ على رؤية رئيس التحرير عبر غرفة الانتظار العامة يتبعه السكرتير أو الموظف أو أيًّا كانت وظيفته.
وسأل الموظف الشاب الآنسة باكستر وهي تنهض: «هل أرسلتِ اسمكِ مُسبقًا يا سيدتي؟» فأجابت الفتاة: «لا أعتقد ذلك؛ ولكن هل يمكنك تقديم بطاقتي إلى السيد هاردويك، وتُخبره أنني لن آخُذ من وقته إلا لحظاتٍ قليلة؟»
بعد وقتٍ قصير، عاد السكرتير للظهور، وترك الباب مفتوحًا لها.