جيني لديها اجتماعان مُهمَّان مع اثنين من رؤساء التحرير البارزين
كان السيد هاردويك شابًّا ذا مظهر حازم، ويبلغ من العمر حوالي خمسة وثلاثين عامًا، بوجهٍ نحيل وشعر أسود قصير. وقد بدا كشخصٍ عنيدٍ وقوي الإرادة؛ حيث كوَّنت الآنسة باكستر رأيًا سريعًا عنه بأنه ليس الشخصَ الذي يُمكن إقناعه أو حَمْله على فعل أي شيءٍ لا يرغب في القيام به؛ ومن ثمَّ أمسك بطاقتها بين أصابعه، دون أن ينظُر إلى جيني، ونظر إلى البطاقة مرةً أخرى.
بدأت الآنسة باكستر الحديث قائلة: «مساء الخير يا سيد هاردويك، لا أعلم إذا كنتَ قد رأيتَ أيًّا من أعمالي أم لا، لكنني كتبتُ الكثير من المقالات لبعض الصحف المسائية وللعديد من المجلات.»
قال هاردويك، الذي كان يقف استعدادًا لمُغادرة مكتبه، ولم يطلب من الفتاة أن تجلس: «نعم، إنَّ اسمكِ مألوفٌ لي. لقد كتبتِ، منذ بضعة أشهر مقالًا عن زيارةٍ شخصية للإمبراطور الألماني؛ نسيتُ الآن أين نُشِر.»
قالت الآنسة باكستر: «أوه، نعم، لقد كُتِبَ لمجلة سَمَر ماجازين، مُدعَّمًا بالصور.»
تابع هاردويك دون النظر إليها: «لقد استرعى انتباهي أنه كان مقالًا كتبه شخصٌ لم يُقابل الإمبراطور الألماني من قبل، ولكنه جمع المادة من مصدرٍ ما أهداها إليه، واستوعبها هو من جانبه.»
ضحكت الفتاة، بدون حرج. ولكن لا يزال رئيس التحرير لم ينظر نحوَها بعد.
ثم أقرَّت الأمرَ قائلة: «نعم، لقد كُتِبَ المقال بهذه الطريقة بالفعل؛ إذ لم يُسعِدني الحظ قطُّ أن أقابل ويليام الثاني بنفسي.»
زمجر رئيس التحرير بصوتٍ أجش: «إن ما أُصرُّ عليه دومًا في أي عملٍ يُقدَّم إليَّ هو الدقة المُطلقة. وأظن أنكِ قد طلبتِ مُقابلتي لأنكِ ترغبين في القيام ببعض الأعمال لهذه الصحيفة.»
أجابت الآنسة جيني: «أنت محق في هذا التكهُّن أيضًا.»
«ومع ذلك، إذا جاز لي القول، لم يكن هناك شيء غير دقيق في مقالي عن الإمبراطور الألماني. لقد كان تجميعي للمعلومات من مصادر حقيقية تمامًا، لذلك أؤكد أنه كان دقيقًا تمامًا مثل أي شيء يُنشَر في صحيفة بيجل.»
فقال: «ربما لا تتطابق تعريفاتنا للحقيقة تمامًا. ومع ذلك، إذا كتبتِ عنوانكِ على هذه البطاقة، فسأُرسِل لكِ برقيةً إذا كان لديَّ أي عمل — ولنقُل تحديدًا، أي عملٍ خارجي — أعتقد أنه يمكن لامرأةٍ أن تقوم به. عمود ركن المرأة في صحيفة بيجل ليس بحاجةٍ إلى مجهوداتك في الوقت الحالي؛ فهو بين أيدٍ أمينة بالفعل، حسبما تعلمين على الأرجح.»
بدَت الآنسة جيني مُنزعجةً لأن كل استعداداتها المُتقنة ذهبت سُدًى أمام هذا الرجل، الذي لم يرفع عينَيه أبدًا أو يُلقي نظرةً خاطفة عليها، إلا مرة واحدة، أثناء حديثهما.
فقالت باختصار: «أنا لا أطمح إلى منصب مُحررة عمود نسائي. وأنا نفسي لم أقرأ أيَّ عمودٍ نسائي، وعلى عكس السيد جرانت ألين، لم أُقابل امرأةً فعلَت ذلك.»
وهكذا نجحت في جعل رئيس التحرير يرفع عينَيه تجاهها للمرة الثانية.
فتابعت حديثها: «كما أنني لا أنوي ترك عنواني حتى تتمكن من إرسال برقيةٍ إليَّ إذا كان لديك أيُّ شيء تعتقد أنه يُمكنني فعله. ما أتمنَّاه هو أن أنضمَّ إلى فريق تحرير صحيفتك في وظيفةٍ براتبٍ شهري ثابت.»
قال رئيس التحرير بحِدة: «يا سيدتي الفاضلة، هذا أمر مُستحيل تمامًا.
وأقول لكِ بصراحة إنني لا أؤمن بعمل المرأة كصحفية. والمقالات التي ننشرها هنا من قِبَل النساء يُرسلْنها إلى هذا المكتب من منازلهن. إن أي شيءٍ يمكن للمرأة أن تفعله لإحدى الصحف، لديَّ هنا رجالٌ يستطيعون فعله بالكفاءة نفسِها بل وأكثر. وهناك العديد من الأشياء التي لا تستطيع النساءُ القيام بها على الإطلاق، والتي يجب على الرجال القيامُ بها. وأنا راضٍ تمامًا عن فريق التحرير كما هو يا آنسة باكستر.»
قالت الفتاة: «أعتقد أنه من المُسلَّم به عمومًا أن فريقك جيد على نحوٍ استثنائي، وأنك تقوده بكل كفاءة. ومع ذلك، فأنا أتخيل أن هناك أشياء كثيرة تحدُث في لندن، مثل مناسبات المجتمع، على سبيل المثال، حيث يُمكن للمرأة أن تصِف بدقة ما رأته أكثر من أي رجل يمكنك إرساله. ليس لديك أي فكرة عن مدى الأخطاء الفادحة التي يقع فيها الرجل عندما يصِف ملابس المرأة بصفةٍ عامة. وإذا كنتَ مُعجبًا بالدقة بقدْر ما تقول، أظن أنك ستحرص على ألا تُصبح صحيفتك مادةً للسخرية بين سيدات المجتمع، اللاتي لن يتحملن عناء كتابة خطابٍ لك ليُظهِرن لك كم أنت مُخطئ، مثلما يفعل الرجال عادةً عندما يُرتكَب خطأ ما فيما يتَّصل بشئونهم.»
أجاب رئيس التحرير مُحاولًا إنهاء المناقشة: «من الجائز أن يكون هناك بعضُ الصواب فيما تقولين، وأنا لا أُصرُّ على أنني على صواب، لكن هذه هي أفكاري، وما دمتُ رئيسَ تحرير هذه الصحيفة، فسأتمسَّك بها، لذلك لا جدوى من مناقشة الأمر أكثر يا آنسة باكستر. فأنا لن أُوظِّف امرأةً بدوامٍ كامل في فريق التحرير الدائم في صحيفة بيجل.»
ثم نظر إليها للمرة الثالثة، وكأنه يدعوها للانصراف.
قالت الآنسة باكستر لنفسها بسخط: «هذا الرجل الجلف ليست لدَيه أدنى فكرة أنني واحدة من أفضل النساء المُحترمات اللاتي قابلهنَّ على الإطلاق.»
لكن لم يبدُ على صوتها أيُّ أثرٍ للاستياء عندما قالت له بلُطف: «سنعتبر أن الأمر قد انتهى. ولكن يا سيد هاردويك، إن أثبتُّ في صحيفةٍ أخرى أني مُراسِلة صحفية جيدة مثل أي فردٍ من موظفيك، فهل يُمكنني القدومُ إلى هنا لأُخبرك بانتصاري، دون أن أنتظر طويلًا على بابك؟»
فقال: «أنتِ لن تُؤثري على قراري.»
غمغمت وهي تبتسِم: «لا تقُل هذا؛ أنا واثقة أنه لن يروقك أن يصِفك أحدٌ بالحماقة.»
قال رئيس التحرير بحِدَّة وقد قطَّب حاجبَيه الكثيفَيْن: «يصفني بالحماقة؟ لن أُمانع على الإطلاق.»
«ولكن، ماذا إذا كان الأمر صحيحًا؟ أنت تعلم أنه سيُصبح صحيحًا، إذا تمكَّنتُ من فِعل شيء لم يستطع جميع رجالك المَهَرة فِعله. قد يكون رئيس التحرير رجلًا موهوبًا جدًّا، ولكن مهمته في النهاية هي أن يرى صحيفته مُثيرة للاهتمام، وأنها تحتوي، قدْر الإمكان، على شيءٍ لا تحتويه أيُّ صحيفةٍ أخرى.»
أكَّد لها السيد هاردويك بثقةٍ تامة: «أوه، أنا سأعتني بذلك.»
قالت الآنسة باكستر بلطفٍ شديد: «أنا متأكدة من أنك ستفعل، ولكنك الآن لن ترفض السماح لي بالدخول كلما أرسلتُ بطاقتي؟ أعِدُك بأنني لن أُرسلها حتى أفعل شيئًا من شأنه أن يجعل جميع فريق تحرير دايلي بيجل يشعرون بالحزن الشديد حقًّا.»
وللمرة الأولى أطلق السيد هاردويك ضحكةً قاسية إلى حدٍّ ما.
وهو يقول: «أوه، حسنًا، أعِدُك بذلك.»
«شكرًا جزيلًا! ومساء الخير سيد هاردويك. أنا مُمتنة جدًّا لك لمُوافقتك على مُقابلتي. سأزورك في نفس هذه الساعة من عصر الغد.»
كان هناك شيءٌ من الانتصار في ابتسامتها له التي اقترنت بانحناءةٍ للتحية، ومع مُغادرتها سمِعَت صافرة دهشة طويلة في غرفة السيد هاردويك. ثم نزلت السُّلَّم بسرعة، وألقت نظرةً ساحرة على الحارس الأيرلندي، الذي خرج من عرينه وهمس لها قائلًا:
«لقد جرَت المقابلة على نحوٍ جيد، أليس كذلك؟»
فأجابت: «بل أكثر من جيد. شكرًا جزيلًا على لطفك.»
رافقها الحارس حتى العربة التي تنتظرها وأمسك بذِراعها حتى لا تلمس تنُّورتها العجلة.
ثمَّ قالت لسائق العربة: «قُدْ بسرعةٍ إلى كافيه رويال.»
عندما توقَّفت العربة أمام كافيه رويال، لم تنزل الآنسة جيني باكستر منها، لكنها انتظرت حتى سارع إليها حارس البوابة القوي ذو الوشاح الذهبي، واقترب من العربة.
فسألته بانفعالٍ مكبوت: «هل تعرف السيد ستونهام؛ رئيس تحرير صحيفة إيفنينج جرافيت؟ إنه عادة ما يأتي هنا ليلعب الدومينو مع شخصٍ ما في هذا التوقيت.»
فأجابها: «أوه، نعم، أنا أعرفه؛ أعتقد أنه في الداخل الآن، لكنني سأذهب لأتأكد.»
بعد وقتٍ قصير ظهر السيد ستونهام نفسُه، وبدا وكأنه مُرتبك قليلًا لأن هناك مَن يعرف مكان وجوده بدقة.
قالت الآنسة جيني ضاحكة: «يا لها من نعمة؛ إذ نعرف نحن المُراسلين المساكين أين نجد رئيس تحرير صحيفتنا في حالة الطوارئ.»
قال ستونهام مُتذمرًا: «هذه ليست حالة طوارئ يا آنسة باكستر، إذا كانت لديكِ أخبار، فاعلمي أن الوقت مُتأخِّر جدًّا كي نستفيد بها اليوم.»
أجابت بسرعة: «آه، نعم، ولكنني جئتُ في توقيتٍ ممتاز ومعي أخبار بخصوص الغد!»
استمرَّ رئيس التحرير المُنزعج في التذمُّر وهو يقول: «إذا أراد رجل أن يعيش حياةً طويلة، فعليه أن يسمح لأخبار الغد أن تعتني بنفسها؛ فهموم اليوم كافية جدًّا.»
وافقته الفتاة قائلة: «بصفةٍ عامة، هذا صحيح، ولكن لديَّ معلومة في غاية الأهمية من أجلك؛ وهي لن تنتظر، وبعد نصف ساعة من الآن سوف تُكتَب عنوانًا رئيسيًّا لعدد الغد، وتُظهِر في لغةٍ مقتضبة وقوية العديدَ من أخطاء مجلس الإنشاءات العامة.»
صاح رئيس التحرير مُبتهجًا: «أوه، إذا كان هناك أي شيءٍ يُشوِّه سمعة مجلس الإنشاءات العامة، فأنا سعيدٌ لقدومكِ.»
«حسنًا، هذه ليست مُجاملة لي ولو بقدْر ضئيل. يجب أن تكون سعيدًا على أي حال؛ لكني سأغفر سلوكك السيئ، لأني أريدك أن تُساعدني. من فضلك استقِلَّ معي هذه العربة، لأني سأخبرك بمعلومات مذهلة للغاية؛ أخبار يجِب ألا يسمعها أحد غيرك؛ ولا يُوجَد مكانٌ لعقد اجتماعٍ سِري أكثرَ أمنًا من عربةٍ تسير في شوارع لندن.» ومن ثمَّ قالت للسائق وهي تُغلِق فتحة سقف العربة: «قُدْ ببطءٍ نحو مكتب صحيفة إيفنينج جرافيت.» فأخذ السيد ستونهام مكانه بجانبها، ووجَّه السائقُ حصانه نحو الاتجاه المطلوب.
قال ستونهام: «ليس هناك فائدة تُذكَر من الذَّهاب إلى مكتب الصحيفة؛ لن نجد هناك أي شخصٍ سوى الحارس.»
«أعلم، لكن يجب أن نسير في اتجاهٍ ما؛ إذ لا يُمكننا التحدُّث أمام كافيه رويال، كما تعلم. والآن يا سيد ستونهام، أريد أولًا خمسين جنيهًا ذهبيًّا. كيف يمكنني الحصول عليها في غضون نصف ساعة؟»
«يا إلهي! لا أدري، فجميع البنوك مغلقة، ولكن هناك رجل في تشارينج كروس ربما يُعطيني المبلغ مقابل شيك؛ ودفتر الشيكات في المكتب.»
«إذن سيسير الأمر على نحوٍ جيد. اسمع يا سيد ستونهام، هناك بعض التلاعُب بالحسابات في مكتب مجلس الإنشاءات العامة.»
صاح ستونهام بلهفة: «ماذا؟! اختلاس؟»
«لا؛ مجرد تلاعُب.»
قال رئيس التحرير بنبرةٍ مُحبَطة: «حسنًا.»
«أوه، لا يجوز قول «حسنًا». إنه أمر خطير للغاية بالفعل. فهناك تلاعُب في الحسابات لخداع الجمهور العزيز المُؤتمِن، الذي تتظاهر جميعُ الصحف اليومية، الصباحية والمسائية، بأنها مُكرَّسة لمصالحه. يجب أن تُثير حقيقة محاولة الخداع هذه غضب أي رئيس تحرير فاضل يا سيد ستونهام.»
«أوه، إنها كذلك، إنها كذلك، ولكن إنه أمر من الصعب إثباته. إذا ضاعَ بعض المال، الآن …»
«يا سيدي العزيز، لقد أُثبِتَ الأمر بالفعل، وهو جاهز تمامًا للتعامُل معه بفاعلية؛ هذا هو الغرض من الخمسين جنيهًا. سيُؤمِّن لك هذا المبلغُ — الليلة، فكِّر، وليس الغد — بيانًا مليئًا بالأرقام التي لا يستطيع مجلسُ الإنشاءات إنكارَها. وسوف تُصبح قادرًا، في مقالٍ رئيسي مُثير، على التعبير عن الرعب الذي تشعُر به بلا شك من تزوير الأرقام، ومن المُحتمل ألا تُخفف من سعادتك الشديدة بفعل ذلك من خلال حقيقة أنه لا تُوجَد صحيفة أخرى في لندن لديها هذه الأخبار، في حين أن الأمر سيُصبح مهمًّا جدًّا لدرجة أنه في اليوم التالي سيُضطَرُّ جميع نظرائك المحبوبين إلى التلميح إليه بشكلٍ أو بآخر.»
قال رئيس التحرير وعيناه تتألَّقان حيث بدأ حجم الفكرة يستحوذ على خياله بقوة أكبر: «فهمت، مَن الذي سيُصدر هذا البيان، وكيف لنا أن نعرِف أنه صحيح تمامًا؟»
«حسنًا، هناك نقطة أودُّ إخبارك بها قبل المضيِّ قدمًا؛ يجب ألا يكون البيان صحيحًا تمامًا؛ لكنه سيحتوي على خطأَين أو ثلاثة أخطاء عن قصد، والهدف هو تضليل المُحقِّقين إذا حاولوا اكتشافَ مَن سرَّب الخبر إلى الصحافة؛ لأن الرجل الذي سيبيعني هذه الوثيقة هو كاتب في مكتب مجلس الإنشاءات العامة؛ ولذا، كما ترى، ستحصل على الحقائق من الداخل.»
«هل هو معتاد على تزوير الحسابات لدرجة أنه لا يستطيع التغلُّب على هذه العادة حتى عند إعداد مقالٍ للصحافة الصادقة؟»
«إنه يُريد أن يُنقذ منصبه، وهو مُحق في ذلك أيضًا، لذلك فقد وضع عددًا من الأخطاء في أرقام القسم الذي يُسيطر عليه على نحوٍ مباشر. وهو يتمتع بسمعة طيبة من حيث الدقة، ولذا يتخيَّل أن مجلس الإدارة لن يظنَّ أبدًا أنه فعل ذلك، إذا كانت أرقام قِسمِه بها بعض الأخطاء الطفيفة.»
«بالفعل. إذن لا يُمكننا أن نذكُر اسمه، ونقول إن هذا الرجل الصادق قد أُفسِد من خلال ارتباطه بالأوغاد الذين يُشكلون مجلس الإنشاءات العامة.»
«أوه، يا عزيزي، لا؛ يجب عدَم ذكر اسمه تحت أي ظرفٍ من الظروف، ولهذا السبب يجب أن ندفع له جنيهات ذهبية بدلًا من شيكٍ مصرفي أو إيصال أمانة.»
«حسنًا، يبدو أن الخائن يُخفي آثاره على نحوٍ فعَّال. كيف تعرفتِ إليه؟»
«أنا لا أعرفه. ولم أُقابله قطُّ في حياتي؛ لكن علمتُ أن إحدى الصحف الصباحية قد وضعت بالفعل كلَّ خططها للحصول على هذه المعلومات. وستدفع للكاتب خمسين جنيهًا مقابل الوثيقة، لكن رئيس التحرير يتفاوَض معه حاليًّا؛ لأنه يُصِر على الدقة المُطلقة، بينما كما قلت، يرغب الرجل في حماية نفسه، لتغطية آثاره، كما استنتجتَ أنت.»
صاح ستونهام: «يا إلهي! لم أكن أعتقد أن رئيس تحرير أي صحيفةٍ صباحية في لندن يحرص على دقة ما ينشره. إذ إنَّ صفحات صحف الصباح لا تعكس هذا القلق.»
تابعت الآنسة جيني غير مُبالية بتعليقه الساخر: «ولذا، كما ترى، لا يُوجَد وقت كي نُضيعه؛ في الواقع، يجب أن أكون في طريقي الآن إلى حيث يعيش هذا الرجل.»
صاح رئيس التحرير: «ها قد وصلْنا إلى المكتب، وسأُسرع فقط وأكتب شيكًا بخمسين جنيهًا، ربما يُمكننا الحصولُ مُقابِلَه على نقودٍ ذهبية في مكانٍ ما.» ثم دعا السائق إلى التوقُّف ونزل من العربة.
قالت الفتاة: «أخبر الحارس أن يُحضر لي دليلَ لندن.» وبعد فترةٍ أحضر لها الحارس ذلك الدليل الأحمر الضخم، الذي وضعتْه الآنسة باكستر على رُكبتَيها، وبسرعةٍ نابعة من التدريب الطويل، قلَّبت الأوراق بسرعة، ومرَّرت إصبعها باحثةً عن اسم «هازل» حتى عثرت عليه، وهو يعمل كاتبًا في مكتب مجلس الإنشاءات العامة، ومحل إقامته هو ١٧، روبرت سكوير، بريكستون. فكتبَت هذا العنوان في دفتر ملاحظاتها وأعادت المجلد إلى الحارس المُنتظِر، بينما عاد رئيس التحرير بالشيك في يده.
وهكذا أعطى تاجر العملات الذهبية الذي يتَّسِم بالحيطة واليقظة، والذي يقع مكتبه الصغير عند مخرج محطة تشارينج كروس، المبلغ المطلوب إلى رئيس تحرير «إيفنينج جرافيت» مقابل الشيك، ثم سلَّمه إلى الآنسة جيني داخل مُغلَّفٍ يحوي الذهب، وبعد ذلك رآها تتَّجِه نحو بريكستون، فغادر عائدًا؛ ليس لاستئناف لعبة الدومينو في المقهى ولكن إلى مكتبه، كي يكتب العنوان الرئيسي لعددِ الغد من الصحيفة الذي سيُعبِّر في عباراتٍ صريحة عن الرُّعب الذي شعر به نتيجة تصرُّف مجلس الإنشاءات العامة.